الطريق الى نبع الوجود (3)
رحلة الحائرين إلى الله
قراءة في كتاب “وجود الله بين العلم و المنهج العلمي”
الكاتب : علي ديلان
هذه تمام المبادىء الأربعة التي تشكل الأصول الفكرية للإنسانية جمعاء. و لكن ماذا لو وجدت كائنات مدركة تشاطرنا الحياة في هذا الكون الفسيح و تختلف معنا في هذه الأصول الفكرية ؟
ماذا لو جدت كائنات أشد ذكاء في أحد الأكوان المتعددة ، حيث آمن قسم من الفيزيائين بتعدد الأكوان، و لهذه الكائنات أصولها الفكرية المختلفة بسبب أن لها بيولوجية تختلف عنا؟ المشكلة لدى بعض علماء الفيزياء أنهم يضعون مثل هذه الإحتمالات التي تقع في دائرة الإختصاص بالمعرفة الفلسفية و يسوقونها على أنها أفكار علمية فينخدع بها القارىء الغير متخصص و يظن أنها نتيجة تحقيقات فيزيائية و رياضية. و الحقيقة أن هذه المبادىء المعرفية هي من لوازم المعرفة للانسان و للكائنات التي تقطن الفضاء على فرض وجودها. فهذه الكائنات مهما كان ذكاءها فلا يمكن لها أن تقترب من أشياء أو تهرب من أخرى من دون أن تؤمن بوجود واقع يطابق إدراكاتها ، كما أنه لا يمكن لمثل هذه الكائنات أن تعتقد باجتماع الأشياء و عدمها في آن واحد. و هذه المبادىء المعرفية – الأصول الإدراكية- هي ملزمة لجميع الكائنات العاقلة لأنها تتعلق بطبيعة الإدراك و ليس بالطبيعة البيلوجية للذات المدركة (ص 100). بعض القوانين تقبل التغير و لكن بعضها الآخر لا يقبل التغير ، فعن (1+1=2) هو قانون حتمي أبدي لا يقبل التغير. و الترويج على أن بعض المكتشفات العلمية في الفيزياء الحديثة إنتهت إلى أن الإثنين تساوي الواحد كما في تجربة ذات الشقين أو كون الواحد في فرضية الأكوان المتوازية يساوي أعداد هائلة ، لإن ذلك يقود إلى تداعيات خطيرة على المستوى المعرفي بل تؤدي إلى الإنهيار الكامل للبناء المعرفي (ص101). نعم يمكن أن نقبل باحتمال ما أن تكون القوانين الفيزيائية في أكوان أخرى تختلف عن القوانين المألوفة في هذا الكون ، فمن الممكن أن تكون هناك جسيمات لها قوانين أخرى في كون آخر مختلف عنا فهذا ليس شيئا مستحيلا و لا يصطدم بالمبادىء المعرفية (ص101). فالفرضية الفيزيائية التي تصطدم بهذه المبادئ المعرفية أو بالقوانين الرياضية التجريدية هي فرضية مرفوضة و لا يمكن القبول بها.
و رغم الوضوح التام لهذه المبادىء المعرفية بحيث لا يمكن الإنفكاك من قهاريتها و بحيث لا يصلح المعيار التجريبي أن يطعن في صدقيتها ، فإن التفسيرات ذات التوجهات الوضعية العلموية التي طالت بعض النتائج التي جاءت بها الفيزياء الكمومية أعطت مسوغا لإعتبار هذه المبادىء نسبية ، فإذا كانت تصلح للتطابق مع فيزياء نيوتن فإنها لا تصلح للفيزياء الذرية و دون الذرية. و نفي هذه المبادىء أو القول بنسبيتها يعزز من الرؤية الفلسفية التي تجعل من التجريبية المعيار الأساس في تصحيح إعتقاداتنا الذهنية و تكذيب موضوعية هذه المبادىء. و هنا يطلع “الـ”ديلان”” القارىء الكريم على بعض مقولات الفيزياء الكمومية التي أفرزت مثل هذا النفي أو التشكيك او النسبوية في حق هذه المبادىء. وفي الصفحات 38-62 يقدم “الـ”ديلان”” تفصيلا لبعض التجارب التي أفضت إلى تلك التفسيرات التي تهدم هذه البنية الأساس في الفكر الإنساني المشترك و لتخلف وراءها آثار مدمرة على الفكر البشري. و يقدم الـ”ديلان” في طيات هذا العرض الدقيق و المفصل للمقولات و التجارب في الفيزياء الكمومية نقدا لهذه المقولات و للتفسيرات أو الإيحاءات التي توافرت من هذه التجارب و التي فهم منها نسبية المبادىء المعرفية. إن الإلتزام بنسبية هذه المبادىء يستتبع كما يؤكد الـ”ديلان” لوازم خطيرة لا يظن أن يلتزم بها أحد. و من هذه التبعات إن عدم الإعتقاد بالشمولية المطلقة لهذه المبادىء يلزم منه عدم موضوعية الإعتقاد بأية قضية (ص43، 47). ثم يتساءل الـ”ديلان” عما إذا كان الحكم الصادر بنسبوية هذه المبادىء هل هو حكم صحيح و عام أنه نسبي و خاص؟ (ص43).
و يضع الـ”ديلان” التطور العلمي الذي يتميز بتغير النظريات و عدم وجود نظرية نهائية دليلا على عدم صلاحية الملاحظة و التجربة أن تكون ميزانا لإثبات نسبية المبادىء التكوينية ” من حقنا أن نطالب في ما هو الضامن الحقيقي لصحة ما توصلوا إليه في هذا الزمان؟ و طبيعة الحال أنهم: كل يوم في شأن ” (ص 44-45). و يختم الـ”ديلان” نقاشه في هذه النقطة ” و بهذا ننهي البحث عن هذه الشبهة (يعني نسبية المبادىء المعرفية) التي أطاحت ببعض العقول ، مؤكدين على أن المبادىء المعرفية لا يمكن التنازل عنها في أي عالم من العوالم سواء كانت ميتافيزيقية أو مادية ، من الكون الكمومي أو من الكون ما فوق الكمومي” (ص50).
لكن لماذا لا نلتزم بالمعطيات العلمية في كل فترة زمنية؟ فنحن مثلا نلتزم بالعقاقير الطبية التي ثبت نجاعتها في فترة معينة ثم نتخلى عنها في فترة لاحقة بعد أن يثبت العلم ضررها. أن هذا صحيح – بحسب الـ”ديلان” – إذا لم يكن للأمر آثار جسيمة و خطيرة ، فإذا كان لهذه النتائج آثار ضارة و خطيرة على الفكر البشري و على الجانب المقدس في حياة الإنسان فإننا يجب أن نتوقف عندها (ص 45).
يتناول الـ”ديلان” مقولة الطبيعة الثنائية للأجسام الكمومية ، فالإلكترون أو الفوتون له طبيعة جسيمية و طبيعة موجية و هما طبيعتان متناقضات و لا يمكن تصورهما في موجود واحد ، وهذه المقولة تقود إلى إمكانية إجتماع النقيضين.
و من المقولات المركزية في الفيزياء الكمومية “مبدأ عدم الإرتياب” لـ هايزنبرغ و الذي يلغي قدرتنا على الإحاطة التامة بالعوالم الصغيرة جدا خلافا لفيزياء نيوتن. فهذا المبدأ يؤكد أن التحديد الدقيق لسرعة الإلكترون مثلا تفقدنا التحديد الدقيق لموقعه و العكس صحيح (ص41). وهذا المبدأ يهدم بداهة الواقع الخارجي و هو المبدأ الرابع من المبادىء المعرفية ” ذلك أن النتيجة المستقاة منه ( يعني مبدأ الإرتياب ) هي عدم كون الواقع محددا و مشخصا عند توفر شروط محددة …مما يكشف عن خطأ –نرتكبه – في أحكامنا البديهية” (ص57). و في هذه النقطة يقرر الـ”ديلان” بعد فحص هذا المبدأ و التأمل فيه أن هذا المبدأ يقر بعدم التحديد العلمي لا التحديد الواقعي ، فالواقع محدد و مشخص و هذا يقتضي أن مبدأ الإرتياب لا يتصادم مع الأصول الإدراكية و المبادىء المعرفية (ص58). و ينقل الـ”ديلان” عن ستيفن هوكينغ ما يفيد عدم التحديد العلمي” و في هذا الصدد يقول الفيزيائي المعروف “ستيفن هوكينغ” : إن تحديد موقع الجسيم بدقة يحتاج إلى أن نسلط الضوء عليه، و بما أن الضوء عبارة عن فوتونات، و الفوتون بطبيعته يحمل طاقة، فإذا وقع الضوء على الجسيم فإنه سوف يغير من مكانه و سرعته بشكل لا يمكن التنبؤ بمعرفته” (ص58). و ينقل نصا آخر للعالم والكاتب العلمي “جون غربين” يحمل نفس الدلالة (ص 58). و يضيف الـ”ديلان” أن مبدأ الإرتياب إتخذ أسماء متعدده كان أسوءها ” مبدأ اللاتحديد” أو “عدم التعين” لأنه يشي بأن التردد صفة للواقع الخارجي (ص59).
إن تجربة ذات الشقين هي واحدة من أهم تجارب الفيزياء الكمومية و الأشد غرابة و هي تلخص كل ما في الفيزياء الكمومية من غموض. و ملخص هذه التجربة أن سيل مثلا من الإلكترونات يمر من شقين صغيرين و يقع خلف هذين الشقين شاشة تسقط بها هذه الإلكترونات بعد مرورها من الشقين. الغرابة في هذه التجربة تتمثل أولا في أن الإلكترونات تتصرف تماما كما يتصرف شعاع ضوئي يمر من شقين بحيث يتشكل في الخلف على الشاشة مناطق مضيئة و مناطق مظلمة و هذا نتيجة التداخل بين موجات الضوء. فالإلكترونات تتصرف كما لو أنها موجات. وثانيا لو أننا مررنا إلكترون واحد فإنه سلوكه يكون كموجة أيضا. و ثالثا أن المراقبة الواعية تؤثر في سلوك هذه الإلكترونات ، فيكون سلوكها عند المراقبة كالجسيمات و بالتالي سنحصل على تراكم لهذه الإلكترونات في الشاشة الخلفية و لن نحصل على المناطق المضيئة أو المظلمة. و عند عدم المراقبة فإنها تتصرف كالموجات بحيث يتشكل على الشاشة مناطق مضيئة و مناطق مظلمة. و يشير روجر بينروز إلى سبب غرابة معطيات هذه التجربة يكمن في أن الجسيمات المفردة ممتدة مكانيا و ليست مركزة في نقاط معينة (ص55). إن ثنائية الطبيعة الجسيمية و الموجية للأجسام الذرية و ما دون الذرية هي المسؤولة عن كل الغموض في الفيزياء الكمومية. و يعلق الـ”ديلان” على هذه الطبيعة المزدوجة و المتناقضة ” ليس هناك ما يؤكد فكرة حصول طبيعتين متباينتين على موجود واحد في آن واحد ، و لا ما يفيد وجود جسيم مفرد في مكانين في نفس الآن ، و في الحقيقة إن غرابة بعض ما هو مكنون في الطبيعة مع عدم فهم واضح لها ، له التأثير الكبير في تصاعد الحالات المشاعرية و إنتحاء المجازفات الفكرية” (ص56).
ويشير الـ”ديلان” إلى مشكلة أخرى تخالف حكم العقل أتت بها الفيزياء الكمومية و هي مشكلة إنتقال الجسيم الكمومي. فالعقل يحكم بأن الجسم إذا إنتقل من مكان إلى آخر فإنه يمر قطعا بالمنطقة الفاصلة بين المكانين لكن الفيزياء الكمومية تخبرنا عن أن الإنتقال الدفعي أو الآني اللحظي بحيث يختزل الجسيم الممر بين المكانين ( ص41). و هذا بحسب الـ”ديلان” أمر غير معقول أصلا لأنه يفترض إنعدام الجسيم إنعداما حقيقيا في المكان الأول ثم يظهر بشكل مفاجىء في المكان الثاني (ص-62-61).
يطرح العلماء تشكيكا في قدرة الجهاز الإدراكي البشري على الوصول إلى الحقيقة الواقعية نظرا لقصور الجهاز الإدراكي البشري و محدودية فاعليته. و قد إكتسى هذا الإشكال أهمية خاصة ذلك لأنه جاء من علماء الحقل التجريبي. و مضمون هذا التصور أن النسبية في المعرفة البشرية تعود إلى محدودية الجهاز الإدراكي ، وهنا تتقاطع البيولوجيا مع الإبيستمولوجيا و تحدد من المنظار العلمي الموقف الإبيستمولوجي من المعرفة البشرية. و يخصص الـ”ديلان ما بقي من هذا القسم لمناقشة العالم الفيزيائي “لورانس كراوس” في إعتراض عام يوجه لهذه المبادىء المعرفية من قبل المدارس التجريبية ” و يتلخص هذا الإعتراض بأن البديهيات العقلية أو ما نسميها (معطيات الوجدان الفطري) هي أفكار و إعتقادات إعتادها الإنسان نتيجة إتصاله بالعالم فوق الذري حتى ألفها إلى الحد الذي تخيل أنها ثوابت حتمية ، بينما هي مكتسبات تعودها من تجربته الخارجية” (ص103). ويقوم الـ”ديلان” باقتباس عدد من النصوص للفيزيائي “لورانس كرواس” من كتابه (كون من لاشيء) و يستنتج من هذه النصوص جملة من النقاط و يقدم أجوبته عليها.
ينقل الـ”ديلان” عن كرواس في قضية بطلان تسلسل العلل إلى ما لانهاية أو ما يسميه كرواس “الإرتداد اللانهائي” ،هذا النص من كتابه الآنف الذكر “قد لا تستطيع عقولنا إستيعاب اللانهائيات بسهولة على الرغم من أن الرياضيات التي أنتجتها عقولنا، تتعامل معها بجمال أكثر، لكن هذا لا يخبرنا أن اللانهائيات غير موجودة ، و قد يكون كوننا لانهائيا مكانيا أو إلى حد مؤقت” (ص 104).
و يكشف الـ”ديلان” عن الثغرة المنطقية التي ولدت مثل هذا الإشتباه في تصور الإرتداد اللانهائي. فإن قصور الإدراك عن تصور موضوعات معينة إما يعود إلى أن قدراتنا العقلية و الذهنية غير قادرة أن تتصور هذه الموضوعات لأنها قاصرة في ذاتها عن مثل هذا التصور ، ولكن ذلك لا يمنع من التصديق و الإعتقاد بها ” من قبيل الأرقام المهولة في الفيزياء الكونية أو ما دون الذرية أو حقيقة حال ما قبل الانفجار العظيم ، او قوة الجذب في الثقوب السوداء ، و نحو ذلك مما لايمكن إستيعابه إدراكيا و إن امكن ترقيمه علميا و رياضي” ( ص106-107). و قد يكون عدم قدرتنا على تصور هذه الموضوعات لإستحالتها في نفسها ” فإن المثلث في نفسه غير قابل لأن يكون مربعا …” (ص 106). و قد تصور كراوس إشتباها منه ، و إن كان هذا الإشتباه ليس بريئا ، إن الإرتداد اللانهائي يتعلق بقصور إدراكاتنا و قدراتنا الذهنية عن تصور هذا التسلسل اللانهائي وهو تماما يشبه قصورنا عن تصور الأرقام الفلكية أو إستيعاب قوة جذب الثقب الأسود. و يورد الـ”ديلان” مثالا من الفيزياء يبدد به وهم الإرتداد اللانهائي ، فبعض الفيزيائيين إعتقدوا بوجود أكوان متعددة ، و الزمان كما يعتقد كراوس و غيره أنه ليس موجودا قبل لحظة الإنفجار العظيم و بالتالي فإن صفة القبلية و البعدية متفرعه على وجود الزمان. و هذه الأكوان المتعددة لا تخلو من أن تكون غير مرتبطة ببعضها و أنها ولدت من إنفجارات متعددة أو أنها مرتبطة مع بعضها في علاقة سببية. ففي حالة عدم الإرتباط و أن التعدد تولد من إنفجارات عظيمة ” فيجب أن تقع جميعها في رتبة واحدة من غير أن يكون بعضها متقدما أو متأخرا على غيره ما دام أن الزمان وليد الإنفجار العظيم” (ص108).
أما في حالة الإرتباط الذي يجعل كون أ له دخل في وجود كون ب و كون أ نفسه هو نتاج كون آخر و يمكن أن ننطلق في هذه السلسلة إلى ما لانهاية بحيث يكون كون ب له دخل في وجود كون ج و هكذا نستمر في هذه السلسلة من العلل و المعاليل التي لا تعرف بداية و لانهاية. وهذا يوقعنا في تناقض حقيقي ، فإما تحتاج هذه السلسلة إلى سبب يكون خارج عنها هو سببها الأول و يلزم من ذلك الإعتراف بوجود الماورائي و هو ما لا يريده كرواس و منهم على شاكلته من الملاحدة. و إما أن يكون بعض هذه الأكوان يحتاج إلى كون آخر في وجوده و بعضها الآخر لا يحتاج و يلزم من ذلك خطأ الإعتقاد بالإرتداد اللانهائي لأننا بهذا إستبعدنا السبب الماورائي فإن الكون الذي لا يترتب في وجوده على كون يشبهه سيكون وجوده أزلي.
لم يغب عن فكر كراوس العلة التي هي خارج هذا الإرتداد اللانهائي ، فيقتبس الـ”ديلان” نصا آخر لكراوس من ذات الكتاب يبين فيه محاولة كراوس للتخلص من هذه الإشكالية المنطقية ” إن تأكيد أن تجنب الإرتداد اللانهائي المحتمل سببه أن الله يوجد خارج الطبيعة ، و لذلك فإن (إحتمال) أن الوجود نفسه ليس جزءا من اللاشيئية التي إنبثق منها الوجود سيكون من باب الخزعبلات الدلالية” ( ص 108-109). ما يود كراوس قوله ” إن الوجود الذي إنبثق من اللاشيئية هو ليس جزءا من اللاشيئية و اعتبر هذا خزعبلة دلالية” (ص 109). ويشرح الـ”ديلان” الخطأ الذي وقع فيه كراوس في مفهوم اللاشيئية ، فإن أراد باللاشيئية هو العدم المطلق (العدم الفلسفي) فإن الوجود لا ينبثق منه و هذا ما يعتقده كراوس نفسه. فشرارة الإنفجار الكوني لم تحدث من العدم بل من تذبذبات كمية و هنا يمكن إعادة صياغة ما قاله كراوس على النحو التالي ” أن الوجود الذي إنبثق من الوجود هو ليس جزءا من العدم ” (ص109). ثم أوضح الـ”ديلان” أن عبارة كراوس “قد يكون كوننا لانهائيا مكانيا أو إلى حد مؤقت” مبهمة ، فإن كان يقصد أن الكون غير متناهي مكانيا فإن ذلك لا يدعم فكرة الإرتداد اللانهائي. فمن الممكن أن يكو الكون لا متناه و نرفض في نفس الوقت فكرة الإرتداد اللانهائي للأكوان “فيكون الكون اللامتناهي مسببا من مبدأ خارج عن طبائع الأكوان” (ص110).
ثم ينتقل الـ”ديلان” لبيان أن هناك مجموعة من الأفكار هي من مخترعات العقل و ينحصر وجودها في الذهن و لا تتمتع بواقعية خارج الذهن. و أن هناك أغراض عقلائية تدفع بالعقل لإختراع مثل هذه الأفكار. فمثلا حاجة الإنسان لتنظيم حياته المدنية ، تدفعه لإختراع القوانين المدنية التي تحفظ مصالح الفرد و توفر له الحياة المناسبة. و هناك مجموعة من الأفكار هي مكتشفات للعقل و ليست من مخترعاته و هي تحكي عن واقع منعزل عن التأثيرات الذهنية حيث تصبح العلاقة بين العقل و الواقع علاقة إنفعال. و يتخذ الـ”ديلان” من حديثه عن هذه الأفكار مدخلا له للحديث عن القوانين الرياضية و الفيزيائية ، ليجيب عن هذا السؤال الغامض و الذي إلتبس على جمع من كبار الفيزيائيين و الرياضيين و هو هل القوانين الرياضية و الفيزيائية من مخترعات العقل أو من مكتشفاته؟. بمعنى هل أن هذه القوانين تنتمي إلى فئة الأفكار المخترعة التي تنبعث من الذهن عن إرادة و إختيار أو إلى فئة الأفكار المكتشفة التي لا يجد العقل ذاته إلا أن يقبلها بحسب التصنيف السابق؟ وللإجابة …. ننتظر الطريق الى نبع الوجود (4).