?Can parents give their children too much attention
(بقلم: إيمي براون ، برفسور صحة الأطفال العامة ، جامعة سوانسي، المملكة المتحدة – Amy Brown)
بالرغم من أن أولياء الأمور في هذا الزمان يقضون وقتًا أطول(1) مع أطفالهم مما تقضيه الأجيال السابقة إلَّا أنهم لا زالوا يشعرون بالتقصير في هذا الجانب – اعتقادًا منهم أن هذا التقصير قد يضر بنجاح أطفالهم ورفاههم / عافيتهم في المستقبل(2، 3).
هذا الشعور بالتقصير قد يكون له آثار سلبية. الضغوط الاجتماعية المتزايدة على الأمهات للإنخراط أكثر مع أطفالهن، مقارنة بالآباء، تؤثر سلبًا في رفاهية الأمهات(2، 4). أدت جائحة كوفيد -19 والتعليم المنزلي إلى تفاقم هذه الضغوط(5).
هذه المشكلة أثارت سؤالا مهمًا: ما مقدار ما يكفي من الاهتمام الذي على الأم أن توليه لطفلها؟ هل ترك الطفل مشغولًا بأجهزته اللوحية ضارٌ؟ هل عليها أن تهمل طفلها على الإطلاق؟ أو بالعكس، أو تفرط في الانخراط معه والاهتمام به؟ كما هو الحال عادة أثناء مراحل نمو الطفل(6)، فإن الإجابة تكمن بين الإفراط والتفريط (ومعظم أولياء الأمور ، بالتأكيد ، غير مقصرين فيما يخص الاهتمام بأطفالهم).
نحن نعلم أن طريقة التربية الداعمة مهمة لتطور الطفل ونموه(6). تنص نظرية التعلق(7، 8) على أنه عندما تُلبى احتياجات الطفل من قبل أحد والديه أو مقدم الرعاية الأساسي له [مقدم الرعاية يعني هنا دور الحضانة و / أو روضات الأطفال] بطريقة مناسبة ومتسقة، فمن المرجح أن يستمروا في اظهار تعلق آمن بهذا الشخص. [المترجم: التعلق الآمن هو شكل من أشكال التعلق، حيث يشعر فيه الطفل بالراحة والأمان والحماية وذلك لوجود من يعتمد عليه من والديه أو أحدهما أو مقدم الرعاية له(9)].
وهذا يساعدهم على الشعور بمزيد من الثقة في أنفسهم وفيما حولهم ، مما يؤدي إلى نمو تطور معرفي(10) ونمو عاطفي اجتماعي(11) أكثر إيجابية. ومع ذلك، على الرغم من أن التعلق الآمن مهم ، إلا أن المستويات المتزايدة من الاهتمام بالطفل لن تزيد من مستوى التعلق طرديًا بالضرورة. ولذلك من المهم التفكير بعناية في درجة الانخراط مع الطفل وتحقيق التوازن بين الانخراط معه وبين دعمه للوصول إلى المستويات المناسبة من المرونة النفسية(12) والاستقلالية [المترجم: الاستقلالية هي أن تكون لدى الأطفال كفاءة وقدرة على الاعتماد على أنفسهم(13)].
أحد القرائن التي طُرحت كثيرًا عند مناقشة ظاهرة التعلق هو البحث عن مخرجات الأطفال في دور الأيتام في رومانيا. هؤلاء الأطفال كانوا عادةً محرومين بشكل كبير من التفاعل مع من حولهم والوجد [المترجم: الوجد هو حالة شعور ذهنية أو بدنية ترتبط بالشعور بالحب / بالمودة(14)] والرعاية ولم تتح لهم الفرصة لاظهار تعلق آمن بوالديهم (بالتبني في حالة هؤلاء الايتام) أو بمقدمي الرعاية لهم. وجدت الدراسات التي أجريت على تطورهم ونموهم اللاحق(15) أن لديهم مخرجات ضعيفة فيما يتعلق بالنمو البدني والمعرفي(10) والعاطفي الاجتماعي(11).
هذه الدراسات مهمة، ولكنها مختلفة تمامًا عن نطاق انخراط أولياء الأمور في أنشطة أطفالهم والاهتمام بهم، الأمر الذي يشعر معظم أولياء الأمور في هذا الزمان بالقلق أزائه.
وجدت الدراسات التي تبحث في العلاقات الطبيعية بين أحد الوالدين والطفل أنه، نعم، عندما تكون الأمهات أنفسهم(16) والآباء(17) أكثر ارتباطًا بأطفالهم وأكثر انخراطًا معهم / اهتمامًا بهم ، تتحسن مخرجاتهم الاجتماعية والعاطفية. [المترجم: العافية العاطفية هي القدرة على التعامل بنجاح مع ضغوط الحياة والتكيف مع المتغيرات والأوقات / المواقف الصعبة(18): وأما الرفاهية / العافية الاجتماعية هي القدرة على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات هادفة معهم(19)].
يُعد الكلام والحديث مع الأطفال والقراءة لهم / معهم في سنواتهم الأولى أمرًا مهمًا بشكل خاص لبناء وتعزيز مهارات اللغة والقراءة والكتابة(20). الاستماع إلى الأطفال ودعمهم حتى يفهمو مشاعرهم ويضبطوها / يتحكموا فيها(21) أمرًا مهمًا أيضًا للعافية العاطفية والعافية الاجتماعية عندما يكبرون.
الفضول والثقة والنرجسية
من ناحية أخرى ، يحتاج الأطفال أيضًا إلى مساحة لأخذ زمام المبادرة في نموهم وتطورهم.
التربية المفرطة أو “الهليكوبترية”(22)، حيث الأبوان مترددون (غير متحمسين) في ترك أطفالهما يجربون أنشطة ويقومون بها بمفردهم (من الواضح في بعض الأحيان أن هذا النوع من التربية مستحيلة. على سبيل المثال إذا كان لدى الطفل احتياجات تعليمية أخرى) ، يمكن في الواقع من أن ترفع من احتمال شعور الأطفال بالقلق وبضعف في مهارات التأقلم (23، 24) عندما يصبحون مراهقين وشبابًا.
وذلك لأن الأطفال يتعلمون بتركهم لوحدهم يجربون ويخطأون، ويجازفون مجازفة بسيطة أثناء اللعب تتناسب مع سنهم، وأن تتاح لهم الفرصة لتحديد النشاط الذي يرغبون في الانخراط فيه.
بهذا يبني الطفل الشعور بالجدارة (بالكفاءة) الاجتماعية(25) والقوة والاستقلالية. الاعتدال في الشعور بالملل، يشجع أيضًا على اللعب النشط والإبداعي(26) والذي له العديد من المخرجات الإيجابية للنمو البدني ولتطور القدرات (المهارات) المعرفية والاجتماعية، كما أن الملل المعتدل مقترن أيضًا بزيادة الفضول لدى الطفل(27).
وبالعكس، عندما يُتحكم في نشاط الطفل اليومي وتُسهل له الأمور دائمًا، فقد يجد صعوبات في تطوير مهارات التأقلم والمرونة النفسية اللازمة لحياته اليومية في المستقبل.
وعلى الرغم من أنه قد يبدو أن الاهتمام سيعزز ثقته بنفسه في نهاية المطاف، إلَّا أن هناك بعض القرائن التي تثبت أنه عندما يركز أولياء الأمور بشكل مفرط على أطفالهم – ويعيش أطفالهم حياتهم من خلال والديهم ، يتحققون من صدقهم باستمرار ويضعطون عليهم بشدة حتى يكون مستوى آدائهم بالمستوى المطلوب – فقد يؤدي ذلك إلى زيادة السمات النرجسية(28) في الأطفال عندما يبلغون سن الرشد.
تغيير وتكييف علاقة أولياء الأمور بأطفالهم بما يتلاءم مع سنهم
مقدار ما يحتاجه الطفل من تدخل الوالدين في حياته يتغير بشكل طبيعي مع سنه (بمرور الزمن)(29). ينمو الرضع والأطفال ويتغيرون بدنيًا وعاطفيًا كلما كبروا، التربية المتكيفة (المتلائمة) مع هذه التغيرات عادة ما تقترن بمخرجات أفضل عند الطفل.
ليس من المنطقي ترك طفل صغير ليس لديه قدرة على إعالة ومساندة نفسه بنفسه لفترات طويلة وذلك بغرض “تشجيعه على الاستقلالية”. فلو ترك الطفل يعتني بنفسه سيؤدي إلى زيادة مستويات هرمون التوتر (الضغط التفسي) في دماغه الذي لا زال شابًا ينمو ويتطور. لكن إخبارك طفلك الذي لم يبلغ سن المراهقة بعد [المترجم: سن ما قبل المراهقة هو ما بين سن التاسعة والثانية عشرة تقريبًا، حسب التعريف] بأنه بحاجة للترفيه عن نفسه لفترة ما بعد الظهر (في المنزل) يدعم هذا النمو والتطور.
هذا يقودنا إلى مفهوم الوسطية السعيدة [بين الإفراط والتفريط] وكأسلوب من أساليب التربية المفضلة لدى طبيب الأطفال في القرن العشرين – دونالد وينيكوت (Donald Winnicott) ومفهومه عن “الأمومة الجيدة الكافية(30)“. أخذ وينيكوت سنوات عديدة في مراقبة الأمهات والأطفال واستنتج أن عدم القدرة، في بعض الأحيان، على تلبية احتياجات الطفل على الفور وبنحو مثالي كانت النتيجة نتيجة جيدة.
على الرغم من اعتقاده وينكوت أن الاستجابة لاحتياجات الطفل أمر مهم ، إلا أنه يعتقد أيضًا أنه في بعض الأحيان ، الاضطرار إلى الانتظار قليلاً حتى تنهي العمل على شيئ آخر أنتِ مشغولة به قبل أن تلبي طلبه، يساعد الطفل على تعلم أنه على الرغم من أنه محبوب ومعتنىً به ، فإن الأحوال ليست دائمًا مثالية ولا يمكن أن تُلبى احتياجاته أنَّى طلبها.
استُكشفت هذه النظرية على مر السنين وكُتب عنها بشكل مكثف من حيث “التربية الجيدة الكافية” بشكل عام ، والتي تدعم بالضرورة التربية الوسطية السعيدة.
أخيرًا ، نظرت إحدى الدراسات المثيرة للاهتمام في مدى شعور أولياء الأمور بالضغط النفسي لقضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم ومشاركتهم إياهم نشاطهم، والفترة الزمنية التي يقضونها بالفعل معهم في القراءة أو ممارسة الرياضة أو مشاهدة التلفزيون. من المثير للدهشة أنه لم تكن هناك علاقة ذات اعتبار احصائي بين الوالدين الذين شعروا بالضغط النفسي الأشد وبين أولائك الذين شعور بالضغط التفسي الأخف ، مما يشير إلى أنه بغض النظر عن الفترة الزمنية [سواء أكانت طويلة أم قصيرة] التي يقضيها أولياء الأمور في مشاركة أطفالهم نشاطهم فإن هذه المشاعر لا تزول أبدًا.
ربما هذا الدرس هو الأكثر أهمية. فالغالبية العظمى من أولياء الأمور يقومون بمشاركة أطفالهم نشاطهم بشكل كافٍ، (وإذا شعر الأم بالقلق أنها مقصرة في ذلك ، فهذه قرينة على أنها ليست كذلك). هذه المشاعر بالتقصير تكون عادةً مدفوعة بمفهوم الحكم الاجتماعي(31) على كل الأشياء المتعلقة بالتربية. دعونا نقف في وجه ذلك، ولا نصرف طاقة في الاستمرار في القلق بشأن ما إذا كان أطفالنا يحصلون على اهتمام كافٍ منا.