{إغنم زمانك}
من هذه المقولة الشعبية الدارجة البسيطة سنستدعي تجربة حقيقية نموذجية لمسيرة شخص من المجتمع المتميزين الذي عرف معنى هذا المثل ومغزاه فحقق بذلك هدفه ومبتغاه.
سعيد شاب يافع رياضي دمث الأخلاق محب للثقافة منفتحًا على الجميع، اتخذ سعيد في منزل عائلته مجلسًا صغيرًا يجتمع فيه مع نفر من اصحابه الجادين الذين يعشقون العلم والثقافة ويتناقشون في مواضيع تنمي المواهب وتتعلق بتطوير الذات والمجتمع وتذوق الشعر واكتساب الآداب.
لم يكن سعيد من الذين يضيعون اوقاتهم، بل شاب طموح، مكافح منظم يعرف قيمة الوقت فاستغله أحسن استغلال لكسب المعارف والعلوم وتعميق ثقافته بالقراءة والاطلاع ومصاحبة من لهم مثل تطلعاته وتوجهاته، فكان ممن يقتنص الفرص، ويبادر بعمل ما هو مناسب في الوقت المناسب متمثلًا بقول الشاعر:
بادر الفرصة واحذر فوتها… فبلوغ العز في نيل الفرص
واغتنم عمرك إبان الصبا… فهو إن زاد مع الشيب نقص
وابتدر مسعاك واعلم أن مَن… بادر الصيدَ مع الفجر قنص
كان لسعيد غاية واضحة اشغل فكره بها وسعى جاهدًا لتحقيقها.
توقف عن الدراسة فترة لظروف مالية وعمل في أحد المؤسسات المهمة فنال بهمته ومهارته وجده واجتهاده وحسن ادائه ثقة واعجاب رئيس المؤسسة فاتخذه سكرتيرًا له واعتمد عليه لإنجاز مهمات فيها صعوبة وتسيير أمور ليست باليسيرة.
استفاد سعيد من هذه التجربة وأحب العمل الذي يقوم به، لكنه ازداد طموحًا للارتقاء بمكانته ليكون في مركز أفضل ومكان أعلى. في هذا الوقت لم يكتفي سعيد بكسبه هذه التجربة الإدارية والحصول على مرتب مالي منها، بل اخذ له موضع في لجنة الثقافة بأحد الأندية ليصيح رئيسًا لها فزادت محبته للعلم والدراسة.
يلفتك لسعيد مظهره وهندامه وابتسامته وحيويته. يشعرك وأنت تنظر إليه يمشي بأنه يحرك الأرض من تحته ليعلمك وانت لا تدري انه متجه لتحقيق هدفًا يشغل باله، وإن هرولته ليست عبث.
ترك سعيد العمل في المؤسسة التي خدم فيها مجتمعه وساهم في إدارة عجلتها وتطويرها، والتحق بالدراسة في معهد المعلمين ليتخرج منه مدرسًا يربي الأجيال الناشئة.
تم تعيينه بعد تخرجه من معهد المعلمين مدرس في احد المدارس التي كان يحتاج الى سيارة للذهاب إليها. ولما لم يكن في ذلك الوقت سيارات خاصة يمتلكها الأشخاص، كان الاعتماد كله على سيارات التكسي. ونوع من السيارات تسمى “تسهيلات” تكون التكلفة فيها نصف سعر اجرة التكسي.
كان المشوار الى المدرسة في السيارة يستغرق نصف ساعة في الذهاب ونصف ساعة أخرى للإياب.
ولما كان سعيدٌ مبادرًا بطبعه وقناص للفرص بوعيه استغل وقت ذهابه وإيابه لزيادة مخزونه اللغوي بمفردات اللغة الإنجليزية. لقد حول سعيد صعوبة الانتقال الى وقت استمتاع وفائدة.
كان سعيد يتعلم عشر كلمات إنجليزية يوميًا، ووفر لنفسه دون تكلفة 45 يومًا في السنة من التعليم المستمر ساعده في الحصول على بعثة حكومية لنيل دبلوم تدريس اللغة الإنجليزية من إنجلترا ليعود منها ويواصل عمله كمدرس لهذه المادة في أحدى المدارس المتوسطة.
استمر سعيد في التحصيل العلمي لينال درجة البكالوريوس ويتبعها بالحصول على شهادة الماجستير ومن ثم الدكتوراه ويكون عضوا في هيئة التدريس لإحدى المؤسسات التعليمية العليا وليعين بعدها في منصب رفيع له رمزيته. إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.