شهدت مواسم الحج تغيرات كثيرة في أنواع التكنولوجيا على مدى القرنين الماضيين – ترجمة عدنان أحمد الحاجي 

Technology remains at the heart of the hajj
(أندريا ستانتون، أستاذ مشارك في الدراسات الإسلامية وأستاذ منتسب ، مركز دراسات الشرق الأوسط ، جامعة دنفر)
(Andrea Stanton, Associate Professor of Islamic Studies & Faculty Affiliate, Center for Middle East Studies, University of Denver)

يدأ موسم الحج – الحج السنوي إلى مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية ، والذي يجب على المسلم المستطيع أن يؤديه مرة واحدة في حياته علئ الأقل  – هذه السنة في 26 يونيو 2023 وسيستمر لمدة خمسة أيام. في هذه السنة، 2023 ، شارك ما يقرب من 2 مليون حاج ⁽¹⁾، وهو عدد يقارب أعداد الحجاج⁽²⁾ السنوية في السنوات التي سبقت جائحة كوفيد-19.

الحج  في هذه السنوات، كما في مواسم الحج عند الأجيال السابقة، عُزز، بل وجُعل ممكنًا عبر التكنولوجيا الحديثة.

في السنوات الأخيرة ، طورت حكومة المملكة العربية السعودية تطبيقات للهواتف الذكية.  يستخدم الحجاج هذه التطبيقات المزودة بارشادات تساعدهم على الوصول إلى الأماكن المقدسة وأداء المناسك. عادةً ما يوثق الحجاج رحلاتهم البدنية والروحية مستخدمين منصات التواصل الاجتماعي مثل الانستغرام⁽³⁾ و التيك توك⁽⁴⁾ TikTok.

عملت الحكومة على طرح البطاقات الذكية⁽⁵⁾ للحجاج للدخول على خدمات الحج والوصول الى المعلومات التي يحتاجونها، فضلاً عن استخدامها لدفع مشترياتهم.

وفي عام 2022 ، أنشأت الحكومة السعودية نظامًا عبر الإنترنت يتعين على الراغبين في الحج من بعض الدول  استخدامه للحصول على تأشيرات تسمح لهم بالحج. بالنسبة للدول ذات الأغلبية المسلمة، تخصص تأشيرة حج واحدة لكل ألف مسلم في كل دولة من هذه الدول⁽⁶⁾.

هذه التغييرات التكنولوجية التي تعمل على “احداث نقلة” في تسهيل أداء الحج⁽⁷⁾، غالبًا ما تبرزها وسائل الإعلام واصفةً إياها بالظاهرة الجديدة⁽⁸⁾.  ومع ذلك ، بصفتي باحثة في تاريخ الشرق الأوسط وخبيرةَ في الإسلام المعاصر⁽⁷⁾، أعرف أن التكنولوجيا كانت في صميم الحج منذ منتصف القرن التاسع عشر. لطالما كانت تقنيات النقل والاتصالات أساسية لإدارة الحكومات للحج ولممارسات وتجارب الحجاج الروحية.

تكنولوجيا المواصلات

منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، أتاحت تكنولوجيا السفن البخارية للعديد من المسلمين القيام بأداء فريضة الحج حتى لو كانت بلدانهم بعيدة جدًا عن مكة المحرمة.

ووفقًا للباحث إريك شوي⁽⁹⁾ (Eric Schewe)، لجأت خطوط الشحن البحرية الأوروبية⁽¹⁰⁾ إلى اركاب الحجاج كمورد اضافي للأموال التي يجنوها من شحن البضائع التجارية عبر قناة السويس. بتوصيل الحجاج وإنزالهم في الموانئ السعودية على طول الخط البحري السابق لسفنهم ، تمكن التجار من تحقيق دخل إضافي في مواسم الحج.

أعرب الحجاج عن تقديرهم للسلامة والسرعة والموثوقية وانخفاض تكلفة السفر بالباخرة. ونتيجة لذلك ، بات بإمكانهم الوصول إلى مشاعر الحج بشكل أسرع وأرخص من أي فترة سابقة في التاريخ. من ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى الثلاثينيات من القرن العشرين، تضاعف عدد الحجاج كل عام بأربع مرات⁽¹⁰⁾.

على الرغم من أن السفن البخارية كانت تساعد الحجاج المسافرين عن طريق البحر، فقد ساهمت السكك الحديدية في مساعدة القادمين منهم عن طريق البر – وخاصة أولئك القادمين من روسيا، الذين غالبًا ما كانوا يستخدمون القطار للسفر إلى الحج .  هذا القطار كان يمر بعدة محطات، إلى أوديسا، في أوكرانيا اليوم ، أو إلى ميناء آخر على البحر الأسود ، ومنه يعبرون إلى اسطنبول بالباخرة⁽¹¹⁾  ثم إلى مكة عبر القوافل (تُعرف محليًا بحملات الحج).

تكنولوجيا الاتصالات

كما لعب التلغراف دورًا مهمًا في الحج. استخدمت الحكومة العثمانية شبكة التلغراف الواسعة النطاق للحكم وكعلامة على استقلالها⁽¹²⁾ عن القوى الأوروبية. إحدى  محطات الربط الرئيسة كانت العاصمة اسطنبول عبر دمشق السورية ⁽¹³⁾  إلى مكة المكرمة. استخدم المسؤولون القنصليون الأوروبيون وشركات السكك الحديدية والبواخر وحتى أفراد الحجاج نظام التلغراف للاتصالات المتعلقة بالحج.

كما أثرت تقنيات الاتصالات الأخرى في الحج. كانت القوى المستعمرة للبلدان الاسلامية حينئذ قلقة من أن يؤدي تجمع للمسلمين الكبير في الحج إلى اضطرابات سياسية⁽¹⁴⁾. وكانت هذه القوى قلقة أيضا بشأن الصحة العامة.

سرعة السفر بالسكك الحديدية والسفن البخارية حينئذ تعني أن الحجاج قد يجلبوا معهم أمراضًا معدية إلى المشاعر المقدسة، كما حدث مع انتشار وباء الكوليرا في عدة مواسم من مواسم الحج في القرن التاسع عشر الميلادي [المترجم: انتشر وباء الكوليرا بين أعوام 1831 و 1914 من الهند إلى مكة المكرمة حينئذ في أربعين موسمًا منفصلًا من مواسم الحج على الأقل⁽¹⁵⁾].

أدخلت العديد من الحكومات وثائق سفر ورقية: بدأت الحكومة الهولندية في عام 1825 بمطالبة الحجاج بالحصول على جوازات (تصاريح)  سفر، بينما بدأ الفرنسيون في عام 1892 في مطالبة الحجاج الجزائريين بالحصول على تصاريح سفر. أعطت الحكومة البريطانية في عام 1886 وكالة توماس كوك للسفر عقدًا حصريًا لسفر الحجاج الهنود، والتي  طلبت من الحجاج شراء التذاكر مسبقًا لكل محطة من محطات الرحلة الى المشاعر المقدسة.

ساعدت هذه اللوائح جميعها الحجاج على أداء مناسك الحج بأمان. لكن هذه القوانين عملت أيضًا على الحد من احتمال اثارة بعض المشكلات السياسية والعامة لصالح القوى الاستعمارية التي حكمت معظم البلدان الاسلامية في العالم حينئد.

في العصر الحديث

أدى انتشار امكانية السفر الجوي التجاري الذي بدأ في الأربعينيات من القرن الماضي إلى تغيير ديناميكيات الحج بشكل كبير: فقد كان السفر بالطيران أسرع وأرخص وأكثر أمانًا من السفر على متن السفن البخارية. وقد وفر الفرص لمزيد من المسلمين لأداء فريضة الحج، لكنه خلق تحديات لوجستية وسياسية واقتصادية ضخمة حيث زاد عدد الحجاج ستة أو سبعة أضعاف⁽¹⁶⁾ بين أعوام 1950 و 1980.

أدت تقنيات الاتصالات الجديدة إلى زيادة شعبية الحج. على سبيل المثال ، غطت المحطات الإذاعية مواسم الحج، ابتداءً من أربعينيات القرن الماضي في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، مع بث رسائل الحجاج للمستمعين في بلدانهم. مثل نشرات الأخبار القصيرة السابقة ^{(17، 18)} ، عرض التلفزيون في الستينيات للمشاهدين لقطات لحجاج يطوفون حول الكعبة المشرفة ، وهي إحدى مناسك الحج الرئيسة. ساعدت هذه المشاهد في أن تكون مصدر إلهام للمشاهدين ترغبهم في أداء فريضة الحج أيضًا.

وفي الوقت نفسه، سمحت معدلات التعليم المرتفعة للمسلمين بقراءة العدد المتزايد من ارشادات وأحكام الحج المطبوعة⁽¹⁹⁾ التي ساعدتهم على التنقل في أماكن إقامتهم وأماكن العبادة. تُعد كتب رحلات الحج المعاصرة⁽²⁰⁾ التي تسجل تجارب الحجاج جانبًا من النوع الكلاسيكي لأدب السفر في الشرق الأوسط، والمعروف في اللغة العربية باسم أدب الرحلات⁽²¹⁾ أو “سياحة نامه⁽²²⁾“. كلا المصطلحين يصفان كتب الأسفار التي تتضمن عادة السفر الى الحج.

مع ترحيب الحجاج بقدرتهم على السفر لأداء فريضة الحج بالطائرة ⁽²³⁾، حدثت بعض الثغرات. في عام 1952 ، شجع قيام الحكومة السعودية في اللحظة الأخيرة بإسقاط ضريبة الدخول اليها آلاف الحجاج الآخرين على السفر إلى بيروت، حيث شغرت جميع مقاعد السفر لدى شركات الطيران هناك. ولذلك، نظم جسراً جوياً لنقل ما يقرب من 4000 حاج من بيروت إلى المملكة في الوقت المناسب لأداء مناسك الحج.

مرة أخرى ، لعبت تقنيات الاتصالات دورًا مهمًا في إدارة الحجاج. في الخمسينيات من القرن الماضي، أصدرت ماليزيا الخاضعة للحكم البريطاني آنئذ ما يسمى بـ “تصريحات سفر الحج⁽²⁴⁾” ، والتي جمعت جميع المعلومات ذات الصلة بسفر الحاج ، من تواريخ التطعيم إلى معلومات الاتصال بأقربائهم. تطورت تأشيرات الحج الصادرة في السعودية من تأشيرات مكتوبة بخط اليد وموقعة يدويًا في سبعينيات القرن الماضي⁽²⁵⁾ إلى تأشيرات مختومة رقميًا ومشفرة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين⁽²⁶⁾.

أعداد كبيرة من الحجاج

تاريخيًا، أقلية قليلة من المسلمين تحلم بالذهاب إلى الحج في أي سنة من سني حياتهم. حتى اليوم ، لن يتمكن معظم المسلمين من أداء فريضة الحج ، ومعظم الذين استطاعوا الحج لم يذهبوا إلا مرة واحدة فقط.

لكن أعداد المسلمين في العالم يزيد قليلاً عن ملياري نسمة⁽²⁷⁾، لذا حتى نسبة بسيطة منهم تعني الكثير من الناس. حتى مليوني حاج الذين ذهبوا الى الحج هذا العام لا يمثل إلّا 0.1٪ فقط من مسلمي العالم.

مع سهولة السفر والاتصالات، أصبحت قدرة مكة المكرمة على إدارة جميع هؤلاء الزوار في وقت واحد تمثل التحدي الرئيس. إن المخاوف الصحية المترتبة على أعداد الحجيج بالنسبة لوزارة الحج والعمرة السعودية عالية: والتي تعمل  على توفير أجواء  آمنة وصحية وهادفة من الجنبة الروحانية لجميع الحجاج . العمرة، المعروفة باسم “الحج الأصغر” ، مستحبة وليست واجبة على المسلمين. وتنطوي على العديد من مناسك الحج ولكن يمكن الاتيان بها في أي وقت من أوقات السنة.

الآن، مع توفر الأدوات والأجهزة الرقمية مع العديد من الحجاج ، فإن حج القرن الحادي والعشرين يتناسب مع التاريخ الطويل للتكنولوجيا والحج ، وهي سردية عمرها 200 سنة تقريبًا. حتى مع تغير التقنيات المعينة، تظل أهميتها في إدارة الحج وممارسات الحجاج الروحية ثابتة.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://www.arabianbusiness.com/abnews/hajj-2023-saudi-arabia-to-receive-2-million-pilgrims
2- https://www.statista.com/statistics/617696/saudi-arabia-total-hajj-pilgrims/
3- https://www.instagram.com/explore/tags/hajj2023/
4- https://www.tiktok.com/tag/hajj2023
5- https://twitter.com/MoHU_En/status/1416070942166499329
6- https://www.natvisa.com/saudi-arabia-blog/pilgrimage-visa-saudi-arabia
7- https://www.thenationalnews.com/gulf-news/2023/01/11/hajj-expo-2023-all-you-need-to-know-about-the-pilgrimage/
8- https://me.mashable.com/culture/23967/hajj-2023-expo-from-smartcards-to-ai-saudi-arabia-is-changing-the-face-of-pilgrimage-with-tech
9- https://daily.jstor.org/daily-author/eric-schewe/
10- https://daily.jstor.org/how-european-empires-helped-shape-the-hajjhow-european-empires-helped-shape-the-hajj/
11- https://russia-islworld.ru/main/how-russian-muslims-went-to-the-hajj-in-the-past/
12- https://trafo.hypotheses.org/30676
13- https://www.archnet.org/sites/20029
14- https://cup.columbia.edu/book/imperial-mecca/9780231190770
15- https://www.lectures.iastate.edu/lectures/pilgrims-passport-pandemics-past-mecca-and-hajj-under-quarantine-cholera-covid-19
16- https://academic.oup.com/book/11393
17- https://www.britishpathe.com/asset/251774/
18- https://ar.wikipedia.org/wiki/نشرة_إخبارية_قصيرة
19- https://www.meccabooks.com/266-handbook-for-hajj-and-umrah-9780860373407.html
20- https://press.uchicago.edu/ucp/books/book/distributed/M/bo20313514.html
21- https://funci.org/the-emergence-of-the-rihla-or-travel-literature/?lang=en
22- https://ar.wikipedia.org/wiki/سياحت_نامه
23- https://twitter.com/shen_shiwei/status/1289250173961396224
24- https://www.papertotravel.com/MP-323/photo/5723
25- https://www.ebay.com/itm/314050359157
26- https://www.papertotravel.com/MP-576/photo/10717
27- https://www.moroccoworldnews.com/2023/04/354870/global-muslim-population-exceeds-2-billion

المصدر الرئيس:
https://theconversation.com/technology-remains-at-the-heart-of-the-hajj-206267