Why is the sky dark at night? The 200-year history of a question that transformed our understanding of the Universe
(جوناثان بيتو رئيس مؤتمر فيزياء الجسيمات الفلكية ، جامعة باريس ساكلاي، وزملاؤه – Jonathan Biteau)
مع بزوغ الفجر فوق مدينة بريمن الألمانية في 7 مايو 1823 ، وضع هاينريش أولبيرز(1) (Heinrich Olbers) اللمسات الأخيرة على ورقة علمية خلدت اسمه في التاريخ. وبعد وفاة زوجته وابنته، تخلى الدكتور أولبيرز في الأخير عن عمله كطبيب عيون ليكرس نفسه لولعه الليلي بالنجوم والقمر والنيازك والمذنبات.
مثل العديد من أقرانه، قام أولبيرز بتدريب نفسه علي علم الفلك. اكتسب سمعة طيبة في المجتمع الأكاديمي وقضى ليال طويلة في الطابق الثاني من منزله يراقب السماء بمرصده.
في ذلك الصباح، توصل أولبرز إلى نتيجة غريبة: بناءً على كل ما كان معروفًا عن الكون في ذلك الزمن ، لا ينبغي أن تكون سماء الليل(2) مظلمة. في الواقع، من المفترض أن تكون السماء ساطعة كسطوع الشمس.
لم يكن أولبرز هو أول من لاحظ هذا المفارقة. لكن لا زلنا نقرنها باسمه حتى اليوم. تردد صدى لغز ظلمة سماء الليل على مر القرون من أولبرز والشاعر إدغار آلان بو(3) (Edgar Allan Poe) إلى علماء الفلك ومسابر الفضاء في القرن العشرين.
ضوء متناه في كون لا متناهٍ
مثل العديد من معاصريه، اتبع أولبرز إسحاق نيوتن ورينيه ديكارت في الاعتقاد بأن الكون كون لا متناه.
لو كان الكون متناهٍ وثابتًا، فإن قوة الجاذبية يجب أن تجمع كل النجوم معًا عند نقطة مركزية واحدة. ولكن لو تمدد الكون إلى ما لا نهاية، في المتوسط فستتوازن قوى الجاذبية في جميع الاتجاهات.
لكن أولبرز أدرك أن نموذج الكون هذا لا يتوافق مع نتائج الرصد. في كون غير متناهٍ مليء بأعداد لا حصر لها من النجوم ، أينما ننظر إلى السماء ليلًا، فستقع أعيننا على نجم من النجوم على الأقل ، تمامًا كما لو أننا في غابة، فإن كل نظرة منا ستقع على شجرة من الأشجار على الأقل.
هذه هي المسألة التي أثارها أولبرز في ورقته البحثية التي نشرها في 7 مايو 1823: النموذج الكوني في ذلك الوقت اقترح أن تكون كل نقطة في السماء ساطعة كسطوع سطح الشمس. لذا لابد ألَّا يكون هناك ليل.
اقترح أولبرز حلاً لهذه المفارقة: يمتص الغبار أو أي مادة أخرى عالقة في الفضاء الضوء الصادر من النجوم البعيدة. أشار عالم الفلك الإنجليزي جون هيرشل (John Herschel) لاحقًا إلى أن هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا ، لأن أي شيء يمتص هذه الكمية من الضوء سوف يكون حارًا جدًا في النهاية إلي درجة التوهج.
عندما توفي أولبرز في الثاني من مارس عام 1840، عن عمر يناهز 81 سنة ، بقي اللغز، الذي نعرفه اليوم باسم مفارقة أولبر، بلا حل.
حدس الشاعر إدغار
بعد ثماني سنوات، على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، اعتقد الشاعر والكاتب الأمريكي إدغار آلان بو (4) أنه وجد جوابًا لهذه المفارقة. في 3 فبراير 1848، ألقى محاضرة عامة تدور حول أفكاره على 60 شخصًا في مكتبة جمعية نيويورك. متنقلًا بين الميتافيزيقيا والعلم ، زعم بو بأن الكون نشأ من حالة وحدانية المادة (Oness) التي تشظت وتشتت بفعل قوة التنافر.
هذا يعني أن الكون كان غلافًا متناهٍ من المادة. فلو كان الكون المتناهي مأهولًا بعدد صغير جدًا من النجوم ، فلن تستطيع رؤية نجم واحد في كل جهة من الاتجهات. وعليه قد تكون سماء الليل مظلمة مرة أخرى.
حتى لو افترضنا أن الكون لا متناهٍ ، فلو صدر الضوء من أحد النجوم في زمن ما في الماضي ، فإن الفترة الزمنية التي يستغرقها الضوء للوصول إلينا(5) سيحد من حجم الكون الذي نتمكن من رؤيته. من شأن زمن الرحلة التي يقطعها الضوء هذه أن تخلق أفقًا الذي وراءه ستبقى النجوم البعيدة غير قابلة للرؤية.
الجمهور الذي حضر للاستماع لمحاضرة بو في مكتبة جمعية نيويورك لم يستقبل كلامه بالحماس المرجو كما كان يأمل. في وقت لاحق من نفس العام ، نشر نظرياته في قصيدة النثر يوريكا (Eureka) ، والتي تم تداولها بشكل ضعيف(6).
في العام التالي، في 7 أكتوبر 1849، توفي بو عن عمر ناهز الأربعين سنة. وقد مر أكثر من قرن قبل أن يثبت العلماء حدسه حول معضلة سماء الليل المظلم.
حقيقتان ونصف
في النصف الأول من القرن العشرين، ظهرت العديد من النظريات الجديدة عن الكون، مدفوعة بنظرية أينشتاين النسبية العامة، والتي فسرت الجاذبية والمكان والزمان بطرق جديدة. في النصف الثاني من القرن العشرين، بدأ اختبار هذه النظريات الكونية عن طريق الرصد.
في عام 1963، زعم عالم الفلك البريطاني بيتر شوير (Peter Scheuer) بأن علم الكونيات يعتمد فقط على “حقيقتين ونصف التاليتين”:
- الحقيقة 1: سماء الليل مظلمة، وهذه كانت معروفة منذ زمن طويل.
- الحقيقة 2: المجرات تبتعد عن بعضها بعض ، كما أثبتها قانون هابل(8) المنشور عام 1929.
- الحقيقة 2.5: من المحتمل أن محتوى الكون ينشأ ويتطور مع انبساط الزمن الكوني.
الخلافات المحتدمة فيما يخص تفسير الحقيقة 2 و الحقيقة 2.5 بلبلت المجتمع العلمي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. هل كان الكون في الأساس ثابتًا، أم أنه بدأ بانفجار هائل – الانفجار العظيم؟ وافق أنصار كلا الجانبين ، مع ذلك ، على أنهم بحاجة إلى تفسير ظلمة سماء الليل.
عمر النجوم
حسم عالم الكونيات البريطاني إدوارد هاريسون (Edward Harrison) الخلاف(9) في عام 1964. وأثبت أن العامل الرئيس الذي يحدد سطوع سماء الليل هو في الواقع العمر المحدود للنجوم.
عدد النجوم في الكون المرئي عدد هائل [تقريبًا 1022 إلى 1024 إلى 1024 نجمًا(10)] لكنه محدود. هذا العدد المحدود ، كل نجم من هذه النجوم يحترق لفترة محدودة ، ينتشر الضوء الصادر منه على مساحة هائلة ، مما يتيح للظلمة أن تُظهر نفسها بين النجوم.
أدرك هاريسون لاحقًا(11) أن هذا الحل قد اقترحه بالفعل ليس فقط إدغار آلان بو ، ولكن الفيزيائي البريطاني اللورد كلڤن (Lord Kelvin) في عام 1901. أكدت الأرصاد الفلكية في ثمانينيات القرن الماضي الحل الذي اقترحه بو وكلفن وهاريسون. ثم وُضع أخيرًا حد لمفارقة أولبر(12).
ضوء من مصادر قديمة
أو ربما ليس تمامًا. لو نظرنا إلى المفارقة من زاوية مختلفة، هناك حل آخر لها: مع ذلك، سماء الليل ليست في الواقع مظلمة تمامًا.
بعد اكتشاف توسع الكون في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، أدرك الباحثون أن الكون ربما بدأ بكونه مضغوطًا في حالة شديدة من الكثافة والحرارة . هذا هو نموذج “الانفجار العظيم الحار”(13) الذي نعرفه اليوم.
أحد التنبؤات الأساسية لهذا النموذج هو وجود “ضوء من مصادر قديمة (gisdil light)” منبغث في الفجر الكوني(14). لابد أن يكون هذا الضوء القديم مرئيًا اليوم – ولكن ليس بالعين المجردة ، لأن الكون المتمدد كان من شأنه أن سيزيحه إلى أطوال موجية أطول.
تم اكتشاف هذا الإشعاع – الخلفية الكونية الميكروية(15) – في عام 1964. في الوقت الراهن قيس إشعاع الخلفية الكونية بدقة متناهية، وهو الضوء الأكثر انتشارًا في الكون.
نحن نعلم الآن أن الكون مضاء أيضًا بضوء خلفية ثانٍ أكثر خفوتًا صادر عن المجرات أثناء تشكلها وتطورها(16). يشار إلى هذا الضوء بضوء الخلفية الكونية فوق البنفسجية والمرئية وتحت الحمراء.
لذلك يمكننا أيضًا الإجابة على مفارقة أولبر بالقول إن السماء ليست مظلمة ، لكنها تضيء بشكل خافت بإشعاع الخلفية الكونية الميكروية(15، 17) لكل ما كان على مدى العمر المحدود للكون.
إجابات جديدة وأسئلة جديدة
في عام 2023 ، تطورت مفارقة أولبر إلى مجال ثري من الأبحاث. في دراساتنا، نقوم بإجراء قياسات أكثر دقة لسطوع سماء الليل، ونحاكي نجوم الكون بأجهزة الكمبيوتر العملاقة. يمكننا الآن تحديد عدد النجوم في السماء بدقة كبيرة(18).
ومع ذلك ، تبقى الأحاجي مستمرة بلا حل. في العام الماضي ، وجد المسبار الفضائي نيو هورايزونز ، خارج مدار بلوتو وبعيدًا عن غبار المجموعة الشمسية(19)، أن السماء أكثر سطوعًا بمرتين مما كنا نتوقع(20).
وهكذا فإن مسألة ظلمة السماء لا تزال قائمة ، عابرة للعصور والثقافات.