الكشيدة -أولا- ماهي؟
ومن هم الذين تتوجوا بها في القطيف؟
وهل كانت ضمن الزي القطيفي المتعارف عليه في يوم ما؟
وما الذي يُرْتدى معها لإكمال ذلك الزي؟
الكشيدة المقصودة هنا هي نوع من عمائم الرأس التي (يتتوج) بها فئة معينة من طبقات الرجال في المجتمع القطيفي وهم نخبة من وجهاء البلد والتجّار وأصحاب الأعمال المرموقة وطواويش اللؤلؤ وكذلك بعض خطباء المنابر ولكن ليست نفسها العمامة التي يلبسها الفقهاء من رجال الدين التي تلف حول الرأس.
لقد استمرت عادة لبس الكشيدة حتى منتصف سبعينات قرن العشرين الماضي وسوف نسلط الأضواء على بعض من لبسها بدءًا من نهاية القرن التاسع عشر على الأقل ومن كان يلبسها من فئة تلك الطبقات الآنفة الذكر.
فلو دققنا النظر في الكشيدة لوجدنا أنها تختلف عن العمائم التي تُلفُ حول الرأس جملة فهي ليست قطعة طويلة من القماش الأبيض أو الأسود أو الأخضر لكي تلف فوق الرأس وإنما هي تلبس فوق الرأس كالتاج أو الفزة او القحفية أو العقال والشطفة ومعهما الغترة، فهي جاهزة الصنع مستديرة وعلى شكل اسطواني أو انبوبي يبلغ قطر برمها ١٠سم وهي مستديرة تقريبا أو بيضاوية ويلتقي طرفاها ببعضهما بحيث تشكل نموذجا يشبه إطار السيارة مصغرا بحجم الرأس أو التيوب (tube) الذي كان يستعمل داخل إطار السيارة في الزمن الماضي ولكنها -كما أشرت- بحجم رأس الآدمي وهي محشوة من الداخل بالقطن أو القماش وجاهزة للبس دون الحاجة إلى لفها أو فلها،،،
ولاشك أن هناك أحجام لها مختلفة بين الكبير والمتوسط والصغير بحيث تتناسب مع أحجام الرؤوس المختلفة تماما كما العقال أو الشطفة والتاج والفزة،
وبمناسبة ذكر الفِزة وهي نوع من الطرابيش الباشوية القديمة ذات اللون الأحمر فإني أود أن أشير هنا إلى أن هناك من تتوج بالفِزة الباشوية في القطيف ايضا في بداية قرن العشرين الماضي.
وأما عن الألوان التي تتضمنها الكشيدة فيختلف عن الألوان المألوفة فهي ليست ساده أي أنها ليست بيضاء خالصة وإنما بيضاء ومزخرفة (مزركشة) بتطريزات كثيفة من خيوط صفراء أو ذهبية فاقع أو الإثنين معا بحيث أن من يبتعد عنها قليلا يظن أن لونها أصفر، إن هذه التطريزات الخيوطية تشكل زخارف على اشكال غصون وزهور وأوراق شجر صغيرة منقاربة من بعضها أو مايشبهها وأما من داخلها فمبطنة بلون كاتم كالأسود أو البني بحيث لا يُرى هذا اللون وقت لبسها.
أما عن أصل تسميتها فليس هناك في اللغة العربية لفظة كشيدة ولكن بعض المعاجم الحديثة قد أدخلتها ضمن الكلمات المعربة إلى العربية كتدشين حديث وهذا التدشين ليس له علاقة بشئ يدل على الملبس ولا التتويج ولا العمامة وانما بمعنى يخص الخط والكتابة والطباعة فيصفها خبراء اللغة بأنها (معربة) فيقولون: كلمة كشيدة هي كلمة معربة، تستخدم في فن الخط العربي للدلالة على الرابط أو الوصلة أو الامتداد بين الحرفين وهي معربة من اللغة الفارسية ومعناها بالعربي التطويل أو التفصيل فهي إضافة تضاف بين حروف الكلمة الواحدة في الكتابة العربية بغرض تطويلها،
تعتبر الكشيدة أحد التقنيات المستخدمة لمساواة النص في الخط العربي. حيث تستخدم لموازنة أطوال النصوص، وتستخدم أيضا لتزيين الكلام بزيادة المسافة بين بعض الحروف وكذلك لتوضيح الكلمات المكتظة بالحروف والحركات، وأيضاً بعضهم يستخدمها للتعبير عن معانٍ مختلفة، بالإضافة للتعبير عن مد الكلمة بالصوت، كما أنها تستخدم لبيان شكل الحرف حسب موقعه في الجملة، مثلا: (ك، كـ، ـكـ، ـك)، وتتبع الكشيدة قواعد تختلف من خط لآخر، فلا يجوز إضافتها بين بعض الحروف كما لايحبذ تكرارها في كلمة واحدة.
هذا هو العرف السائد الرسمي العام لتعريف كلمة كشيدة والذي لايمت بصلة بأي نوع من العمائم أو بأي شئ يلبس.
أما لماذا اطلق هذا الإسم على نوع معين من العمائم الآنفة الذكر في القطيف وبعض مناطق الخليج الذين استخدموها تماما كما كانت تستخدم في القطيف وخصوصا في البحرين لدرجة أن بعض الأشخاص ممن لبسوها في القطيف كان لهم إخوان من سكان البحرين وكانوا يلبسونها هناك أيضاً ويلبسون ما يتبعها من بقية ذلك الزي، فليس هناك ما يوضح سبب التسمية لهذا النوع من العمائم فربما جاءت من أصل لفظة فارسية وهي “پيچيده” حيث أن أحد مسميات أو تعريف العمامة بالفارسي هو:
“دستار پيچيده كه بر سر نهند”. فهل هذه التسمية من أصل فارسي وقد استبدل الحرفين “پي” بالحرف “ك” لتصبح كشيدة بدلا من پيچيده؟ أم انها من اصول تركية؟ فحين تُعَرِّف بعض القواميس التركية كلمة عمامة يكون اسمها: “كفية kefiye”، وكذلك ضمن شرح تعريفات هذه الكفية هو:عِمَامَة – [kefiye: Bir çeşit erkek baş örtüsü].
وترجمتها: “هي احد الأصناف التي..”
فكلمة صنف هي [çeşit] ونتطق عند قراءتها بالتركية (كشيد)! فهل جاء إسم هذا النوع من العمائم من هذه اللفظة التركية؟
جميع من لبسوا هذه الكشيدة من أهالي القطيف كانوا يلبسون معها قطع أخرى مكملة لبعضها لتغطي كافة الجسد فبعضهم يلبس معها ثوب بالياقة الحجازية التي تحيط بالرقبة فقط دون المثلثين الزائدين المتدليين على الترقوة (كما هي المستعملة والمتعارف عليها هذه الأيام في جميع المملكة وأغلب دول الخليج)، وكذلك بأزرة من الفضة أو الحديد المُذَهَبْ المرتبطة ببعضها بسلسلة ناعمة والمعروفة محليا بالدقمة ثم يلبس فوقها (لسديري) أو (الصخمة) وفوقهما القبا أو القباء أو كما يعرف بالقفطان وهو معطف خفيف جدا وطويل (حتى الأقدام) وهو يشبه ال (overcoat) ولكن قماشه ليس سميكا حيث يلبس صيفا شتاء، وفي احدى فتحات الأزرة تشبك سلسلة ساعة الجيب لتحفظها من التلف في حالة سقوطها فهي تمنعها من الوقوع على الأرض في حال انحناء الشخص التي هي في حوزته، فالساعة تحفظ في الجيب العلوي للقباء كما تساعد هذه السلسلة صاحبها في تسهيل اخراج الساعة من الجيب في حال الحاجة لمعرفة الوقت وذلك بسحب السلسلة المذيلة بتلك الساعة، كما يوضع في الجيب نفسه القلم وكذلك المنديل.
وأما القطعة الرابعة التي كانت تلبس مع الكشيدة فهي القبا أو القَبَاءُ -كما جاء في مختار الصحاح- هو الذي يلبس وجمعه (الأَقْبِيَةُِ). و(تَقَبَّى) لبس (القَبَاءَ).
لقد كانت عادة لبس الكشيدة مستمرة في القطيف حتى مابعد منتصف سبعينات القرن العشرين الماضي بعد أن ودع هذا العالم الرعيل الأخير من الأجيال الذين لبسوها وبعد أن كانوا يتوارثون لبسها أباً عن جد من أفراد بعض العوائل كعائلة البحارنه والمصطفى والزاير والنهاش وغيرهم، وإليكم قائمة بأسماء أواخر التجار والوجهاء والخطباء الذين تتوجوا بهذه الكشيدة خلال قرن العشرين الماضي:
١.الحاج جواد أبو السعود من أهالي القلعة.
٢.الحاج محمد أبو السعود من اهالي القلعة.
٣.الحاج محمد صالح النهاش من أهالي القلعة ومن تجار البز (الأقمشة) وتلاه أحد ابنائه في صغره ثم تخلى عنها.
٤.عبد الباقي النهاش ابن محمد صالح لبسها فترة وجيزة في شبابه ثم مالبث أن تخلى عنها.
٥.الحاج صالح بن جمعة الأنصاري من أهالي الكويكب وهو من مواليد القرن التاسع عشر وهو من كبار الطواشين
أو الطواويش (تجار اللؤلؤ) ومن مواليد القرن التاسع عشر وتلاه إبناه:
٦.منصور بن صالح بن جمعة الأنصاري لبس الكشيدة في شبابه وبعدها لبس
فِزة الباشوية (الطربوش الأحمر) بعد تكليفه.
٧.عبدالحسين بن صالح بن جمعة الأنصاري اخو منصور من أهالي الكويكب والذي تلى أخوه.
٨. ملا رضي الزاير (أبو جواد) من أهالي القلعة وهنا أود التذكير ثانية بأنها ليست عمامة الفقهاء.
٩. الحاج رضي (الشريف) الشماسي من أهالي القلعة.
١٠.ملا محمد الزاير (أبو عبدالله) من أهالي القلعة.
١١. الحاج محمد آل سيف أبو حسن من أهالي القلعة.
١٢. الحاج أبو علي المصطفى من أهالي القلعة.
١٣. الحاج علي بن مكي البحارنه من أهالي مياس وكان من أواخر من لبسها فقد توفي عام ١٣٩٤ وكان دكانه في القصبة التي تربط بين الصكة والجبلة وكذلك اخوه الحاج محمد الذي عاش في البحرين وأخوه إبراهيم.
١٤. الحاج ابراهيم بن مكي البحارنة من أهالي مياس.
١٥. الحاج محمد بن مكي البحارنه عاش في البحرين وكان يتردد على أخويه في القطيف.
١٦. الحاج حسن الخنيزي (أبو عبدالواحد) من أهالي القلعة.
١٧. الحاج حسن السنان (ابو أحمد) من أهالي القلعة.
١٨. الحاج أحمد حسن السنان (أبو حسن) من أهالي القلعة وهذا لم يستمر في لبسها لآخر حياته.
تلك القائمة ماهي إلا عينة ممن لبسوها فلابد أن هناك المزيد منهم وكذلك من آبائهم وأجدادهم لذا فإن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن هذه الكشيدة كانت تلبس على الأقل من القرن التاسع عشر الميلادي ولابد أيضاً أن لبسها بدأ في وقت أبكر من ذلك الزمن.
ومن الطريف أن هناك أكثر من متحف أهلي في القطيف يحتفظ ببعض من هذه الكشائد مع مدونات توضح أسماء من لبس هذه الكشيدة ومتى لبسها ومتى توفي، كما أن هناك البعض من الأهالي أيضا لازالوا يحتفظون بكشائد أجدادهم الماضون رحمهم الله أجمعين.
*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.
أحسنتم كثيراً على هذه الإطلالة المتميزة وكم اعودتنا ذلك في كتابتك ، وأحببت الاشارة إلى أمر لم تتعرضوا له ألا وهو أسماء من عرف بصناعة الكشيدة وخياطتها ، وكان منهم الحاج عبد الله الجشي وابنه أيضاً الحاج عبد الله الجشي أبو سعيد وقد كانا يلبسانها أيضاً إلا أن عبد الله الابن لم يستمر في لبسها ، وأيضاً حبذا لو تابعت هذا الموضوع في التراث البحريني من خلال أقلامهم وكتاباتهم ليكتمل موضوعكم ، وأنا استقرب أن كشيدة هي مستعملة في كلتا الحضارتين التركية والفارسية ، وأما استعمالها عندنا فهو باعتبار الامتزاج والتواصل الحضاري بين الحضارات الثلاث سابقاً في القرن الثامن عشر والتاسع عشر من خلال التجار والأسفار ، فهو نحو من التنوع الثقافي بين تلك الثقافات الثلاث ،
وأخيراً : ففي آخر سطر من المقالة كتبت كلمة خطأ وهي (بكشائد أجدادهم الماضون) والصواب الماضين
احسنت كثير لهذه الإضافة وكان الاجدر بي ان اذكر انها كانت تخاط في القطيف ولكني حاولت ان اتعرف على من كان يخيطها فأجلت هذا الجانب بحيث أذكره في الأخير فنسيت ان اذكره على الأقل ولو بدون ذكر اسماء فألف شكر لك على هذه الإضافة
يعطيك الله العافية استاذ عبد الرسول، موضوع جميل ويذكرنا بالزمن الذي مضى ونتمنى من أولادنا قراءة الموضوع ليطلعوا على بعض جوانب البعد الحضاري للقطيف وإتصالهم بالحضارت المجاورة. آخر من رأيت يضع الكشيدة كان الحاج المرحوم محمد صالح النهار لقربه منا في السوق. زادك الله عطاء.
مقال جميل جدا، لأول مرة أعرف هذه المعلومة، وكنت أظنها عمامة، عمامة رجال الدين..
يلبسها اي واحد؟ الله ايام زمن الطيبين
نشكر للكاتب المميز هذا المقال الممتع
شكراً لكم أستاذنا العزيز أبامحمد على هذا الإرث الثقافي والتاريخي والجغرافي الذي تنقله لنا
ولكننا نعتب عليك عتب المحبين لأنك لم توثق لنا هذا الإرث الحضاري في موسوعة قطيفية أو على الأقل كتاب ثمين يضيئ مكتباتنا و يبقى رافداً لنا وللأجيال القادمة بعدنا
ولكم الشكر موصولا عزيزي وعما قريب ان شاء الله
الشكر كل الشكر لك أستاذنا العزيز أبو محمد على الطرح الجميل ..
في الصورة الأولى:
القطيف .. القلعة .. سوق القفافيص عام ١٩٤٧ م
المرحوم المُلا محمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ عبدالعزيز آل سيف ( الله يرحمه).
المرحوم عبدالباقي بن علي بن رضي النهاش وليس ابن الحاج محمد صالح