علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية
{كل ممنوع مرغوب}
مثلٌ دارج متداول على نطاق واسع في المجتمع. يقال في هذا المعنى ايضًا بعيد المنال مطلوب. هذا المثلٌ يعكس طبيعة من طبائع البشر المتأصلة في ذواتهم ولذلك هو مثل عابرٌ للقارات.
هناك صيغ مماثلة في معظم ثقافات العالم تشير الى نفس هذا المعنى كقولهم “حديقة جارنا أكثر اخضرارا“. فالمثل الإنجليزي يقول “the grass is always greener on the other side” وهذ يعني أننا ننظر إلى الأشخاص الآخرين دائمًا كأنهم في وضع أفضل منا، ولو لم يكونوا كذلك.
عندما ننظر إلى حياة الآخرين والأشياء التي لا نملكها، تتولد عندنا رغبة فيها، وهذه الرغبة قد تخلق في النفوس التي تضعف امامها صفة الحسد الناشئة عن الجشع بسبب التركيز على ما عند غيرنا، وربما كان ما عندنا افضل منها.
؛؛بالطبع، دائمًا، ستبقى بعض الأشياء في أيدي الآخرين، ونعتقد نحنُ ولو بمفهوم خاطئ إن ما عندهم أفضل مما عندنا؛؛
علينا أن نعي إن للمنوعات سحر يجعلها مرغوبة. هل لاحظت إن بعض العلامات التجارية تمنع من تدفق منتوجاتها إلى الأسواق وتضع على توفيرها للزبائن ضوابط لتجعلها مرغوبة أكثر لديهم. وهل لاحظت إنك حين تحتاج لموعد بعض مقدمي الخدمات الكمالية يتم إيهامك إنه لا توجد مواعيد متوفرة في الوقت الذي أنت تريده ويعطونك موعد في وقت آخر. بهذا الأسلوب، توظف هذه المؤسسات قانون الندرة وهو بالطبع مبني على مفهوم “كل ممنوع مرغوب.”
وبالرغم من هذا، ليس من الضرورة أن نقاوم جاذبية الممنوعات، وربما كانت الاستجابة لها هو الخيار الأفضل. فليس من الخطأ دائمًا محاولة التقرب ومعرفة وعمل كلما هو محظور.
الرغبة تثيرُ في النفس البشرية الباعثَ لتطوير ذاتها والتخطيط لما ينفعها، وتحثها للسعي في كسب الرزق والاستكشاف وزيادة المعرفة والنجاح. المهم هو الانتباه لنتائج هذه الرغبة وما نرجوه منها، فإن كان ما ستفضي إليه خير لنا ولغيرنا سرنا في تحقيقها وإن كان فيها شرٌ أو أذى لنا أو لغيرنا وجب علينا التوقف عنها وتصحيح مسارنا.
الانتباه لمغزى هذا المثل يساعد في توظيف البواعث النفسية والطاقات العاطفية والقدرات العقلية، وحتى المصروفات المالية بطريقة إيجابية للاستفادة القصوى منها، بدلًا من السماح لها باستفزازنا وخداعنا وخلقها لفراغ تعشعش فيه الوساوس والغيرة والحسد.
فهناك عوامل كثيرة تُسبِب في انحراف هذه الغريزة الطبيعية عن الحكمة التي وُجِدت من اجلها، ومن تلك العوامل الاستفزاز والتحريض والإثارة والتحريم والتخويف والشدة في المنع.
في بعض الأحيان، تمنحنا الرغبة في الممنوع فهمًا أدق لأنفسنا ويساعدنا في استكشاف ما يمكننا القيام به؛ وفي بعض الأحيان، يكون في المحظور شرٌ نتيجته الخسارة والندم الأبدي. الاختيار دائما في أيدينا.
الفضول والحاجة إلى التجربة جزءان متأصلان في التطور البشري، وهي من الغرائز الأساسية للنمو والبقاء وتساعد في البحث عن الأفضل لنشعر بالتمكين والقوة، فالرغبة المنبعثة من داخلنا تخرج الأفضل منا فنتعلم ونبتكر ونتوصل لأشياء مختلفة وجديدة شريطة الا نقع في المحظور، لأن الرغبات الجامحة لنيل ما عند غيرنا أو حتى الحصول على مثله قد تُولِد صفات نفسية سلبية كالحسد وربما التطاول على الغير. ولذلك يكون البديل الأنسب احيانًا هو القبول والرضى بما لدينا لكيلا نعكر صفو حياتنا.
الخلاصة، إن الإنسان بطبعه يرغب فيما ليس عنده، والطبع غلب التطبع، وهذا الطبع ليس سيئًا في حد ذاته، بل له فائدةٌ واضحة، إذا احسنا الاستفادة منه بالمحبة وابتعدنا عن الغيرة والامتعاض. الرغبة في الممنوع تساعد في البحث عن الأفضل لتحقيق الشعور بالرضا والتمكين والقوة.
إن مقولة كل ممنوع مرغوب قديمة قدم الإنسان ذاته، حيث أن آدم عليه السلام وزوجته قد أخرجا من نعيم جنتهما الأولى بسبب أكلهما من شجرة منعت عنهما، فقد أباح الله لهم كل ما كان في الجنة باستثناء شجرة واحدة، إلا انهما لم يمتثلا للأوامر، وحصل ما حصل. وهذا الحدث يدلُ على طبع الإنسان في الحرص على نيل ما منع عنه.
رغب آدم في الشجرة التي حرمت عليه حتى أخرج من الجنة بسببها. جأء في سورة الأعراف: {وَيَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (19) فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ (21) فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ (22)- الأعراف}
وهذه القصة مثال واضح يدل على شدة وتأثير وتأصل الرغبة في الممنوع عند الإنسان من قدم الزمان. فمن طبع الإنسان محبة المعرفة والاستكشاف، وفي ذللك قالوا الإنسان حريص على ما منع، ويمكننا ملاحظة ذلك في الأطفال.
يشعر الأطفال بالفضول تجاه الأشياء التي يُمنعون عنها أو القيام بها. فلو اخفيت شيئًا عن طفلٍ وأنت تمازحه، وشاهدك الطفل وأنت تخفيه فربما لن يستدعي هذه الحركة اهتمامه وسيواصل المزاح معك لكنك لو استفززته بقولك: لقد أخفيت عنك حاجة جميلة في جيبي، فسيهتم بالأمر ويطلب منك رؤيته، وإذا قلت له لن اقول لك ما هو وسأخبر أخاك، لاستشاط غضباً وأصر عل رؤيته وربما غضب لذلك وبكى. تنتقل هذه الغريزة إلى مرحلة المراهقة والرجولة، وتبقى هذه الرغبة جامحةً عندما يرافق المنع اسلوب استفزازي يؤثر في نفسياتنا وتشعرنا بالحرمان أو التقييد.
وليس بالضرورة دئمًا أن يكون الممنوع بسبب قوة الآخر وسلطته، بل ربما كان بسبب ضعف او قصور ذاتي، أو حرمان لظروف بيئية أو اجتماعية كأن يكون في المنع ظلم أو عدم عدالة اجتماعية، أو عند غياب المعرفة بأسباب المنع.
ربما نجد ابناء المتعلمين لا يهتمون بالتعليم وإن آباءهم المتعلمين لا يعيرون كثيرًا من الاهتمام لتعليم أبنائهم بينما نجد الذين لم يكن لهم حظًا في التعليم حريصين على تعليم ابنائهم. طبعًا هذا المنحى العام للواقع، والا فإن هناك من المتعلمين من يسعى لتعليم ابنائه لوعيه بأهمية التعليم: كما أن هناك الكثير من غير المتعلمين لا يهتمون بتعليم ابنائهم وهذا بالطبع يعود لانعدام الوعي والخوف من تحدي الصعاب وعدم الرغبة في حب التغيير والاستئناس بمنطقة الراحة. ومثل الرغبة في العلم لمن لم يناله، المال لمن حُرِم منه.
يروي احدهم إنه عاش طفولته يتيمًا مع امه في دارٍ متواضعة، وكان ينظر الى البيوت المجاورة كأنها قصور وكان يمني نفسه في امتلاك واحد منها وربما اخذته احلام يقظته لأن يملك الكثير منها ليكون له ما كان لغيره من اقربائه وجيرانه. كانت هذه امنيته الأولى التي بقيت معه ورافقته بقية حياته. ان يملك بيتًا او بيوتًا كثيرة.
لم يشعر الرجل بالغيرة أو الحسد لكن ما حرم منه بعث فيه الاهتمام والمثابرة لتحقيقه. مرت الأيام واصبح للرجل شيء من المال. تطورت الحياة وهجر الناس الحارة القديمة وتركوا بيوتهم ليسكنوا في بيوت حديثة خارج اسوار المدينة. وكان صاحبنا يشتريها بأثمانٍ بخسة والناس يستغربون من هوسه في شراء هذه المنازل شبه المتهالكة وفي زرانيق ضيقة.
لم يمضي وقتُ طويل حتى تم نزع ملكية البيوت القديمة بأثمان مجزية اعطت صاحبنا شيئا من الثراء وأصبح احد اصحاب الأملاك.
فعلينا الا نستسلم لما حرمنا منه ولكن نفكر ونعمل للحصول عليه، فالرغبة في الممنوع تخلق التحدي، وتجعل الممنوع أقرب نيلا.
الإبداع لا يرتبط إلا بالناس اللي تبحث عن معلومات وحقائق وذات نوايا حسنه وقلب طيب وهذا اهم العوامل التي تجعل المهندس البارع ابو حسن الجشي مبدعا ويتناول نقاط في مواضيعه تجعله دقيقا وشيقا في كتاباته….عفيه عليك والله لا يحرمنا منك