{من قدم عوماية صاد كنعدة}
“العوماية” سمكة صغيرة الحجم، لا يتجاوز طولها 5 سنتيمترات، مليئة بالعظام وهو نوعٌ من السمكِ المشهور في الخليج العربي، ويتكاثر بوفرة في الفصول الحارة بين شهري مارس وأغسطُس. وسمكُ العوم من فصيلة السردين، وجمع مفردها عوم أو عومة.
لا يرغب أهل القطيف بأكلِ سمكِ العومةِ وكانوا يكتفون بتجفيفهِ بحرارة الشمس وتمليحُه، دون تنظيف بطنه. ويتم خلط العوم المجفف مع نوى التمر والبرسيم وإطعامه للمواشي وبالأخص الأبقار كعلفٍ يساعدُ في نموِها وزيادةِ در الحليب منها. ومن المناسب أن نذكر إن سمكَ العومةِ يستخدم ايضًا كسماد لبعض النباتات الاقتصادية كشجر الليمون إذ يُقطعُ سمكُ العومِ قطع وتدق وترش كبذار لإخصاب الأراضي الزراعية. ويمكن تصنيع وتعليب سمكِ العومةِ مثلهُ مثل سمكِ التونةِ ليتمَ استغلالهُ بصورةٍ تجارية.
فسمكُ العومةِ سمكٌ رخيصٌ لا قيمة اقتصادية فورية له في مقابل الأسماكِ المطلوبةِ والمرغوبِ فيها، إلا إنه أحدُ أهم وسائلِ الصيدِ التي يُمارسُها الصيادون الذين يستخدمونه كطعمٍ لصيد سمكٍ أكبر وأطيب حيث تتميز أسماكُ «العومةِ» بلونٍ فضيً لماع براق ورائحة جذابة للأسماك الكبيرة، كسمك الكنعد الذي يقتات عليها ويجد فيها غذائه المفضل، فيقع فريسة احتيال الصيادين لصيده.
ومن هذه الممارسة البيئية في الصيد، والعلاقة الغذائية النفعية بين سمك العوم وسمك الكنعد، جاءت صياغة هذا المثل، ومنها أخذ مغزى معناه.
؛؛هذا المثل يوضح اسلوب من اساليب التعامل مع الآخرين، بأساليب تكتيكية أو مسرحية، للحصول على شيء ثمين ذو قيمة مادية أو معنوية أكبر نفعا في مقابل تقديم شيء بسيط تكاد لا تكون له قيمة؛؛
والغالب على مفهوم هذا المثل سلبية التوصيف في استخدامه للتعبير عن حدثٍ وقعَ أو رغبة يُراد تحقيقها. وكنه هذه السلبية تعودُ لاستخدام مفردة “صاد” الذي توحي بالخديعة كما في قول “صادوه” و “صيدة” واعتبار “المصيود” ضحية قلة وعيه.
ووجه التشبيه في هذا المثل إن هناك من يتقصد كسب جميل الآخرين وخاصة البسطاء والطيبين منهم بعمل شيء بسيط لهم واستخدام ما يقدمه كطعمٍ للحصول على مكاسب اكبر وفوائد أكثر مما قدمه بتخطيط مسبق ومتعمد، كأن يقوم أحدهم بدعوة شخص لوليمة ومن ثم يطلب منه كفالة في بنك، أو قرض بمبلغ كبير أو يستلف منه مبلغ من المال يماطل في ارجاعه او يعتذر بعدم القدرة على رده.
وربما كان الطعمُ كلامًا معسولًا لذر الرماد على العيون. وربما يتم ذلك احيانًا باللعب على ثقة الضحايا، أو كما يُقال، بالضحك على الدقون، بطرقٍ تعددت أشكالها وألوانها ومخرجاتها كاستخدام الخدعة والحيلة واستغلال العاطفة والخجل والسذاجة ونقص الخبرة والجشع والغرور، وإلى ما مثل ذلك من خصائص النفس البشرية.
ولا شك إن هذا الأسلوب غير أخلاقي كونه مبنيًا على سوءِ نية ويفتقد الصراحة ويجافي الحقيقة، رغم أن ممارسي هذا السلوك قد يملكون مهارات وقدرات على تجميل ما هو قبيح والظهور بمظهر الصديق وقلب الحقائق وتبديل مقتضيات الحال وتشويش الواقع. وكما يُقال “حبل الكذب قصير” ولو اعتقد من يتعاملون به إنهم اصحاب ذكاء وحنكة وسعة خبرة، فهو لا ينفع، بأي حال من الأحوال، أن يكون منهجًا مقبولًا لتحقيق النجاح لأنه يبعد صاحبه عن الطريق القويم ويحرمه من نيل قبول الآخرين وكسب ثقتهم.
ورغم سلبية هذا المثل فلربما كان له ايضًا استخدام إيجابي يوصِف سلوكًا في التعامل التجاري أو ما يسمى “اخلاق تجارية”.
فقد يقدم صاحب متجر أو بائع في السوق للزبون عينة من البضاعة تشجعه على الشراء أو يتم تخفيض سعر البيع قليلً وهو ما يُعرف بأسلوب “المساومة” لإقناع الزبونِ على الشراء أو أن يتم اعطاء الزبون هدية بسيطة بعد أن يشتري شيئًا من المحل لكسبه كزبون دائم، أو ربما كان العطاء بكلمةٍ طيبة كقول البعض “شكرًا” لزائر المحل أو “شرفتونا” أو “نورتونا”ٌ ويرافق ذلك ابتسامة صادقة، وكل هذا سلوكٌ محمودٌ مريحٌ محببٌ للنفوسِ يزرعُ الوفاءَ في الزبون ويشجعهُ على التفكير في العودة للمحل والاستمرار في التعامل معه.
وفي الأخير لابد من ادراك إنه “لا يصح إلا الصحيح” وسيكتشف الناس الحقيقة عاجلًا كان ذلك أم آجلا. إذ من الممكن أن ينخدع كل الناس بعض الوقت، وأن ينخدع بعض الناس كل الوقت، لكن، بالتأكيد، ليس من الممكن أن ينخدع كل الناس كل الوقت.