أعني “القطيف” وحتى سبعينات قرن العشرين الماضي ومن سيهاتها حتى صفواها، لمن لم يشهد ذلك العصر…
هو ذاك الشريط المتقطع الذي كان يفصل بين غابات نخيلها وأشجارها المتنوعة في الشرق وبين خضم بحرها،،،
هو الطريق الذي حين تسلكه بعد أن تتراجع مياه البحر للتو من مده إلى جزره ، عليك ان تحترس من أن تنزلق إحدى رجليك تارة إلى البحر عن يمينك -مثلا- وتارة عن يسارك شطر غابات النخيل وذلك لضيق هذا الطريق الذي لايتجاوز عرضه -أحيانا- عدة سنتيمترات مع أنه احيانا يأخذ في الإتساع حتى يصل الى عشرات الامتار…
“إنه الدستور”
ولكن مهلا! عندما يقال عنك إنك سائر في الدستور فإلى أين سينتهي بك؟
نعم الدستور وهو نفسه الذي يطلق عليه أحيانا الجارم (أو اليارم) أيضا، إنه طريق يمتد من شرق خصاب سيهات جنوبا حتى شرق دبدابة صفوى شمالا ولعله توغل إمتداده نحو الشمال إلى أكثر من ذلك خلال قرون مضت،،،
وعلى مدى ذلك الإمتداد من الجنوب الى الشمال فإنه يمر بك على عدة مناطق وقرى وأحياء من نهاياتها الشرقية المتاخمة للبحر بدءا من حي الخصاب ثم باتجاه الشمال إلى عنك مرورا بالعياشي ،تلك المنطقة الخصبة أرضها والممتدة من عنك جنوبا وحتى الشويكة شمالا فيمر هذا الدستور مجتازا بين بساتين الشويكة والبحر فالكويكب ثم الشريعة والقلعة وأحيانا ينقطع بك طريق الدستور هذا.
دعنا نقفز الآن الى اليمين بإتجاه الشرق حيث جزيرة تاروت من واجهتها الغربية الى جهتها الشرقية حيث سنابس أو جهة الشمال حيث مزارع وبساتين تاروت التي تتخذ نفس النظام -اعني نظام الدستور الممتد بين البحر والنخيل أيضا.
هيا نعود من جزيرة تاروت لنواصل مسيرتنا عبر هذا الدستور بين بساتين القديح الشرقية فالعوامية حيث أرض الرامس ومابعدها بمحاذاة حي الريف والمتضمن لمزارع الغميري وما جاورها، وهنا نتوقف قليلا حيث تنقطع خضارة بساتين النخيل الشرقية والمطلة على البحر بين العوامية وصفوى وينقطع معها هذا الدستور لبضعة كيلومترات…
ولكن استمراريته تعود بنا ثانية حيث بساتين صفوى الشرقية من بدايتها المتاخمة للبحر من أقصى جنوبها إلى أقصى شمالها بين البحر والزرع.
شكرا استاد عبد الرسول هل لهذا الدستور علاقه بالنهر الذي كان موجودا في هذه المنطقه كما سمعنا وفرأنا
العفو لاشكر على أقل واجب استاذنا الكريم سيد عدنان
لاشك أن الدستور له علاقات بعناصر طبيعية شتى مرتبطة بالبيئة. أما مايعرف بالنهر أو كما تسمى الجداول النهرية فالمقصود بها -أولا- هي السابات فسابات القطيف كثيرة ومتعددة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تلك التي في سيهات كالساب الكبير (العود) والساب الصغير، وهناك العدديد منها والمتدفقة وفي أنحاء القطيف والتي من أشهرها ساب ابو خمسة وابو دانك والمغلي وأبو اكحيل وابو خيسه وامهات الحلوه والفضلي وغيرهم، وأما في صفوى والذي يعرف بالمجاز (المياز) مثل مجاز لمليح والمعزاز وام القبقب والبحرية ولسرج وغيرهم، فهذه السابات كان بعض اهالي المناطق الأخرى من السعودية ممن شاهدوا القطيف في السابق حين يتكلمون عنها كانوا يقولون (شفنا في القطيف أنهار) ولاغرو في ذلك فقد كان عرض بعضها يصل الى خمسين مترا أو اكثر احيانا، وفي بداية الستينات جاء مشروع الصرف ليحولها جميعا إلى مصارف مقننة -اعني ذات ابعاد عرضية وأعماق متساوية- وهي التي عرفت محليا بالسدود ولهذه التسمية قصة ومناسبة (إقرأها في مقالي: السد العالي في اسوان مصر أم في قطيف السعودية). وعموما فهذه الجداول النهرية في النهاية يصب أغلبها في البحر (الخليج) فهي بلا شك لاتستطيع الوصول إلى البحر إلا بعد مرورها على ذلك الدستور وتقاطعها معه وحتى بعد تحويلها للمصارف فكلنا شاهدناها قبل ثلاث سنين أو اكثر انها كانت تصب في البحر فهي أيضا وبلا شك تلتقي بالدستور وتشقه متقاطعة معه لتصب في البحر.
استاذي ومعلمي الغالي ، جزاك الله عنا كل خير على كل ما تقوم به من بحث وتوثيق لجغرافية المنطقة وتاريخها وكانك تعود بذاكرة سينماقرافية في اذهاننا ونسمع صدى كلامك بصوت اجدادنا مع موسيقى صوت الموج وصوت هزات سعف النخيل كموسيقى خلفية. اكثر من رائع وبانتظار المزيد من ابداعاتك.