{اللي يعزي واللي ما يعزي يأكل عيش الحسين}
هذا المثل مأخوذ من عادة الإطعام في شهر محرمٍ الحرام، حيث يقوم الميسورون بطبخ الرز واللحم، عادةً، ومن ثم إطعام الناس سواءً من حضر منهم المجلس، وتسمى الضيافة، أو من يتم إيصاله إليه في مكانه، ويقال عنه توزيع.
وهي عادة اجتماعية حسنة بشرط الا يكون فيها اسراف وتبذير ، عملاً بقوله تعالى ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف-31).
اشتهر “عيش الحسين” بمسمى “المحموص” أو “عيش محموص” وهو رز يطبخ مع البصل بعد تحميصه بالزيت النباتي تحميصًا هادئًا ويُضاف إليه الماء الفاتر من حينٍ لآخر لتبريد الزيت ومنع تأكسده، فتكون له رائحةً زكية ولون بُني داكن بدرجة التحميص تزيد من شهية أكله.
وتسمية “عيش الحسين” جاءت لسببين ساميين، الأول: إن من يدفعون الأموال للضيافة يكون دافعهم عمل شيء للحسين وليس للناس؛ والثاني اشعار من ينال الضيافة إن ليس لأحدٍ منةٌ عليه حين مشاركته في هذه الضيافة.
فيما مضى كان يتم إضافة شيءٍ من اللحم يكادُ لا يُرى، وهناك من يضيف إليه الربيان في موسمه. وكان الطبخ يتم بالمحلة ويقوم بطبخه طباخون مهرة متطوعون ويساعدهم الكثير من محبي العمل الاجتماعي، يريدون بذلك وجه الله وثواب عملهم.
قبل الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته البلاد لم يكن المحموص متوفرًا للجميع بشكلٍ مستمر، بل ربما كان لمن حصل على شيء منه حظًا سعيدًا لنيله.
وإضافة لتبرع الميسورين ماديًا لإقامة هذه الضيافةِ على حب الحسين، وطلبًا للبركة. هناك الكثير من الأوقاف التاريخية التي خُصِصت للإطعام بقصد الثواب، وربما كان السبب اقتصادي لمساعدة المعسورين في نيل شيء من الطعام وخاصة في اوقات الفاقة.
يقوم القائمون على هذه الأوقاف بعمل الضيافة بما تسمح به ميزانية الوقف، وربما اضاف البعض منهم مالًا من جيبه. ولما كانت الأغلبية العظمى من الأوقاف في القطيف نخيل ومزارع، قل دخل هذه الأوقاف إلى الحضيض، وربما بلغ درجة الصفر مما أضعف وربما أوقف المصدر المالي لهذه الضيافة، بسبب الإهمال أو العزوف عن العمل في الإنتاج الزراعي المحلي.
وبعد أن توفرت روافد اقتصادية أُخرى أسهل منالا. اصبح الناس يتبرعون من جيوبهم لإقامة مثل هذه الضيافات، فصارت بعض الضيافات مآدبًا ، وكثُر ما يتم توزيعه، والحمد لله على فضله ونعمته.
كما اصبحنا اليوم نرى الكثير مما سُمي ب”المُضيف”، وهو مكان يُقدم فيه الشاي والقهوة والوجبات الخفيفة كالبقوليات والشوربة والحليب التي تقدم للمارة من رجال ونساء مواطنين ووافدين بجوٍ فيه من السعادة ما يرسم البسمة على وجوه الناس، فالضيافة والإطعام عاملٌ مهم في راحة البشر النفسية وبالأخص إذا اصبحت جماعية. ومن الناس من يأكل عيش الحسين بقصد البركة فيكتفون بالقليل منه.
في مقال له بجريدة الاقتصادية بتاريخ 27 نوفمبر 2012 تحت عنوان “عيش الحسين” يذكر الأستاذ توفيق السيف أن الدكتور غازي القصيبي قال له – رحمه الله – يوما:”لم أشارك في العزاء، لكن ”اللي يعزي واللي ما يعزي يأكل عيش الحسين، وقد أكلته في كل عام من أعوام الشباب”.
هذا المثل طَبَّقَتْ شُهْرَتُهُ الآفَاقَ. واستخدام الأديب والإداري الناجح الشاعر الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، واستشهاده به دليل قوي على بلاغته وعذوبة ذوقه وسهولة لفظه وعمق معناه وتطبيقه الإداري.
؛؛هذا المثل يقول أن هناك الكثير ممن يجني ثمر عمل واجتهاد غيره، دون أن يقوم هو بما استحق لنيل ما ناله، ولكنه حصل عليه بتواجده مع الجماعة، وبأساليب قد تكون ملتوية أو مخادعة أو متعجرفة أو انتهازية أو استبزازية؛؛
بل إن هناك من العاملين ممن لا يذوقون طعم ثمر نتاج عملهم ويستغل الآخرون جهودهم بالكامل. والوعي بهذا الأمر من قبل الإداريين المتنفذين ضرورة لخلق بيئة عمل أكثر عدالة، وبالتالي أكثر إنتاجًا مما يحقق رفاهية وراحة للمجتمع.
بقي أن نُذكر مع قرب حلول شهر محرم المحرم بوجوب عدم الإسراف في الضيافات بطريقة تؤدي الى إمتلاء حاويات الزبالة بفائض من الطعام – قد يكفي لإطعام الكثير، وأن يكون هناك وعي بالمواد الغذائية التي يتم توزيعها من ناحية الجودة وقيمتها الغذائية وتاريخ انتهاء الصلاحية حتى لا تتسبب في معاناة صحية للآخرين، ويجب التأكد من فائدة ما يتم توزيعه من بدائل كتحفٍ وأواني ليستفيد الناس منها الاستفادة القصوى والا تكون المناسبة العظيمة مدعاةً لهدر الأموال وتؤثر على صحة الناس.
توثيق جميل يابو حسين دمت ودام قلمك