Burst of brain activity during dying could explain life passing before your eyes
(بقلم: سارة ريردون – Sara Reardon)
[قدم للترجمة الدكتور قاسم عمران، استشاري طب العناية المركزة، والجهاز التنفسي وإضطرابات النوم في مستشفيات بومونت، ديترويت- ميشيغان]
مقدمة الدكتور قاسم عمران:
عندما تتعرض الدورة الدموية في الانسان لهبوط حاد ناجم عن توقف القلب بشكل مفاجئ، فهناك ثلاث مآلات يمكن ان تحدث لوظيفة المخ. المآل الاوّل هو ان يكون هذا الانسان محظوظًا ويتم انعاشه مباشرة عند توقف قلبه، فإذا كان الإسعاف الاوّلي والمتقدم فعالًا وناجعًا، فهناك احتمال كبير ان لا يتضرر المخ وخلاياه جراء ذلك التوقف المفاجئ، ويعود هذا الفرد بعدها لمباشرة حياته. المآل الثاني ان يتحصل هذا الانسان على اسعاف اقل فاعلية، او اسعاف يأتي متأخرًا، فمثل هذا الفرد قد تعطب كل وظائف المخ بسبب نقص وصول الدم اللازم لتغذية خلايا المخ بالسكر والاوكسجين اللازمين لحياة هذه الخلايا فيموت هذا الانسان نتيجةً لموت خلايا المخ، او أن قد تعطب هذه الخلايا جزئيا دون ان تموت، لكنها قد تفقد وظائفها. والمآل الثالث ان يُترك هذا الانسان دون اسعاف اولي وبالتالي يموت بسبب الموت المحتم لإنعدام التروية بالدم.
الدراسة المترجمة أدناه التي نحن بصددها، كانت محدودة في نتائجها بسبب قلة اولئك المتعافين (“في مجموعة المآل الأول”) الذين تم انعاشهم بما يكفي لإبقائهم على قيد الحياة وسرد توصيفاتهم لتلك التجربة حين كانوا على حافة الموت عندما كان فريق يعمل جاهدًا لإنعاش قلوبهم ليستعيد نبضاتها وليتدفق الدم الى المخ بالحد الادنى ليُبقي خلاياه حيّة.
القائمين على الدراسة ارادوا التعرف على ماهية موجات المخ عند تعرضه الى وضع طارئ يأخذه الى حافة الموت، ولكن يتم اسعافهم ويعودوا للحياة ويحكوا ما مروا به من تطورات خلال فترة الانعاش تلك. ولكن لصعوبات نقدرها لم يتمكن القائمين على الدراسة الا على الحصول على قليل من المعلومات، لا تكفي لإجتراح استنتاج علمي صلب تُبنى عليه نظريات او تفسيرات علمية لما يحصل اثناء الإحتضار قبل الموت او بعده.
بالمختصر، ينبغي التذكير ان خلايا المخ تبدأ بالموت خلال دقائق بعد انحسار تدفق الدم اليها، ووجود الموجات هي انعكاس لحياة هذه الخلايا التي هي في حالة احتضار ايضا، وستختفي هذه الموجات بغض النظر عن نوعها بعد دقائق مع موت خلايا المخ.
أما عن اهمية وجود هذه الموجات في المخ اثناء الإحتضار او اثناء الإنعاش، لا يعني الكثير لما بعد موت هذه الخلايا وسرعان ما ستتوقف هذه الموجات عند موت هذه الخلايا وستتوالى عملية موت خلايا اعضاء الجسم الاخرى، فبعضها تموت بعد ساعات كخلايا الجلد وبعضها قد تستغرق ايامًا قبل أن تموت كخلايا العظام وخلايا الشعر والاظافر.
صحيح ان هناك جدلًا فلسفيًا متفاوتًا لمعنى الحياة، إلّا أن حياة الانسان ذات المعنى بالمجمل تعتمد على حياة خلايا المخ فقط، فمع موت خلايا المخ يسمى الانسان ميْتًا وربما فقد معنى وجوده.
بعض المرضى الذين تتأخر عملية انعاش قلوبهم عن الوقت المثالي، تصاب أدمغتهم بالتلف دون ان تموت مما يؤدي الى عطب عقلي دائم. حينئذ تعرف حالة المريض هذه طبيًا بـ “الحالة الخُضَريّة” اي ان المريض يبقى كنبات بلا عقل، حي جسدًا، لا يتحرك بل ينام ويصحو، يفتح عينيه، ومعتمدًا على اجهزة الانعاش، ويُغذى عن طريق الانبوب المعدي؛ إلّا أنه لا يعي ما يدور حوله ولا يتفاعل مع محيطه ولا يستقبل أو يفهم الاشارات من غيره ولا يرسل اي اشارات! لهذا يحتاج عناية فائقة ومستمرة، ويعيش بقية حياته عالة على الآخرين.
سيكون عملًا عظيمًا لو توصل العلم إلى وسيلة لاسترجاع وظيفة خلايا المخ التالفة تلك، وبالتالي إستعادة هذه “الاجسام الخضرية” الى حياة وظيفية وفاعلة!
طبعًًا الدراسة المترجمة أدناه ليست الاولى من نوعها، وإن تميزت بتسجيل هذه الموجات الدماغية، لكن على مدى العقود الماضية هناك عدد من الدراسات التي اجريت على مرضى تعرضوا لتجربة “الاقتراب من الموت”. وكان الغرض من تلك الدراسات تحصيل وصف دقيق لما مروا به من تجربة وشعروا به اثناء فترة الإنعاش. بيد أن إفاداتهم عن هذه التجربة لم تكن متسقة وموحدة، فمنهم من قال انه شعر أنه يرى نفسه خارج جسده، او بعضهم يرى نوعًا من نفق مظلم ويرى في نهايته نورًا، وما الى ذلك من توصيفات، قد تعكس في مضمونها مكنونات العقل وتجاربه في الحياة. هذه الاستنتاجات لم تعطِ بعد دلالة حاسمة على ما يحصل بالفعل أثناء تجربة الاقتراب من الموت، وبالتأكيد لا تقدم اي مدلول الى ما بحدث قبل او بعد موت خلايا المخ، اي بعد موت الإنسان.
( الدراسة المترجمة )
تشير دراسة جديدة إلى كيف يمكن أن يستمر الوعي بعد توقف القلب
الكثير من الناس الذين مروا بحالة الاقتراب من الموت أو تم إنعاشهم بعد ذلك أفادوا عن نفس التجربة: تخرج أرواحهم وهم ينطرون، وتتكرر هذه اللحظات المشهودة التي لا تنسى، وقد يمرون بتجربة الخروج من الجسد(1)، شاعرين أنهم ينظرون إلى أنفسهم من مكان آخر في الغرفة. دراسة بسيطة استقصت مواقع نشاط أدمغة أربعة أشخاص أثناء احتضارهم بيَّنت ومضة نشاط في أدمغتهم بعد توقف قلوبهم.
يقول المؤلفون إن نتائج الدراسة ، التي نُشرت في دورية وقائع الاكاديمية الوطنية للعلوم(2) (Proceedings of the National Academy of Sciences) ، قد تفسر كيف يمكن لدماغ الشخص أن يعيد شريط الذكريات الواعية [الذاكرة الصريحة(3)] حتى بعد توقف قلبه عن النبض. يقول سام بارنيا (Sam Parnia) ، اختصاصي أمراض الرئة في مركز لانغون (Langone) الطبي بجامعة نيويورك، والذي لم يشارك في الدراسة، “النتائج توحي بأننا نتعرف على أمارة على الوعي(4) الجلي”. [الوعي الجلي (lucid consciousness) هو الوعي الذي يدرك صاحبه أنه واعٍ].
بالرغم من أن الموت قد عُرِّف من الناحية الطبية على أنه اللحظة التي يتوقف فيها القلب عن النبض توقفًا تامًا ونهائيًا لا يمكن أن يعود منه مرة أخرى. فقد أفادت الدراسات الحديثة إلى أن نشاط الدماغ في كثير من الحيوانات والبشر يمكن أن يستمر بعد توقف القلب لمدة ثوانٍ إلى ساعات. في عام 2013 ، على سبيل المثال،
وجدت باحثة علم الأعصاب في جامعة ميشيغان، جيمو بورجيغين (Jimo Borjigin) وفريقها، أنه ظهر في أدمغة الفئران أمارات على الوعي حتى بعد 30 ثانية من توقف قلوبها عن النبض. تقول بارنيا: “لدينا هذا المفهوم الثنائي للحياة والموت وهو مفهوم قديم عفا عليه الزمن”. [المترجم: المفهوم الثنائي (binary concept) هو مصطلح يعني نقيضيين أو متضادين متزامكنين، وكما يقال النقيضان لا يجتمعان].
ومع ذلك، بالرغم من الافادات الكثيرة التي حُصِّلت على مدى مئات السنين من الذين جرى إنعاشهم بعد الموت السريري أو كادوا أن يفارقوا الحياة ، “لقد صُدمت عندما أدركت أننا لا نعرف شيئًا تقريبًا” عن نشاط الدماغ أثناء الاحتضار، كما تقول بورجيغين. بالنسبة للدراسة الراهنة، درست هي وفريقها السجلات الطبية لأربعة أشخاص كانوا في حالة غيبوبة وعلى أجهزة الانعاش [أجهزة تستخدم لإبقاء المريض على قيد الحياة(5)] الذين وضع الأطباء عليهم خوذات تخطيط كهربية الدماغ. لم يكن من المتوقع أن يبقى أي من هؤلاء المرضى على قيد الحياة.
الخوذات ترصد باستمرار الإشارات الكهربائية التي تنشط عبر القشرة المخية(6) (cerebral cortex) لكل مريض: قبل وبعد إزالة الأطباء أجهزة التنفس الصناعي، وأثناء آخر نبضة قلب قابلة للقياس لكل مريض، وحتى تَوقَف نشاط الدماغ بشكل تام. بعد ثوانٍ من إزالة أجهزة التنفس الصناعي، اجتاحت دماغي اثنين من المرضى الأربعة فجأة موجات من النشاط العصبي عالية التردد تسمى موجات غاما (gamma)، والتي استمرت مع توقف القلب عن النبض. وجدت دراسات أخرى(7) نفس النمط من نشاط موجات غاما عندما يكون شخص سليم منهمكًا في التذكر أو التعلم أو حين يحلم ، وقد قرن بعض علماء الأعصاب هذه الموجات بالوعي.
يقول أجمل زمار (Ajmal Zemmar)، جراح الأعصاب في جامعة لويزفيل (Louisville)، قد تشير موجات غاما إلى أن مناطق مختلفة من الدماغ تعمل معًا لدمج الأحاسيس المتباينة بالوعي المدرك(8) لأحد الأشياء – على سبيل المثال تجمع بين منظر ورائحة وصوت السيارة معًا.
كيف يقوم الدماغ بهذا العمل، يقول، “هذه لا تزال واحدة من أعظم الأحاجي في علم الأعصاب” ، لكن مشاهدة نفس موجات غاما في أدمغة محتضرين توحي بأن هناك آلية بيولوجية للإفادات بأن الدماغ يعيد عرض شريط أحداث الذكريات في تلك اللحظات الأخيرة. أفاد مختبره سابقًا بموجات غاما مماثلة لدى شخص مات بنوبة قلبية بينما كان دماغ هذا الشخص يخضع للرصد بحثًا عن النوبات الصرعية(9، 10).
تقول شارلوت مارسيال (Charlotte Martial) باحثة في الطب الحيوي بجامعة لياج (Liège) الفرنسية، والتي تدرِّس مادة تجارب الاقتراب من الموت(11): “هذه الورقة مهمة جدًا لدراسات تجارب الاقتراب من الموت ولحقل الوعي بشكل عام”. لم تتفاجأ من أن اثنين فقط من الأشخاص الأربعة في دراسة بورجيغين ظهر فيهما نشاط موجات غاما، بالنظر إلى أنه ليس كل الذين عاشوا بعد تجربة الاقتراب من الموت أفادوا بتذكر مرور شريط الذكريات أو تجارب الخروج من الجسد.
تشير بورجيغين إلى أن اللذين أظهر دماغاهما نشاط موجات غاما كان لهما أيضًا تاريخ من النوبات الصرعية، والتي تقول إنه كان من الممكن أن تكون قد أعدت أدمغتهما مسبقًا لتجربة إيقاعات غير طبيعية.
لاحظ فريقها أيضًا نشاطًا كهربائيًا متزايدًا في منطقة دماغية تسمى العقدة الصدغية-الجدارية- القذالية(12) ، والتي يُعتقد أنها معنية بالوعي وتنشط أثناء الأحلام والنوبات الصرعية وهلوسة الخروج من الجسد(1) . تعتقد هذه الباحثة أن موجة نشاط الدماغ تعتبر جزءً من حالة البقاء على قيد الحياة والتي من المعروف أن الدماغ يدخلها بمجرد حرمانه من الأكسجين عنه.
وجدت الدراسات التي أجريت على الحيوانات التي تتعرض لموت دماغي أن الدماغ يبدأ في إفراز العديد من جزيئات التشويرات(13) ويصدر أنماطًا غير عادية من الموجات الدماغية لمحاولة إنعاش نفسه، حتى أثناء ايقافه للإشارات الخارجية للوعي (الوعي الذاتي الخارجي(14)) ، وهي تقول: “الدماغ ينفصل عن العالم الخارجي ويعتني بالأمور الداخلية المحتدمة”.
تأمل بورجيغين في تكرار النتائج التي توصلت إليها وذلك بالتعاون مع المراكز الطبية الأخرى لدراسة نشاط الدماغ لدى المرضى الذين يحتضرون. يقول زمار إن التوصل إلى بعض الإجابات عن كيف تحدث عملية الاحتضار سيكون كشفًا بالغ الأهمية ، لأن “الموت لا زال يمثل نوع احجية – فنحن لا نعرف ما الموت بالفعل”.