منذ زمن والنظريات العلمية تتوالى لمعرفة حقيقة “الفايبرومالجيا” وهل هي أعراض جسدية حقيقة أم نفسية، فقد كان يُعتقد لزمن ليس ببعيد بأنها عبارة عن اضطراب يُصيب الجهاز العضلي الهيكلي ولكن الدراسات الحديثة رجحت بأنها حالة تصيب الجهاز العصبي والحيوي وتُغير من طبيعة التفاعلات الكيميائية الحيوية فيها.
قد يكون من أهم الأعراض التي يعاني منها مريض الفايبرومالجيا جنباً إلى جنب مع الإحساس بالألم المنتشر على نطاق واسع في الجسم هو الشعور بالإرهاق وقد يتفوق حتى على شعورالألم أحياناً.
يجد مريض الفايبرومالجيا صعوبة في أداء المهام الروتينية اليومية حتى تصل أحياناً للمهام البسيطة جداً منها وعلى الأخص الأمور التي تتطلب تركيز وقدرات ذهنية، فيبدأ بالشعور بصعوبة في التركيز، تراجع في الذاكرة، قلة الإنتباه، الإرتباك، وصعوبة في اتخاذ القرارات واختيار المفردات المناسبة للتعبير أحياناً في بعض المواقف.
علاوة على ذلك قد يتفاقم شعور الشخص بالإعياء والإرهاق عندما يحتاج لإنهاء أكثر من مهمة في نفس الوقت لأنهم عادةً يحتاجون لوقت أطول لإنجاز أي مهمة سواء تتطلب لمجهود بدني أو ذهني مقارنةً بالأشخاص العاديين.
ونتيجة لذلك فإن التعب الناتج عن الإرهاق الجسدي يؤثر على كفاءة عمل الجهاز المناعي العصبي والذي يساهم في تغيير نمط الحركة والاستجابة للألم وهذا مايؤدي إلى تقليل النشاطات اليومية لتجنب الانزعاج من الألم.
وقد وجدت الدراسات مؤخراً بأن هنالك علاقة بين إصابة الأفراد بالفايرومالجيا عندما يعاني الأهل من نفس المشكلة مسبقاً وهنالك نظريات تدعم دور العامل الوراثي فيها.
والمثير للاهتمام بأن جزء من معاناة الأبناء المصابين قد تكون ناتجة من تجارب الطفولة المؤلمة والسلبية خصوصاً عندما ينشأ الطفل في بيئة غير صحية نفسياً ويضطرب من شخصية أحد الوالدين الغير مستقرة أومشاكل الوالدين العائلية أو من الانفصال بينهما ومعاصرته لبعض المشاكل المجتمعية كالتنمر في غياب ملاحظة الاباء لذلك.
والجدير بالذكر إن تطور مناطق الدماغ ونضوج جميع القدرات المعرفية تتبلور بشكل أوضح مابين مرحلة الطفولة لسن البلوغ ولكن عندما يتعرض الطفل في هذه الفترة لصدمات الطفولة السلبية فقد تتأثر حينها بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن التركيز والتعلم والمشاعر وبالتالي لن تتطور بالشكل الطبيعي كما هو الحال في أقرانهم الاصحاء فيصبح عندها هؤلاء الاشخاص أكثر عرضة للإصابة بالإضطرابات المزمنة بما فيها الفايبرومالجيا.
؛؛ولهذا من الأعراض المهمة في الفايبرومالجيا هو الصعوبة في التحكم بالمشاعر والسيطرة على الأمور التي تتطلب قرارات مصيرية وعدم المقدرة على التعبير عن المعاناة بمعناها الحقيقي؛؛
وكذلك عدم القدرة على التعامل والتكيف بشكل سريع مع المتغيرات المجتمعية والبيئية من حولهم ولهذا العديد منهم يلجأون للعزلة والهدوء حتى تقل عنهم المتطلبات الذهنية والجسدية خلال التعاطي مع الأخرين مما قد يهيج شعورهم بالألم والاعياء.
كما إن عدم فهم الأخرين لوضعهم الصحي بالصورة التفصيلية واتهامهم بكثرة الشكوى والمبالغة في وصف المعاناة والبطء في الاستجابة للمهام الحياتية، تجعلهم يفقدون الاحساس بالذات ويشعرون بالاكتئاب في ظل غياب الدعم الأسري والمجتمعي من حولهم.
وقد تكون المعلومة الغائبة عن البعض بأن الألم والإرهاق الشبه دائم يجعل من الصعب على الدماغ معالجة المعلومات وحل المشكلات بشكل منطقي وسريع وبالتالي قد يستطيع الشخص منهم إنجاز كل المهام ولكن بطريقة أبطأ وأقل كفاءة ودقة من الآخرين.
فعدم التفهم للحالة النفسية المرتبطة بالوضع الصحي للمصابين بالفايبرومالجيا سواء من الأهل أو حتى الممارس الصحي سبب رئيسي لمعاناتهم المستمرة وتفاقم المشكلة الصحية للأسوأ.
وقد يزيد أمر المعاناة عندما يشعر المريض بأن المقربين منه يعتبرونه وصمة عار بسبب شكواه المبالغ فيها والتي قد تكون باعتقادهم وهمية خصوصاً بأن تشخيص هذا المرض لا يعتمد على نتائج أشعة أو تحاليل.
ونتيجة لذلك يلجأ البعض للعزلة الاجتماعية والانفصال الأسري رغبةً منهم لأن يمر ما تبقى من اليوم بسلام لأن كل يوم يمر عليهم يحتاج لطاقة ومجهود مضاعف لأداء الأمور الروتينية البسيطة في بعض الأحيان.
فلا نعتقد بأن صمتهم أحياناً هو شعور بالراحة بل قد يكون بركاناً خامد قد يتهيج في أي لحظة.
فرفقاً بهم وبمعاناتهم الصامتة ..
* أخصائي أول عظام علاج طبيعي