كيف قمنا بحساب عمر الكهوف في مهد الجنس البشري – (ولماذا هي مهمة) – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

كنوع، نحن البشر دائما مفتونون بالمكان الذي منه أتينا (أصولنا). في البداية ، كان يعتقد أن البشر لا يمكن أن تكون أصولهم من أفريقيا.

طبقات من الرواسب والتكلسات المحفوظة بشكل جميل من مهد الجنس البشري. قدمتها الدكتورة روبين بيكرينغ ، المؤلف للورقة

 

بدأت هذه المفاهيم الخاطئة تتحول ببطء من عام ١٩٢٥ ، عندما بدأ المنهج الدراسي لعلوم أصول البشر القديم ( الأنثروبولوجيا القديمة انظر التعريف في ١) في جنوب أفريقيا. ذلك هو الوقت الذي أدرك فيه البروفسور ريموند دارت من جامعة ويتواترسراند Witwatersrand في جوهانسبرغ أهمية وجود جمجمة أحفورية صغيرة جلبت إليه من تونغ Taung في مقاطعة قي شمال غرب البلاد.

أدرك دارت أن الجمجمة تنتمي إلى مخلوق لم يكن قردًا كاملاً ولا رجلًا: فقد كان يمثل أحد أسلافنا البعيدين (القديمين)  ، والذي أطلق عليه أسترالوبيثيكوس أفريكانوس Australopithecus africanus (٢، ٣)، ويعني “قرد إفريقيا الجنوبي”.

في السنوات التالية وجد أخصائي الأحافير  روبرت بروم  المزيد من الأحافير للأفراد البالغين من الستيركفونتين Sterkfontein وكهوفاً أخرى في المنطقة التي نعرفها الآن باسم مهد البشرية Cradle of Humankind (٤) ، خارج جوهانسبرغ مباشرة. وعززت أعماله حقيقة أن أفريقيا هي مسقط رأس النوع البشري ، على الرغم من أن العديد من العلماء الأوروبيين إستغرقوا سنوات ليغيروا وجهة نظرهم لصالح هذا الأمر.

منذ الستينات من القرن العشرين ، أخذ سجل الأحافير في هذا المجال المهم  في التراجع إلى حد كبير لصالح ما وجد في  شرق إفريقيا. ذلك لأننا لم نكن نعرف كم كانت الكهوف قديمة في مهد الجنس البشري Cradle، وبالتالي لا يمكن أن نعطي تواريخ حاسمة للعديد من الأحافير الموجودة فيها. تختلف الوضعية الجيولوجية في المهد البشري Cradle تمامًا عن نظام صدع  Rift شرق إفريقيا ، حيث توجد طبقات من الرماد البركاني بين الأحواض الأحفورية fossil beds.  طبقات الرماد يمكن تأرختها،  أي تقدير أعمار هذه الأحافير. كهوف جنوب إفريقيا لا توجد فيها طبقات بركانية كهذه.

لكن هناك أنواع أخرى من الصخور في الكهوف. من خلال عملنا على هذه الصخور ، إستخدمت أنا وزملائي طريقة تسمى التأرخة  اليورانيومبة – الرصاصية uranium-lead لتثبيت عمر الكهوف الواقعة في مهد الجنس البشري هذا. وهذا يعني أننا نستطيع تضييق نطاق السجل البشري القديم في هذا المهد إلى بضع فترات زمنية قصيرة تتراوح ما بين مليون وثلاث ملايين سنة.

أحد الأشياء المثيرة بشكل خاص في هذا البحث هو أننا نستطيع – لأول مرة – مقارنة الهومونين في جنوب إفريقيا مع أبناء عمومتهم في شرق إفريقيا.

فتح قفل التكلّس

الكهوف مليئة بأنواع الصخور الخاصة. هناك الصواعد (الإستلاجميت stalagmites ، انطر التعريف في ٥) التي تنتصب صعوداً  من أرضيات الكهوف، والهوابط (متدليات الكهوف stalactites، انطر التعريف في ٦)  التي تتدلى من أسقف الكهوف. عندما تتدفق نقطات الماء في الكهف على الأرض ، تتشكل صخور تعرف باسم التكلسات flowstones (٧) – وهي تقوم بذلك ،  يُحجز معدن اليورانيوم بداخلها ، ببلورةً بلورةً . هذا يشكل نوعًا من “الساعة” التي تخبرنا عن عمر التكلسات flowstones.

جمعنا هذه التكلسات flowstones من مختلف مواقع الكهوف في مهد البشر هذا Cradle، وأخذناها إلى المختبر، ثم إستخرجنا وركزنا الكمية الضئيلة من اليورانيوم الموجودة في داخلها ، وفعلنا نفس الشيء بالكمية الأقل من الرصاص المنتجة من إنحلال اليورانيوم . نظائر اليورانيوم و الرصاص هذه تسمح لنا بقراءة “ساعات” التكلسات “flowstones clocks” التي تُعرف باسم flowstones ، والتي تُعرف تقنيًا باسم آلتأرخةِ اليورانيومية – الرصاصية uranium-lead dating.(٨).

التأرخة اليورانيومية – الرصاصية هذه ليست جديدة. إنها عريقة وقد إستخدمها الجيولوجيون لعقود من الزمن لمعرفة عمر الأرض. ومع ذلك ، لم تكن عملية سهلة. واضطررت أنا وزملائي إلى تكييف طريقة التأرخة اليورانيومية – الرصاصية الحالية على وجه التحديد من أجل تكلسات  flowstones  جنوب أفريقيا. كانت الصعوبة في الصخور التي لا يزيد عمرها على بضعة ملايين من السنين – الحديثة وفق المعايير الجيولوجية – وهو  وقت غير كاف لتجمع عنصر الرصاص ، الناتج الثانوي عن إنحلال عنصر اليورانيوم.

إستغرقنا ١٣ عامًا للوصول إلى هذه النقطة. لكن الأمر يستحق الإنتظار.

في الورقة الي نشرناها حديثاً في مجلة نتشر Nature (٩)، قمنا بجمع أكبر مجموعة بيانات من أعمار كهوف المهد البشري Cradle ، وتمكنا من تحليلها بدقة والبحث عن أنماط. وعلى وجه التحديد ، سألنا عما إذا كانت جميع الكهوف مفتوحة على بعضها إلى السطح للأحافير لكي تتدفق فيها وتتجمع في نفس الوقت – أو إذا كان كل واحد من هذه الكهوف بمثابة نظام بيئي (إيكولوجي) صغير خاص به.

يعتبر مهد البشر هذا Cradle مكانًا صغيرًا نسبيًا (حوالي ١٠ × ١٥ كم) ، ونحن نتوقع أن تقع نفس الأحداث في جميع الكهوف في نفس الوقت.

وهذا بالضبط ما وجدناه. قمنا بتأرخة ٢٩ تكلساً ، من ثمانية كهوف ، ووجدنا أن جميع التكلسات المتدفقة تعود جميعها إلى نفس الفترات الزمنية الست الضيقة (المحدودة). على سبيل المثال ، قبل مليوني سنة ، كانت جميع المواقع الكهفية الهامة في جميع أنحاء هذا المهد البشري مغلقة – لم يتدفق أي شيء إليها – مع تشكل تكلسات في داخلها.

كما نعلم أن التكلسات لا يمكن أن تتشكل إلا في الأوقات التي يكون  فيها المطر كثيراً. لذلك من خلال تأرخة تكلسات الكهوف ، يمكننا أن ننتقي هذه الأوقات في الماضي. للمرة الأولى نعرف أن أسلافنا البشر الأوائل عاشوا خلال تغيرات كبيرة في المناخ المحلي. جميع الرواسب والأحافير فيها داخل الكهوف ، تقع جميعها محشورة بين التكلسات. ونفسر نمط الطبقات التي تكون الرواسب محشورة بين طبقتين من التكلسات كإشارة على المناخات المتغيرة هذه ، حيث يمثل وجود رواسب الفترات الأكثر جفافا.

هذا يعني أن جميع الأحافير من مهد البشر ، من الهيومنين hominin والحيوانات الأخرى ، تراكمت خلال فترات الجفاف.

تأرخة غير القابل للتأرخة

طبقات التكلسات flowstone في الكهوف تعادل طبقات الرماد في الوادي المتصدع. مع تحديد أعمار هذه التكلسات بالطريقة اليورانيومية – الرصاصية لهذه الأحجار الكريمة ، يمكن لأحافير جنوب أفريقيا أن تخرج من ظلال كونها غير مؤرخة وغير قابلة للتأرخة.

سيسمح هذا للعالم بلفت إنتباهه مرة أخرى إلى سجل الأحافير الثري في البلاد بشكل لا يصدق مع فهم أكبر لمراحل تشكل تلك الأحافير وما بمكن أن تخبرنا به عن التطور البشري.

مصادر من داخل وخارج النص: 

١-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/علم_مستحاثات_البشر

٢-http://humanorigins.si.edu/evidence/human-fossils/species/australopithecus-africanus

٣-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/أوسترالوبيثيكوس_الأفريقي

٤-https://www.gauteng.net/attractions/cradle_of_humankind

٥-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/صواعد_الكهوف

٦-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/نوازل_الكهوف

٧-https://www.britannica.com/science/flowstone

٨-https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007%2F978-94-007-6326-5_193-1

٩-https://www.nature.com/articles/s41586-018-0711-0

المصدر الرئيسي:

How we calculated the age of caves in the Cradle of Humankind — and why it matters
Robyn Pickering, University of Cape Town
November 21, 2018
https://www.google.com/amp/s/theconversation.com/amp/how-we-calculated-the-age-of-caves-in-the-cradle-of-humankind-and-why-it-matters-104856

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *