Secrets to making mummies revealed in ancient urns
(بقلم: أندرو كاري – Andrew Curry)
باحثون يكشفون عن المواد الكيميائية المستعملة في تحنيط الجثث في ورش تحنيط عمرها 2700 سنة.
بالنسبة لقدامى المصريين، كانت عملية التحنيط عملية روحية مشبعة بالمعاني العميقة. النصوص القديمة تشير إلى أن عملية التحنيط تستغرق 70 يومًا، وتجرى بمعية طقوس وابتهالات(1) محددة بدقة، لتجهيز المتوفى لحياة الآخرة الأبدية. كما أن عملية التحنيط تتطلب مهارات متخصصة وقوائم طويلة من مواد التحنيط، وفئة محنطين محترفة ومتشربة بالمعارف الدينية والكيميائية.
لكن ما يدخل في الجثة المحنطة نفسها – أو ما تطلى به أو ترش به أو تُلف به – كان كله في الغالب لا يعدو عن تخمين بالنسبة للعلماء المعاصرين. “لا يوجد دليل نصي تقريبًا بشأن تلك المواد” ، يقول فيليب ستوكهام(Philipp Stockhammer) ، باحث في علم الآثار بجامعة لودڤيغ ماكسيميليان (Ludwig Maximilian University) في ميونيخ. “كيف تجري عملية التحنيط هذه وكيف تُخلط مواد التحنيط، وكيف تجري عملية تسمية موادها – كل ذلك لا زال غير معروف”.
ولكن كل ذلك تغير بعد دراسة نشرها ستوكهامر وزملاؤه هذا الأسبوع في مجلة نتشر [Nature(2)]. بالتعرف على البقايا المترسبة من الجِرار (الجرات) الموسومة بتسميات على سطحها الخارجي والموجودة في ورش التحنيط المصرية القديمة، تمكن الباحثون من إثبات العملية التي تنطوي على كيمياء معقدة ومكونات غريبة، بما فيها الراتنجات (الأصماغ) التي حصلوا عليها من إحدى القارات البعيدة. تقول باربرا هوبر، باحثة في الآثار في معهد ماكس بلانك لعلوم الأرض التي لم تشارك في البحث: “بإمكان المرء في الواقع أن ينظر في تلك الجرار ويرى بقايا مواد تحنيط بداخلها”.
الدليل الجديد الذي توصلوا اليه انبثق من مجمع مدافن عمره 2700 سنة (من 664 قبل الميلاد – 525 قبل الميلاد) جنوب القاهرة، في قرية سقارة في محافظة الجيزة المصرية. في عام 2016، تعرف الباحث في علم الآثار في جامعة توبنغن رمضان حسين، الذي توفي في ربيع عام 2022، على حفر ضحلة فوق الأرض حيث كان من الممكن أن يغطى الموتى بالناطرون(3)، وهو خليط ملح يستخدم لتجفيف الجثة بعد الموت.
وفي الطريق إلى ممر / كريدور [منتهٍ بمنفذ إلى خارج الهرم – shaft] مجاور هناك غرفة تحت الأرض مزودة بدكة حجرية مسطحة بارزة لتجهيز الجثث – والتي تعتبر بمثابة ورشة عمل للمومياوات. “يعتبر هذا أول دليل مادي على الأماكن التي عمل فيها المحنطون”. في آخر هذا الممر، المذكور أعلاه، على عمق 30 مترًا، توجد هناك غرف الدفن (المدافن) حسبما قال باحث علم الآثار بجامعة يورك ستيفن باكلي (Stephen Buckley).
شاهد مقطع فيديو عن استكشاف أسرار للاهرامات ويبين الممر (كريدور) منتهٍ بمنفذ الى خارج الهرم:
https://youtu.be/a0k3RVgP1fk?t=404
الجثة التي بدأت عملية التحنيط في الجزء العلوي من “مغتسل الموتى [المكان الذي يجهز فيه الموتى]” كان من الممكن دفنها مباشرة في أسفله، وعلى الأرجح بعد أسابيع قليلة من التجهيز في غرفة تحت الأرض”.
كان الممر، المذكور أعلاه، مملوءًا بالرمل والحصى – وعشرات من جرار التحنيط التي يبدو أنها تم التخلص منها طقوسيًا بعد أن استخدمها العمال. قال حسين في مقابلة له قبل وفاته: “لقد حولوا هذه الجرار إلى مخابيء لأدوات التحنيط”. “وجدنا أكوابًا وأوعية وأطباقًا ومباخر عليها أسماء زيوت ومواد تستخدم في التحنيط”.
استخدم الباحثون مثقابًا يستخدمه أطباء أسنان لإلتقاط قطع بحجم عملة معدنية وبسمك مقداره بضعة ملليمترات من داخل الجِرار، ثم حللوا تركيبها الكيميائي باستخدام كروماتوغرافيا الغاز المتصل بمطياف الكتلة. الدراسات السابقة حللت مومياوات من مقتنيات متحف وتعرفت على مواد التحنيط الكيميائية، بما فيها صموغ الأشجار والقار (bitumen). لكن هذا هو أول محاولة لدراسة البقايا في الجِرار التي وجدت في إطار ورشة التحنيط.
كشف التحليل عن آثار / بقايا للشحوم / الدهون الحيوانية وشمع العسل والزيوت النباتية والقار بالإضافة إلى صموغ نباتية متعددة – وهي مكونات ربما خلطت معًا وسُخنت لانتاج مراهم منها. خصائص هذه المواد سهلت بشكل خاص على الباحثين استخراجها من الجرار الفخارية، حتى بعد آلاف السنين من وضعها في تلك الجرار. “كلما كانت خصائص تلك البقايا دهنية ولزجة، كانت النتائج التي حصلنا عليها أفضل”، كما يقول ستوكهامر. “كانت لدينا مادة عضوية محفوظة من التلف بشكل جيد، وكان لدينا بقايا من مواد تحنيط محفوظة من التلف بشكل جيد”.
بعد غمر الجثث بالنطرون ، عولجت الجثث بمخاليط لزجة لعزل الجلد ومنع التعفن والتحلل البكتيري. “المواد التي وجدناها كانت مضادة للبكتيريا”، حسبما قال ستوكهامر. “وهذا يعتبر الجانب الأكثر تعقيدًا في العملية، حيث تبدأ الكيمياء بأخذ مجراها”، ربما طُليت الجثث بشكل مباشر ببعض المراهم؛ ربما تم وضع بعض المراهم الآخرى على لفائف الكتان، والتي ربما غمست مباشرة في أوعية “دائرية الشكل” لها أفواه واسعة.
بعض هذه الجرار لا تزال فيها بقع على سطحها الخارجي من مخلفات انسكابات محتوياتها وقطرات مواد تحنيط الجثث. يحمل العديد منها أيضًا اسم مكونات مواد تحنيط معينة – مثل مفردتي (antiu) أو (sefet) – أو تعطى أوصافًا عامة، مثل “هذه لجعل رائحة الجثة لطيفة” و “للعناية برأس الميت”. “لأول مرة ، أصبح لدينا تلازم مباشر بين النص وبقايا / رواسب معينة” تقول هوبر. “لا أعرف ما إذا كانت هناك دراسة حالة أفضل من جمعها في دراسة واحدة”.
هذه الاكتشافات قد تتطلب إعادة تقييم للنصوص المصرية القديمة. كلمة (antiu)، على سبيل المثال، ظهرت آلاف المرات في المصادر (النصوص) المصرية، ولأكثر من قرن من الزمان اعتقد علماء المصريات أنها تشير إلى نبات المر(4)، وهو مادة صمغية (راتنجية) من شجرة شوكية. لكن الجرار التي كُتب عليها “antiu” في ورشة التحنيط تحتوي على مواد أخرى – وبالأخص شجرة الأرز [cedar(5)] ، والتي كان مصدرها حين ذاك من جبال لبنان. قال حسين قبل وفاته: “من المحتمل أن تكون كلمة (antiu) مجرد كلمة عامة للصمغ”. و (Sefet) ، التي وُصفت بأنها أحد “الزيوت المقدسة السبعة” في العديد من النصوص القديمة، تبين أنها خليط من السرو أو صمغ العرعر والشحوم / الزيوت الحيوانية.
تعرف الباحثون أيضًا على المزيد من المكونات الغريبة، بما فيها صمغ شجر الدمر (dammar) وصمغ الإيليمي (elemi) المستخرجة من الأخشاب الصلبة المستجلبة من الغابات المطيرة في جنوب شرق آسيا على بعد آلاف الكيلومترات من مصر القديمة. حينئذ، تم الحصول على شجر الأرز والفستق من جميع أنحاء بلدان البحر الأبيض المتوسط، والقار من ناحية البحر الميت. “كل الأشياء التي يحتاجها المحنطون جاءت تقريبًا من خارج مصر” ، يقول ستوكهامر. “ويُحتاج إلى الكثير من هذه المكونات لتحنيط وتضميخ الجثث بالعطورات / الأطياب، ولا تكفي بضع غرامات فقط من هذه المواد. حتى لو كان لتحنيط مجرد بضعة آلاف من الشخصيات المرموقة في السنة الواحدة ، فلا بد أن يكون هناك كمية وفيرة من مواد التحنيط.
التحنيط وراء العولمة
ربما اختيرت مواد التحنيط نفسها بشكل دقيق لأن الحصول عليها كان ليس بالأمر السهل. يقول باكلي: “ربما استخدمت بعض المواد ليس لأنها أكثر فاعلية من غيرها، ولكن لأنها كانت مواد غريبة.
يحذر بعض الباحثين من أن مركبات التحنيط يمكن أن تتحلل وتتغير بمرور الزمن ، مما يمكن أن تضع نتائج التحليل بعيدة عن حقيقتها. تقول كيت فولشر (Kate Fulcher) ، باحثة في علم التراث في المتحف البريطاني: “ربما بالغوا قليلاً في تفسير النتائج”. “لم يقم أحد بتجربة منضبطة وذلك بتعتيق الصمغ لمدة 3 آلاف سنة ليروا بعدها مدى تحلل هذه المواد – لا نعرف مآل هذه [المركبات الكيميائية] بعد هذه المدة الطويلة”.
لكن براعة الصنعة الكيميائية التي وراء بقايا مواد التحنيط في الجرار كانت حقيقة لا لبس فيها، وتعكس المعرفة الدقيقة بالمكونات ودرجات الحرارة وزمن التعتيق الذي أخذ مئات، إن لم تكن آلاف السنين. يقول ستوكهامر: “أمضى المصريون القدماء أكثر من ألفي عام في محاولة لتحسين الحفاظ على جثث الموتى – أي 2000 سنة في محاولة لتحسين تسلسل خطوات عملية التحنيط”. “المعرفة الكيميائية التي حازوها في ورش التحنيط هذه كانت حقًا مثيرة للإعجاب”.
مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/الابتهال
2- https://www.nature.com/articles/s41586-022-05663-4
3- ؛النطرون (natron) هو معدن طبيعي يتكون من مزيج من ملح كربونات الصوديوم عشاري الهيدرات (Na2CO3·10H2O) بشكل رئيس مع بيكربونات الصوديوم (NaHCO3)، بالإضافة إلى كميات بسيطة من ملح الطعام وكبريتات الصوديوم. “في المفهوم الحديث لعلم المعادن فإن كلمة نطرون تشير فقط إلى كربونات الصوديوم عشاري الهيدرات. وتعود تسميته إلى وادي النطرون في مصر، والذي توجد فيه ترسبات ملحية من النطرون” ، مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/نطرون
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/مر_(نبات)
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/أرز_(شجرة)
المصدر الرئيس:
https://www.science.org/content/article/secrets-mummy-making-revealed-residues-ancient-urns