هل يسرّك أن تسمعَ بتفوقِ أحدِ أبنائِك او بناتِك، او اكتشافِ علاجٍ جديدٍ لمرض السرطان، او هبوط البشر على سطح المريخ، او تصحيح بوصلة الحضارة لتصبح أكثرَ إنسانيةً؟
اذن أنت تَعشِقُ الإِبداعَ.
فما هو الإبداع؟ ولماذا يُبدِعُ البعض ويفشلُ آخرون؟ وماهي درجاتُ الإبداعِ التي يمكن تحقيقها؟ وكيف نحافظُ على جذوةِ الإبداعِ متقدةً في أبنائنا وبناتنا؟
الإبداع الكوني:
بدأ هذا الكون بانفجارٍ هائلٍ وسديمٍ متناثرٍ ثم أصبح لوحةً إبداعيةً في غاية الجمال والكمال بسمائه وأرضه ونجومه، فهل هناك أجملُ من سماءٍ صافيةٍ تزينّها مجراتٌ لا حدودَ لها وكأنّها عقود مجوهرات، وهل هناك أبدعُ من بساتين الطبيعة وشلالات الغابات ومياه الأنهار وثمار الأشجار؟
إنّ من أبدعَ هذا الكون، خلقَ البشرَ في أحسنِ تقويمٍ وأودعَ في قلوبهم حبّ الإبداع، لذا يتوقُ القلبُ شوقًا حين يرى ابداعًا وكأنّه يقول: أحبّ هذا الإبداع وأعشقه لأنّه من عالم الجمالِ والكمالِ الذي أنتمي اليه. هذا العشقُ يتفجّرُ طاقةً وحيويةً تبعث البشر نحو الإبداع، فأمامهم مسؤوليةٌ عظمى وهي ابداعُ الحياة في هذه الأرض في لوحة رسم او قصيدة شعر او مبنى معماري او موقفٍ نبيلٍ او منظرٍ جميلٍ او تقنيةٍ عالية.
ما هو الابداع؟
الإبداع هو كلّ انجازٍ مادي او معنوي يحقّقه الإنسان ويتقدم بسببه الى مراتب أعلى من الجمال والكمال. قد يكون الإبداع اختراعًا علميًا او مشروعًا اقتصاديًا او خدمةً اجتماعيةً او سموا روحيًا يواصل بها الإنسان مسيرته نحو مثله الأعلى. أحيانًا، يكون الإبداعُ مشهورًا بين الناس وبارزًا في نتائجه المادية وكبيرًا في وزنه الدنيوي، لكنّ هذا ليس ضروريًا، فكم من ابداعٍ حقّقته البشرية ولم يعرف إلّا بعد موت منجزه، وكم من مبدعٍ لم تحالفه الظروف لكنّه حقّق النتيجة المعنوية المطلوبة في نفسه ومجتمعه. المهم، أنّ الإبداع لا يقاس على المدى القصير فقط ولا بأثره المادي فقط، بل هناك من الابداعات التي خسرت ماديًا على المدى القصير لكنّها ربحت معنويًا وتركت أثرًا تردده البشرية جيلًا بعد جيل.
لماذا يبدع البعض ويفشل آخرون؟
حب الإبداع حقيقةٌ يشترك فيها كلّ البشر وهي أكبر دليلٍ على وحدة الإنسانية في شرق الأرض وغربها. لكنّ الإبداع في هذه الحياة لا يحدث عفويًا بل لابد أن يكون نتيجة عمل الإنسان وإنجازه، وقد خُلِقَ الناسُ مختلفين. وهذا الاختلاف بين البشر ابداعٌ جمالي وضرورةٌ قصوى تضمن للحياة مسيرتها وديمومتها، فلولا الاختلاف لم يوجد التنافس ولولا التنافس لمات الدافع نحو الإنجاز، ولولا الاختلاف لتعطلت حياة الناس ولم يخدم بعضهم بعضا ولم تتعدد الهوايات والحرف والابداعات.
فالإبداع كغيره من نشاطات الانسان يدخل ضمن تدافع وتزاحم الأولويات واختلاف الطاقات، فعشق الإبداع قد يبرد وشرارة الابداع قد تطفأ نتيجة خيارات الإنسان وظروفه الحياتية وبيئته الاجتماعية. فقد لا يبدع البعض وقد يبدع الآخر في جانبٍ معينٍ من حياته كالدراسة او العمل او الصداقة، وقد يبدع فترةً من حياته ثم يرتدي إزار الكسل وتموت جذوة ابداعه، وقد تتّسع دائرة ابداع الفرد لتشمل أغلب نشاطاته.
وقد يظن البعض أنّ الابداع نتيجة كفاءته وجهده الشخصي فقط، وهذا غرورٌ ينبغي للفرد أن يتجنّبه، فالإبداع نتيجة ظروفٍ عديدةٍ أغلبها خارج سيطرة الفرد وبعضها نتيجة عمله، فمنها:
- الوقت المناسب الذي عاش فيه الفرد،
- البيئة المناسبة التي وفّرت له الظروف ومنها أسرته ومجتمعه واصدقاؤه ومعلموه،
- النتاج العلمي والتكنولوجي والإنساني الذي حققته البشرية قبله واستفاد منه في ابداعه،
- عشق الإبداع والاكتشاف الذي فُطِرَ عليه الإنسان واستعداداته الفكرية والمعنوية والمادية.
درجات الإبداع:
يمكننا أن نقيس الإبداع على محورين، هما:
- محور النشاط الإبداعي: يبدأ من الصفر حين لا يبدع الفرد بتاتًا، وقد يبدع الفرد في نشاط واحد او نشاطين او أكثر وقد يتّسع الإبداع ليشمل جميع نشاطات الإنسان،
- محور التميّز: تتراوح درجة إبداع الفرد من جيدٍ إلى متميزٍ، فكلّما تميّز الإبداع وبلغت درجته أقصاها، كلّما ازدادت شخصية المبدع عظمةً وبهاءً.
لذا، كلما ازدادت النشاطات الإبداعية وبلغ التميز أقصى درجاته، كلما تميّزت الشخصية وفاقت عظمتها. وقد حَضَت البشرية وأنجبت الإنسانية صفوةً أبدعوا في كلّ جوانب حياتهم وحقّقوا أعلى درجات التميز في كلّ ابداعاتهم، حتى أصبحوا مضربًا للمُثلِ العُليا وتطبيقًا حيًا للقيم الإنسانية.
جذوة الإبداع:
كتب بعض البشر أسماءهم من نورٍ على صفحةِ التاريخ فكان كلّ يومٍ في حياتهم جذوة حماسٍ وشعلة ابداعٍ، حتى أصبحوا مصابيح هدى للبشرية تنهلُ من عطائهم وتقتصّ آثارهم وتسلك سبيلهم وتستضيء بنورهم. لقد مثّل تاريخهم الناصع ترجمةً عمليةً لمفهوم الإبداع، فتركوا دروسًا من واقع الحياة يستفيد الأجيال من هديها، وتشعل في قلوبهم عشق الإبداع.
إنّ من يعشق المبدعين لابدّ أن يعمل عملهم ويبدع مثلهم، فكلّما إزداد عشق المبدعين جذوةً، كلّما إزداد الإبداع تميزًا حتى يبلغ عاشق الإبداع درجة معشوقه المبدع او دونها. إنّ من يحبّ أن يتقرّب الى المُبدِعِ، لابدّ أن يحاول أن يُبدعَ ويكرّر المحاولة حتى يصبح في طليعة المبدعين.
إن نتيجة الإبداع المادية والمعنوية عظيمةٌ جدًا للفرد والمجتمع، لذا ينبغي أن تتظافر الجهود لتنمية مناخ الإبداع في البيت والمدرسة والمجتمع، وألّا يقتصر الإبداع على الأمور المادية بل يشمل الأمور المعنوية التي تحقّق سعادة البشرية. والحمد لله ربّ العالمين.
لطيف جدًا دكتور وانت من المبدعين المعروفين على المستوى المهني والاداري؛ نفعنا الله بعلمك وابداعاتك، انطلاقً من الآية الكريمة: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا. قد استفيد منها شخصيًا ان مسألة الانجاز، وهو ثمرة الابداع، هي مسألة محورها التعاون collaboration لا التنافس competitions. يبدو ان هناك طرقًا وأوقاتًا وبيئات ونماذج، بل حتى أمزجة وأنواع شخصية، للابداع تغيب عن اكثرنا. يقولون اننا ولدنا مبدعين لكن بعض الاساليب التعليمية احد من ابداعنا. لذلك دعا بعض الباحثين على نشر ثقافة الابداع في المدارس والجمعات وفي كل المجالات حيث لا فرق بين الابداع في المجال العلمي والهندسي عن مجالي الفن والأدب ، وفقر لكل خير ودمت نافعًا👍🌹
شكرا لك عزيزي ابا طه. وفقك الله فانت من المبدعين في العلوم و ترجمتها و توثيقها. التعاون ضرورة و خاصة ضمن الفريق الواحد، لكن التنافس ايضًا مفيد اذا نظرنا له ايجابيًا فهو يدفع الى الابتكار و الانجاز و هو افضل كثيرًا في التجاوب مع حاجة السوق و البشر. الجامعات و المدارس و اندية الابداع في المجتمع تساعد في تهيئة بيئة ابداعية رائعة. دمت عزيزا.
كم انت مبدع دكورنا في الكثير من المجالات سواءا المجتمعية او العلمية و انت مثلا حيا يقتدى به فانت تبث روح الابداع و التحفيز في جيل الشاب و انت من الذين قال الله عنهم في كتابة الكريم ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” فنعم العامل المحفز و بوركت و بوركت جهودك و حفظك الله لمن تحب. تحياتي
بارك الله فيك اخي ابا حسام. دامت بركاتك و انا ممن يستفيد من عطائك المبارك و اطلالاتك الجميلة في العلوم و البيئة و غيرها. الف شكر و مليون تحية.
دكتورنا و ملهمنا الغالي ابو محمد الدكتور عبدالجليل شكرا لكم على و ضع النقاط على الحروف و شكرا على الرحلة الممتعة معكم في عالم الابدع فلقد اشركتنا جميعا تحت مضلة الابداع من خلال تعريفكم الجميل للابداع و الجمال و الذي ينطوي على ان الكثير منا مبدعا و لكن حذاري ان تنطفيء جذوة الابداع. انت خير من يسلط الضوء على هذا العنوان الكبير فبين جنباتكم يسكن الابداع و يرتوي. انت ملهم من الدرجة الاولى بقلمك و بلسانك و بفعلك. هنيئا لمن يدور في كوكبك.
الشكر لك عزيزي الدكتور. انت خير من يضيف الى هذا الموضوع فتحت يديك و بين ناظريك ترعرع الكثير من المبدعين في أروقة الجامعة و خارجها. دمت عزيزا.