أغنية سايرن (Siren Song)
الشاعر: هيوغو وليامز[1]
أهاتفها من وقت لآخر ، لأرى إن غيرت نغمة ردها الآلي
ينبعث صوتها من رسالتها المُسَجَّلة
“قل في كلمتين ما كنتَ ستقوله لي في ألف كلمة”
أتأمل فكرتها كما لو كنتُ أتأمل البحر ليلًا،
مُصْغيًّا لأمواجه ، تتكسر على الصخور
واثقًا أنها عند الهاتف ، تستمع… تنتظرني أبدأ الكلام
أحيانًا ترفع السماعة وترد ، فيأخذني شَدْوُ صوتِها إلى الماضي
تعتريني رهبة ، لحظة أستحضر رائحتها.
حول عنوان القصيدة
“العنوان” لأي نص، قصيدة أو ديوان أو مقال أو كتاب أو غير ذلك، هو تسمية له وتعريف به يحمل علامة سيميائية دلالية، فهو الرمز الدال على معنى مقصود في العملية التواصلية.
كلمة “سايرن” (Siren) في اللغة الإنجليزية المعاصرة، تعني صوت صفارات الإنذار، ومجازًا تعني الإغراء بفعل شيء يبدو جذابًا للغاية ولكن سيكون له نتائج سيئة، وكذلك يراد بها امرأة جميلة جدًا (جذابة) ولكنها خطيرة أيضًا. وأصل الكلمة الحالية آتية من اللغة الإنجليزية الوسطى (Middle English) “Sieren” بمعنى “نوع وهمي من الأفاعى”، دخلت لها من الفرنسية القديمة، “سيرين”، وهي من اللاتينية المتأخرة “سيرينا” (مؤنث سيرين اللاتينية)، الآتية من اليونانية سيرين [Seirēn] (معجم أكسفورد للطالب).
تعود أصول “أغنية سايرن” (Siren Song) إلى الأساطير اليونانية، وفيها “سايرن” (Siren) من النساء الجميلات (نوع من حوريات البحر)، بجسد بشري في جزئه الأعلى (من الخصر إلى الرأس) وجزؤه الأسفل (من الخصر إلى القدمين) جسد طير، تغري البحارة إلى هلاكهم بأغانيها الساحرة.
كانت تلك الأغاني لا تقاوم لدرجة أن البحارة عند سماعها ينجذبون إلى الإبحار بالسفينة بالقرب من الشاطئ والاصطدام به أو القفز إلى وسط البحر العميق فيغرقون. وفي “معجم أكسفورد للطالب” (Oxford Learner Dictionary) يجعل غنائها الجميل البحارة يبحرون نحوها عند الصخور أو المياه الخطرة. في الأوديسا (Odyssey) لهومر (Homer)،
يملأ البطل أوديسيوس (Odysseus) آذان بحارته بالشمع ليمنعهم من سماع أغاني سايرن، بينما يربط نفسه بالصاري ليسمعها وينجو. وكذلك تظهر حوريات سايرن في قصيدة ملحمية يونانية أخرى تسمى “الأرجونوتيكا” (The Argonautica)، وفيها الموسيقار الأسطوري أورفيوس (Orpheus) يتمكن من مساعدة طاقمًا من البحارة للنجاة من أغاني سايرن عن طريق العزف على القيثارة.
بفضل تراث الأسطورة اليونانية، التي انتقلت لثقافة الحضارة الغربية، صارت “أغنية سايرن” منذ حوالي منتصف القرن الخامس استعارة لشيء قوي ولكنه مغرٍ بشكل مخادع. لذا نرى في معجم ماريام ويبستر (Merriam Webster Dictionary)، على سبيل المثال، أن عبارة “أغنية سايرن” (Siren Song)، والتي تعني جاذبية مغرية، والإغراء المخادع، تستخدم للإشارة إلى جاذبية شيء مغرٍ ولكنه أيضًا قد يكون ضارًا أو خطيرًا، كما في تعريف (معجم أكسفورد للطالب) لكلمة “سايرن”[2].
حول نص القصيدة
القصيدة هي من ضمن مجموعة (ديوان) الشاعر هيوغو “مطر بيلي” (Billy’s Rain) المنشورة في سنة 2010م، والتي حوت خمسين قصيدة كمرثيات رائعة وساخرة ومؤثرة ترسم مسار علاقة حب انتهت، ويتم استكشاف تعقيداتها وهواجسها ومراوغاتها وأفراحها السرية ومزالقها العاطفية بالبراعة والسخرية اللتين ميزتا أعمال هوغو ويليامز.
تتكيء القصيدة، كما يتضح من عنوانها، وحسب ما بينّا في الفقرة السابقة، على أسطورة “الحورية الغاوية” سايرن (Siren) وغنائها لتُغري البحارة وتتسبب في غرقهم. وهذا ما أشار إليه الشاعر في السطرين الأخيرين بربط الغناء (sings to me)، ووقوف شعر القفا (the hair on the back of my neck stands up) عبارة اصطلاحية (idiom) تعبيرًا عن الخوف (أو الهلع) في اللغة الإنجليزية، بسبب رائحة ذكريات الماضي (sings me out of the past).
بدأ الشاعر يُهيّئ لهذا الربط باستخدام المفردات والعبارات، مثل: “موسيقى”، “البحر ليلًا”، “صوت أمواجه”، “تتكسر على الصخور”. أمَّا مفردة “كلمتين”، التي تحمل معنى القلة والإيجاز، بمفهوم ما قل ودل، ربما تشير إلى (Siren Song) التي تحمل رمزية كل الحكاية (الأسطورة) التي قد تسرد بـ “ألف كلمة”، وربما بلا طائل، أي دون سبر غورها.
وفي قفلة فنية رائعة تلخص ما سبق من “أسطر” (lines) وتربطها بـ “العنوان”، كما لو أنه “مطلع للقصيدة”، يقول “تعتريني رهبة….لحظة أستحضر رائحتها”. خاتمة رائعة تشير بوضوح إلى الخوف من الجاذبية المغرية وخطورة الإغراء المخادع الذي تحمله رمزية “سايرن” في الحبيبة من حيث أن صوتها مرتبط برائحة تستحضر ذكريات قوية جدًا، تبدو مزعجة أو مؤلمة، فالرائحة هي “أقوى ارتباط بالذاكرة”، حسب (ماجي ستيففاتر)، أو كما يقول (فلاديمير نابوكوف) “لا شيء يُحيي الماضي تمامًا مثل الرائحة التي كانت مرتبطة به”[3].
—————–
الهوامش
[1] هذه ترجمة لقصيدة هيوغو وليامز (Hugo Williams)، وهو شاعر بريطاني معاصر، ولد في 20 فبراير 1942م. له عدة دووايين شعرية وكتابات عن الشعر. حصل على عدة جوائز عن شعره، منها على سبيل المثال: “جائزة ت. إس. إليوت” (الشاعر الإنجليزي) عام 1999م، و “ميدالية الملكة الذهبية للشعر” عام 2004م. وحظيت أعماله بإعجاب كبير بسبب “مباشرتها، وطبيعتها، وعدم تكلفها”، وفي عام 2014م وصفتها مجلة لندن (London Magazine) بأنها: “تنعم بالوضوح الفائق وسهولة القراءة”.
[2] من الأساطير التي تحاكي أسطورة “سايرن” أسطورة “أبو مغوي” في تاريخ المجتمع القطيفي (شرق المملكة العربية السعودية). وقد فصَّل الباحث عبد الرسول الغريافي في مقاله المثري والماتع عنها في علوم القطيف بعنوان “خور أبو امغوي بين الأسطورة القطيفية والحقيقة الواقعية” ، انظر الرابط التالي: https://www.qatifscience.com/?p=13833
وصورها الفنان المبدع محمد الجشي في لوحة خلّابة بعنوان: “فنتازيا 2021: من الأساطير القطيفية (أبو مغوي)”. انظر الرابط: https://twitter.com/paintingx11/status/1476538278094516227
https://www.skynewsarabia.com/technology/1473019-دراسة-علمية-مذهلة-تكشف-علاقة-الروائح-بالذكريات
وانظر أيضًا: “لماذا تحيي بعض الروائح ذكريات الماضي؟” على الرابط: https://www.ibelieveinsci.com/لماذا-تحيي-بعض-الروائح-ذكريات-الماضي؟/