ما هو معنى الحياة وماهي الأمور المهمة فيها؟
وكم نقضي من يومنا على هذه الأمور المهمة، وكم من الجهد نبذله على أمورٍ تافهةٍ لا تستحق أي اهتمام، وهل نعمنا بالسعادة في حياتنا كما يجب، أم تكلّفنا عناء الشقاء لأمورٍ ليست تحت مقدورنا؟
أسئلةٌ تشغل بال الكثيرين، فكيف نجيب عليها؟
قبل كلّ شيء، أسأل الله لك طول العمر والصحة الدائمة والسعادة الغامرة، كلّ ما أطلبه وأنت تقرأ هذه المقالة أن تسمح لي بسويعات تتصوّر فيها أن الرحيل قد إقترب، وأنّك تعيش آخر ساعةٍ من حياتك، فماذا سيشغلك في تلك الساعة؟ وكيف سيكون شعورك عن حياتك التي قضيتها، ولو عدت فكيف ستعيشها مرةً أخرى، وماذا سيتغير في اهتماماتك؟
ما هو معنى الحياة؟
إن كانت الحياة فقط في هذه الدنيا، ففي ساعة الرحيل، سيشعر الإنسان بكآبةٍ شديدةٍ وحسرةٍ قاتلة، لأنه سيفنى بعد كلّ هذا العمر الطويل والكدح الشديد خالي اليدين، وسيكون بعدها نسيًا منسيًا. هل حقًا، تنتهي هذه الحياة الجميلة بهذه الكآبة والحسرة؟ إنّها اذن مأساةٌ لا مثيلَ لها، فساعة الرحيل هي آخر ساعةٍ يتلذذ بها، ويا لها من لذةٍ كئيبة، بعدها سيكون الفناء الأبدي. لا أحد يريد أن يشقى في آخر ساعةٍ من حياته بهذا الشعور البائس أبدًا.
أم أنّ هذه الحياة اختبارٌ ينتقل بعده الفرد الى مراحل متقدمةٍ أخرى، فهي عبورٌ الى عالم الخلود حيث يلقى العاملون جزاء ما عملوا، فكلّ عملٍ يعمله وكلّ نصبٍ يتكبده، سيكون في تلك الساعةِ راحةً نفسيةً وسعادةً غامرةً؟
؛؛إذا كان كذلك، فساعة الرحيل، هي ساعةُ الانتظار لسماع نتيجة الامتحان وعبور الاختبار؛؛
فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًا يره. إنّها اذن ساعة الأنس التي يفرح فيها الناجحون ويحتفل فيها الفائزون.
هذا المعنى يتناغم مع رغبات النفس في الخلود ويمنح معنًى ساميًا لهذه الحياة، فبعدها يكون الخلود الأبدي وليس الفناء السرمدي. أميل لهذا المعنى الذي يضفي طابعًا جميلًا وغايةً ساميةً لهذه الحياة، فبه تنتظم الحياة ويلقى كلّ عاملٍ جزاء ما عمل، إذ لولا ذلك لكانت الحياة فوضًى لا نظام فيها، وعبثًا لا معنى له.
كيف يقضي الإنسان الحياة؟
تمرّ الحياة سريعةً كلمح البصر، وكم تشغل الإنسان أمورٌ عديدة، ينكشف له ساعة الرحيل، أنّها لم تكن تستحقّ ذلك الاهتمام. خذ مثلًا، أغلب الناس يهمهم حبّ الظهور والسمعة والجاه لكنّ كلّ ذلك لا يساوي شيئًا في هذه الساعة. وكم يصيب الإنسان من كمدٍ وحزنٍ لضياع صفقةٍ تجاريةٍ او تأخير تطورٍ وظيفي فيعيش محزونًا لأشهر طويلةٍ وهي لا تساوي شيئًا في ساعة الرحيل. وكم أيامٍ وأشهرٍ تضيع في إنشغالات تافهةٍ لم تترك أثرًا يراه الإنسان في ساعة الرحيل. وكم مشروعٍ فكري او خيري او اجتماعي او مالي تم تأجيله عامًا بعد عام، حتى حانت ساعة الرحيل دون تنفيذه. وكم خلافٍ اجتماعي تافهٍ أغشى بصر الإنسان فعشعش في صدره حتى حانت ساعة الرحيل.
لكن قد يرى البعض في تلك الساعة أمورًا حقّقها في حياته ولم تكن ذات بالٍ او شأنٍ عظيمٍ في نظره، لكنّها انكشفت له في ساعة الرحيل بأنّها عظيمة جدًا، فلمّا دقّق في الأمر، تذكّر أنّه عملها بعيدًا عن الأضواء فلم تترك غرورًا في نفسه او إعجابًا بعمله، ويبدو أنّ هذا الإخلاص هو سبب عظمتها.
؛؛ربّما كانت همسةً قالها لصديقٍ فكانت بلسمًا لجروحه، او مبلغًا متواضعًا من المال أخفاه بين أكمامه ليدسّه في جيب محتاج فقضى حاجته، او كلمة حقٍ قالها في محفلٍ فدفع بها غيبةً عن شخصٍ بعيد؛؛
بل ربّما كانت سويعات عاشها في حياته شعر فيها بحاجته الماسّة الى المدد والعون فأسلم فيها أمره وعرف قدر نفسه، فتلألأت هذه السويعات في ساعة الرحيل وكأنّها حبات لؤلؤ في عقد حياته. لقد أصبح جليًا كعين الشمس، انّ ساعة الرحيل لا يهمّ فيها الكمّ بل الكيف، نعم لو اجتمع الكمّ والكيف فتلك الغاية العظمى.
ما هي الرسالة؟
إنّ السعادة في هذه الدنيا وما بعدها رهينةٌ بنظرة الإنسان لهذه الحياة، فمن كان ميزانه الربح المادي واللذة الغريزية في هذه الحياة، فسرعان ما ستمضي سريعًا وتتصرم وتكون حسرةً عليه ساعة رحيله. أمّا من نظر الى الحياة بعين البصيرة فعاش فيها وتلذذ بنعمها واستفاد من نعيمها وأستعدّ لرحيله قبل حلول الفوت، عاش سعيدًا في دنياه مستعدًا لآخرته.
يظنّ البعض أنّ هذا انسحابا من الدنيا وعملها، وهو ليس كذلك، بل هو دعوةٌ للعمل بجدٍ واجتهادٍ للعيش بسعادةٍ في هذه الدنيا لكن بعينٍ بصيرةٍ ترى الأمور في إطارها البعيد وليس في منظورها القصير. هذا النظر البعيد يجعل ساعة الرحيل أفضل ساعةٍ من ساعات الدنيا وليست ساعة شؤمٍ ونكدٍ، بل هي خاتمة سعادة دنيويةٍ وفاتحة سعادةٍ أخروية.
الرسالة أنّ الساعات والأيام والشهور مهمةٌ جدًا في عمر الإنسان لو تدبّر فيها أموره ونظر لها بنظرةٍ بعيدةٍ تعبر هذه الدنيا الى عالم الخلود، فستكون كلّ ساعةٍ من حياته (اشراقات قبل الرحيل)، فهو على استعدادٍ دائمٍ يترقّى فيها على معارج الكمال والسمو الى حيث السعادة الدنيوية والأبدية. والحمد لله ربّ العالمين.
احسنت يا دكتورنا ابا محمد على هذة الكلمات والجواهر الثمينة التي تحتاج التوقف والتامل بان الدنيا فعلًا لا تستحق العناء والتعب مالم ينظر الى ما قدم في حياته ولو كان يسيرا وكما دكرت ” ربّما كانت همسةً قالها لصديقٍ فكانت بلسمًا لجروحه، او مبلغًا متواضعًا من المال أخفاه بين أكمامه ليدسّه في جيب محتاج فقضى حاجته، او كلمة حقٍ قالها في محفلٍ فدفع بها غيبةً عن شخصٍ بعيد”
جعل الله آخر ساعة من حياتنا ساعة خير وسعادة وجعلها ساعة حسن الختام اللهم آمين
شكرا لك عزيزي ابا حسام على هذه الاضافة الجميلة. يبدو ان نظرتنا للحياة اخذت منحى ماديًا قصيرً الأمد، لذا فهي تحتاج الى التوازن و بعد النظر. تقبل تحياتي.
كلمات من ذهب يا دكتور. ونظرة مختصرة لطريقة الكفاح في هذي الدنيا والسعي الصحيح. ربما نحتاج مثل هذه الكلمات بين الحين والآخر لتذكرنا بأن الدنيا فانية ولا تستحق ان نفني وقتنا على توافهها. ونركز على اجمل عطاياها ونأخذ منها الزاد الصحيح. لنجتمع بعدها في عالم الخلود عند الرحمن ان شاء الله.
تقبل مروري وتعليقي.
لك كلّ الشكر و التقدير على اضافتك الكريمة. تقبل تحياتي.