(لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا)
يُعرّف تينو ليشتسار (Tino Lechtsar) مصطلح التعصب على أنه الاجتهاد في السعي وراء أو الدفاع عن شيء ما بطريقة متطرفة وعاطفية تتجاوز الحدود الطبيعية. ويقول نيل بوستمان (Neil Postman): “إن مفتاح كل المعتقدات المتعصبة هو أنها تؤكد نفسها بنفسها، وأن بعض المعتقدات تعتبر متعصبة ليس لأنها خاطئة ولكن بسبب التعبير عنها بطريقة لا يمكن أبدًا إظهارها كاذبة”.
التعصب الأعمى للرأي الفرداني أمرٌ قبيح وهو أشد قبحًا إذا جاء ممن يدعي الانفتاح والتقدم والدفاع عن حقوق الإنسان من ذلك الذي يُوصم بالتخلف والتمسك بالماضي. ذلك لأن من يتمسك بالماضي أيًا كان سبب تمسكه به، سواء إن وافق هوى الآخر أو خالفه أو كان محقًا بما تمسك به أو جانب الصواب فيما يناسب العقل والواقع والظروف فهو على كل حال تقليدي وعذره أنه ولد وتربى في بيئة أثرت فيه جذورها.
أما من أدعى التقدم والانفتاح والوعي والعقلانية فليس له عذر بإنكار أو استسخاف ما يعتقد به الآخر فلكلٌ حرية رأيه ما لم يسبب أدى معنوي أو مادي للطرف الآخر. إن الاستخفاف أو التهكم بالآخر أيا كان رأيه الشخصي فيما يعتقد هو دليل التخلف بل هو دليل الجهل. وإذا قلنا دليل الجهل فذلك لا يعني التجهيل المطلق لأي أحد، لكن من العقل والمنطق أن نعي أنه ليس هناك علم مطلق ولا جهل مطلق، وكما يُقال “كلٌ بعقله راضي” ، وأنه كلما تعمق الإنسان في بحر العلوم، وزادت تجاربه اكتشف الكثير من جنبات جهله، وكما يُقال:
كلما أدّبني الدهر أراني نقص عقلي … وكلما ازددت علما زادني علمًا بجهلي
من أخطر ما يقع فيه قائد المركبة، انخداعه بالنقطة العمياء التي تحجب فيها المرآة ما يجب أن يراه فيقع في المحظور. أن استيعاب منطلقات الفكر الآخر وحيثياتها ومبرراتها هو دليل الوعي والحكمة، وأن السماح للآخر بالتفكير وإبداء رأيه دليل على رقي المجتمع وهو فرصة للإقناع في جو مريح بعيدًا عن التشنجات. ففي نهاية المطاف فإن الله هو العالم بمن اهتدى وليس احدًا من البشر.
{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل-125)
هناك قاعدة أو نصيحة ذهبية بسيطة جميلة في التعامل مع الآخر تقول “أعطه فائدة الشك” (give him the benefit of the doubt) أي أحسن النية إذا لم تقتنع بما يقوله شخص ما، فإن من الأفضل أن تصدق شيئًا جيدًا عما يقوله، وليس شيئًا سيئًا، عندما يكون لديك إمكانية الاختيار من بينهما ولو ساورك بعض الشك في قرارك. وفي تراثنا “إحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير” وعن أمير المؤمنين (ع): (لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا).
تقبلُ الآخر يُنزِل الأطراف المتخالفة في الرأي من ابراجها العاجية واستقبالها لبعضها وقبولها. وقد أمر الله نبيه موسى عليه السلام، وهو صفيه، أن يأتي هو وأخوه فرعونَ، رغم أنه عدوه، بلطف ولين. وهذا دليل واضح على رفض الخشونة والتعجرف في المناظرات الفكرية.
{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)} (طه)
ومن اسباب التعصب التسرع في أخذ مواقف دون تمحيص بسبب الغيرة وزيادة الحماس المفرط، ولذلك نرى أن أكثر المتعصبين هم من يرون الأمور من زاوية واحدة ولم يسمحوا لأنفسهم بتوسيع أفقهم لفهم الدواعي التي بنى عليه الطرف الآخر رأيه فتكون معاييرهم في تكوين رأيهم وصنع قراراتهم وتبني مواقفهم صارمة، قليلة التسامح تجاه الأفكار والآراء المعارضة، وهذا يمنع التقارب مع الطرف الآخر.
والتعصب دليل للإفلاس الفكري والخوف من خسارة التنافس مع التيار الآخر لأن طبيعة الحياة تحكم بأنه “لا يصح الا الصحيح” ولو طال الزمن. يقول الفيلسوف جورج سانتايانا (George Santayana) “التعصب يضاعف مجهودك عندما تنسى هدفك”.
فعلينا، إذن، إذا اردنا أن نحقق الرقي والتقدم وأن نحظى بمجتمع متسالم أن نحترم الرأي الآخر ونستغل الاختلاف في الرأي ليصبح آلة للتكامل بدل الإحتراب، ووسيلة للتعاون بدل التنازع، وأداة للتطوير بدلًا من التدمير،
“فالاختلاف يجب الا يفسد في الود قضية”.
شكرا للمهندس والأخ العزيز ابو حسن فعلا التعصب يضعف التقارب بين الناس ويقلل من الوصول للحقائق محل النقاش وقد يكون الاسلوب في الطرح والصبر على الطرف الآخر له شأن في التوافق ونبذ التعصب للرأي…فقل لمن يدعي في العلم معرفة
حفظت شي وغابت عنك اشياء
Thank you Abu hassan
Very goid article
Keep on