تعرف الإنسان على النفط من خلال ما تسرب منه على سطح الأرض. ووجد الإنسان أن هذه المادة السوداء تحترق إذا ما لامست النار. واستطاع الإنسان أن يستخدم النفط كوقود للطبخ والتدفئة لأول مرة في التاريخ في مناطق سواحل بحر قزوين وذلك لإنعدام الفحم والأخشاب في تلك المناطق. كما تم إستخدامه في البناء كما هو ملاحظ في جدران مدينة بابل المبنية بالإسفلت. واستخدمه أيضا في الحروب بوضعه في مقدمة الأسهم وإشعاله ثم رميه على الأعداء. وقد ذكرته الحضارة الفارسية واليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد بأنه موجود في بلاد الرافدين والهند وإيران قرب بحر قزوين وكانت له أسماء كثيرة تختلف من منطقة لأخرى، فأحيانا يسمى زيت الصخور وأحيانا يسمى زيت الأرض. وقد تم العثور على رسومات للمصريين القدامى ترجع إلى 4000 سنة قبل الميلاد تبين إستخدام المصريين للنفط كوقود لإعداد الطعام. كما استخدم الفراعنة النفط لحفظ موتاهم. واستخدم السومريون قبل 3000 سنة قبل الميلاد النفط كغراء لتثبيت الفسيفساء على الجدران. وقد تم العثور على كثير من بحيرات الإسفلت في أنحاء متفرقة في العالم كبحيرة بيتش في جزيرة ترينيداد والتي تعتبر أكبر بحيرة للإسفلت في العالم حيث تقدر مساحتها بنصف مليون متر مربع. وهذا الإسفلت تكون بعد أن تعرض النفط المتسرب من باطن الأرض للهواء والشمس وأصبح إسفلتا. كما توجد العديد من بحيرات الإسفلت في منطقة البحر الأحمر وتركمانيا وسخالين. ويعتقد أن الصينيين هم أول من استخدم الغاز الطبيعي وذلك قبل 900 سنة قبل الميلاد عندما إستخدموا أنابيب شجر البامبو لنقل الغاز إلى بيوتهم. وقد دونت الكتب القديمة أن الاسكندر المقدوني رأى نارا مشتعلة تخرج من الأرض في عام 331 قبل الميلاد عندما كان في كركوك شمال العراق.
ولم يهتم الإنسان بالنفط إلا عندما إستطاع إخراجه من باطن الأرض بكميات كبيرة. وقد ذكر الفيلسوف أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي والذي سافر إلى مدينة باكو في عام 957م لغرض معرفة: كم من النفط تصدر مدينة باكو للمدن الأخرى؟. فجلس على جانب الطريق خارج مدينة باكو يعد القرب التي تحمل النفط على ظهور الجمال. وأوضح المسعودي بأن نفط باكو يعبأ في قرب من الجلد. ولما زادت الحاجة لهذا النفط المتدفق إلى السطح من باطن الأرض، زاد اهتمام الإنسان به وبدأ يطور التعامل معه فكان أول ما فعله الإنسان تجاه هذا النفط هو حفر أحواض في الأرض ليتجمع هذا السائل الأسود الخارج من الأرض بدلا من إنسيابه حرا. ولاحظ الإنسان أنه كلما جعل الحوض أعمق كلما تجمع نفطا أكثر. فعمد إلى توسعة الأحواض وحفرها أعمق، كمرحلة ثانية من التطوير حتى أصبحت الأحواض بعمق يتراوح من عشرة إلى عشرين مترا، وبهذا بدأ الإنسان أول عمليات إنتاج النفط. واستمر الحال هكذا حتى عام 1859 م عندما أقدم المهندس دريك من أمريكا بحفر أول بئر للنفط بعمق 69 قدما مستخدما التقنية المتوفرة آنذاك وفي نفس العام بدأ المهندس سيمونوف من روسيا بحفر بئر للنفط بنفس العمق تقريبا. إلا انه يعتقد أن الصينيين هم أول من حفر بئر للنفط في القرن الثالث قبل الميلاد حيث إستطاعوا حفر ثقبا في الأرض وإدخال أنابيب شجر البامبو داخله لحمايته من الخسف.
ولقد ساهمت معظم الحضارات في تطوير الإستفادة من النفط عبر التاريخ، فالعرب هم أول من إستطاع تقطير النفط وإستخراج منتجات قابلة للإشتعال بسرعة، أمكن إستخدامها في البيوت والشوارع. وأن المغول أول من استخدم الأقداح التي تحتوي على النفط المشتعل كسلاح ضد الأعداء. وفي العصر الحديث يعتبر الألماني أكريكولا أول من درس خواص النفط ودون كيفية تكريره وقد تم ذلك في عام 1556 ميلادية. وفي عام1837م ،تم إنشاء أول معمل تكرير في مدينة باكو على يد المهندس فوسكوبوتيلوف، بينما أقيم أول معمل تكرير في أمريكا عام 1861م في مدينة تيتسفل في بنسلفانيا بأمريكا على بعد ميل واحد من البئر الذي حفره المهندس دريك والذي أنتج 2000 برميل في السنة الأولى.
وقد واجهت هذه الصناعة الحديثة تحديات كثيرة في بدايتها كان من أبرزها كيفية تخزين النفط وكيفية نقله من الآبار إلى معامل التكرير. وفي معامل التكرير وبطبيعة الحال كان أول ما ينتج هو البنزين وكان يعتبر سائلا لا فائدة منه ويجب التخلص منه، وقد كان يرمى في البحر، مما أدى إلى كوارث إذ أنه يشتعل بسهولة وسبب في إشتعال النار في البحر وحرق الكثير من القوارب. فلجأ الإنسان إلى حرقه للتخلص منه، وفي عام 1902م، تم حرق 70,000 طن من البنزين في مدينة جروزني وحدها للتخلص منه. واستمر الحال هكذا حتى تم تطوير محرك آلة الإحتراق الداخلي وبدأ إستخدام البنزين كوقود لتشغيل هذا المحرك على يد الألمان. وبات الحقير بالأمس عزيز هذا اليوم إلى درجة أن البنزين أصبح أهم منتج للنفط على الإطلاق، وخاصة بعد أن بدأ التصنيع التجاري للسيارات.
فكان لزاما على الإنسان تطوير تقنية حفر وإنتاج النفط، واللجوء للدراسة والبحث العلمي، ولذا تقرر إدخال مناهج تقنية النفط لأول مرة في الجامعة وذلك في عام 1910م في جامعة بتسبرج بأمريكا. وقد منحت أول شهادة في هندسة البترول من جامعة بتسبرج في عام 1915م. وبدأت الجامعات في أنحاء العالم بتقصي مشاكل الحفر والإنتاج وبدأ التفكير لإيجاد وسائل لتحسين تطبيقات الحفر وتحسين تصميم البئر باستخدام المقاييس المناسبة للأنابيب ومنع التسرب. ومع اكتشاف المزيد من النفط بدأ التركيز على دراسة حقل النفط بدل التركيز على البئر الواحد. وأدت دراسة مواقع الحفر وتعيين المسافة بين البئر والآخر إلى ظهور مفهوم هندسة المكامن. واستطاع الإنسان أن يدرك أن حقول النفط تمتد تحت البحار كما هي تحت اليابسة، فظهرت إلى الوجود الصناعة البحرية للنفط، وبدأ الإستفادة من العلوم الأخرى لتطوير الصناعات البحرية للنفط فساهم علماء البحار في تطوير كثير من التقنيات، كدراسة إرتفاع الأمواج وقوتها، ليضعوا مع مهندسي النفط مستويات قياسية لتصميم زوارق ومنصات الحفر وسط البحار.
لقد كان الإنسان يستهلك من النفط ما يتسرب من باطن الأرض إلى سطحها، لكنه الآن وبفضل تطويره لتقنية الحفر إستطاع الإنسان أن يخرج من باطن الأرض كميات من النفط لا تصدق. فبدلا من تصدير النفط من خلال قربة على ظهر جمل، أصبح النفط يصدر عبر سفن عملاقة تحمل مئات الآلاف من البراميل. وخلال المئة سنة الماضية استهلك الإنسان ما يقارب من 800 بليون برميل من النفط. ففي عام 1850م لم يكن إنتاج العالم من النفط شيئا يستحق الذكر. ولكنه في عام 1900 م بلغ 900,000 برميل في اليوم، وخلال 64 عاما فقط أي في عام 1964م قفز الإنتاج العالمي إلى 29 مليون برميل في اليوم. والآن يصل إنتاج العالم من النفط إلى ما يقارب الـ 100 مليون برميل يوميا وأكثر من تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وكما كان النفط في السابق يستخدم في دهان القوارب وعلاج الحيوانات وكإسمنت للبناء، فانه اليوم ليس مصدرا للطاقة فحسب بل أيضا مصدرا لصناعة المطاط وكثير من أنواع النسيج، بالإضافة إلى صناعة الكثير من مستلزمات الحياة كالأدوية والأواني وغيرها. لذا يلعب النفط دورا أساسيا ومهما في حياة الإنسان الحديثة، وأصبحت منتجات النفط لا غنى عنها في هذا العصر، فالإنسان يتعايش معها في تنقلاته وطعامه وملبسه ومأواه وكذالك في أوقات المرح والفراغ. وأصبح إنتاج النفط واستهلاكه له تأثير كبير على الإقتصاد الوطني للمجتمعات ويتحكم في السياسة الدولية. وقد تبوأت الصناعة النفطية هذه الأهمية في وقت قصير، وأثرت كثيرا على نمط حياة الإنسان وتحكمت في طريقة المعيشة والكسب.
فالحضارة المعاصرة باتت تتوقف على النفط الذي لا يمكن تعويض ما يستهلك منه، وأصبح الإنسان وخاصة في الغرب أسير المنتجات النفطية إذ بدونها يتوقف كل شيء، فلا كهرباء ولا طائرات ولا سيارات ولا معامل ولا مختبرات ولا أجهزة كمبيوتر – ألا يستحق هذا – التفكير في الترشيد في الإستهلاك لهذا الشريان الحيوي لحياة الإنسان على هذا الكوكب!!. كم هو رائع هذا الإنسان فهو الذي تمكن من خيرات هذه الأرض وتعلم وطور واستطاع عبر الزمن أن يجعل من هذا السائل الأسود طاقة هائلة قربت له المسافات واخترق بها جدر الفضاء وقهر بها الكثير من تحديات الطبيعة، وكم سيكون هذا الإنسان متألقا لو أنه إستخدم هذا النفط للأغراض السلمية ولم يستخدمه لقتل أخيه الإنسان وأمه الطبيعة.
المراجع:
- تقنية النفط والغاز، لفرانسيس جيليانو، 1989م.
- المهن في علم الجيولوجيا، شركة شلمبرجير المحدودة، 2001م.
- مروج الذهب ومعادن الجوهر، للمسعودي، طبعة القاهرة، 1988م.
- عالم النفط، لـ ف. سكولوف، موسكو، 1972م.