حِينَ يَعمَلُ الفَردُ يَزدَهِرُ المُجتمع – الدكتور عبدالجليل عبدالله الخليفه

حين يعمل أغلب أفراد المجتمع تجارًا او روّاد أعمال او حرفيين او فنيين او موظفين او غير ذلك، ينبض المجتمع بالحياة ويزخر بالنشاط، فكلّ فرد قصة نجاح ومسيرة كفاح وصخرة تحدي ونبراس نور.

ما هو السرّ في هذا؟ إنّه العمل ومفعوله السحري في حياة الأفراد والمجتمعات.

  فما هي العلاقة بين الفرد والمجتمع؟

وماهي حاجة الأفراد الى العمل؟

وكيف تطوّر العمل تاريخيًا؟  

لوحة فنية بريشة الفنان منير الحجي

العلاقة بين الفرد والمجتمع

المجتمع هم مجموع الأفراد الذين يعيشون في ظروف متشابهة ضمن مكان وزمان معينين، وقد نشبّه المجتمع الذي يتركب من أفراده ومجموعاته وأنظمته بجسم الإنسان الذي يتركب من عدة أجهزة كالهضمي والتنفسي والعصبي وغيرهم، لذلك يجب أن نفهم تركيب المجتمع قبل أن نبادر الى علاج ظواهره وأمراضه تمامًا كما يفهم الطبيب جسم الإنسان قبل أن يعالجه. إنّ أهمّ ظاهرة اجتماعية هي ترابط الأفراد مع غيرهم من أبناء المجتمع، لذا حين يهتز هذا الترابط ينهار المجتمع، والسؤال كيف يترابط أفراد المجتمع ويتأثّر بعضهم بالبعض الآخر؟

نظرية اميل دوركهايم:

يرى دوركهايم أنّ أفراد المجتمع الريفي البسيط في حاجاته وشؤونه الحياتية متشابهون فلا يملك الأفراد تخصصات تميّزهم عن بعضهم الآخر، لذلك يعملون ويتعاونون في البناء والحصاد والاعمال المجتمعية ويمكن لأيٍ منهم أن يؤدي عمل الآخر، لذا فهم يترابطون ميكانيكيا أي أوتوماتيكيا او طبيعيًا. يضيف دوركهايم أنّ المجتمع المدني الصناعي المتطوّر يختلف عن المجتمع الزراعي الريفي اذ يتميّز بتعدد الحاجات وتنوع التخصصات العلمية والفنية فأفراده يحملون تخصصات مختلفة لذلك فهم في حاجةٍ ماسّةٍ الى بعضهم الآخر، فلا يستغني أحدهم عن الآخر، فالمهندس مثلًا يحتاج الى الطبيب والى المدرّس والى التاجر وهكذا، لذا فهم يترابطون عضويًا فيما بينهم.

اميل دوركهايم

مناقشة نظرية دوركهايم:

لا نوافق على رأي دوركهايم فحرب الثلاثين عامًا في أوروبا (1618-1648) التي انتهت بصلح وستفاليا الشهير عام 1648م، قتلت ملايين البشر ودمّرت مئات القرى وتركت الأراضي الخصبة دون حصاد. وسواءً كان سبب هذه الحرب دينيًا بين الكاثوليك والبروتستانت او مدفوعًا بأهداف اقتصادية وغيرها، فالنتيجة أنّها أوضحت أنّ الرابط بين أفراد المجتمعات لا يقتصر على التشابه في القرية او اختلاف التخصص والحاجة الى الآخر في المدينة، بل هو أعمق من ذلك كثيرًا. فما هو الرابط وكيف يختلف من المجتمع الريفي الزراعي الى المجتمع المدني الصناعي؟

ترابط المجتمع الريفي الزراعي

التشابه قد يكون عامل تنافر بين أقطاب المغناطيس المتشابهة وقديمًا ذكر أنّ الحسد يشتدّ بين أفراد الصنعة والحرفة الواحدة، غير أنّنا لا ننفي أنّ القلوب المتشابهة تتآلف، لكن هل التشابه هو عدم التخصص الفني والعلمي كما ذكر دوركهايم؟ الجواب، لا، فهذا التشابه لم يمنع الحروب الأهلية في القرية نفسها في أوروبا ولم يمنع اختلاف أهل القرى على اختيار مختارها أحيانًا، ولم يربط بين أفراد القرى المختلفة بينما نجد هذا الترابط صلبًا وقويًا في القرية نفسها. اذن ما هو السبب الحقيقي وراء الترابط في مجتمع الريف الزراعي؟  الحقيقة أنّ مجتمع الريف يتميز بما يلي:

  • تبلغ الرابطة الاجتماعية غاية قوتها في مجتمع الريف حيث متانة الأعراف والقيم كالتعاون وروابط الدم والنسب والقيم الدينية الداعية الى ذلك وحيث تضمر وتضعف المصالح الفردية الأنانية الموجودة في بعض أفراد مجتمع المدينة،
  • التجانس الفكري والثقافي بين أبناء القرية وابتعادهم عن التأثيرات الخارجية التي تزرع الاختلاف الفكري والثقافي، ولا ينطبق هذا مع هجوم وسائل التأثير والتواصل حديثًا على الأرياف و المدن جميعًا،
  • وجود شخصيات مؤثرة مسموعة الكلمة في مجتمع الريف كالمختار وشيخ القبيلة، وهذه القيادات الاجتماعية تحفظ الترابط بين أفراد الريف.

ترابط المجتمع المدني الصناعي

ركّز دوركهايم على حاجة الأفراد في المجتمع المدني الصناعي لبعضهم نتيجة اختلاف تخصصاتهم وتعقيد الحياة الحديثة، وهذه الحاجة تجعل ترابطهم عضويًا قويًا. لا نختلف معه في أهمية الحاجة للآخرين لتقوية الترابط معهم، لكنّ الأمور أكثر تعقيدًا، حيث نراها كما يلي:

  • مرةً أخرى، يغيب العامل الإنساني عن وجهة نظر دوركهايم، فرغم أنّ الحاجة الحياتية دافعٌ قويٌ للترابط، لكنّ النظرة المادية التي انتشرت في الحياة الغربية كفيلة بنسف هذا الترابط لتحقيق المصالح المادية الفردية،
  • الاختلاف بين تخصصات الأفراد قد يؤدي الى تنافس على توزيع كعكة المصالح بينهم فالمهندسون قد لا يتفقون مع مدراء الشركات والأطباء لا يتفقون مع شركات التأمين،
  • الاختلاف الثقافي في المدينة قد يقسّم المجتمع الى فئاتٍ مختلفة، فقد يحتاج الفرد الى طبيب ونجّار ومدرّس ومهندس وغيرهم من فئةٍ معينة بينما يبقى الكثير من أفراد الفئات الأخرى لا يحتاج لهم، فهل يعني هذا أنّه لا يترابط معهم،
  • السبب الحقيقي في رأينا لترابط افراد المجتمع المدني هو أنّ الاستقرار مصلحةٌ مشتركة يحافظ عليها القانون الذي ينطبق على الجميع دون تمييز، وهذه هي الرابطة الأساسية بين أفراد المجتمع المدني الصناعي. فحين يغيب القانون او يضعف التطبيق، تبرز الخلافات وتعمّ الفوضى الاجتماعية.
لوحة فنية بريشة الفنان منير الحجي

العمل حياة الأفراد

عَمِلَ الإنسان ليعيش منذ أن وُجِدَ على هذه الأرض فقد كان يصطاد الحيوانات ثمّ زرع الأرض وصنع الآلة وأخترع الأنترنت. وسواءً كان عمله حرفةً او وظيفةً او عملًا حرًّا، فسيحقّق له ما يلي:

  • دخلًا مأمونًا يعيش منه (غذاء ومسكن وعلاج وغيرهم)، وهذا الدخل يحدّد الطبقة الاقتصادية التي ينتمي لها الفرد (متوسطة او غنية)،
  • شعورًا بالثقة بالنفس والأمل في تخطي المصاعب وظروفها المتغيرة،
  • مكانةً اجتماعيةً يطمح اليها سواء داخل العمل مع زملائه في المهنة والحرفة والفريق او خارج العمل مع الموردين والعملاء وذوي العلاقة، او في المجتمع الذي يعيش فيه،
  • نشاطًا جسميًا وفكريًا يبعث فيه الحيوية ويمكّنه من التطور العلمي والعملي،
  • دورًا حيويًا في مساعدة الآخرين وعمارة الأرض وبناء الحضارة.

حيث أنّ العمل ضرورةٌ قصوى لسعادة الأفراد واستقرار المجتمعات، فقد تطوّر العمل وثقافته عبر التاريخ متأثرًا بالأوضاع البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية، ومن المهم، أن يقرأ الفرد عن هذا التغيّر ليعرف من أين بدأ قطار العمل رحلته وأين وصل وما هي المحطّة المقبلة في المستقبل.

نبذة تاريخية عن تطوّر العمل

  • قامت الحضارات السابقة على تنظيم الحياة المدنية والجيوش ضمن سلّم اداري يحقق الانضباط والمسؤولية، وتمّ انجاز المشاريع العظيمة كسور الصين العظيم والاهرامات ومراصد الفلك وغيرها ضمن تخصصات هندسية وفلكية وطبيعية، وبلغ التراث العلمي والحضاري قمّته في العصور الإسلامية حتى انتقل الى أوروبا خلال عصر النهضة، ومع الأسف، لم يتحدث علماء الاجتماع الغربيون عن هذه التنظيمات الإدارية وأثرها في التطور الحضاري نتيجة غياب التوثيق التاريخي الدقيق وتغافل مؤسسي علماء الاجتماع الغربيين عن ذلك،
  • عمومًا، تغيّر المجتمع تاريخيًا تبعًا للحركة الاقتصادية وما صاحبها من أعمال ووسائل انتاج، بدءًا من مجتمع الصيد البدائي حيث التنقل وعدم الاستقرار الى مجتمع الزراعة سواءً موسمية متنقلة او دائمةً مستقرة، ومنه الى المجتمع الصناعي إبّان الثورة الصناعية وما بعد المجتمع الصناعي أي قبل نصف قرن وهو مجتمع المعلومات،
  • يتسّم المجتمع الزراعي في الريف بقوة ترابطه كما ذكرنا سابقًا، ويبدو هذا الترابط والتعاون واضحًا للعيان في بناء المنازل وحصاد الثمار بصورة تعاونية جماعية،
لوحة فنية بريشة الفنان عبد الكريم الرامس
  • نتيجة الاستقرار في المجتمع الزراعي، كانت الأسر ممتدة (تشمل الآباء والأبناء والأحفاد والإخوان تحت سقفٍ واحد) والتي حافظت على قيمها وأعرافها، وكان الأفراد فيها يعملون في الزراعة ويعيشون حياةً مطمئنة بعيدًا عن الاستهلاك والغلاء الفاحش، وقد كانت هذه شبكة أمان تضمن مستوى معيشيًا مقبولًا لجميع أفراد العائلة الممتدة،
  • تم اختراع الماكينة التي رفعت الإنتاجية وبدأ أصحاب الأراضي استغلال ثرواتهم لتأسيس المصانع، وجلبت بريطانيا القطن والمواد الخام من الهند ومستعمراتها الأخرى كمصر،
  • في القرن الثامن عشر، انطلقت الثورة الصناعية على أنقاض المجتمع الزراعي الاقطاعي، فسنّت الحكومة البريطانية قوانين أجبرت بعض المزارعين على ترك أراضيهم الزراعية والالتحاق كعمال في مصانع النسيج والحديد والصلب لدعم الحركة الرأسمالية الصناعية، فترك الأفراد أسرهم الممتدة الزراعية الريفية وانتقلوا الى مقار أعمالهم في المدن الصناعية حيث المجتمع الصناعي وسرعة التنقل وعدم الاستقرار، فتفككت الأسرة الممتدة، وتكوّنت بدلًا عنها الأسر النووية الصغيرة (الأب والأم وطفل او طفلين غالبًا)، وضعفت الرقابة الاجتماعية وضعف معها الالتزام بالقيم والأعراف الاجتماعية السائدة في الريف سابقًا،
  • سنّت الحكومة البريطانية قوانين تحمي صناعتها الداخلية وتفرض الرسوم الجمركية العالية على المستوردات، وشجّعت تصدير المنتجات كالملابس الى الأسواق العالمية،
  • رأى ماكس فيبر أنّ التوفير والاستثمار والعمل قيم شجّعتها البروتستانتية التي اعتبرت النجاح في الدنيا علامة على رضى الربّ ودليلٌ على النجاح بعد الموت. هذا الدافع الديني وفّر بيئةً اجتماعيةً مناسبة استفاد منها رأس المال والتقدم التقني لنجاح الرأسمالية،
  • ذكر ماكس فيبر أنّ التنظيم المؤسساتي في العمل (سمّاه البيروقراطية) حيث السّلم الهرمي الإداري المنضبط وتحديد المسؤوليات سببٌ مهم ٌ جدًا أدّى الى نجاح الرأسمالية في تطوّرها الصناعي المادي، فقد انتقلت الأعمال من طبيعتها العادية (Traditional) كالعائلية مثلًا الى الطبيعة المؤسساتية حيث العقلانية والقوانين المنضبطة،
  • تخصّص الأفراد في أعمال معينة فكلّ فرد يؤدي مهمةً معينةً ويحتاج لزملائه لإكمال صناعة المنتج في خط التجميع، وقد دفع التقدم العلمي باستمرار الجامعات ودوائر البحث العالمية الى إيجاد وتدريس تخصصات جديدة محددة جدًا في مواضيعها التخصصية الضيقة،
  • بعد توزيع العمل تبعًا للتخصص واستخدام خطوط التجميع ومكننة الصناعة وجعلها أتوماتيكية، أصبح العمل سلعةً يحكمها العرض والطلب مما أضعف قدرة اليد “العمالة التفاوضية” وأعطى أصحاب المصانع والطبقة الرأسمالية قدرة المناورة،
  • استغّل أصحاب المصانع حاجة المزارعين القادمين من الريف للعمل في المدينة، فأغروهم برواتب ثابتة وكانت مغرية نظرًا لنجاح الصناعة والتصدير وارتفاع إنتاجية الماكينة الصناعية، فعملوا ساعات طويلة بين 12 الى 14 ساعة يوميًا. وتحت وطأة الجشع الشديد لأصحاب المصانع وعدم حماية القانون، عاش العمال في الأحياء السكنية المكتظة حيث لا توجد مياه نظيفة وصرف صحي بصورة كافية، ولا تتوفر وسائل نقل مناسبة، فارتفعت نسبة الوفيات وانتشر مرض السل بين الشباب. هذه البيئة الجشعة الموغلة في استغلال العمال اوجدت لديهم اغترابًا شديدا وفراغًا نفسيًا وشعورًا بالضياع وفقدان الأمل أدّى الى ارتفاع نسبة الانتحار والأمراض النفسية. في ظل هذه الظروف الاجتماعية المضطربة والمتغيرة وُلِدَ علم الاجتماع على يد أوغست كونت (1798-1857)، وتبعه اميل دوركهايم (1858-1917)،
  • رأى كارل ماركس أن العمل هو الذي يصنع القيمة المضافة وليس الأرض او رأس المال، وأنّ الطبقة الرأسمالية استغلت حاجة أبناء الريف للعمل في مصانعهم بأرخص الأجور واستأثرت بالقيمة المضافة وكدّستها مع رأس المال الذي تضخّم على حساب الطبقة الفقيرة، وأنّ هذا الجشع سيشعل صراع الطبقة العاملة (البروليتاريا) مع الطبقة البرجوازية مالكة رأس المال الى أن تحقّق الطبقة العمالية سيطرتها على الأمور في نهاية المطاف. لم يحدث الصراع في الغرب كما تنبّأ ماركس ولم تسيطر البروليتاريا، لكن برزت مطالبات شديدة بسنّ قوانين تحفظ حقوق العمال مثل الحدّ الأدنى للأجور والعمر الأدنى للالتحاق بالعمل وتحديد ساعات العمل والعطلة الأسبوعية والـتأمين الصحي، ورغم أن ّ الأجور بدأت في التحسّن في القرن التاسع عشر إلّا أن المطالب الأخرى لم تتحقّق حتى بداية القرن العشرين،
  • تأسّست منظمة العمل الدولية عام 1919 ومقرها مدينة جنيف بسويسرا في إطار عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى لوضع معايير العمل الدولية وذلك لضمان تحقيق العدالة والأمن والكرامة الإنسانية، فحدّدت حقوق العمال كثمان ساعات عمل يوميًا وأصول السلامة في مكان العمل، والتأمين الصحي وغيره، والغت عمل الأطفال وطالبت بالقضاء على التمييز في التوظيف والتطوير،
مصدر الصورة: Lewis Hine/The U.S. National Archives – history.com
  • برزت الإدارة كعلمٍ يهتم برفع الإنتاجية وخفض التكاليف وقد أهتّم تيلور بدراسة الإدارة العلمية في محاولة لتوزيع العمل الى أجزاء صغيرة مدروسة بعناية لرفع إنتاجية خط التجميع، وتطوّر هذا الى علم بحوث العمليات،
  • في خمسينات القرن العشرين، انتقلت الصناعة من انتاج كمي كبير في خطوط التجميع كسيارات فورد (mass production) الى انتاج نوعي يتناسب مع الطلبات المختلفة للعملاء،
  • في نصف القرن الأخير، وبعد اختراع الحواسب الآلية والانترنت وبروز عصر المعلومات، انتشرت وسائل التواصل والهواتف المحمولة والتجارة الإلكترونية وبدأت حقبةٌ جديدةٌ من (العمل عن بُعد) خاصةً إثر وباء الكورونا، وقد إستفاد الغرب كثيرا من هذه الثورة التكنولوجية فنقلت الشركات مصانعها الى شرق آسيا وشرق أوروبا بينما حافظت هي على التقدم الرقمي والشركات الرقمية الكبرى كأمازون ومايكروسوفت وقوقل وأبل وغيرهم، ويبدو أن هذا التغير مستمر خلال العشرين سنة القادمة بما يحمله من ذكاء اصطناعي وروبوتات وسيارات بدون سائق وغيرها من التقنيات الحديثة، والتي قد تنعكس سلبًا على سوق العمل،
  • أجريت دراسات لبحث آثار بيئة العمل كالنور والحرارة وغيرهما على إنتاجية العمال، فكانت النتيجة أنّ تأثيرها فقط في الحدود الضرورية للعمل، أمّا بعد وجود الحد الأدنى منها والضروري للعمل فيتحقّق رفع الإنتاجية بالتشجيع المعنوي والدعم النفسي وكفاءة الإدارة وقد أدّى هذا الى بروز مدارس جديدة في الإدارة مثل الإدارة بالقيم الإنسانية.
  • في عام 2007م، برز اتجاهٌ يدعو الى تخفيف وطأة أسلوب (الأرباح أوّلًا) الجشع الذي تتبناه عمليًا الأسواق والشركات والمصانع واتباع أسلوب (الإنسان أوّلًا) الذي يراعي القيم الإنسانية ويؤدي الى زيادة الإنتاج لأنّه يلمس قلوب العاملين ويدفع عنهم الشعور بالاغتراب والضياع وفقدان الأمل ويشعرهم بالسعادة ويشدّ روابطهم بمجتمعاتهم وشركاتهم التي يعملون فيها.

الخاتمة

  • يعود الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع الريفي الى القيم الأخلاقية وروابط الدم والنسب وتأثير الشخصيات الفاعلة، بينما يتوثق الترابط بين أفراد المجتمع المدني نتيجة تعقيد الحياة وتنوع التخصصات وحاجة بعضهم للآخر، بالإضافة الى الاستقرار الذي يفرضه القانون حيث ينطبق على الجميع دون تمييز،
  • العمل ضرورة حياتية لاستقرار الأفراد والمجتمعات، ليس فقط لتمكينهم من تحقيق مستوى معيشي كريم يتناسب مع التطور الحضاري، بل لتعميق الروابط الاجتماعية بينهم ولتوثيق عرى التعاون لخدمة أوطانهم وللمشاركة في ركب المدنية بخطى واثقة مطمئنة تحفظ كرامة الأفراد وتلبي طموحاتهم،
  • إنتقل العمل عبر مراحل تاريخية عديدة عانت فيها الطبقة العاملة الكثير من العنت والجشع المادي من قبل رؤوس الأموال ولا تزال تعاني من جشع السوق الذي يفرض على الشركات اتباع أسلوب الأرباح أوّلًا، رغم بروز توجه اداري ينادي باحترام القيم الإنسانية، كان آخرها الدعوة الى الإدارة بأسلوب الإنسان أوّلًا،
  • من المفروض أن يبدأ الإنسان عمله منذ نعومة أظفاره في مراحله الدراسية الأولى الى جانب دراسته المنهجية فمن الأفضل أن يمارس بعض الحرف الفنية والمهارات العملية، ثم ينطلق بعد تخرجه من دراسته الاكاديمية في سوق العمل بطموحٍ يبلغ قمم الجبال مهما كانت ظروف العمل القاسية نفسيًا ومعنويًا، يعمل كموظفٍ يهتمّ بكسب مهارات التعامل مع الآخرين والانضباط العملي مع البحث الجاد عن فرصة عملٍ حرٍّ جانبي يفتح له آفاقًا جديدة ويكشف له خبايا الأسواق وغيرها وقد يتطوّر هذا العمل الحرّ ليكون عمله الرسمي بعد أن يثبت نجاحه. أمّا بعد تقاعده فلا كسل ولا خمول، وإنّما مواصلة العمل الحرّ او العمل الجزئي كموظفٍ متقاعدٍ او التطوّع في أعمالٍ اجتماعيةٍ تحفظ له نشاطه وكفاءته الى آخر حياته. وقد يبدأ البعض العمل مباشرة في أعماله الخاصّة وشركاته عقيب تخرّجه مباشرة حسب ظروفه المواتية،
  • كما ذكر ماكس فيبر، العمل المؤسساتي هو السبيل الوحيد للنجاح في عالم المال و الأعمال، وعلى المؤسسات الفردية والعائلية أن تنتقل من أسلوبها القديم الى العمل المؤسساتي وأن تستفيد من أهل الخبرة في هذه المجال. والحمد لله ربّ العالمين.

المراجع:

  1. Max Weber, (The Protestant Ethics and the Spirit of Capitalism),
  2. Emile Durkheim, (The Division of Labor in Society),
  3. Karl Marx, (Das Capital),
  4. FW Taylor, (Principles of Scientific Management),
  5. http://www.ilo.org منظمة العمل الدولية:
  6. (حرب الثلاثين سنة مأساة أوروبا)، بيتر ه ويلسون، جريدة البيان 13 نوفمبر 2010
  7. (يوميات الرئيس)، عبدالجليل عبدالله الخليفه

4 تعليقات

  1. عدنان احمد الحاجي

    موضوع مهم ولفتات وائعة في العمل والترابط الاجتماعي. شكرا لكم دكتور ع المشاركة .
    كنت ابحث عن عبارة التسخير في المقال والتي ربما لها المفعول الرئيس في العلاقة المجتمعية بين الافراد. نعم في قراءتها الأولى لا تتناسب مع ما ذهب اليه دوركهايم، لكن ربما كانت خلفية دوركهايم عن معنى القرية تختلف عن خلفيتنا عنها اذ ربما تتمثل القرية بالنسبة له حينئذ في عائلة او عائلتين، كما هو الحال في بعض المناطق في اكثر من دولة . ولدا، صحيح ما تفضلت به من أن هناك مفاعيل اخرى قد تبرز في بلورة الترابط الاجتماعي سواء اكانت روابط الدم او التجانس الفكري الثقافي لو نظرنا الى القرية نظرة عامة شمولية ( على مستوى الـ macro لا تفصيلية micro ). لكن نظرة فاحصة لمجتمع القرية نجد ان عامل التسخير فاعل قوي في ذلك الترابط المجتمعي والجذب والدفع بين افرادها. نعم قد يكون النموذج التعاوني cooperative model بين سكان الريف أكثر بروزًا من النموذج التنافسي competitive model ، والذي (اي النموذج الأخير) قد يبرز في المجتمعات الكبيرة. على المستوى العلمي نرى بروزًا كبيرًا لـ النموذج التعاوني ولذا نجحت الكثير من المشاريع العلمية. بل حتى على مستوى الوظائف الفسيلوجية، اذ لولا التخصص ( التمايز differentiation) لما عاش الكائن الحي

    أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ

    • عبدالجليل عبدالله الخليفه

      شكرا لك عزيزي ابا طه. متفضل دائما بالعلم و المعرفة. احد مصاديق التسخير هو الهيكل الاداري و سلّم المناصب في المؤسسات بما يعنيه من مسؤوليات و صلاحيات من رئيس الوحدة الى المدير و اخيرا الى رئيس الشركة. بارك الله فيك.

  2. ماشأ الله تبارك الله. موضوع جدا مفيد ورائع

  3. شكرا لك دكتور 👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *