الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

تطور قدرة أصابع يد الإنسان على الإمساك – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Getting a grip on hand function
(موقع جامعة ييل ، قسم الهندسة  – Yale University ,  School of Engineering) 

تقديم من المترجم: 

رأيت بعد ترجمة البحث أنه حتى نفهم أبعاده لابد من ترجمة مقال آخر يقدم منظورًا عامًا ومختصرًا عن كيفية تطور قدرة الطفل على الامساك بالأشياء، ابتداءً من الحركة المنعكسة لراحة يده اللاّارادية إلى قدرته على الامساك المحكم بالإستخدام المجرد لأصابعه. 

1- أنماط الامساك باليد لدى الأطفال وتطور المهارات الحركية الدقيقة والمحكمة(1)

تتطور العضلات الكبيرة قبل العضلات الصغيرة، مما يعني أن الأطفال يكتسبون مهارة تحريك كامل أجسامهم قبل أن يتمكنوا من أداء مهام دقيقة باستخدام عضلات أطرافهم الصغيرة.  التنسيق الحركي الدقيق هو الطريقة التي يكتسب بها الانسان مهارة تحريك عضلات يده الصغيرة وأصابعه للإمساك بالألعاب والأدوات والتلاعب بها.

الامساك بالدمى

البشر مجهزون بأربعة أصابع وإبهام، مما يعني أنهم يستطيعون الإمساك بجميع أنواع الأجسام. يمكن أن تنثني الأصابع وتستوي معتدلةً بسهولة، ويسمح موضع الإبهام بإمكانية التقاء راحته العلوية (طرفه الداخلي العلوي) براحة اصبع آخر في اليد، مما يسمح للأصابع بالالتقاء معًا لالتقاط أحد الأشياء والامساك بها.

بيد أن على الأطفال اكتساب مهارة استخدام أيديهم وتنسيق أصابعهم لتطوير هذه الوظائف.  في البداية، لا يبدو أن الأطفال يعرفون أن أيديهم جزء من أجسامهم الصغيرة، قد يحدقون في أيديهم في البداية، لكن لا يمكنهم استخدامها بنحو منسق.  غالبًا ما يُظهر الطفل منعكس راحة يده الَّا إرادي، بحيث تلتف أصابعه حول أحد الأشياء (عادةً ما يكون هذا الشيء إصبع أحد والديه) حين يضعها في راحة يده.  يصبح هذا المنعكس متكاملًا في عمر 4 أشهر تقريبًا، ويستبدل ذلك السلوك الَّا إرادي بسلوك إرادي، مما يعني أن الطفل لابد أن تكون حركة اصابع يده للإمساك بالشيء حينئذ مقصودة (حركة ارادية).

في هذه المرحلة (من 4 إلى 6 أشهر)، يتميز نمط الامساك الأول بأنه قبضة براحة اليد.  حيث يُمسك الشيء براحة اليد، وتلتف الأصابع العلوية حوله. ولا يتمكن طرف الإبهام بعدُ أن يلتقي بأطراف أصابع أخرى.

عند عمر 6 إلى 8 أشهر تقريبًا، يبدأ الإبهام بالإنخراط في قبضة راحة اليد على الشيء.  يستمر الشيء ثابتًا في راحة اليد، ولكنه الآن مدعوم بالأصابع من أعلى الراحة والإبهام من الجانب. يُعرف الجانب الإبهامي من اليد بالجانب المحكم، مما يعني أن نمط الإمساك هذا أصبح الآن محكمًا أكثر من ذي قبل.

عند حوالي 8 إلى 10 أشهر، عادةً ما يتطور الامساك بمجرد الأصابع، حيث يُمسك الشيء بين الأصابع والإبهام.  أصبحت الأصابع الآن قوية ومتناسقة بما يكفي لحمل الشيء بثبات دون الحاجة إلى تثبيت خارجي من راحة اليد.

في حوالي 10 أشهر، يبدأ ظهور قبضة الكماشة بين الابهام والسبابة.  قبضة الكماشة تعتمد كليًا على الأصابع والإبهام للإمساك بأحد الأشياء.  عند بلوغه 12 شهرًا تقريبًا، يتطور الإمساك المحكم باستخدام قبضة الكماشة بين الابهام والسبابة لالتقاط شيء بإحكام شديد.  مع تطور قبضة الكماشة، يصبح استخدام الطفل أصابعه في تغذيته بنفسه طريقة رائعة لاستقلاليته عن والديه!

2- البحث المترجم الرئيس: ميكانيكا وظيفة الإمساك باليد 

خفة (براعة) اليد البشرية لا مثيل لها في مملكة الحيوان(2).  نستخدم الأدوات، ونمسك بالقلم وإبرة الخياطة، والكثير من الأدوات الأخرى، بدون أن نشغل أنفسنا بالتفكير في الصعوبات التي يواجهها الجهاز العصبي حين يوجه ضغطًا قويًا على أطراف الأصابع لتتحرك بدقة متناهية.  شرع فريق من الباحثين في دراسة ما يلزم للمسك [أشياء] بأطراف الأصابع بإحكام، وهو أمر حاسم لخفة يد الانسان.  النتائج، التي نُشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم(Proceedings of the National Academy of Sciences(3)) ، ستحقق فهمًا جديدًا عن التحكم العصبي وتطور اليد البشرية، وربما تقنيات جديدة لمساعدة المعاقين.

بقيادة مادهوسودان ڤينكاديسان (Madhusudhan Venkadesan)، الأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد في كلية الهندسة والعلوم التطبيقية في جامعة ييل، درس الباحثون ثبات / استقرار الأصابع عندما تمارس القوة (مسك الشيء بأطرافها).  على وجه الدقة ما يُعرف باسم “قبضة الكماشة” ، حيث تكون السبابة مثنية، كما هو الحال عند إدخال خيط في خرم إبرة أو التعامل مع جسم رقيق وحساس ومسكه.  تكمن مشكلة هذا النوع من الإمساك في أن الإصبع لديه استعداد طبيعي للفرقعة / للطقطقة السريعة، وهي نوع فرقعة / طقطقة وسريعة لمفاصل الأصبع(4).  يعد الاستمرار في قبضة اليد الثابتة، دون أي نوع من أنواع الفرقعة، أمرًا بالغ الأهمية لالتقاط الأشياء ومسكها والقيام بالمهام اليومية الأخرى.  إذن ما الذي يمنع أصابعنا من الطقطقة طوال هذا الوقت؟

“تتنبأ نتيجة كلاسيكية من الميكانيكا أن سلسلة من القضبان المتصلة ببعضها بمفاصل، تسمى مفاصل ميكانيكية، سوف تطقطق عندما تُضغط” ، كما قالت نيليما شارما (Neelima Sharma) ، مؤلفة رئيسة وطالبة دكتوراه سابقة في مختبر ڤينكاديسان، وباحثة ما بعد الدكتوراه حاليًا في جامعة شيكاغو. “تشبه الأصابع أيضًا هذه المفاصل، وسيكون لقوى أطراف الأصابع تأثير في التسبب في طقطقة الإصبع”.

لمعرفة مدى سرعة طقطقة الأصابع، أجرى الباحثون تجربة طلبوا فيها من المشتركين الضغط بطرف أصابع سباباتهم المثنية بأقصى قوة ممكنة على سطح مستو.  ظلت الأصابع ثابتةً معظم الوقت، ولكن في بعض الأحيان تطقطق.  أراد الباحثون معرفة مقدار تأثير المنعكسات الّا إرادية لليد في الحفاظ على ثبات الاصابع.  ربما التأثير ليس كبيرًا، كما استنتجوا بعد أن وقّتوا حركة طقطقة الأصابع.

“حركة الطقطقة بأكملها سريعة بشكل لا يصدق – معظمها تحدث في أقل من 50 مللي ثانية” ، قال ڤينكاديسان. عادة، يستغرق الأمر حوالي هذه الفترة من الزمن لتصل الإشارة العصبية من طرف الإصبع إلى الحبل الشوكي وترجع منه الى الطرف مرة أخرى.  “لذا فهو بالكاد وقت كافٍ لاستجابة المنعكس المثبِّت للشيء – وعلى الأرجح ليس وقتًا كافيًا على الإطلاق”.

إذا لم تكن حركة الطقطقة حركة عصبية، فمن المسؤول عن الحفاظ على ثبات أصابعنا في مسكها للشيء؟ يعتقد الباحثون أن حركة العضلات الشبيهة بـ الزنبرك قد تكون هي المسؤولة.  لكن نموذجًا رياضيًا طوروه للإصبع تنبأ بأن استخدام العضلات لخلق القساوة (التيبس) سيكون على حساب انخفاض القوة.  لذلك أجروا سلسلة أخرى من التجارب حيث طبقوا قساوة خارجية وذلك بتثبيت مادة مساندة (مثل الجبيرة) على مفاصل الأصابع، وتركوا العضلات تركز على القوة لا على الثبات.

“عندما وضعنا شيئًا مثبِّتًا (كالجبيرة، مثلًا)، كان جميع المشاركين أكثر قوة في ضغط الاصابع” – حوالي 30 بالمائة أقوى في المتوسط، كما قال ڤينكاديسان. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للباحثين تمثل قي كيف تباينت الزيادة في القوة بين المشاركين في التجربة.  “أردنا أن نعرف سبب اختلاف القوة من شخص لآخر. وما تراه هو أن الذين قللوا من الانقباض التزامني لعضلات أصابعهم بشكل أكثر نتج عن ذلك المزيد من القوة”. الانقباض المتزامن لعدة عضلات يساعدنا على زيادة القساوة، كما يحدث حين يُشد الجسم بتقلص عدة عضلات.

وخلص الباحثون إلى أن المهارات الحركية لقبضة الكماشة [بين اصبع الإبهام والسبابة] تأتي من المقايضة بين ثبات الأصبعين وقوتهما ومرونتهما، الأمر الذي يتطلب تحكمًا عصبيًا دقيقًا لعدة عضلات.  حين القبضة / الإمساك، تتقلص العضلات على جانبي مفاصل الأصابع معًا لتثبيت المفاصل ولكنها تقلل من قوة الأصابع ومطاوعتها.

قارن ڤينكاديسان الأصابع واليد والذراع بدمية متحركة، وأوتار الدمية كانت بمثابة العضلات والأوتار. قال: “يجب أن يكون الجهاز العصبي دقيقًا في التنسيق بين كل هذه العضلات لتحريك هذه الدمية المتحركة وإبقائها ثابتة”.  “بمجرد اكتساب هذه المهارة ، يحصل التثبيت بفضل ميكانيكا الجهاز”.

بعمل نمذجة رياضية لهذه الميكانيكا، تمكن الباحثون من تحديد أن هذه الميكانيكا ليست مقتصرة على الأصابع.  وقال: “بل تعتبر مسألة عامة تنطبق على أي جزء من أجزاء الجسم التي لها عدة مفاصل –  كالأرجل بأسرها، وكالجسم بأسره”. “بعض أشكال هذه المقايضة الثلاثية – بين الثبات والقوة والمرونة – تنطبق حتمًا على هذه الأجزاء”.

بالإضافة إلى فتح نوافذ لعلاج الإصابات وتقويم الأطراف الصناعية، هذه النافذة التي تطل على طريقة عمل اليدين والأطراف الأخرى يمكن أن تقدم بعض الاتجاهات لاستكشاف اليد من حيث التطور البشري الأول. “هل بعض مورفلوجيا (شكل وبنية)(5) اليد أفضل في إدارة عملية المقايضة هذه من مرفلوجيات أخرى؟ كيف تقارن أيدي أسلافنا الأوائل الذين كانوا يمشون على قائمتين، قبل حوالي 3 إلى 4 ملايين سنة، بـ يد إنسان حديث؟ هناك طائفة من الأسئلة المفتوحة التي يتعين البحث فيها وإيجاد حل لها”.

مصادر من داخل وخارج النص:

1-https://www.expressiveconnections.org/post/grasp-patterns-and-fine-motor-development
2- “مهارة حركية دقيقة (fine motor skill) هو التنسيق بين العضلات الصغيرة في حركاتها (عادةً ما تنطوي على تزامن اليدين والأصابع) مع العينين. يُمكن عزو المُستويات المُعقدة من البراعة اليدوية التي يُظهرها البشر إلى المهام التي يسيطر عليها الجهاز العصبي. تساعد المهارات الحركية الدقيقة في نمو الذكاء حيثُ تتطور باستمرار طوال مراحل تطور البشر العمري”.
https://ar.wikipedia.org/wiki/مهارة_حركية_دقيقة
3- https://www.pnas.org/doi/10.1073/pnas.2122903119
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/قرع_الأصابع
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_التشكل_(أحياء)
المصدر الرئيس:
https://seas.yale.edu/news-events/news/getting-grip-hand-function

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *