مستعجلون دائماً… هل نحن مصابون بمرض التعجل…
نتدافع لنحصل على “أفضل المقاعد” في الحافلة. نركض للمصاعد حتى نضع ايدينا بين ابوابها التي بدأت في الانغلاق. لا يمكننا انتظار المصعد التالي. ندخل المصعد وبسرعة نكبس زر إغلاق بابه. لا نعطي المصعد وقته المُنظم لانتظار شخص أخر. نضغط على زر الطابق الذي نريد مرارًا وكأن هذه الحركة ستزيد من سرعة المصعد.
لا نأخذ دورنا في الطابور. حتى في الطوابير الاختيارية كطوابير تبريكات ،مواليد، الزواج. نتعدى صفوفنا ونختلس مكاننا ونحن نخفي ابتسامة مخجلة، ثم إذا انتهينا شعرنا بانتصار يشبع رغبتنا بالقدرة على الإنجاز. ننظر منتصرين إلى الجمع الذي هزمناه فقط لنكون نحن الأسرع.
؛؛في الولائم نتدافع الى قاعات الطعام الراقية لنكون أول الجالسين على الطاولات المستديرة وتشرأب اعناقنا وتبحلق أعيننا في الأطباق التي يوزعها العاملون، ثم نقوم بالهجوم على المائدة لافتراسها لننهي معركتنا برفع اكمامنا، وتخمة بطوننا. في المخابز، نتكالب على كاونتر المحاسب فلا يبقى له (لولا نقودنا) الا أن يقول لنا “إفرنقعوا عني”؛؛
في الشوارع والطرقات نقود سياراتنا بجنون. لا نحترم ابسط قوانين المرور. لا نعطي الطريق حقه. مشي المشاة في الشوارع معركة، وربما معركة مستحيلة لتجربتها. عند اقترابنا من إشارة المرور نزيد من سرعتنا حتى لا نقف عند الإشارة الحمراء برهة من الزمن، ولو أدى ذلك الى المخاطرة بالأرواح فضلًا عن الممتلكات. في الدوار نسير ببطئ وإذا لاحظنا قرب قدوم سيارةً أخرى زدنا من سرعتنا حتى لا نعطي الآخر الفرصة التي تسهل حركة المرور فيكون ذلك انتصارًا لنا وربما هزيمة للآخر، تفرحنا.
مرض التعجل
هناك مرض أسمه “التعجل” وسيكون من المفيد التعرف عليه وعلى مسبباته ومعرفة الطرق التي تساعدنا على ضبط سلوكنا بصورة تعكس رقي ثقافتنا وجمال مجتمعنا الذي عُرِف عنه، عبر الأزمان، نقاؤه وطيبته وتعاونه وإيثاره، والأهم أن نجعل من سلوكنا وسيلة لجعل حياتنا أكثر جمالًا ومتعة وأمنا وسلامة. ربما تمشي بسرعة، وتتحدث بسرعة، وربما تعتقد أنه لا يوجد ما يكفي من الوقت في اليوم لإنجاز الأمور المطلوبة منك. فمع متطلبات الحياة الحديثة، يكون معظم الناس في عجلة من أمرهم معظم الوقت. ولكن عندما نحاول القيام بأشياء كثيرة في وقت واحد، سيكون لذلك تداعيات نفسية وصحية تستدعي ترك العجلة.
فإذا كنت تقضي معظم يومك في عجلة لإنجاز مهامك وتشعر بالانزعاج عندما تبطؤك معوقات تعترض خططك وطموحك وتحول دون تحقيقها كما تريد فربما احتجت الى التعامل مع مرض “العجلة” بطريقة منهجية حكيمة، فهناك طرق يمكننا من خلالها تعلم التراجع والإبطاء {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (لقمان-19).
ضرر التعجل
يمكن أن تؤثر حالة العجلة المستمرة أثرًا سلبيًا على العقل والجسد. إذا كنت دائمًا في حالة حركة، فربما تكون معرض لما يسميه أخصائيو أمراض القلب ماير فريدمان و آر إتش روزنمان (Meyer Friedman and R.H. Rosenman call) مرض “التعجل”. لا يُعد مرض “التعجل” (hurry sickness)، الذي تمت صياغته في كتابهم الصادر عام 1985 بعنوان “الشخصية من النوع A وقلبك” (Type A Behavior and Your Heart) حالة طبية فعلية، ولكنه يُعرف باسم الإحساس بإلحاح الوقت المفرط.
قد تشعر دائمًا بالاندفاع أو القلق ولديك شعور بالإلحاح لإنجاز أشياء لا تكون هناك حاجة ملحة لها. وجد فريدمان وروزنمان أن مرض التعجل يوجد في الشخصيات من النوع (A) وقد يؤدي إلى مشاكل في القلب مرتبطة بالتوتر. ووجدت دراسة عام 2010 تتكون من 442 شخصًا، دليلاً على أن الأشخاص المرتبطين بالشخصية من النوع A لديهم فرصة متزايدة بشكل كبير لارتفاع ضغط الدم.
العلامات والأعراض
الخطوة الأولى للإبطاء هي معرفة ما إذا كنت تتحرك بسرعة كبيرة، وعليك الانتباه الى العلامات التالية:
- التسرع في تنفيذ المهام
- الشعور بالضيق عندما يكون هناك تأخير
- مقاطعة الناس أو التحدث معهم
- الشعور بدوامة في رأسك حول ما عليك القيام به
- التعامل مع كل شيء كالسباق
- تشعر دائمًا بالتأخر عن الجدول الزمني
- لديك مهام متعددة باستمرار
- الشعور الدائم بالحاجة الملحة
قد يلعب القلق الشديد والتوتر الذي تشعر به نتيجة الإفراط في التحامل على نفسك وضغطها اكثر من اللازم دورًا في تعبك عقليًا وجسديًا مما يؤثر سلبًا على صحتك، وستلاحظ آثارًا صحية جسدية، مثل: الإعياء، والصداع، وضعف المناعة. كما أنك عندما تكون دائمًا في عجلة من أمرك، فمن المرجح أن تتجاهل الرعاية الذاتية الخاصة بك، والتي تُفاقم الأعراض الجسدية والعقلية التي تشعر بها.
طرق ممارسة الحياة البطيئة
عندما يكون عقلك مبرمجًا ليكون دائمًا في حالة حركة، فإن مجرد التفكير في التباطؤ قد يبدو مستحيلًا. لكن هناك استراتيجيات تساعدك على التخلص من عادة التسرع في إنجاز الأمور:
- كن يقظًا
استراتيجية اليقظة الذهنية تتطلب تدريبًا لاكتسابها. إذا عودت نفسك باستمرار على الوفاء بالموعد النهائي لإنجاز أشياء غير ضرورية ستضغط على عقلك وجسمك دون داعٍ. لكنك إذا كنت يقظًا، فستركز انتباهك على العمل المهم الذي في يديك وتؤخر الأعمال الغير ضرورية. وكذلك عندما تعتاد على انجاز عدة مهام في نفس الوقت سيسير عقلك في اتجاهات مختلفة ويفقدك التركيز. اليقظة تساعدك على التركيز وتجعلك تعيش لحظتك، وإذا استطعت أن تعيش في لحظتك ومستعدا للقيام بالمهام التي تتطلبها ستتمكن من التحكم في أمور حياتك. اجعل وعيك حاضرًا لأفكارك.
- راعِ متطلبات ذاتك
عندما تقضي يومك دائمًا في عجلة من أمرك فهذا يعني أنك تتجاهل رعاية ذاتك، وأنت تعلم أن “لنفسكَ عليكَ حق”، ولهذا، لابد من تضمين الرعاية الذاتية في روتينك اليومي لما فيه من فائدة تهون عليك شدة متطلبات الحياة المتسارعة. لا تحمل نفسك العديد من المهام التي ترهقك. ففي يدك دائمًا قرار عمل ما يبعد عنك التوتر. فكر في التعامل مع الرعاية الذاتية لنفسك كما لو كنت تحدد موعدًا مع الطبيب وقم بتدوينها في جدولك الزمني. يمكنك استغلال الوقت المخصص لذاتك في القيام بأشياء تستمتع بها، سواء كان ذلك بعمل نزهة أو المشي أو التواجد مع الأصدقاء.
- رتب أولويات مهامك
حدد ما الأمر الذي يستدعي الأولوية ومن الضرورة عمله بسرعة وما هو الضرر من تأخيره. ربما يكون تحديد أولويات مهامك أمرًا صعبًا في البداية، خاصةً عندما تنتابك الرغبة في التسرع وتشعر أن كل شيء له نفس الأهمية. لكن بمرور الوقت، سيصبح الأمر أسهل. حاول التركيز على الأشياء الأساسية وتجنب أو فوض الأشياء الأخرى التي لا تحتاج إلى اهتمامك الفوري. ستندهش من عدد الأشياء التي يمكنك تمريرها لأشخاص آخرين أو أنها ليست ضرورية.
- ضع لنفسك حدود
لإدارة أمور حياتك وتبني أسلوب حياة اكثر سلاسة، ضع حدودا لنفسك. وإذا كنت ممن يواجهون صعوبة في قول لا عندما يطلب منك شخص ما القيام بشيء ما، فعليك التفكير في وضع حدودا واضحة لنفسك. أن قبولك لمسؤوليات أكثر مما يمكنك تحمله هو ما يؤدي إلى الشعور بالضغط والتسرع:
- فكر في قول نعم للأشياء التي تريد القيام بها، ولا للأشياء التي لا تريدها.
- كن حازما
- ركز على مهمة واحدة فقط في كل مرة.
الخلاصة
عندما تتعامل مع كل شيء على أنه حالة طارئة حتى وإن لم تكن كذلك، فإنك تضغط على نفسك، مما قد يؤدي إلى الشعور بالإرهاق العقلي والجسدي. إذا كنت تشعر أنه من الصعب التغلب على هذه المشكلة، كن على يقين، أن هناك من سيكون حولك ليساعدك في تحقيق مهماتك بالصورة الأفضل. ما عليك إلا أن تضع في اعتبارك مساعدة نفسك اولًا لضبط عجلة التسرع بممارسة بعض الاستراتيجيات اللازمة مثل:
- التركيز الكامل للذهن
- العناية بالنفس
- ترتيب الاولويات
- وضع حدود لما للأعمال التي تقوم بها حتى لا تكون دائمًا في عجلة من أمرك.
المصدر:
https://psychcentral.com/anxiety/always-in-a-rush-maybe-its-time-urgency#hurry-sickness