تحدثنا في المقال السابق عن رحلة الدواء داخل جسم الإنسان، وهو ما يمثل حركيه الدواء (pharmacokinetics) من علم الأدوية، بينما مقال اليوم يتناول أثر الدواء على جسم الإنسان أو ما يعرف (pharmacodynamics) او الديناميكا الدوائية.
جدير بالقول، أن هذا الفرع من علم الأدوية، يتميز بصعوبته وتفاصيله المتشابكة، ويعتبر الجزء الأهم في علم الأدوية، ولذلك يحتاج الى دراسة علوم كثيرة تعتبر مقدمةً وأساساً لفهمه واستيعابه، لشدة تعقيده وكثرة التفاصيل الخلوية الجزيئية فيه، ومن أهمها، علم وضائف الأعضاء (physiology) وعلم الكيمياء الحيوية (biochemistry) وعلم فسيولوجيا الأمراض (pathophysiology) وعلوم أخرى مثل علم الكيمياء الدوائية (medicinal chemistry) والأحياء الدقيقة (microbiology) وعلم التشريح (anatomy) وغيرها.
الهدف من المقال هو تبسيط المفاهيم الأساسية لهذا العلم واختصارها قدر الإمكان، ليستفيد منها القارئ العام غير المتخصص، كون هذا المقال موجه لغير أهل الاختصاص، لذلك سأحاول تناول بعض المبادئ والمفردات المهمة في هذا العلم لتكوين صورة إجمالية مفيدة للقارئ.
مبدأ الفعل الدوائي
الأنواع الأساسية لفعل الأدوية يمكن تصنيفها إلى:
- التحفيز (stimulation) هو تحفيز اختياري لنشاط معين، مثل الادرينالين (adrenaline) يحفز عضلة القلب، البلوكاربين (pilocarpine) يحفز إفراز الغدة اللعابية.
- التهيج (irritation) وهذا التأثير غير اختياري ومضر أحيانا وقد يستخدم دوائياً في تطبيق بعض المخرشات على الجلد والاغشية المخاطية والأنسجة الرابطة، ولكن التهيج القوي قد يؤدي إلى التآكل وتنخر النسيج.
- التثبيط (inhibition) وهو التثبيط الانتقائي لنشاط معين في الخلية مثل الباربيتيورات (barbiturates) تثبط الجهاز العصبي المركزي (central nervous system).
- التعويض (replacement) يتطلب العلاج الدوائي استخدام مواد معوضة لمواد باطنية (endogenous) مثل إعطاء هرمونات لتعويض النقص، مثل الأنسولين (insulin) في مرض السكري، أو إعطاء الليفودوبا (levodopa) لتعويض الدوبامين (dopamine) في مرض الباركنسون (Parkinson).
- التأثير القاتل للخلايا (cell killing effect) مثل إعطاء المواد الكيميائية لقتل الخلايا السرطانيه والخلايا الجرثومية دون التأثير على خلايا المضيف، مثل المضادات الحيوية لقتل البكتيريا أو مضادات السرطان لقتل الخلايا السرطان.
أما آليات عمل الأدوية [Mechanism Of Action (MOA)] ، من الممكن إجمالها في أربع عمليات:
- التأثير الفيزيائي: مثل إعطاء الملينات الحجمية (bulk laxatives) التي تلين البطن بسبب قدرتها على سحب الماء، أو إعطاء الأدوية المدمصة (adsorpents) مثل البكتين لتبطين الأمعاء وتقليل الإفراز خلال الإخراج، أو إعطاء اليود المشع الذي يقتل خلايا الغدة الدرقية السرطانيه لإشعاعه اشعة بيتا.
- التأثير الكيميائي: الدواء في هذه الحالة يحدث فعلا كيميائياً، مثل تناول مضادات الحموضة التي تتفاعل مع حمض الهيدروكلوريك (Hcl) المعدي وتعادله، أو إعطاء المواد المحمضة أو القاعدية لتعديل حمضية البلازما، أو تطبيق المواد الموجودة مثل اليود لقتل الجراثيم او أعطاء المواد الخالبة (chelating agents) للارتباط بالسموم وامتصاصها.
- الفعل على الإنزيمات (enzymes): أن اغلب التفاعلات الحيوية تجري بواسطة الإنزيمات لذا فإن الإنزيمات أحيانا تكون هدفاً للأدوية، إما أن يحفّز الإنزيم أو يثبطه، مؤدياً إلى تحفيز أو تثبيط التفاعل الحيوي الذي يتوسطه هذا الإنزيم. [التحفيز: مثل الأدرينالين (adrenaline) الذي يحفز الأدينيل سايكليز (adenyl cyclase) يؤدي إلى إرتخاء القصبات الهوائية]. [التثبيط: تثبيط الإنزيمات آلية شائعة لدي عمل كثير من الأدوية مثل إنزيم المحول الإنجيوتنسين (angiotensin converting enzyme) وقد يكون نوعي “خاص” أو غير نوعي “غير خاص”].
- العمل على المستقبلات (receptors): أغلب الأدوية تؤدي فعلها المثبط أو المحفز من خلال ارتباطها بتركيب جزيئي على سطح أو داخل الخلية وهذا التركيب الجزيئي يعرف بالمستقبل (receptor) إن ارتباط دواء بالمستقبل يؤدي إلى حدوث تغيرات جزيئية في المستقبل مثل تغيير التركيبة الفراغية أو تغيير توزيع الشحنة، وذلك يؤدي إلى سلسلة من الأحداث تنتهي بالاستجابة (response). وهذه الآلية ليست للدواء فقط بل حتى للمواد البيولوجية مثل الهرمونات والنواقل العصبية. العديد من الأدوية تحاكي فعل الهرمون أو الناقل العصبي، لأنها تستطيع الارتباط بمستقبله وتؤدي ذات الفعل، حيث أن المستقبل قد يرتبط مع العديد من المواد التي تتشابه تركيبياً.
علم الأدوية يقسم المستقبلات الى أربعة مجاميع:
(سأكتفي بسرد بعض أنواع المستقبلات بدون التفصيل في البيولوجيا الجزيئية المعقدة الخاصة بها، لأن ذلك خارج هدف هذا المقال):
- المستقبلات المحيطة بالأقنية الأيونية ligand gated ion channels
- المستقبلات المرتبطة ببروتين “G-protein coupied receptors) “G).
- المستقبلات المرتبطة بالإنزيمات (enzyme-linked receptors)
- المستقبل داخل الخلايا (intracellular receptors).
أنواع المستقبلات
بعض المبادئ الدوائية المهمة باختصار:
1- علاقة الجرعة– الاستجابة (dose- response relationship): عندما يعطي الدواء جهازياً (systemic) فإن العلاقة بين الجرعة- الاستجابة تتكون من جزئين: الأول—العلاقة بين الجرعة وتركيز الدواء في البلازما ، الثاني— العلاقة بين تركيز الدواء في البلازما والاستجابة. الجزء الأول هو المعيار للحركة الدوائية، اما الثاني الذي يحدد العلاقة بين تركيز الدواء في البلازما والاستجابة. الاستجابة تزيد مع زيادة الجرعة، ولنكون أكثر دقة (مع زيادة تركيز الدواء في منطقة المستقبلات).
2- انتقائية عمل الدواء (Selectivity): نادراً ما يكون للدواء تأثير واحد ومحدد، منحنى الاستجابة للتأثير المحفز القلب والتأثير المرخي العضلات المساء متشابهة في دواء الأيزوبريتالين (Isoprenaline) ، ولكنهما مختلفان لدواء السالباتامول (sulbutamol) فهو أكثر خصوصية من الأيزوبريتالين كمرخي (relaxant) للقصبات الهوائية.
إن الفرق بين (منحنى الجرعة الاستجابة) للتأثير العلاجي للدواء (ومنحنى الجرعة الاستجابة) للتأثير السام للدواء يعطي مؤشراً على هامش الامان، حيث أن الدليل العلاجي (therapeutic index) حيث يساوي الجرعة القاتلة لنصف عدد الحيوانات المختبرية (LD 50 lethal dose) مقسومة على الجرعة الفعالة (effective dose LD50) علاجياً للحيوانات المختبرية.
3- التأثير المشترك للأدوية (combined effect): عندما يعطي دواءان أو أكثر ربما يتآزران (synergism) أو يتضادّان (antagonism)، قد يكون ذلك على مستوى الديناميكا الدوائية أو الحركية الدوائية.
التآزر: عندما يكون فعل الدواء يسهل أو يزداد بفعل دواء آخر، فهذا يعني أنهم يتآزران وربما يكون الدواء الأول تأثير بنفس اتجاه الدواء الثاني ولكن قد يكون أحدهما خامل ولكن يزيد فعالية الدواء الثاني عندما يعطيان معاً.
والتآزر على نوعين: 1- الإضافة (additive) وهذا يعني التأثير يساوي حاصل جمع تأثير كل من الدوائين مثل إعطاء الايبوبروفين (ibuprofen) مع الباراسيتامول (paracetamol) لتسكين الألم. 2- التنشيط (potentiation) التأثير النهائي يساوي أكثر من حاصل جمع تأثير الدوائين. مثل أعطي الكاربيدوبا (carbidopa) لمنع الأيض المحيطي (prepheral metsbolism) لليفودوبا (levodopa) ليذهب إلى الدماغ لتصنيع مزيد من الدوبامين.
التضاد: حينما يُثبط مفعول أحد الأدوية بفعل دواء آخر، ويكون التضاد على أنواع منها:
- فيزيائي: يعتمد على خصائص الفيزيائية للدواء مثل الفحم يدّمص (adsorbs) القلويويدات (alkloids) ويمنع امتصاصها، لذلك فإنه يستخدم علاج التسمم بالقلويدات.
- كيميائي: أي أن الدوائين يتفاعلان لتكوين ناتج غير فعال، مثل اتحاد مضادات السموم الخالبة (chelating) التي ترتبط بعموم المعادن الثقيلة وتمنع امتصاصها.
- فسيولوجي أو وظيفي: الدواءان يعملان على مستقبلين مختلفين بآليات مختلفة، أحدهما يضاد الاخر من حيث الفعل. مثل تأثير الهيستامين (histamine) والأدرينالين (adrenaline) على القصبات الهوائية، فالهستامين يقلصها (Bronchoconstriction) والأدرينالينين يرخيها (bronchorelaxation).
- تضاد في المستقبل: كلا الدوائين يرتبطان بنفس المستقبل أحدهما يحدث استجابة والآخر يمنع حصولها. مثل الأتروبين (atropine) والأستيل كولين (acetyl choline). الأستيل كولين يزيد تقلص الامعاء والأتروبين يرتبط بالمستقبل (Muscarinic receptor) ويمنعه من إحداث الفعل. وقد يكون التضاد تنافسياً (compititive) أو غير تنافسي (non compititive).
4- جرعة الدواء (Dose): هي الكمية اللازمة من الدواء لإحداث درجة معينة من الاستجابة.
توجد عوامل عديدة تؤثر في الجرعة منها:
- وزن الجسم
- العمر
- الجنس
- العرق
- الوراثة
- الحالات المرضية
الآن سنعطي لمحة بسيطة عن الآلية الخلوية لعمل أحد الأدوية المشهورة الباراسيتامول (paracetamol) المعروف تجارياً بالبنادول، فيفادول، أدول إلخ.. ، وهو دواء معروف لتسكين الألم وخفض الحرارة، الهدف هنا إعطاء فكرة إجمالية عن فعل الأدوية بشيء من التفصيل.
آلية عمل الباراسيتامول تتلخص في كونه يمنع (COX-1) و (COX-2) من خلال التمثيل الغذائي بواسطة وظيفة البيروكسيديز لهذه الإنزيمات المتوازنة.
ينتج عن هذا تثبيط تكوين جذور الفينوكسيل من بقايا التيروزين الحرجة الضرورية لنشاط انزيمات الأكسدة الحلقية لتخليق (COX-1) و (COX-2) والبروستاجلاندين (PG). يُظهر الباراسيتامول انتقائية لتثبيط تخليق (PGs) والعوامل ذات الصلة عندما تتوفر مستويات منخفضة من حمض الأراكيدونيك والبيروكسيدات ، ولكن على العكس من ذلك ، يكون له نشاط قليل عند مستويات كبيرة من حمض الأراكيدونيك والبيروكسيدات.
؛؛علم الديناميكا الدوائية، علم مهم ومحوري في مجال الطب والصيدلة، ويتطلب دراسة علوماً عدة قبل دراسته، ويعتبر هو الجزء الرئيس لعلم الأدوية وعلم الأدوية الاكلينيكي ، والمفتاح الأهم لعلم السموم بفروعه المختلفة؛؛
*غسان علي بوخمسين ، صيدلاني أول ، مستشفى جونز هوبكنز.