Unlocking the Secrets of the Brain
(بقلم: ستايسي كيش، جامعة كارنيجي ميلون – Stacy Kish)
بحث جديد يستكشف كيف يتم تمثيل المفاهيم المجردة في الدماغ عبر الثقافات واللغات
استكشف الباحثون في جامعة كارنيجي ميلون مناطق الدماغ حيث تتجسد المفاهيم الملموسة (المادية) والمجردة. دراسة جديدة تتحرى حاليًا ما إذا الذين نشأوا في ثقافات مختلفة ويتحدثون لغات مختلفة يكوِّنون / يصيغون هذه المفاهيم في نفس المناطق من الدماغ.
“أردنا أن نلقي نظرة على اللغات لمعرفة ما إذا كانت خلفياتنا الثقافية تؤثر في كيف نفهم وكيف ندرك الأفكار المجردة، كالعدالة مثلًا” ، كما قال روبرتو فارغاس (Roberto Vargas)، مرشح الدكتوراه في علم النفس في كلية ديتريش (Dietrich) للعلوم الإنسانية والاجتماعية والمؤلف الرئيس في الدراسة.
يواصل ڤارغاس العمل على بحث أساسي في التنظيم العصبي والتنظيم الدلالي2 الذي بدأه مارسيل جست (Marcel Just) ، برفسور علم النفس بجامعة دونالد أولدينغ هِب (Hebb). بدأ جست هذه العملية منذ أكثر من 30 عامًا وذلك بمسح أدمغة المشاركين باستخدام جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). بدأ فريق بحثه بالتعرف على مناطق الدماغ التي تظهر نشاطًا عصبيًا للأشياء الملموسة (المادية3)، التفاحة مثلًا، ثم انتقل الفريق لاحقًا لدراسة المفاهيم المجردة من الفيزياء، كالقوة والجاذبية.
أخذت الدراسة الأخيرة تقييم المفاهيم المجردة خطوة أخرى إلى الأمام وذلك باستكشاف مناطق الدماغ التي تصدر جهد فعل (fire) للأشياء المجردة بناءً على اللغة. في هذه الحالة، درس الباحثون الذين لغتهم الأم إما لغة ماندرية [اللغة التي يتحدث بها الصينيون في المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية من الصين] أو إنجليزية.
قال جست: “إن البحث الذي أُجري في المختبر يعتبر متابعة لما أُحرز من تقدم لدراسة الكليات4 ليس فقط تمثيلات لمفهوم فردي، ولكن أيضًا تمثيلات لأدلة معرفية (bodies of knowledge5) كبيرة كالمعرفة العلمية والتقنية”. “الثقافات واللغات يمكن أن تعطينا منظورًا خاصًا للمحيط، لكن ما لدينا من خزائن للملفات الذهنية متشابهة جدًا”. [المترجم” هذه نظرية قديمة لكيفية تخزين الذاكرة في الدماغ ولكن هناك نظرية أخرى6].
وفقًا لڤرغاس (Vargas)، هناك مجموعة أدوات قابلة للتعميم إلى حد ما، أو شبكة من مناطق الدماغ، يوظفها الناس عندما يفكرون في المعلومات المجردة، لكن كيف يوظف الناس هذه الأدوات تختلف باختلاف ثقافتهم ومعنى الكلمة [لديهم؟].
كانت هذه واحدة من الدراسات الأولى لتحري درجة القواسم المشتركة في الأساس العصبي لتمثيل المفاهيم المجردة في كل اللغات بينما يوفر هذا الاساس إطار عمل للتعرف على الاختلافات اللغوية المحددة في معاني كل مفهوم من المفاهيم المجردة.
خلال الدراسة، قام ڤارغاس وجست بجمع تصاوير مسحية لأدمغة 20 مشاركًا، بتمثيل متساوٍ من أولئك الذين يتحدثون الإنجليزية ومن يتحدثون الماندرينية. أُعطي المشاركون 28 مفهوماً مجرداً موزعة على سبع مصنفات: مفاهيم اجتماعية وعاطفية وميتافيزيقية وقانونية ومفاهيم تدين (الانتماء إلى دين7) ومفاهيم رياضيات ومفاهيم علمية.
عندما كانوا يخضعون لتصوير أدمغتهم داخل جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي، كان من شأن المشاركين أن يفكروا في توجيه / تنبيه يذكرهم بإحدى هذه المصنفات، مثل انتهاك / تدنيس المقدسات في فئة التدين، لمدة ثلاث ثوانٍ. وبين كل تنبيه، يقوم المشارك بتصفية ذهنه وذلك بالتحديق في شكل بيضاوي أزرق متقلص لمدة سبع ثوانٍ. كررت التجربة ست مرات للحصول على مجموعات بيانات متعددة لعمل تحليلات إحصائية ولتمرين النماذج الحوسبية واختبارها.
الدراسة تثبت وجود بنية تحتية عصبية مشتركة بين اللغات. على الرغم من أن المناطق العصبية الأساسية متشابهة، فإن كيف يبدأ النشاط العصبي (من خلال اصدار فعل جهد firing) في هذه المناطق الدماغية تعتبر متعلقة بشكل أكثر بالفرد نفسه.
“أعتقد أنه كلما أجريت هذا النوع من البحث بشكل أكثر كلما أدركت أن البشر ليسوا فريدين في اسلوب تفكيرهم في الأمور” ، حسب ما قال ڤارغاس. “لقد نشأنا وتطورنا بأدمغة متشابهة تؤدي وظائف محددة. فهي بمثابة العضلات في الجسم. إذا كان المرء يشغل وظيفة تنطوي على تفاعل اجتماعي [علاقات اجتماعية]، الجزء من دماغه الذي يعالج المعلومات الاجتماعية يُنشط بشكل متزايد وسيرتبط بطرق مختلفة بجميع مناطق الدماغ”.
قد يكمن التشابه بين المفاهيم التي تتمحور حول الرياضيات في التشابه العالي في كل اللغات بين الرياضيات والعلوم. قد يكمن التشابه في مفاهيم العواطف / المشاعر والمفاهيم الاجتماعية في الظروف المشتركة والعلاقات التي وراء هذه المفاهيم.
“هذه النتائج تدل على الطريقة الشمولية التي تتعامل بها الأدمغة من جميع الثقافات مع المعلومات المجردة” ، بحسب ما قال جست. “على الرغم من أن كل ثقافة تطور مفاهيمها المختلفة عن محيطها إلى حد ما، فإن جميع الأدمغة تقوم بتنظيم المفاهيم المجردة بنفس الطريقة، مستخدمةً نفس أنظمة الدماغ”.
استندت هذه الدراسة، بالإضافة إلى الدراسة السابقة التي أكملها ڤارغاس وجست، على عينات أقل من 20 مشاركًا لكل من الدراستين. تردد ڤارغاس في مدى تعميم تطبيق نتائج هاتين الدراستين على سياق ثقافي أكبر نظرًا لصغر حجم العينة ولمقارنتهما للغتين فقط. يريد أن يواصل العمل على هذه الدراسة ولكنه سيأخذها في اتجاه جديد، مع التركيز بشكل خاص على كيف تتجسد المفاهيم المجردة في سياق اجتماعي أو ثقافي.
سيواصل فارغاس العمل على هذا الدراسة من خلال مشروعين. مشروع سيتولى دراسة كيف تؤثر الهوية الاجتماعية في القرارات المتعلقة بالثواب والعقاب. المشروع الثاتي سيحقق في الطريقة التي يفكر بها الناس في المفاهيم المتعلقة ببيئتنا المجتمعية، كالشرطة والرعاية الصحية، وكيف تختلف هذه المفاهيم عبر المجموعات العرقية.
مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1002/hbm.25844
2- “اللغة لها معنى يُعبر عنه من خلال تعبيرات دلالية. المفهوم الدلالي هو رابط بين الكلمات المستخدمة والمسموعة والمفاهيم أو الأشياء التي تمثلها. قدرة الشخص على تنظيم معرفته وفهم عالمه يُسمى بالتنظيم الدلالي” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.june29.com/what-is-semantic-organization-in-linguistics/
3- https://www.nature.com/articles/s41539-021-00107-6
4- “الكلي (جمعه كليات) في الفلسفة هو أحد أصناف الكيانات العقلية المجردة المستقلة حسب ما تعرفها الفلسفة الواقعية، حيث يفترض أن هذه الكليات هي التي تؤسس وتشرح العلاقة بين الماهيات النوعية والتشابه بين أفرادها. يمكننا أن نقول عن أفرادها انها متشابهة عن طريق تقرير اشتراكها في الكليات. فالتفاحة الحمراء والياقوتة تتشابهان بأنهما حمراوتان، فتشاركهما بالاحمرار نتيجة تشاركهما في كلي (كيان عقلي) هو الاحمرار. وهذا هو ما يميز الكلي عن الأفراد والأشياء، فهو يمكن ان يتواجد في مكانين أو أكثر في نفس اللحظة” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/كلي
5- “الدليل المعرفي، وهو ما يعرف بمصطلح (Body of Knowledge – أو اختصاراً BOK أو BoK) وهو مصطلح يستخدم لتمثيل مجموعة كاملة من المفاهيم والمصطلحات والأنشطة التي تشكل مجالاً مهنياً، كما هو محدد من قبل جهة ذات صلة كهيئة مهنية. على الرغم من ان مصطلح جسم معرفي يستخدم لوصف الوثيقة التي تحدد تلك المعرفة أيضاً، إلا أن هذا المصطلح في حد ذاته هو أكثر من مجرد مجموعة من التعريفات أو مكتبة دليلية أو موقع على شبكة الإنترنت أو مجموعة من المواقع الإلكترونية، أو وصف للوظائف المهنية، أو حتى مجموعة من المعلومات. بل هو عبارة عن أنطولوجية (علم المعلومات)” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/دليل_معرفي
6- خزائن الملفات الذهنية (mental filing cabinets): بالنظر في نشاط الدماغ أثناء عمليات تصويره، استنتج العلماء أن المفاهيم السابقة لكيفية عمل الذاكرة تحتاج إلى مراجعة. يقول ليرر (Lehrer) إن النموذج القديم للذاكرة هو أن الدماغ هو بمثابة خزانة ملفات هائلة، حيث تُخزّن المعارف بترتيب منطقي. “حاليًا، بفضل بحث عنوانه” على طرف اللسان [المترجم: أي الكلمة علي طرف اللسان لكن لا يتذكرها المتكلم حين ينسى شيئًا ما في مجريات حديثه، كما يقول ليرر ، فقد أدرك الباحثون أن الذاكرة ليست كخزانة ملفات على الإطلاق بل هي عبارة غن طاولة مكتب شديدة الفوضى، تعج بأكوام كبيرة من الأوراق، لذلك عندما ينسى المرء كلمة أو اسم، ما يحاول القيام به هو العثور على إحدى الأوراق وسط كل هذه المليارات من الورق المتراكمة. ولكن، كما يعلم الجميع أن من لديهم طاولة مكتب تعج بفوضى كومة أوراق، هناك عدة طرق للعثور على الورقة المطلوبة في وسط الفوضى. قد يعلم أحدهم أن بالقرب من تلك الورقة ورقة أخرى عن نفس الموضوع. قد يعلم أنها وضعت في كومة الورق في نفس الوقت الذي وضعت فيه ورقة أخرى من الورق يراها في أعلى الكومة. اكتشف الباحثون أن الدماغ يعمل بطريقة مماثلة، والطريقة التي يتذكر بها الناس “الكلمة التي على طرف اللسان” هي إحدى المؤشرات على تلك الظاهرة. على سبيل المثال، إذا واجه المرء مشكلة في تذكر كلمة “contraband” ، فمن المرجح أن يتذكر هذه الكلمة لو ذكر شخص آخر كلمة “continue” ، لأن المقطع للكلمتين نفسه ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.npr.org/templates/story/story.php?storyId=91142967
7- “التدين هو أن يكون الشخص صاحب دين كمسلم أو مسيحي أو يهودي أو طاوي أو هندوسي. غير متدين هو مرادف للادينيين وهم الذين لا يؤمنون بالدين كالملحدين والربوبيين. الملتزم دينياً وهو الشخص المتدين الذي يلتزم بأحكام الدين الذي يتبعه. غير الملتزم هو المتدين الذي لا يلتزم بأحكام الدين الذي يتبعه أو يلتزم به بشكل جزئي” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تدين
المصدر الرئيس:
https://www.cmu.edu/news/stories/archives/2022/may/brain-research.html