“الشخصية اليابانية (1)”
صفاتها
تختلف الشخصية الأسيوية عن الشخصية الغربية في صفات يمكننا ملاحظتها وتأملها وتفحصها، لكن تحديد هذه الاختلافات وتفسير أهميتها قد يكون أمر عميق، صعب وعسير. فتحديد ماهية التقاليد والبصيرة البديهية والمنطق بدقة ليس بالأمر السهل، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار النسبية الثقافية. ومما يقال على سبيل المثال أن المجتمع الآسيوي يعتمد أكثر على البصيرة والتقاليد البديهية بينما المجتمع الغربي يعتمد أكثر على المنطق.
صنف عالم الأنثروبولوجيا جوردون ماثيوز (Gordon Matthews) “الذات اليابانية” (“Japanese self”) من حيث النشاط في تفاعلها مع الآخر في ثلاثة مستويات شملت:
- الأشياء المسلم بها والتي تؤخذ على عواهنها دون أي انتباه لماهيتها؛
- الأشياء الحادثة بدون ارادة الفرد وليس له أي سيطرة عليها ونتيجة لذلك يتم قبولها بغض النظر عن الرغبة فيها من عدمه؛
- “السوق الثقافي” الذي يحدد فيه الأفراد هويتهم ووجودهم من خلال مجموعة متنوعة من القيم والأفكار.
كتبت نصرين عظيمي (Nassrine Azimi)، كبيرة المستشارين في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (يونيتار-Unitar)، في صحيفة نيويورك تايمز، “إن الميل الياباني لتحمل المسؤولية الشخصية عن الفشل، والذي يساء فهمه كثيرًا من قبل الغربيين على أنه مفتعل أو غير صادق، هو في الواقع راسخ بعمق في نفسهم.
وكتب فوسكو ماريني (Fosco Maraini)، عالم الأنثروبولوجيا الإيطالي الجريء، في مذكراته “لقاء مع اليابان” أنه حتى لو لم يعد مصطلح بوشيدو (Bushido) والذي يترجم على أنه “طريق الساموراي” (Samurai) الذي يُمارس في الحياة اليومية، فإن نواة الأفكار التقليدية مثل الشرف والتضحية بالنفس تستمر في التأثير على السياسة اليابانية، والأعمال التجارية والحياة الأسرية.
الطابع الياباني
تدور القيم اليابانية حول السعادة وحفظ ماء الوجه والعار والغضب والقلق والأخلاق ومن ابرزها: الفخر والشرف والانضباط والعمل الجاد والتضحية بالنفس والولاء والتواضع.
تقليديًا، يقدر اليابانيون الانسجام والكياسة، واللطف، والامتثال، والموائمة، والاحترام خاصة احترام كبار السن والشيوخ، والتواضع، وضبط النفس، وعدم انتقاد الآخرين، والنزاهة، والأمانة، والولاء، والوفاء، والصدق، والتواضع، والاجتهاد، والصبر، والمثابرة، والعمل الجاد، والالتزام بالتعليم، والإيمان بالنظام، والاستقرار، والتأكيد على الالتزامات تجاه المجتمع بدلاً من الحقوق الفردية، وتفضيل التشاور والتوافق على المواجهة المفتوحة، وعدم انتقاد الآخرين، وتجنب الصراع بأي ثمن. وهذه القيم بشكل عام يشترك فيها الآسيويون الآخرون ويتم تعليمها للأطفال من الحضانة فصاعدًا.
يعد الولاء والالتزام والتضحية بالنفس و “الوعي الأحادي غير المدرك” (وعي زوال الحياة والأشياء، والحزن اللطيف عند رحيلهم) مع تضمين عناصر خارقة للطبيعة من الموضوعات الرئيسية في الأدب والمسرح الياباني الكلاسيكي.
حول الاختلاف بين العقلية الآسيوية والعقلية الغربية، قال الكاتب الياباني هاروكي موراكامي (Haruki Murakami) لصحيفة ديلي يوميوري (Daily Yomiuri):
“هناك إحساس مختلف بالوقت، نوع من الصبر، الانتباه للصوت والاهتمام بالصمت”.
كتب بول ثيرو (Paul Theroux) في الوحش اليومي (The Daily Beast): أكثر من معظم البلدان، اليابان هي عائلة واحدة، ولغة واحدة، وتتبع مجموعة واحدة من القواعد، وتؤمن بعظمة مصيرها وتتغلب على أي عقبة لتحقيق ذلك.
تشجع هذه الحالة اليابانية الحسد الغربي الذي يتم التعبير عنه في فيلم الاستخفاف والسخرية السهلة (the belittling film) والتي لا تنظر إلى أبعد من الفيلم الذي ضاعت معانيه في الترجمة (look no further than Lost in Translation) ويصور اليابان على أنها مهزلة بلهجات مضحكة، حيث يتم تقليد الثقافة الغربية كما لو كانت في مرآة مضحكة؛ أو مجتمع آلي، غير مبتسم، متشائم، يكره الأجانب، يعتمد على الرواتب ويذبح الحيتان.
في الثقافة الشعبية اليابانية، مصطلح شائع “العامل بأجر” (サ ラ リ ー マ ン) أو الأجير، والذي يرمز إلى عامل ذو ياقة بيضاء يُظهر ولاءً والتزامًا طاغيين تجاه الشركة التي يعمل بها.
الانطباع السطحي الأول للمسافر عن اليابانيين بأنهم الكادحون والمتفوقون في صنع آلة متطورة التجهيز. تقول امرأة في مسرحية آلان بينيت (- アラン・ベネットの演劇 – Alan Bennett play)، عندما رأت رجلًا يابانيًا يبكي في أحد المقاهي الإنجليزية: “اعتقدت أن هذا هو بيت القصيد منهم، إنهم لا يبكون”.
من المؤكد أن ما على السطح يكشف شيئًا عن الحالة الداخلية، ولكن بعد فترة يرى المرء أوجه تشابه أكثر من الاختلافات بين ما يرى على السطح وأسفله، ويصبح لديه قدر كبير من الإعجاب بهذا الشعب. فخرهم القومي قوي للغاية، ومن الممكن المبالغة في رؤية اليابان باعتبارها حصنًا للطقوس.
سكان اليابان يتقدمون في السن ومعدل المواليد منخفض، وتكاليف العمالة مرتفعة جدًا لدرجة أن معظم العلامات التجارية التقليدية للإلكترونيات والكاميرات تأتي من الصين.
بعيدًا عن الشعور بالتفوق، يشعر اليابانيون بالنحس والضعف إلى حد ما، وهم محاصرون بالضغوط الاجتماعية وتكلفة المعيشة المرتفعة. بالنسبة لشخص ما في طوكيو، يكون الذهاب إلى هونولولو أرخص من سابورو، وبالتالي يبدو وكأنه يسبح عكس التيار ويصارع ريح شديدة معاكسة ليتمكن من كسب معيشته.
سيتم الحديث عن [الشخصية اليابانية (2) – القيم الأسيوية وأهميتها في بناء الشخصية اليابانية] في المقال القادم “الثقافات العالمية الرئيسية (25)”،،،،،،
المصادر:
- https://factsanddetails.com/japan/cat18/sub115/item615.html
- نسرين عظيمي، نيويورك تايمز، 7 يونيو 2010
- https://en.wikipedia.org/wiki/Salaryman
- بول ثيرو، ذا ديلي بيست، 20 آذار (مارس) 2011
- Kate Elwood، Daily Yomiuri، June 8، 2010