كيف يؤثر دماغنا في تغيُّر اللهجة – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

How our brain influences language change
(جامعة ڤيينا – University of Vienna)

لغتنا تتغير باستمرار.  وجد باحثون من جامعة ڤيينا أنه على مر القرون، أنماط أصوات الكلام المتواترة تصبح أكثر تواترًا. والسبب في هذا التطور هو أن دماغنا يمكن أن يدرك حسيًا ويعالج ويتعلم / يكتسب أنماط الأصوات المتواترة، وبالتالي يدرك حسيًا ويعالج ويتعلم / يكتسب الأصوات الدارجة بسهولة أكثر من الأنماط الأقل تواترًا.  نُشرت نتائج الدراسة في مجلة اللسانيات المعرفية (Cognitive Linguistics1).

مصدر الصورة: blogs.scientificamerican.com

تختلف اللهجات السابقة اختلافًا كثيرًا عن اللهجات الحالية. هذا لا ينطبق فقط على مفرداتها وقواعدها ، ولكن أيضًا على أصوات كلماتها.  قامت تيريزا ماتزينغر (Theresa Matzinger) ونيكولاس ريت (Nikolaus Ritt) من قسم اللغة الإنجليزية بجامعة ڤيينا بدراسة العوامل المسؤولة عن هذه التغييرات الصوتية وماذا عساها أن تخبرنا به بخصوص قدرات المعالجة التي تتميز بها أدمغتنا.

يفضل الناس أنماط الكلام التي تقع بشكل متواتر.  على سبيل المثال، في أوائل العصور الوسطى، الكلمة الإنجليزية (make) كانت تنطق كـ “ma-ke” (بمقطعين صوتيين2 و “a” قصيرة المد مشابه للحرف الصائت u في كلمة cut) ، بينما في أواخر العصور الوسطى، كانت تُنطق كـ “maak” (بمقطع لفظي واحد و “a” طويلة المد مشابه للحرف الصائت a في كلمة father). [المترجم: في اللغة العربية الصوائت هي الحركات الثلاثة – الفتح والكسر والضم- وأصوات المد الثلاثة – الألف والياء والواو، والتي تقابل في الانجليزية حروف A, I, O, U ].  العديد من كلمات اللغة الإنجليزية في العصور الوسطى فقدت مقطعها الثاني وأطالت مد اصوائتها كما حدث لكلمة (make). ولكن ما هو سبب إطالة مد الصوائت في الكلمات التي فقدت مقطعها الثاني؟

لاستكشاف هذا التغيُّر، قامت ماتزينغر (Matzinger) وريت (Ritt) بتحليل أكثر من 40 ألف كلمة من نصوص إنجليزية من أوائل العصور الوسطى.  حددوا أطوال مد صوائتها، على سبيل المثال، باستخدام القواميس أو أخذ الأصوات المقاربة في الاعتبار. ثم قاموا بعد ذلك بحساب تواتر الكلمات التي فيها صوائت طويلة المد وقصيرة المد.  وجدوا أن غالبية الكلمات الإنجليزية أحادية المقطع في العصور الوسطى لها غالبية من صوائت طويلة المد وأقلية فقط لديها صوائت قصيرة المد.

هذا يعني أنه عندما ينطق المتكلمون كلمات أحادية المقطع فيها صائت قصير المد، بدت هذه الكلمات “غريبة” ولم يستطع المستمعون التعرف عليها بوضوح وبسرعة لأنها لا تتناسب مع أنماط الأصوات الدارجة التي اعتاد عليها المستمعون.

في المقابل، فإن الكلمات المزودة بأنماط الأصوات الدارجة فيها صائت طويل المد يمكن للدماغ معالجتها بسهولة أكثر ، كما توضح ماتزينغر التي تعمل حاليًا باحثةً زائرةً في جامعة تورون (Toruń).

تغير اللهجة يشبه لعبة الهاتف في عملها. [المترجم: لعبة الهاتف تجري كالتالي: يهمس الواحد في أذن الثاني بكلمة وهكذا دواليك، وفي النهاية تصل الى المستمع الأخير مشوهة بشكل كبير3].

على مدى قرون، سهولة معالجة الكلمات أحادية المقطع التي فيها صوائت طويلة المد وتعلمها تتأثر بحيث المزيد والمزيد من الكلمات أحادية المقطع تحوي على صوائت طويلة المد.  “يمكن للمرء أن يتخيل تغير اللهجة مثل لعبة هاتف” ، كما يقول ماتزينغر. “يتحدث أحد الأجيال بلهجة.  أطفال هذا الجيل يسمعون ويعالجون ويكتسبون أنماطًا متواترة من جيل آبائهم بسهولة أكثر من تلك الأنماط الأقل تواترًا، وبالتالي يستخدمون هذه الأنماط بشكل أكثر تواترًا. ثم يقوم هذا الجيل الثاني بالتحدث مع أطفالهم بلهجة متغيرة قليلاً [توصيل هذه اللهجة لهم بصورة متغيرة]. نلاحظ أيضًا أن هذه اللهجة تتغير تدريجيًا وذلك لأن أجدادنا وأنفسنا وأطفالنا يتكلمون بشكل مختلف قليلاً.

بيد أنه لو حدثت هذه العملية على مدى أجيال عديدة وعلى مدى قرون، فإن اللهجة تتغير كثيرًا بحيث يصعب على الناس في هذا الزمن فهم اللهجات السابقة.  “في دراستنا، أثبتنا أن قدرة دماغنا على الإدراك الحسي للأنماط المتواترة وتعلمها / اكتسابها بشكل تفضيلي يُعتبر عاملًا مهمًا يؤثر في كيف تتغير اللهجات” ، كما تخلص اليه ماتزينغر.  الخطوة التالية في هذه الدراسة في تأثير الدماغ في تغير اللغة ستنطوي على دراسة تواترات أنماط الأصوات أثناء التغيرات الأخرى للهجة وفي لغات أخرى غير اللغة الإنجليزية.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://www.degruyter.com/document/doi/10.1515/cog-2021-0087/html
2- “السلابية أو المقطع هو وحدة من الوحدات التي يتكون منها صوت الكلام الآدمي، وهو متعلق بانسيابية الكلام حيث أن الكلام في معظم لغات العالم لا ينساب بوتيرة واحدة وإنما بشكل مقطع.  على سبيل المثال، كلمة «استمر» تلفظ بالمقاطع التالية: اِستَمَررَ.   المقاطع هي وحدات فونولوجية وليست وحدات إملائية أو قواعدية، وبالتالي فهي ليست محصورة ضمن أطر الكلمات، وفي كثير من اللغات تعتبر المقاطع عابرة لحدود الكلمات، ونجد ذلك في اللغة العربية عندما تنطق كلمة مبدوؤة بهمزة وصل كلمة منتهية بمقطع خفيف أو مقطع مغلق؛ مثلا «رجلان اسماهما» تلفظ رَجُلانِسماهُما، أو اسم «عبد العزيز» يلفظ عَبدلعَزيز.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/مقطع_لفظي
3- https://www.thefreedictionary.com/Telephone+(game)

المصدر الرئيس:
https://medienportal.univie.ac.at/presse/aktuelle-pressemeldungen/detailansicht/artikel/how-our-brain-influences-language-change/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *