“ثقافة آسيا الوسطى”
الدول الخمس لآسيا الوسطى
[قيرغيزستان]
2- قيرغيزستان
2-1 السكان
يتكون الشعب القرقيزي، في الغالب، من أناس رحل استقروا في اعمال الزراعة الجماعية، وكان ينظر إليهم على أنهم من سكان الغابات. وصفت المصادر الصينية والإسلامية في القرنين السابع والثاني عشر الميلاديين القرغيز بأنهم ذوو شعور حمراء وبشرة فاتحة وعيون خضراء (زرقاء).
يعود تاريخ القرغيز (Kyrgyz) في ما يعرف الآن بقيرغيزستان إلى القرن السابع عشر على الأقل. لكن يمكن تتبع تاريخ قيرغيزستان على الأقل إلى القرن الأول قبل الميلاد. يُحتمل إن الإقامة لأوائل القيرغيزستانين كانت في أعالي وادي نهر ينيسي (Yenisey) في وسط سيبيريا، وربما كانت ثقافة تاشتيك (Tashtyk) التي تؤرخ مابين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الخامس الميلادي (ستة قرون) هي ثقافتهم الأصلية.
في منتصف القرن التاسع، أطاح القرغيز، الذين كانوا يتحدثون التركية في ذلك الوقت، بإمبراطورية الأويغور في منغوليا لكنهم لم يستقروا هناك. حسب كتاب الجغرافيا الفارسية حدود العالم (Ḥudūd al-ʿĀlam)، عاش القرغيز على أطراف “الأراضي غير المأهولة في الشمال. يذكر النحوي، في القرن الحادي عشر، محمود الكاشغري، أن لغتهم كانت تركية.
وبسبب موائلهم المنعزلة، ظل القرغيز خارج التيار الرئيسي لتاريخ آسيا الداخلية، وهي حقيقة سمحت لهم بالبقاء على قيد الحياة في الطوفان المغولي الذي غير المشهد السياسي الآسيوي الداخلي تمامًا.
؛؛الطوفان المغولي غير المشهد السياسي الآسيوي الداخلي؛؛
في عام 1207 استسلم القرغيز إلى نجل جنكيز خان يوتشي. وبذلك، فلتوا من الدمار، كما إنهم لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد في هذا الوقت. وبقيت الشامانية مزدهرة بينهم في أواخر القرن السادس عشر.
بحلول القرنين السادس عشر والسابع عشر، عاشت معظم القبائل القرغيزية المتبقية في سلسلة جبال تيان شان (Tien Shan) كبدو رحل مقسمين إلى جناحين (يسارًا ويمينًا)، الا انه بقيت هناك مواجهات بين بقايا فرع الينيسي (Yenisei) من قيرغيزستان والروس الذين كانوا يزحفون تجاه قريقيزستان.
في عام 1703، وتحت ضغط من الدزونكارز (Dzungars) وهي قبيلة من المغول الغربيين، انتقل ينيرسيكركز (YeniseyKyrgyz) إلى سميرقشي (Semirechye)، ولكن الأعمال العدائية استمرت بين الشعبين حتى هزيمة الصين لزعيم الدزونكارز، امرسونا (Amursana) في عام 1757.
وبين عامي 1825 و 1830 احتلهم محمد علي خان قوقند، حيث بُنيت مدينة بيشكيك (بيشكيك)، العاصمة المستقبلية لقيرغيزستان، على يد اولئك الخانات، ومن خلال الاتصالات، تم تبني الإسلام تدريجياً في جنوب قرغيزستان على الرغم من أنه ظل مجرد قشرة خارجية على الثقافة الوطنية.
في منتصف القرن الثامن عشر تقريبًا، أصبحت قيرغيزستان جزءًا من إمبراطورية تشينغ (مانشو) في الصين.
بعد هيمنة الاتحاد السوفيتي أصبح هناك، إلى جانب القيرغيز، أقليات من الروس والأوزبك والأوكرانيين والألمان الذين تم نفيهم إلى المنطقة في عام 1941، بالإضافة إلى التتار والكازاخيين والدونغان (الهوي؛ والمسلمون الصينيون) والأويغور، والطاجيك.
ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان قيرغيزستان هم من القرغيز، ويبلغ الأوزبك فيها حوالي سُبع السكان. وتشكل المجموعات العرقية الأخرى حوالي الثُمن المتبقي من السكان. ويشكل المسلمون ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان قيرغيزستان.
2-2 الجغرافيا
تحد قيرغيزستان كازاخستان من الشمال الغربي والشمال، والصين من الشرق والجنوب، وطاجيكستان وأوزبكستان من الجنوب والغرب.
تعتبر قيرقيزستان بلد جبلي، تمتد معظم حدودها على طول قمم الجبال. تقع هذه الجبال ضمن سلسة جبال تين شان (Tien Shan)، والذي تمتد شرقًا إلى الصين.
على الحدود الجنوبية تقع سلاسل جبال كوك شال تاو (Kok Shaal-Tau) والاي (Alay) وزالاي (Zaalay) واتباشي (Atbashi).
أعلى قمة في قيرغيزستان هي قمة النصر (بوبيدي) ويبلغ ارتفاعها 7،439 مترًا. للمقارنة، يبلغ ارتفاع قمة جبل ايفرست جبل ايفرست 8،849 مترًا.
ويبلغ ارتفاع جبل خان تنغري، الذي يقع على الحدود مع كازاخستان، 6695 مترًا.
2-3 الثقافة
يُنظر الى القرغيز على أنهم سكان “شماليون”، وفي الأساس، هم مزيج من الشعوب الآسيوية والأوروبية الذين سكنوا الغابات ويستخدمون الزلاجات.
فيما مضى مارس القرقيز الشامانية (shamanism)، وهي ظاهرة دينية تتمحور حول الشامان، وهو شخص يعتقد بأنه يحقق قوى مختلفة من خلال نشوة أو تجربة دينية منتشية. وعلى الرغم من اختلاف عقيدة الشامان من ثقافة إلى أخرى، إلا أن الاعتقاد العام هو أن لديهم القدرة على شفاء المرضى، والتواصل مع العالم الآخر، وغالبًا ما يرافقون أرواح الموتى إلى هذا العالم الآخر. مصطلح الشامانية يأتي من مانشو تونغوس. وكلمة “سامان” (šaman) اسم يتضمن بادئة فعلية هي ša- “يعرف”؛ وبالتالي، يكون معنى الشامان حرفياً هو “الشخص الذي يعرف”.
؛؛تأثرت الحياة الثقافية في قيرغيزستان بشكل كبير بالتغيير من الأبجدية العربية إلى الرومانية وأخيراً إلى السيريلية، مع إضافة علامات التشكيل بداية من عام 1940؛؛
وبتقاليد أدبية شفوية غنية بما في ذلك الدورات الملحمية والشعر الغنائي (epic cycles and lyric poetry) للمنطقة، من خلال تطوير لغة أدبية حديثة. هذه القصائد الطويلة تفصل عادة مآثر ومغامرات غير عادية لشخصيات من الماضي البعيد. تأتي كلمة “ملحمة” من المصطلح اليوناني القديم “ايبوس” (“epos”) والذي يعني “قصة، كلمة، قصيدة”، والقصيدة الملحمية هي عمل سردي مطول في الشعر.
ومن الملاحم القيرغيزية، ملحمة ماناس، وباللاتينية: ماناس دستانی (Manas dastany)، هي قصيدة ملحمية تقليدية تعود إلى القرن الثامن عشر، وربما حسب ما يقول القيرغيزية أنها قد تعود الى قبل ذلك بكثير.
يُقال أن ماناس تستند إلى “بارس بيك” وهو أول خاقان من خاقانات ينيزي قيرغيزستان. والخاقان أو الخاجان أو القاقان هو لقب ذو رتبة إمبراطورية باللغات التركية والمنغولية وبعض اللغات الأخرى، وهو مساوٍ لمكانة الإمبراطور والشخص الذي يحكم عدة خاقانات. المعادل الأنثوي لهذا المسمى هو خاتون. ويمكن أيضًا أن تُترجم إلى “خان الخانات”، أي ما يعادل ملك الملوك.
تدور قصة ماناس حول سلسلة من الأحداث التي تتزامن مع تاريخ المنطقة في القرن التاسع، وفي المقام الأول تفاعل الشعب القرغيزي مع الشعبين التركي والصيني. تعتبر قصيدة ماناس الملحمية مركزية في الثقافة والشخصية التقليدية القرغيزية وعلم النفس والروح.
؛؛تم تسمية ماناس (Manas) على اسم البطل القومي الذي يحمل نفس الاسم، وهو عمل ضخم يتكون من 500،000 سطر – وهي أطول ملحمة في العالم؛؛
فهي أطول عشرين مرة من أوديسة هوميروس والإلياذة مجتمعين، أو حوالي ضعف طول ماهابهاراتا الهندية. إنه عمل يسرد مآثر ماناس وذريته وأتباعه. تشكل المعارك ضد أعداء كيتاي (Kitay) وكالماك (Kalmak) موضوعًا رئيسيًا في الملحمة. ومع ذلك ، تتضمن الملحمة أيضًا ثروة من المعلومات حول الحياة اليومية لشعب قيرغيزستان.
تروى هذه الملحمة من قبل المتخصصين المعروفين باسم ماناشي (manashi)، وهم يحتلون مكانة خاصة من الاحترام في ثقافة قيرغيزستان. ينقل الرواة، الماناشي، القصص من جيل إلى جيل. وهؤلاء الرواة لهم تقدير خاص لمعرفتهم أولاً، وبسبب إيصالهم الدرامي. تعتبر هذه الملاحم والروايات كنوز الذاكرة الجماعية لقيرغيزستان.
تحكي الملحمة قصة ماناس ونسله ومآثرهم ضد أعداء مختلفين. ملحمة ماناس مقسمة إلى ثلاثة كتب. الأول بعنوان “ماناس”، والثاني يصف أفعال نجله سيميتى، والثالث لحفيده سيتك. تبدأ الملحمة بالدمار والصعوبات التي سببها غزو الأويرات. وصل جاكيب إلى مرحلة النضج في هذا الوقت لكونه مالكًا للعديد من القطعان دون وريث واحد.
في النهاية تمت الإستجابة لدعائه، وفي يوم ولادة ابنه، خصص مهرًا (فرس صغير) كان قد ولد في نفس اليوم لخدمة ابنه. ينفرد الابن بين أقرانه بالقوة والخداع والكرم. ولما علم الأويرات عن هذا المحارب الشاب حذروا منه قائدهم الذي وضع خطة للقبض على الشاب ماناس. ولما فشلوا في هذه المهمة، أصبح ماناس قادرًا على حشد شعبه وانتُخب في النهاية وأُعلِن خانًا.
والأويرات هم شعب من الشعوب المنغولية. ففي القرن الثالث عشر، كان المغول الغربيون أعداء المغول الشرقيين لإمبراطورية جنكيز خان. خلال القرون التالية، حافظ المغول الغربيون على وجود منفصل في ظل كونفدرالية عُرفت باسم دوربن أويرات (Dörben Oirat) أي أربعة حلفاء، والتي اشتق منها اسم أويرات (Oirat).
بعد ذلك، وسع ماناس نطاق وصوله ليشمل الأويغور في رافيغان على الحدود الجنوبية لجونغاريا. وقدم أحد حكام الأويغور المهزومين ابنته إلى ماناس للزواج. في هذه المرحلة، اختار شعب قيرغيزستان، بمساعدة ماناس، العودة من جبال ألتاي إلى “أراضي أجدادهم” في جبال قيرغيزستان الحديثة.
يبدأ ماناس حملاته الناجحة ضد جيرانه برفقة رفاقه الأربعين. وفي النهاية تحول ماناس لمواجهة الشعب الأفغاني في الجنوب، وبعد هزيمة الأفغان في المعركة دخلوا في تحالف مع ماناس. ثم دخل مناس في علاقة مع أهل ما وَرَاءَ النّار من خلال الزواج من ابنة حاكم بخارى. وتستمر الملحمة في أشكال مختلفة، اعتمادًا على طريقة سرد وهوى الماناشي، أو الروائي.
ولا يزال المغنون الشعبيون في قيرغيزستان يرددون بيت الشعر الطويل الملحمي “ماناس” (Manas) وأشعار بطولية وغنائية أخرى، غالبًا بمصاحبة الكوموز (komuz) ذي الأوتار الثلاثة، والتي تُقطف مثل العود.
خلال الفترة السوفيتية سعى شعراء قيرغيزستان إلى تكييف كتاباتهم مع الأيديولوجية الشيوعية ومبادئ الواقعية الاشتراكية. لكن طبيعة الحياة الثقافية في قيرغيزستان شهدت تغيرًا كبيرًا في أعقاب تفكك الحزب الشيوعي ووقف ضوابطه الأيديولوجية المشددة. خطط القرغيز للعودة إلى الأبجدية الرومانية في التسعينيات، بالتنسيق مع البلدان الأخرى الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى.
يفتخر القرغيز بشهرة جنكيز أيتماتوف (Chingiz Aytmatov)، الروائي وكاتب القصص الذي كتب بشكل رئيسي باللغة الروسية ولكن أيضًا باللغة القرغيزية. فيلمه “حكاية الجبال والسهوب” (Povesti gor i stepey-1963) و “اليوم يستمر لأكثر من مائة عام” (I dol’she veka dlit’sia-1980) و “مكان الجمجمة” (Plakha-1986) والتي تم تداولها على نطاق واسع باللغتين الروسية والإنجليزية.
تناقش مسرحية أيتماتوف “صعود جبل فوجي” (Voskhozhdenie na Fudziiamu-1973)، التي كتبها الكاتب المسرحي الكازاخستاني كالتاي محمد جانوف (Kaltay Muhamedjanov)، التنازلات الأخلاقية التي حدثت في عهد الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين بصراحة. أحدثت هذه المسرحية ضجة كبيرة عندما عُرضت لأول مرة في موسكو عام 1973 ولاحقًا في إنتاجات باللغة الإنجليزية في الخارج.
2-4 الموارد الاقتصادية
على عكس بلدان آسيا الوسطى الأخرى، لا تعاني قيرغيزستان من نقص في المياه؛ أدت قنوات الري إلى زيادة الإنتاج الزراعي بشكل كبير، وخاصة إنتاج القطن في وادي فرغانة (Fergana Valley)، المصدر الرئيسي لهذا المحصول في البلاد. تعتبر تربية الماشية وزراعة القطن والفواكه والخضروات والحبوب والتبغ وإنتاج الصوف من الفروع الرئيسية للزراعة.
تقليديًا يقوم شعب قيرغيزستان بتربية الماشية والعمل في الزراعة. معظم الأراضي الصالحة للزراعة مخصصة لرعي الماشية ولزراعة التبن. تتكون الماشية بشكل أساسي من الأغنام والماعز، إلى جانب الأبقار. تستخدم الخيول كحيوانات جر وكذلك كمصدر للحوم. يحب القرغيز شرب الكوميس (koumiss)، وهو حليب الفرس المخمر، واستخدامه في دورات العلاج في المنتجعات الصحية.
شجعت قيرغيزستان تصنيع مكننة الزراعة، حيث يتم تصنيع العديد من أنواع الآلات اللازمة للتعامل مع التضاريس الجبلية إلى حد كبير في الجمهورية.
يُزرع التبغ في وادي نوكات في الجنوب وأيضًا في وادي تالاس في الشمال. تم تطوير البستنة وزراعة الكروم في وادي نهر تشو ومنطقة فرغانة، حيث تدعم أشجار التوت في هذه الأخيرة تربية ديدان القز.
تمتد الغابات الصنوبرية في قريقزستان على طول الوديان السفلية وعلى منحدرات سلاسل الجبال الشمالية تين شان (Tien Shan). وتحتوي هذه الغابات على شجرة التنوب البيضاء المدهشة وتحتل 3 إلى 4 في المائة من مساحة البلاد. يعيش الدب البني، والخنزير البري، والوشق، والذئب الرمادي، وفقم الأرض في هذه الغابات.
وتوفر الوديان المشجرة والوديان والسهوب الجبلية المراعي المناسبة لتربية خروف الأرجالي (Arjali)، وهو خروف جبلي، جنبًا إلى جنب مع الماعز الجبلي والغزلان ونمور الثلج. وتشتهر صحراء قيرغيزستان بأنواع الغفر الصفراء والجرابيع والأرانب البرية والقنفذ ذو الأذن الكبيرة.
بحلول أواخر القرن العشرين، أصبحت قريقزستان مصدرًا للمعادن غير الحديدية، ولا سيما الأنتيمون وخامات الزئبق، واصبحت منتجة للآلات، والمنتجات الصناعية الخفيفة، والطاقة الكهرومائية، والمنتجات الغذائية. وتمتلك قيرغيزستان احتياطيات كبيرة من الفحم وبعض رواسب البترول والغاز الطبيعي. كما توفر الطاقة الكهرومائية أكثر من ثلاثة أرباع الطاقة الكهربائية للبلاد.
سيتم الحديث عن “ثقافة آسيا الوسطى” [الدول الخمس لآسيا الوسطى – طاجيكستان] في المقال القادم “الثقافات العالمية الرئيسية (18)”،،،،،،
المصادر: