مصدر الصورة: news.mit.edu

ماذا نعني بـ “كوفيد-19 يغير دماغك”؟ – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

What do we mean by ‘COVID-19 changes your brain’?
(Laura Sanders, Neuroscience Writer – بقلم: لورا ساندرز، كاتبة علم الأعصاب)

ملخص المقالة:

كجزء من مشروع البنك الحيوي في المملكة المتحدة، أجرى مجموعة خبراء من الباحثين في تصوير الدماغ دراسة كبيرة لمسح الدماغ تبحث في التغيرات الهيكلية فيه قبل وبعد عدوى فيروس السارس-كورونا-2، حيث خضع 785 مشاركا لفحصين بالرنين المغناطيسي، منهم 401 شخصًا كانوا قد أصيبوا بكوفيد-19 و 384 شخصا لم يصابوا. وتبين أنه بعد نوبة كوفيد-19، كان لدى المصابين مادة رمادية أقل في أجزاء من الدماغ، وهي التي تساعد في التعامل مع حاسة الشم. وهذه نتيجة مثيرة للاهتمام تستحق بالتأكيد الكثير من الأبحاث، خاصة بالنظر إلى قدرة الفيروس على استلاب حاسة الشم لدى المصابين بالمرض.

( المقالة )

[ربطت دراسة عدوى فيروس السارس-كورونا-2 بمناطق الدماغ الأصغر، ولكن الآثار غير واضحة]

يمكن أن يكشف تصوير الدماغ (كما هو موضح) متى تنمو مناطق معينة أو تتقلص. تشير دراسة جديدة دقيقة لمسح الدماغ إلى أن نوبة كوفيد-19 يمكن أن تجعل بعض أجزاء الدماغ أصغر. السؤال الكبير التالي هو ما الذي قد تعنيه هذه التغييرات لصحة الإنسان. مصدر الصورة: KONDOR83/ISTOCK/GETTY IMAGES PLUS

مثل جميع الكتاب، أقضي أجزاء كبيرة من وقتي في البحث عن الكلمات. وعندما يتعلق الأمر بالدماغ شديد التعقيد والغامض، أحتاج إلى كلمات تلتقط الفروق الدقيقة والشكوك. وتواجه الكلمات الصحيحة وتعالج أسئلة صعبة حول ما تعنيه النتائج العلمية الجديدة بالضبط، وبنفس القدر من الأهمية، لماذا هي تهمنا.

والبحث عن الكلمات الصحيحة هو في ذهني بسبب الأبحاث الحديثة حول كوفيد-19 والدماغ. وكجزء من دراسة كبيرة لمسح الدماغ، وجد الباحثون أن عدوى فيروس السارس-كورونا-2، الفيروس الذي يسبب كوفيد-19 ، كانت مرتبطة بالمادة الرمادية الأقل، وهي أنسجة معبأة بأجسام خلايا الدماغ.

ودفعت النتائج، التي نشرت في 7 مارس 2022 في مجلة “الطبيعة” (Nature)، إلى عناوين الصحف حول تسبب كوفيد-19 في تلف الدماغ وانكماشه. وأثارت هذه التغطية بدورها منشورات مقلقة على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك ذكر الخرف المبكر وتعفن الدماغ. وبصفتي شخص أكتب عن أبحاث الدماغ لأكثر من عقد من الزمان، يمكنني القول إن تلك الكلمات المقلقة ليست الكلمات التي سأختارها هنا.

والدراسة هي واحدة من أولى الدراسات التي تبحث في التغيرات الهيكلية في الدماغ قبل وبعد عدوى السارس-كوف-2. وقد أجريت هذه الدراسة الدقيقة من قبل مجموعة خبراء من الباحثين في تصوير الدماغ الذين يقومون بهذا النوع من الأبحاث لفترة طويلة جدا.

وكجزء من مشروع البنك الحيوي في المملكة المتحدة، خضع 785 مشاركا لفحصين بالرنين المغناطيسي. وبين تلك الفحوصات، كان قد أصيب 401 شخصًا منهم بكوفيد-19 ولم يصب 384 شخصا بذلك. وبمقارنة عمليات الفحص قبل وبعد، يمكن للباحثين اكتشاف التغييرات في الأشخاص المصابين بفيروس كورونا (كوفيد-19) ومقارنة تلك التغييرات بالأشخاص الذين لم يصابوا بالعدوى.

فبعد نوبة كوفيد-19، كان لدى الناس، في المتوسط، مادة رمادية أقل في أجزاء من الدماغ التي تساعد في التعامل مع حاسة الشم. وهذه نتيجة مثيرة للاهتمام، خاصة بالنظر إلى قدرة الفيروس على سرقة حاسة الشم لدى الناس، وهي نتيجة تستحق بالتأكيد الكثير من الأبحاث (أخبار العلوم: 1/17/22). ولكنه أيضا ليس مفاجئا، بالنظر إلى ما نعرفه عن ميل الدماغ إلى التغيير.

كانت بعض مناطق الدماغ المرتبطة بحاسة الشم أصغر (المناطق الحمراء والصفراء) بعد عدوى فيروس السارس-كورونا-2. تظهر ثلاث مناظر مختلفة للجانب الأيسر من الدماغ. مصدر الصورة: غ. داوأود، بالتعاون مع أندرسون وينكلر وسعد جبابدي، جامعة أكسفورد والمعاهد الوطنية للصحة

ويمكنني جلجلة قائمة طويلة وطويلة من الأشياء التي تغير الدماغ، مثل تعلم أشياء جديدة والنوم واستخدام الهاتف الذكي (أخبار العلوم: 9/5/17؛ أخبار العلوم: 6/5/14؛ أخبار العلوم: 3/17/17). وقد يؤدي تعلم شوارع لندن والعبث والتأمل بنية الدماغ. وفي الأساس، تنعكس أحداث حياتنا في حجم وشكل وسلوك أدمغتنا المتغيرة باستمرار.

ويعتبر النمو هو أحد تلك الأحداث التي غيرت عقلك. فكطفل صغير، كان لديك معظم اتصالات الخلايا العصبية في بعض أجزاء دماغك التي ستحصل عليها في حياتك. ثم تم تشذيب تلك الروابط الزائدة وصقلها. وفي مرحلة المراهقة المبكرة، كانت بعض أجزاء دماغك هي الأكبر، من حيث الحجم. وعلى مدى سنوات مراهقتك، أصبحت أجزاء من دماغك أصغر، وهو اتجاه يستمر مع تقدمك في السن (أخبار العلوم: 10/14/15). وتستمر التغييرات مع تقدمك في العمر (أخبار العلوم: 7/13/16).

وتقول عالمة الأعصاب البروفيسور إميلي جاكوبس من جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا: “الدماغ ديناميكي”. وتضيف: “أقل لا يعني الأسوأ، بالضرورة، وأكثر لا يعني الأفضل”.

وعلى سبيل المثال، وجدت البروفيسور جاكوبس وزملاؤها أن مناطق الدماغ تنمو وتتقلص على مدار الأيام، وهي تغييرات مربوطة بمستويات الهرمونات عبر الدورة الشهرية. وتقول البروفيسور جاكوبس إن هذا التغيير، الموجود في الحُصين (قرن آمون)، وهو بنية دماغية مرتبطة بالتعلم والذاكرة، والمناطق المجاورة، “يتناقض مع فكرة أن الدماغ ثابت”. وتتابع: “بدلا من ذلك، يمكننا أن نرى هذه المد والجزر وتدفقات التغييرات”.

ويمكن للحمل، والتحولات الهرمونية التي تلي ذلك، أن يغير الدماغ أيضا. ففي عام 2016، غطيت دراسة وصفت التخفيضات المتعلقة بالحمل في المادة الرمادية (أخبار العلوم: 12/19/16). وأثارت تلك القصة نفس السؤال الجاد كدراسة الدماغ كوفيد-19 الأخيرة حول الكلمات الصحيحة لوصف هذا التغيير الدماغي.

وفي دراسة الحمل والدماغ، هل كانت التغييرات تتقلص أم تتلف؟ أو لإلقائها في ضوء أكثر إيجابية، هل كانت ناضجة أم منحوتة؟ وأخبرتني المؤلفة المشاركة في الدراسة إلسين هوكزيما، عالمة الأعصاب في جامعة ليدن في هولندا، في ذلك الوقت أنه بالنسبة لها، بدت العملية وكأنها مرحلة ثانية من نضج الدماغ، على غرار التحسينات التي تحدث خلال فترة المراهقة.

تشير دراسة من عام 2016 إلى أن الحمل يأتي مع انخفاضات في أجزاء معينة من دماغ الأم (المناطق الحمراء والصفراء التي تم تسليط الضوء عليها في أربع مناظر مختلفة للدماغ). يشك الباحثون في أن مناطق الدماغ هذه لها دور في التواصل مع الطفل الجديد. مصدر الصورة: أوسكار فيلارويا

وتعمل البروفيسور جاكوبس أيضا على انقطاع الطمث، وهو تحول هرموني كبير آخر يؤثر على الدماغ. ولديها أدلة أولية على أن أدمغة الرجال تتغير يوما بعد يوم أيضا. ومثلي، تتصارع البروفيسور جاكوبس أيضا مع اللغة عند وصف بعض هذه التغييرات. وتقول إن الكلمات مهمة بعض الشيء، موضحة: “يمكنك رسم [نتائج البحوث] كشيء جيد أو كقصة رعب”.

إذن، أي سيناريو يلتقط نتائج كوفيد-19 الجديدة بشكل أفضل؟ ربما يكون من الآمن افتراض أن العدوى الفيروسية ليست شيئا جيدا. ولكن هل هو سيء للدماغ، وإذا كان الأمر كذلك، فما مدى سوئه؟ والجواب، على الرغم من أنه قد يكون محبطا، هو أننا لا نعرف بعد.

وتقول غوينايل داوأود، من قسم نوفيلد للعلوم العصبية السريرية في جامعة أكسفورد: “لقد فوجئنا جدا برؤية اختلافات واضحة في الدماغ، حتى مع العدوى الخفيفة”. وتتابع: “القلق هو أن هذه الأضرار ستستمر وتجعل الأشخاص المصابين أكثر عرضة لأمراض الدماغ في المستقبل”.

ولكن هذه الاختلافات قد لا تدوم، كما تقول داوأود. وتلاحظ أن الدماغ يمكنه “إعادة تنظيم وشفاء نفسه إلى حد ما، حتى في كبار السن”. ومن الممكن أيضا أن تكون التغييرات التي يراها الفريق بسبب نقص مدخلات الرائحة. وأظهرت أبحاث أخرى أن انسداد الأنف يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في الدماغ أيضا، بعضها مشابه لتلك التي وجدها الباحثون في دراسة مسح الدماغ الأخيرة. وربما تنعكس هذه التغييرات في الدماغ عندما تعود حاسة الشم.

وسيساعد مسح المشاركين الجدد في دراسة الدماغ مرة أخرى في غضون بضع سنوات في توضيح مسألة التشافي أو بقاء الحالة. ولكن في الوقت الحالي، لا توجد طريقة يمكننا من خلالها القول على وجه اليقين ما إذا كانت هذه التغييرات في الدماغ ستستمر – وماذا تعني لدماغ صحي.

وتقول البروفيسور جاكوبس: “لم نميز بين التغييرات الطبيعية وما هي غير طبيعية”. وحتى يكتشف العلماء المزيد عن الدماغ، بما في ذلك التغيرات الدماغية الطبيعية أو القابلة للعكس أو غير الجوهرية، لا يمكننا معرفة ما هو المقلق. ولذلك في الوقت الحالي، لا تزال الكلمات الصحيحة بعيدة المنال.

*تمت الترجمة بتصرف

المصدر:

https://www.sciencenews.org/article/coronavirus-covid-brain-change-size-shape

الاستشهادات:

غوينايل داوأود وآخرون، SARS-CoV-2 is associated with changes in brain structure in UK Biobank. Nature. Published online March 7, 2022. doi:10.1038/s41586-022-04569-5.

إي هويكزيما وآخرون، Pregnancy leads to long-lasting changes in human brain structure. Nature Neuroscience. Published online December 19, 2016. doi:10.1038/nn.4458.

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *