“ثقافة آسيا الوسطى”
التعريف الحديث لآسيا الوسطى
[التاريخ والجغرافيا – الأعراق – اللغة – الدين – الأسرة]
لمحة عامة
على مر العصور، كانت هناك تعريفات مختلفة لآسيا الوسطى بناءً على الروابط التاريخية والحدود الجغرافية والخصائص الثقافية.
التعريف الحديث لآسيا الوسطى يحصرها في خمس دول هي كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان. وهذا التعريف أتى في الأساس بسبب التاريخ المشترك لهذه الدول التي أصبحت فيه جزءًا من الاتحاد السوفيتي في عشرينيات القرن العشرين، وقبل ذلك، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت جزءًا من روسيا القيصرية. هذا الارتباط الوثيق كان له تأثير بالغ على ثقافة آسيا الوسطى حيث اعاد تشكيلها رغم تاريخ المنطقة العميق وثقافته الراسخة.
يُشار إل هذه الدول أيضًا، اصطلاحًا، بإسم “ستان” حيث أن جميع أسمائها تنتهي باللاحقة الفارسية “ستان”، والتي تعني “أرض”.
كما يتم استخدام مصطلح “آسيا المركزية” احيانًا، كرديف لمسمى آسيا الوسطى.
التاريخ والجغرافيا
تقع آسيا الوسطى في قلب القارة الآسيوية وتمتد من بحر قزوين في الغرب إلى حدود غرب الصين ومنغوليا في الشرق، ويحدها من الشمال روسيا ومن الجنوب إيران وأفغانستان والصين.
تاريخياً، كانت آسيا الوسطى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بطرق تجارة طريق الحرير “الشهير”، حيث كانت بمثابة مفترق طرق لحركة الأشخاص والسلع والأفكار بين أوروبا وآسيا.
جغرافيًا، يمكن اعتبار منغوليا وأفغانستان جزء من دول آسيا الوسطى، ولكن في المائة العام الماضية من التاريخ الحديث، مرت دول “ستان” الخمس بمسار مختلف للتنمية والثقافة كجزء من الاتحاد السوفيتي، ثم كدول مستقلة، مما لا يجعل منغوليا وأفغانستان تتقاطعا مع التاريخ الحديث الذي جمع هذه الدول الخمس في بوتقة واحدة خلال القرن الماضي.
تبعًا لذلك، اقتصر التعريف الجغرافي السياسي الحديث لهذه الدول الخمس ليعني ما يعرف اليوم سياسيًا بآسيا الوسطى، كنتيجة لحقبة الهيمنة السوفيتية.
أفغانستان اليوم مختلفة تمامًا عن دول “ستان” الخمس، فهي لا ترتبط ثقافيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا بآسيا الوسطى. في الوقت نفسه، تبدو شينجيانغ، الواقعة في غرب الصين، أكثر عمقًا ثقافيًا من آسيا الوسطى ومن بقية الصين. يشترك شعب الويغور في كاشغر في تقاليد مماثلة مع آسيا الوسطى، ويتحدثون اللغة التركية ولديهم مطبخ تقليدي مماثل.
فكرة آسيا الوسطى
تم تقديم فكرة آسيا الوسطى كمنطقة في عام 1843 وذلك من قبل الجغرافي البروسي الشهير، ألكسندر فون همبول. شمل تعريفه أفغانستان وغرب الصين بسبب الروابط الجغرافية والعلاقات الثقافية المتبادلة. لكن الصراع الممتد طوال القرن التاسع عشر بين إنجلترا وروسيا القيصرية للسيطرة على المنطقة، والذي أطلق عليه اسم اللعبة الكبرى، أدى إلى تقسيم عام 1895 لإقليم منطقة جبل بامير، تحت إشراف لجنة بامير للحدود.
أدى الضم السياسي للإقليم إلى تقسيم سكان منطقة جبل بامير بين أفغانستان في الجنوب وطاجيكستان في الشمال. حتى يومنا هذا، لا يزال هناك طاجيك يعيشون في أفغانستان كأقلية. لكن التقسيم الإقليمي أكثر من مجرد تقسيم الأرض.
تعريف اليونسكو لآسيا الوسطى
التعريف الذي تستخدمه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أوسع بكثير من الحدود السياسية لدول آسيا الوسطى الخمس التي تبلور مفهومها بعد حقبة الاتحاد السوفيتي. يأخذ تعريف اليونسكو في الاعتبار التطورات التاريخية القديمة المعقدة في المنطقة والروابط الثقافية بين العديد من المجموعات التي سكنت المنطقة من وسط الصين على طول الطريق إلى بحر قزوين، ومن الجزء الجنوبي من روسيا إلى الهند.
أدركت اليونسكو أن طريق الحرير ساهم لعدة قرون في ثقافات العديد من البلدان المختلفة التي يمر من خلالها. اعتبارًا من 22 يونيو 2014، تم تسجيل 33 موقعًا على طريق الحرير من كازاخستان وقيرغيزستان والصين في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
يمتد الطريق بين هذه الدول لمسافة خمسة آلاف كيلومتر ويسمى ممر تشانغآن – تيانشان. أجرت اليونسكو أيضًا دراسة حول تاريخ حضارات آسيا الوسطى تتكون من ست مجلدات. تؤكد هذه الدراسة أنه على الرغم من أن المنطقة لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل سيرة التاريخ، فقد تم استبعاد آسيا الوسطى إلى حد كبير من الروايات التي تتمحور حول أوروبا من تاريخ العالم.
الأعراق
لكل بلد في آسيا الوسطى عرقه الخاص الغالب، وهو الأكثر شيوعًا إلى حد بعيد، لكن الأوزبك والروس موجودون في جميع أنحاء آسيا الوسطى. وتُعد كازاخستان الدولة الأكثر اختلاطًا في آسيا الوسطى، حيث تم تحديد 63٪ على أنهم كازاخ و 24٪ على أنهم روس (2009).
آسيا الوسطى وروسيا ككل متنوعة اثنيًا بشكل نسبي، لدرجة أن هذا التنوع يتسبب في بعض الصراعات فيما بينها وقد وصل الأمر إلى درجة مغادرة العديد من الروس أوزبكستان وطاجيكستان خوفًا من العنف وعدم الانسجام. في روسيا، ونتيجة لتأثير القومية السوفيتية التي ركزت على روسيا كوطن أم، اصبحت القومية الروسية تشكل 81٪ من السكان الذين يصفون أنفسهم بأنهم عرقيًا روس (2010). في الوقت نفسه تشير بعض المعلومات أنه لا تزال هناك 160 مجموعة عرقية في روسيا.
الثقافة
ترتبط دول آسيا الوسطى الخمس ببعضها إلى حد كبير، وفي نفس الوقت تتمتع كل منها بثقافة خاصة. هذه الدول تشترك في دين الإسلام ووقعت في نفس الفترة تقريبًا تحت الهيمنة والتأثير المباشر لثقافة الاتحاد السوفيتي في أوج انبعاثها. في هذه الدول، تلاقت الثقافة الإسلامية بالثقافة السوفيتية الروسية مما خلق ثقافة نوعية خاصة نتيجة لتأثير الأنماط الثقافية الروسية في مشهد ثقافة آسيا الوسطى ومساهمتها في قولبة هذه الثقافة.
حافظت كل دولة في آسيا الوسطى على هوية وطنية قوية، ويسعى كل بلد إلى إبراز أهميته التاريخية في التنمية المستمرة للمنطقة.
المنطقة غنية بالتاريخ وغارقة في الثقافة نتيجة اندماج مزيج من الهويات الوطنية التي نمت بعناية على مدى قرون عديدة فشكلت نسيج ثري للثقافات والعادات التي ترجع إلى العصور القديمة. كانت بلدان آسيا الوسطى ذات يوم مركزًا للعديد من الإمبراطوريات والقبائل البدوية، بما في ذلك السكيثيين والمغول والأتراك. أثر هذا التاريخ العريق على تقاليد وثقافات العديد من دول آسيا الوسطى حتى يومنا هذا.
ينطبق هذا الوضع بشكل خاص في كازاخستان وقيرغيزستان، التي تحتوي على سهول خضراء ضخمة ومراعي تسكنها مجموعات بدوية حتى الآن. يعيش الكثير من الناس في كازاخستان في منازل تقليدية متحركة تسمى الخيام، وهي مغطاة باللباد التركي.
في العديد من دول آسيا الوسطى، تحظى مسابقات ركوب الخيل والرياضات بشعبية كبيرة، مما يعكس تقليد الرعي البدوي. الاحترام القوي لكبار السن أمر شائع أيضًا في جميع أنحاء روسيا وآسيا الوسطى.
اللغة
يتم التحدث باللغات التركية بشكل أساسي في نطاق شبه مستمر من تركيا وأرمينيا وأذربيجان عبر جمهوريات آسيا الوسطى في كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان إلى شينجيانغ في الصين. وتتركز اللغات المنغولية في المنطقة المجاورة البيضاوية تقريبًا التي شكلتها بورياتيا ومنغوليا ومنغوليا الداخلية (الصين).
يتم التحدث بلغات والمانشو-تونجوس من قبل مجموعات منتشرة على نطاق واسع في أقصى الشمال والشرق – أي عبر سيبيريا في روسيا وفي شمال شرق الصين.
تحتوي المجموعة على أكثر من 50 لغة، يتحدث بها أكثر من 135 مليون شخص منتشرين عبر كامل اتساع آسيا تقريبًا ومن المحيط المتجمد الشمالي إلى خط عرض بكين.
يجادل بعض علماء إن لهذه اللغات علاقتها الوراثية القائمة على التطابقات الصوتية النظامية المفترضة، في حين أن الإجماع بين اللغويين العامين هو أن هذه الفرضية في أحسن الأحوال تخمينية لم يتم إثباتها.
كما هو الحال مع الأعراق، فإن دول آسيا الوسطى لها لغاتها الخاصة الأكثر شيوعًا، لكن يتم التحدث بالأوزبكية والروسية في جميع أنحاء المنطقة. عندما يتحدث الناس لغة أخرى، تكون الإنجليزية هي اللغة الثانية أغلب الأحيان.
يُعد تأثير الاتحاد السوفيتي وروسيا عاملاً رئيسياً في ثقافة آسيا الوسطى. لذا يتم التحدث باللغة الروسية في جميع بلدان آسيا الوسطى. ولا يزال هناك الكثير من النفوذ الروسي في هذه البلدان.
من منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين تقريبًا، احتل الروس آسيا الوسطى، فتم دمجها في الإمبراطورية الروسية، ثم الاتحاد السوفيتي لاحقًا فهاجر اليها الروس وغيرهم من السلاف. حاليًا يعيش العديد من المستوطنين الأوروبيين في آسيا الوسطى الحديثة، ويعيش اغلبهم في كازاخستان (7 ملايين روسي، 500،000 أوكراني، وحوالي 170،000 ألماني). كما يعيش هناك أكثر من 300000 كوري حيث تم جلبهم (قسريًا) في العهد الستاليني.
تتحدث دول آسيا الوسطى الحديثة اليوم بعدة لغات رئيسية تشمل الروسية (Russian) والكاراكالباك (Karakalpak) والكازاخستانية (Kazakh) والقرغيزية (Kyrgyz) والطاجيكية (Tajik) والتركمانية (Turkmen) والأوزبكية (Uzbek). اما اللغات القديمة التي سادت فشملت اليونانية (Greek) والباكتيرية (Bactrian) والآرامية (Aramaic) والصغديانية (Sogdian) والبارثية (Parthian).
الدين
يعتبر الدين أمرًا مهمًا في معظم الأماكن، لكنه واضح المعالم في روسيا وآسيا الوسطى ، إذ لا يمكن فصل ثقافة المنطقة عن المعتقدات والممارسات الدينية، خاصة في آسيا الوسطى. الدين الأكثر أهمية في آسيا الوسطى، إلى حد بعيد، هو الإسلام. 90٪ من سكان أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان مسلمون، وقيرغيزستان وكازاخستان ليستا ببعيدتين عنهم.
من ناحية أخرى، تشكل روسيا 47٪ من المسيحيين، ومعظمهم من الأرثوذكس الروس، وهي أكبر مجموعة منفردة. بالنظر إلى كيفية تأثير روسيا على آسيا الوسطى، فليس من المستغرب أن يكون الأرثوذكس الروس في المرتبة الثانية بعد الإسلام في بلدان آسيا الوسطى. كلما اقتربت من روسيا، زاد عدد الأشخاص الأرثوذكس الروس.
في كازاخستان على سبيل المثال، هناك 70٪ مسلمون 24٪ من المسيحيين الأرثوذكس.
يعتمد تأثير الإسلام على ثقافة آسيا الوسطى على الوضع في كل بلد. على سبيل المثال، في أوزبكستان، الدين المقبول هو الإسلام. وتتم المحافظة على الصلوات الخمس اليومية فهي ببساطة جزء من الحياة. لكن في القانون العام يتم الجمع بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية.
يؤثر الإسلام أيضًا على المأكولات فلا يُسمح بالكحول، ويجب تحضير اللحوم بطريقة تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ولا يؤكل لحم الخنزير على الإطلاق.
الأسرة
تؤثّر الأسرة على النظم الاجتماعية، وتُشكّل وسطاً لتحقيق غرائز الإنسان ودوافعه الطبيعية والاجتماعية. في آسيا الوسطى يضع الناس الكثير من الاهتمام والقيمة للأسرة والوطن. يمكن أن تكون هذه القيم نتيجة مباشرة للسبعين عامًا التي حكم فيها الحزب الشيوعي روسيا حيث رغب الناس في المحافظة على تقاليدهم وعاداتهم.
تحت الحكم السوفيتي، أصبح الناس يعتمدون على تقاسم الموارد بين أفراد الأسرة، وهذا يعني أن الأسرة الممتدة القوية كانت ذات قيمة. تُعتبر نشأة الأسرة وتطورها ثمرة من ثمرات الحياة الاجتماعية حيث تشكل الإطار العام الذي يُحدّد تصرفات أفرادها فهي التي تُشكّل حياتهم. كما أنها مصدر العادات، والأعراف، والتقاليد، وقواعد السلوك، وعليها تقوم عملية التنشئة الاجتماعية.
سيتم الحديث عن “ثقافة آسيا الوسطى” [أطباق الطعام – أسباب عزلة وسط آسيا] في المقال القادم “الثقافات العالمية الرئيسية (14)”،،،،،،
المصادر:
- https://kalpak-travel.com/blog/what-is-central-asia/
- https://www.abc-clio.com/products/B2388C/
- https://www.britannica.com/topic/Altaic-languages
- https://www.britannica.com/topic/Uzbek-people
- https://www.britannica.com/topic/Kazakh
- https://study.com/academy/lesson/cultural-patterns-of-russia-central-asia.html