معاجم اللغات في العالم الغربي (المتقدم) “صناعة”، لها الوجه اللغوي والوجه الثقافي العام، بما فيه توجه اقتصادي (الرأسمالي خاصة)، ولهذا تهتم إدارته وناشروه بـ “المستهلك”، أو بالمتلقي كمثقف له/لها ذائقة متجددة حسب رؤيتة الثقافية والفلسفية المتطورة لهذا الكون. وقد يجتمع هذا الاهتمام بالإثنين في قضية “مفردة” واحدة من مداخل المعجم.
وهنا يحضرني مثالان:
الأول: كلمة “عنصرية” (racism) في اللغة الإنجليزية،
الثاني: كلمة “يهودي” ( jew)،
ولعل فيهما ما يكفي للتدليل على دور المتلقي وتفاعله في تطوير المحتوى للمنتج الثقافي، بعمومية كلمة ثقافة هنا.
بخصوص القضية الأولى، أي كلمة “عنصرية” (racism)، فقد سبق لي التعرض لها سريعًا في مقال سابق محوره خبرٌ أن إمرأة أمريكية (من ذوي البشرة السوداء) من ولاية ميزوري اسمها كينيدي ميتشوم «20 سنة» (لاحظ/لاحظي العمر) أرسلت رسالة بالبريد الإلكتروني إلى إدارة معجم ميريام وبستر الإنجليزي الشهير تحتج أن تعريفه لكلمة “عنصرية“ (racism) غير كافٍ، ويتضمن قمعًا منهجيًّا [مقصودًا]. وبعد شهر، صرح محرر المعجم لوسائل الإعلام أنهم “يعملون على تغيير الصياغة وإضافة السياق“[1].
أمَّا القضية الثانية، فمحورها أنه بعد موجة احتجاجات أطلقتها الهيئة العليا لليهود في المانيا[2]، قرر معجم “دُودِن” (Duden)، المعجم الشامل للغة الألمانية[3]، إعادة تعريفه لمصطلح “يهودي” (jüdisch) و “يهوذا” (Juda/Judah)، و”يهود”، jew الانجليزية، (jude مذكر، و jüdin مؤنث)، في اللغة الألمانية، باعتباره مصطلحًا تمييزيًّا، في خطوة تعكس الحساسيات التي استمرت ثمانية عقود بعد “الهولوكوست” (المحرقة النازية لليهود في ألمانيا: 1941-1945م، خلال الحرب العالمية الثانية). جاء القرار بسبب ارتباط كلمة “يهودي” بألمانيا النازية مما يشير إلى إشكاليته وحساسيته.
وقد أضاف المعجم تفسيرًا إلى نسخته الإلكترونية (على الإنترنت) حول مصطلح “يهودي” جاء فيه: “إنَّ استخدام مصطلح الشعب اليهودي أو المواطنين اليهود في بعض الأحيان، ينُظر إليه على أنه تمييزي بسبب استخدام الاشتراكية القومية له ضمن صياغات تعتمد على العقيدة اليهودية، وهو ما أدى إلى استياء المجموعات اليهودية والأفراد الذين شددوا على أن تعريف أنفسهم أو وصفهم باليهود ليس إيجابيَّا على عكس ما يشير إليه تعريف دودن”.
وفيما يتعلق ببعض الأصوات المعارضة لتداول مصطلح “يهودي” داخل ألمانيا، حسب جريدة القدس العربي[4]، نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن رئيس المجلس المركزي لليهود في برلين، جوزيف شوستر، إن كلمة “يهودي” بالنسبة له ليست كلمة بذيئة ولا تمييزية، لكنه في الوقت ذاته أكد على أنه حتى لو تم استخدام كلمة “يهودي” بشكل ازدرائي في ساحات المدارس، أو فقط بتردد من قبل البعض، وهو ما يتضمن النوايا التي يحملها محرروا قاموس “دودن”، إلا أنه ينبغى القيام بكل شيء لتجنيب ترسيخ المصطلح باعتباره تمييزيًّا.
وغرد دانيال بوتمان، المدير التنفيذي للمجلس المركزي لليهود، في صفحته على “تويتر” متسائلًا: “هل من المقبول أن تقول يهوديا؟ من فضلك لا تقل مواطنين يهود أو أناس من العقيدة اليهودية، فقط يهود”.
هذا، ودفعت الانتقادات التي واجهت محرري معجم “دودن”، للرد بإعلان القيام بإعادة تعريف المصطلح مرة أخرى، بطريقة لا تثير احتجاج الجالية اليهودية في ألمانيا.
وفي تصريحات إضافية، قالت دار نشر (دودن): “بسبب استخدام الكلمتين اليهودي/ اليهود كمعادية للسامية في التاريخ وفي الوقت الحاضر، خاصة خلال الحقبة النازية، تمت مناقشة هاتين الكلمتين لعقود.. في الوقت نفسه، تستخدم هذه الكلمات على نطاق واسع كأمر طبيعي ولا يُنظر إليها على أنها إشكالية، وتحديدً من قبل المجلس المركزي لليهود في ألمانيا”.
وفي إشارة لما أورده رئيس المجلس المركزي لليهود، أبدت الدار استغرابها من أن المعترضين على استخدام المصطلح هم أنفسهم من يؤيدونه ولا يرون فيه إشكالية.
في الختام، قد يسأل البعض، هل هناك مفردات في المعاجم الغربية مشينة ومسيئة للعرب أو/و المسلمين؟ وهل استجلبت هذه المفردات ردة (أو ردات) فعل منهم مماثلة لما ذكر أعلاه من المرأة الأمريكية واليهود الألمان؟ هذا ما يتناوله المقال القادم، إن شاء الله.
يتبع…
___
الهوامش
[4] انظر الرابط التالي: https://www.alquds.co.uk/المُعجم-الألماني-يقرر-إعادة-النظر-في-م/