Why there are no limits to your willpower
(بقلم: نيغيل نيوتن، جامعة بريستول – Nigel Newton)
لقد مررنا بكل تلك اللحظات عندما كنا نعمل بجد على إنجاز مهمة من المهمات، وبعد الانتهاء منها، شعرنا أخيرًا أننا نستحق استراحة، ولذا تناولنا فنجان قهوة واسترخينا لبضع لحظات. ماذا كان يدور في ذهن الواحد منا؟ هل يعتقد أنه قد وصل إلى أقصى حد من الانجاز يمكن أن يحققه في ذلك اليوم، أو هل يشعر بأنه متحمس للمهمة التالية، معتقدًا أن قوته في الاستمرار في التركيز على تلك المهمة لا زالت غير مستنزفة؟
البحث بقيادة باحثة علم النفس ڤيرونيكا جوب (Veronika Job) من جامعة زيوريخ وبحث آخر (2) سلط ضوءً قيِّمًا على مسألة الإرادة وإيمان المرء بها (1). جوب وجدت إذا اعتقد الناس بأن قوة إرادتهم محدودة – وأن جانبًا معينًا منها سينتفذ – فسوف يؤثر ذلك الاعتقاد في أدائهم، وخصوصًا عندما يشعرون أنهم تحت الضغط.
واستند البحث على “نظرية التأثير المحدودة (3)” لقوة الإرادة، التي يعتقد بعض الناس بأنها محدودة وتحتاج إلى تجديد. ولكن البعض الآخر يعتقد عكس ذلك – في أن قوة الإرادة ليست محدودة والتي يمكنهم ان يفعِّلوها اذا ما شاءوا.
يعتقد علماء النفس تقليديا أن الذين يعتقدون أن قوة إرادتهم محدودة يمكن أن يصبحوا أكثر إنتاجية وذلك بالحفاظ على طاقاتهم وأن يكونوا انتقائين في طريقة تنظيمهم الذاتي لسلوكهم (4). وهناك أيضا اعتقاد أن تناول الجلوكوز (السكر، 5) يمكن أن يجدد الشخص من اعتقاده بقدرته على الاستمرار في المهمة التي يعمل عليها، وأن انخفاض التركيز في الأساس كان بسبب الارهاق.
البحث الذي قامت به جوب قد قلب هذين الافتراضين رأسًا على عقب. في دراستها، وجدت أن الطلاب، الذين يتطلب تخرجهم المزيد من المواد الدراسية ( 6)، والذين كانوا يعتقدون ان قوة إرادتهم محدودة، قد ماطلوا أكثر وتناولوا المزيد من الوجبات السريعة (junk food) وأبلغوا أنهم أنفقوا بشكل مفرط مقارنةً بالطلاب الذين اعتقدوا انه لا توجد حدود لقوة إرادتهم.
وبينت الأبحاث أيضا أن الطلاب الذين اعتقدوا أنه ليس هناك حدود لقوة إرادتهم استفادوا من الظروف الأكثر إلحاحًا (الضاغطة). ويبدو أن أداءهم أفضل لو كان عليهم ان يعملوا على عدة واجبات [دراسية] مطلوب أن يتم تسليمها في أوقات متقاربة.
الأمر يبدو كما لو أنهم استجابوا للضغوط المتزايدة بإنهماك أكثر والتزام أكبر، في حين وجد أولئك الذين اعتقدوا أن قوة إرادتهم محدودة أن الاستمرار في التركيز على مهمة واحدة والتمكن من مواصلة دراستهم المستقلة (مشروعهم البحثي، 7) بنحو فعال يزداد صعوبة كلما زادت المتطلبات.
وتشير الأدلة إلى أن هذا الاختلاف بين هاتين الفئتين من الطلاب لا يتأثر بالقدرة الأكاديمية [المترجم: القدرة الأكاديمية هي قدرة الطالب على إكمال المواد الدراسية المطلوبة بنجاح، 8].
وقد أثبت بحث أخر (9) أن الراشدين [20 سنة وأكبر] في اعمالهم يعانون من نفس التبعات السلبية من التمسك بالنظرية المحدودة لقوة الارادة (3) وهذا يؤدي أيضا إلى مستوى عافية (10) أقل على المستوى الشخصي. ويبدو أن هؤلاء الناس لا يسعون كثيرا لتحقيق أهدافهم الشخصية – والتي من شأنها أن تشير إلى أنهم أقل احتمالاً بكثير لأن يكون لديهم “ملكة شغف ومثابرة [ترجمة بالمعنى لمصطلح (grit) ، انظر11]”.
الشغف والمثابرة والتنظيم الذاتي
ملكة الشغف والمثابرة تتعلق بقدرة الشخص على أخذ هدفه على عاتقه والسعي لتحقيقه، حتى عندما يواجه صعوبات ونكسات. وهذه الملكة مقترنة بما يسمى “بالسيطرة المعرفية (وتعرف أيضًا بالوظائف التنفيذية، 12)”، أو “التنظيم الذاتي (13)”، والقدرة على الاستمرار في التركيز الانتقائي [المترجم: التركيز على شيئ معين لفترة معينة].
هناك أدلة على أن نفس الجزء من الدماغ الذي يستخدم في التنظيم الذاتي (13) يستخدم ايضاً لإدارة الانفعالات الضارة. وبالتالي كلما كان عند الشخص ملكة شغف ومثابرة أكثر كلما كان أكثر قدرة على إدارة مشاعر الإحباط واليأس والغضب التي يمكن أن تطغى على أفكار الشخص.
هناك الكثير من الأبحاث على ملكة الشغف والمثابرة التي تتعلق بالتعرف على خصائصها ودراسة علاقتها بالأداء – في المجال الأكاديمي أو في مجال العمل. وقد بينت باحثة علم النفس الأمريكية أنجيلا لي داكويرث (Angela Lee Duckworth) كيف يمكن أن تكون ملكة الشغف والمثابرة مؤشرًا فعالًا على الإنجاز الأكاديمي المتميز والأداء الناجح في العمل، وأن الناس الذين يملكون مستوىً عالٍ من ملكة الشغف والمثابرة هم أقل احتمالًا للتسرب من التعليم والتدريب العسكري.
ما هو غير مفهوم هو كيف نساعد الناس الذين يعتقدون ان لديهم قدراً محدوداً من قوة الارادة على التغيير – وكيف نساعد الذين لديهم مستويات منخفضة من ملكة الشغف والمثابرة ليصبحوا أكثر حزمًا وصرامةً.
الأمر يأخذ وقتًا حتى تتغير ملكة شغف ومثابرة المرء بشكل إيجابي. تطوير مقاربات أخرى للتعلم والاكتساب مفيد بشكل معتبر. يُظهر البحث الذي أجريه في العديد من المدارس أيضًا أن القيم التنظيمية والقيم التي تساندها المدرسة تساهم على ما يبدو في كيف يقارب الأطفال التعلم ويزيدون من شعورهم بالقوة في دراستهم.
كلما بدأنا في رؤية أنه يمكننا التعلم بشكل فعال واعتقدنا أن جهودنا وقدراتنا على التحمل ليست قابلة للاستنفاد، كلما أظهرنا مرونة نفسية أكبر في مواجهة التحديات والصعوبات (15).
أحد الأسباب التي تجعلنا بحاجة إلى أخذ كل هذه الأساليب المختلفة معًا في الاعتبار للتعلم هو أن الإحساس بأهمية الهدف يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطوير هذه المقاربات (16). الذين لديهم أهداف طويلة أجل وواضحة وتطلعات إيجابية للمستقبل هم أفضل في زيادة هذه المرونة النفسية (17).
والبحوث التي أجريت مؤخرًا على قوة الإرادة تساعد على إثبات أننا لسنا في حاجة إلى القيود التي فرضناها على أنفسنا ولا ينبغي أن نستسلم لها. وهذا لا يعني أننا لا نستطيع أخذ قسط من الراحة أثناء زحمة العمل أو فترة الدراسة.
ولكن هذا ليس لأننا قد استنفدنا قوتنا على التركيز والانجاز. أفضل طريقة لنبقى منخرطين فيما نقوم به من مهام ولزيادة إحساسنا بالعافية هو أن نأخذ في الاعتبار الأهداف التي تعتبر مصدر الهام لنا والموارد غير القابلة للاستنفاذ لتحقيق هذه الأهداف.