صبغة “شخصية المجتمع” إثر سلوك سيء لفرد أو لعدد محدود من الأفراد من الأشياء الخطيرة التي تضر بقيمة المجتمع على المدى الطويل.
صحيح “إن الخير يخص والشر يعم” لكن علينا أن نفهم أن تحطيم شخصية المجتمع بسبب سلوك فردي أنكى وأخطر من مهاجمة شخصية الأفراد بصفة فردانية. تعرض شخص للتحطيم من منافس يمكن استدراكه أما تحطيم المجتمع للتسلية أو لإبراز أفراد على حساب أفراد آخرين لأسباب تاريخية أو عائلية أو لأي سبب آخر حتى ولو كان بحسن نية أو بقصد النقد للإصلاح فهذا يعني وصم المجتمع بالدونية والعوز للأخلاق الكريمة الفاضلة وبالتالي إضفاء صبغة السوء على المجتمع.
النقد السريع السطحي العابر لسلوك المجتمع وخاصة في الإعلام والندوات العامة وأخذ الناس بالظواهر دون دراسة علمية سيكولوجية اجتماعية من اناسٍ غير متخصصين، والاعتماد على الثقافة العامة وأهواء نفسية لتبني النقد أمر خطير، لأن التاريخ سيذهب بهذا الوسم كصفات سيئة للمجتمع.
؛؛ولأن في المجتمع من يستهوي النقد لتحطيم الآخرين، فأن ممارسة هذا الأسلوب النقدي سيساهم في تحطيم ثقة المجتمع بذاته وبالتالي تشويه سمعته؛؛
قد يكون هناك من تستهويه اساليب تحطيم المجتمع، سواءً أكان بحسن نية أو بسبب عقد نفسية. يبرز مناقبه من بين الأنقاض ويهوي بشامخ صروح غيره بزلزال كلمات خاطفة مخفية في سياق عبارات مبهمة.
صحيح أن للمستمعين من أصحاب العقول استدلالات يستشفون بها مصداقية الناقد لسلوك المجتمع، ومنها كون الذم أو النقد السلبي موجه دائم لمن هم خارج محيط الناقد ويكون النقد الإيجابي أو المديح لمن حوله، أو أن هذه الممارسة تتكرر باستمرار في مواقف مختلفة وأماكن مختلفة، إلا إن تأثير النقد السلبي له أثره الذي لا يمكن وقفه أو اصلاحه.
تعريف النقد
يتناول النقد النفسي السلوك البشري – على المستوى الواعي أو اللاواعي – بالإضافة إلى بروز الشخصيات من خلال أفعالهم. يعرف قاموس اكسفورد النقد بأنه “التعبير عن رفض شخص أو شيء ما على أساس العيوب أو الأخطاء المتصورة”. أو “تحليل والحكم على مزايا وعيوب العمل”. ويعرفه قاموس هيرتيج بأنه “الانتقاد، وخاصة العكسي”. أو “تعليق أو ملاحظة نقدية”.
دواعي النقد
قد تستدعينا رواسب نفسية أو رغبات شخصية أو خلفيات فكرية وتحفزنا لإبداء النقد، ومن ذلك:
- عدم توقع الفعل أو ردة الفعل أو الشعور أن تصرف الشخص غير سوي أو مضر بسبب اختلاف وجهات النظر.
- وجود قلق بشأن الدوافع أو عدم الشعور بالأمان أو الافتقار إلى المهارات الاجتماعية فيقدمون ردود فعلهم بحسن نية دون مهارة.
- اعتقاد الناقد بحكمته وعلمه وخبرته، والرغبة في وضع قيود على سلوك الشخص الآخر وتقييمه.
- الرغبة في احتلال المقدمة والمنافسة على المراكز أو المناصب أو الظهور بسبب الشعور بالأهمية، أو بسبب الانزعاج من كفاءة وجاذبية الشخص الآخر.
- التنمر على الآخرين أو ترهيبهم والتستر على مشاعر الغضب ومحاولة إذلالهم، ربما انتقامًا أو استعراضًا للقوة.
أهداف النقد
يُقسَّم النقد من حيث المقصد إلى نَقْد بَنَّاء ونقد هدام. في النَّقْد البَنَّاء يبني الناقد مرئياته على أسس علميّة، أما النَّقْد الهَدَّام فلا يخلو من تجريح شخصي ويعوزه الإنصاف فيكون متعصب لفكرة معينة أو لفكر معين.
؛؛والنقد البناء هو الذي يسعى فيه الناقد فيه إلى تقييم الخطأ ومحاولة إصلاحه بناءً على أُسُس علميّة، بعيدًا عن التعصُّب وإصدار الأحكام المُسبَقة؛؛
أما النقد الهدام، فيكون فيه شبهة بالنَّيْل من الآخرين، وتشويه سمعتهم، والترصُّد لهم، بإظهار أخطائهم من غير حُجَّة ولا برهان. فالحجة والبرهان أساس كل نقد بناء. أما إذا لم يدرج الناقد الحجة والبرهان في بيانه فيكون قد ساهم في الهدم، وهنا بيت القصيد ومكمن الخطر.
قواعد النقد
لجعل النقد إيجابي علينا مراعاة قواعد فنه الأساسية:
الحصول على الحقائق. عندها فقط ستكون مستعدًا لتقييم الموقف بشكل عادل. أفضل طريقة للحصول على الحقائق هي أن تسأل، “ماذا حدث؟” إنه يلخص القضية برمتها في الخطأ الذي حدث بدلاً من أن يقع اللوم.
الهدوء والتفاؤل. هذا الاسلوب يخلق مناخ لإيجاد حل مشترك.
عدم التأليب. لا تؤلب أحدًا على أحد كي لا تخلق حزازات تؤدي الى تكون تحزبات متباغضة وشروخ في بنية المجتمع حتى لو بقيت تحت السطح فسيكون تحت الرماد نار.
النقد في السر، فهذا الأسلوب يعطي نتائج أفضل من الانتقاد في الأماكن العامة، لأنه سيشعر من تنقده باحترام كبير.
المدح قبل الانتقاد. هذه الطريقة ستساعد الأخر على تلقي الصدمة وقبول النقد الهادف. المدح المتزن قبل الانتقاد الهادف من أهم المهارات التي يجب أن يتحلى بها الناقد. إعتبر الخطأ غير مقصود وأن النية عمل الصالح. هذا الأسلوب يحفظ ماء وجه من تريد أن تنتقده مما يجعله يثمن النقد ويميل الى قبوله.
جعل النقد بنّاء. الغرض من النقد هو الإفادة. التعاون مع الآخر يكشف الحقائق ويساعد في منع حدوث الخطأ مرة أخرى. النقد الإيجابي الهادف هو السبيل الوحيد للإصلاح.
الخاتمة
عندما لا نكون متيقنين مما يقصده الآخر بقول أو تصرف، سيكون من الجميل استذكار عبارة “أعطه فائدة الشك” (give him the benefit of the doubt) فهي عبارة جميلة ومفيدة أو كما في الأدب الإسلامي فيما ورد عن رسول الله (ص) قوله: (أحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير) ، وعن أمير المؤمنين (ع): (لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا) ، وعن الصادق (ع): (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا. فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه).
وفي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم (الحجرات-12)}، ولنقل مثلاً، أنك ذهبت لقريب ثري تطلب مالاً وخيب ظنك فليس من حقك أن توسمه بالشح فلربما كان هو نفسه مديون، أو لأنه في الأساس لا يثق في أهليتك في التصرف بالأموال ولأي سبب آخر أنت تجهله أو خفي عليك.
إن وصف الآخرين بما نعتقده بناءً على رواسبنا النفسية وفلترتنا العقلية للمفاهيم مهما بلغ شأننا فهذا أمر خطير. في المحصلة، يميل الناس وخاصة في المجتمعات الضعيفة الى جلد ذواتهم وبالتالي العيش في جلباب الضعف والتقهقر والإنكفاء. قال تعالى: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ 181 وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ 182 وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ 183 وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ 184 (سورة الشعراء)}.