ملكة جمال الخوصيات – بقلم عبد الرسول الغريافي

الفنانة معصومة آل حمدان … التي تربعت على عرش صناعة سف الخوص القطيفي حديثاً رغم مضي السنين على هذه الصناعة في محافظة القطيف ورغم شهرة أهالي صفوى بالذات في عمل أنواع زخارف الخوصيات وطرق سفه الناعم الدقيق المشهور. لقد اشتهر أهالي صفوى بصناعة المراوح الخوصية اليدوية الفريدة وذلك من حيث نعومة زخرفتها فمنها المروحة الرازقية والمروحة لترمبلي (الشبيهة بالكاروهات).

إنها امرأة ذات إصرار عجيب ومتواصل لاتتوقف ولاتتوانى حتى يوصلها طموحها هذا في كل مرة إلى ما تتمناه من حسن نتائج وعلى أفضل مايرام. تجرب مرة وعشرا ولاتيأس في مرات المحاولات ولاتعترف بأي فشل أبداً وإنما -على حد قولها- أنها تجاربها التي تخوضها في البحث من أجل التوصل إلى البدائل للحصول على نتائج افضل وتطورات أسمى.

إنها حقا باحثة في أعمال الخوصيات والمطورة في مجال السفة القطيفية الصفوانية. إنها مستمرة في إدخال التحسينات والتطويرات، منهمكة في المنتجات المتنوعة المتجددة وبشكل لم يشهده عالم صانعات الخوص (السفَّافات) التقليديات القديمة من قبل.

أدخلت كل جديد في عالم سف الخوصيات بحيث تواكب حاجات العصر فنحن لم نعد بحاجة إلى الزبيل والقفة والحصير في عصرنا هذا إلا على سبيل الذكرى والتذكاريات، لذا فقد اتجهت نحو التجديد في عالم صناعة الخوصيات كصناعة الحقائب النسائية وطباعة الأسماء عليها وطليها بمواد حافظة تقيها من التلف ، كما وتواكب في النعومة سائر الحقائب النسائية الحديثة.

إنها دائمة التنقل من فكرة إلى فكرة فتارة تتجه إلى صناعة الزهور والمزهريات وتارة تبتكر توجهات فنية جديدة توصلها إلى انتاج لوحات خوصية فنية ذات ألوان زاهية بحيث يمكن اقتنائها لتعليقها على الجدران، هذا وقد صرحت بأن طموحها يسعى بها لأن تزين بتلك اللوحات الخوصية جميع مطارات المملكة في يوم ما.

كل ذلك من أجل إنجاح رسالتها في الإقبال على صناعة الخوصيات المتجددة وتقبلها كصناعة مواكبة لحاجة الإنسان الحديث بعد اضفاء لمسات عصرية حديثة عليها.

لقد فاجأت الفنانة معصومة آل حمدان وفد لجنة التنمية السياحية بالقطيف وعلى رأسهم سعادة محافظ القطيف الأستاذ ابراهيم الخريف عند زيارتهم لوسط العوامية يوم الأحد ١٩ /٧ / ١٤٤٣ حين تم افتتاح معرضها بشكل رسمي من قبل سعادته حيث عرضت اصنافا من أعمالها الخوصية الباهرة للأنظار بألوانها وأشكالها المتنوعة.

جدير بالذكر أن طموحها الوثاب قد قادها لتشق طريقها بالمشاركات في العديد من المهرجانات والمناسبات حتى استطاعت الوصول إلى المشاركة في مهرجان ميلانو العالمي في إيطاليا وقد مثلت الوطن في مجال الحرفة الوطنية الفنية على خير وجه.

وقبل أيام زارها وفد من مؤسسة عالمية لرعاية الحرف والمهن في أنحاء العالم وهي مؤسسة تركوايز ماونتين (جبل الفيروز) وذلك في مقر معرضها في وسط العوامية وقد أشادوا بعملها المتقن وسجلت لها تلك الحرفة بل وفاجأتهم بعمل فني آخر حين أصرت على أن تقدم للنساء والبنات العضوات وشم على أيديهن من الحناء والذي أتمته بسرعة كخطف البرق.

وفي هذا الصدد تقول آل حمدان أنها لاتشتري الحناء كثيرا بل أنها تقوم بنفس ماكان يقوم به أهالي محافظة القطيف عامة وصفوى خاصة ولاسيما حيها الدبدابة والذي تفتخر به لكونه مسقط رأسها وذلك من حيث تحضير الحناء، فالقطيف تزرع شجرة الحناء ونساء القطيف في العهود القديمة كن يجمعن ورق الحناء من الأشجار التي تنمو على أرض القطيف فيصنعن منه الحناء لخضاب أيدي وأرجل النساء ولاسيما العرائس ولا يشترونه من الخارج إلا ما ندر، وبذلك فقد اتبعت الفنانه معصومة نفس أسلوب أسلاف الجدات القديم حيث وفرة شجر الحناء في واحة صفوى الغناء.

لقد فاجأت وفد المؤسسة الأجنبية الراعية للحرف اليدوية حين قدمت لهن ذلك الوشم الحنائي على أيدي السيدات منهن وخرجن من مصنعها فرحات مسرورات.

فمعصومة فنانة بالفطرة من الدرجة الأولى أتقنت العديد من الفنون الحرفية الشعبية وأشهرها سف الخوص والخضاب بالحناء وأيضا تلوين الخوص بالقرمز الذي تقوم به بنفسها بالإضافة إلى ما ابتكرته من تجديدات في عالم فن سف الخوص كالحقائب والمزهريات والورود وبعض القناديل والثريات الخوصية التي تزين بها سوابيط وأزقة الأحياء، وهناك العديد من المجسمات الأخرى.

أحيانا تصر على إتقان صناعة قد لا تتناسب طبيعتها مع الأيدي النسائية الناعمة ولكن بفضل ذكائها استطاعت تدليل الصعاب من أجل جعلها سهلة مناسبة لممارستها فهي تلبس القفازات وتجرب صناعتها فتتقنها، إنها صناعة فتال الحبل الذي تجيده بمهارة عالية. إنها لاتزال تصر على كسب المزيد من الخبرات في مجالات اخرى من الحرف لتحرز على إتقانها التام كرغبتها الملحة في إحياء حرفة صناعة السلال والمكاييل القطيفية المتميزة لغرض نشر تلك الحرفة والحفاظ على استمرارية صناعتها ومنعها من الإنقراض.

وفي نهاية زيارة سعادة المحافظ لمعرضها الكائن بوسط العوامية وفي معيته أعضاء لجنة التنمية السياحية بادرت بتقديم لوحتها الخوصية لسعادتة وقد توجت ماقدمته بإلقاء كلمات خالية من التكلف ينشرح منها الصدر حيث قالت:
كم أمنا.. كم فَخِرْنا بلقائك.. وإذا بالبشرى تأتي من وسط العوامية-الرامس تهدي … بسعادة محافظ القطيف يأتي … فيا ألف تحية وألف مرحبا… فكلنا في الخدمة رهنا للوطن… عشت فخرا عشت عزا للوطن… عندها أحببت اهديك خوصا… صنعته بيدي.. من جريد نخل … فتقبل مني هذا العمل البسيط المتواضع… فمكارم الاخلاق والطيب منك تنبع.

نتمنى لها من أعماق القلوب أن تصل إلى مرامها السامي الساعية إليه وأن يحقق الله آمالها فيما تطمح أن تصل إليه.

الباحث والمؤرخ الأستاذ عبد الرسول الغريافي

تعليق واحد

  1. ما شاء الله تبارك الله فعلا فنانه ومن نوع خاص فنحن هذة الايام نحتاج الى مثل هذا الفن الاصيل قبل ان يندثر وكذلك نحتاج الى مدرسة لتعلم هذا الفن للاجيال القادمة وتطويره ليتماشى مع العصر الحديث. والف شكر لك اخي عبد الرسول لمقالاتك و اهتماماتك بموضيع الاهتمام بالتراث طبت وطاب قلمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *