إذا صادفت في حياتك شخصًا يتهكم على الآخرين ويسخر منهم وحدثت بينك وبينه صداقة أو صحبة أو محبة بسبب سمات محببة إليك أو جاذبيات أخرى تجعلك مُعجب به، فسارع إلى نبذه وتركه، حتى لو أخذتك غمرة الفكاهة والضحك المسلي، التي عادة ما يتسم به هذه الشاكلة من الناس.
بل بادر الى إبداء امتعاضك وإظهار احتقارك للسلوك التهكمي. إن لم تفعل ذلك ستكون أنت نفسك أحد أهدافه وضحاياه التي يوجه لها تهكماته وسخرياته ليظهر لأناس أخرين إنه فهلوي رغبة في نفسه المضطربة لنيل اعجاب الأخرين أو لتحقيق أغراض غير سوية. أضف إلى ذلك إن مثل هؤلاء المتهكمين لا يكون عندهم ثقة راسخة بأنفسهم ولا يأتي منهم وفاء لأحد، لا لصديق ولا لقريب لأن الأنانية والجشع والتذبذب تتحكم فيهم وتصبح الإطار الذي يحيطُ ذواتهم.
سيكون للشخص المعتاد على التهكم والسخرية بالأخرين ضرر بالغ في حياتك ويمكن أن يحدث خلل كبير في ذاتك لأنك، بمعاشرته، ستفقد الثقة في نفسك وتبدأ في التركيز على مواطن الضعف فيك، التي لا يشعر بها غيرك ولا يخلو منها أي إنسان، وتبدأ في تضخيمها مما يؤدي الى غرس الشك في قيمتك وقدراتك وبالتالي فقدانك للكثير من السمات والقيم التي تحتاجها لنجاحك مما يؤدي الى نكران ذاتك وضعف شخصيتك.
التهكم عل الآخرين والسخرية منهم مرض سيكولوجي يصيب البعض من الناس وخاصة اولئك الذين يتمتعون بشيء من الذكاء يعطيهم سرعة بديهة وقدرة على اختيار الضحية التي عادة ما تكون من البسطاء أو الخجولين أو الذين لا يملكون القدرة على الرد فيستغلونهم لنفث ما يضايقهم من قصور في ذواتهم التي يتحسسون منها نتيجة لأسباب مرضية سيكولوجية.
والتهكم على الآخرين والسخرية منهم يحدث لأسباب عديدة منها:
الضعف
بغض النظر عما كانوا في الأساس سيئين بطبيعتهم، وهناك الكثير منهم، فإن الذين يتهكمون على الآخرين ويسخرون من كلامهم عادة ما يكونوا ضعفاء نفسياً لسبب أو لآخر. فالضعف النفسي من الأسباب الرئيسية لممارسة التهكم والسخرية.
؛؛التهكم والسخرية هما سلاح ضعفاء النفوس، لأنهم عادةً ما يلجؤون الى هذا التصرف عندما يختلفون مع شخص آخر في قول أو لا يروق لهم فعله؛؛
الضعف النفسي يجعلهم يتمسكون بمفاهيم آرائهم الخاصة دون التثبت من صوابهم أو النظر إلى الأمور بواقعية، وبالتالي تجاهل آراء الغير. وفي نفس الوقت لا يكون لديهم سبب وجيه لردة فعلهم الساخرة والتهكمية، أو بلاغة لبيان سبب رفضهم لسلوك الآخرين.
حقيقة أن التهكم والسخرية كلاهما سلاح للضعيف نتيجة لا يصعب إدراكها. ذلك لأن التهكم هو شكل من أشكال السخرية. الفرق الأساسي بينهما هو أن التهكم يستخدم السخرية بسوء نية للنيل من الشخص الآخر بطريقة غير مباشرة، وباستخدام لغة التورية، وذلك من أجل خلق جو فكاهي يجلب تفاعل الآخرين مع السخرية دون أن يشعروا بذنبهم لأنهم يستمتعون بالفكاهة دون وعي بسلوكيات التهكم.
نقص العقل
نقص العقل سبب آخر يجعل البعض يستخدم التهكم والسخرية، ذلك لأنهم لا يستطيعون استخدام العقل لتأسيس رؤية لرفض وجهة النظر التي لا تروق لهم.
الاستغلال
يتم استغلال اسلوب التهكم والسخرية لاستدراج اعجاب الناس الأقل وعيًا وربما الحصول على موافقتهم الضمنية بأسلوب مبطن، ولكن عادة ما تكون المحصلة النهائية عديمة الجدوى. ينطوي التهكم على دَهَاء، وبالتالي خِفَّة الأسلوب، مما يعني أنه يتعين على الشخص الواعي أن يرى ما وراء الكواليس لاكتشاف المقصود فقد يكون وراء السخرية أمراً مريباً أو أن “وراء الأكِمة ما وراءها” كحسد أو ضغينة، أو قد يكون مجرد حقد لأسباب سيكولوجية من طرف المتهكم.
الترهيب
المتهكمون والساخرون لا يكون لديهم اسباب وجيهة لرفض وجهة نظر الآخرين وبالتالي يلجؤون لأسلوب الترهيب، وخاصة مع اولئك الذين يكونون أقل منهم حظًا أو شأن. حين لا يستطيع المتهكم إقناع الشخص الذي لديه وجهة نظر مختلفة أو ثنيه عن عمل لأي سبب من الأسباب أو إجباره على سلوك طريق مخالف فيتعمد الإساءة لإسكاته تخويفا له من التعرض لمزيد من السخرية والإحراج أمام الآخرين.
الموافقة
من المهم أن نستوعب أن نجاح استخدام التهكم والسخرية يعتمد في الأساس على وجود أناس يوافقون على استخدام هذا الأسلوب أو غير قادرين أو راغبين في استخدام العقل ومنع الاستغلال وأساليب الترهيب.
؛؛عدم رفض اسلوب التهكم من قبل الحاضرين الذين يستمعون إلى المناقشة يساهم في دعم المتهكم وتحقيق مطلبه مما يسبب اضرار للضحية نفسية أو مادية؛؛
بعبارة أخرى، يعتمد نجاح المتهكم على وجود أناس يتقبلون آراء الشخص المتهكم ويضحكون على الشخص الذي يتم التهكم عليه والسخرية منه، مما يعزز صحة رأي المتهكم الخاطئة أو تلك التي تسبب اضرارا للآخرين. أما إذا كان الحاضرون واعين ويملكون سعة إدراك وسرعة بديهة، فإن أسلوب التهكم للشخص الغير قادر على إبداء أسباب وجيهة لفرض رأيه لن يكون مجديا، لأنهم سيعارضون رأيه وبالتالي يكسرون جور التهكم.
لكن في كلتا الحالتين، أي موافقة الحاضرين أو رفضهم، ليس هناك مناص من الاعتراف بأن التهكم والسخرية أسلحة فتوة فكرية يجب التعامل معها بوعي للتخفيف من أثارها السيئة والتي قد تكون بعيدة المدى وليست فقط آنية.
هذا الوعي، من قبل المدركين لمضار التهكم ونتائجه، غالبًا ما يساهم في افشال مفعوله أو على الأقل التقليل من تأثيره لأنهم يدركون أن التهكم أسلوب للي الذراع وأن هناك وجهات نظر أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. غالبًا ما يتطلب الأمر من شخص واحد فقط لديه قوة شخصية أن يسأل لماذا؟ أو يقول هذا خطأ لإيقاف التنمر الفكري. فعندما يكون هناك شخص متنمرًا فكريًا ولا تتم مسائلته أو محاسبته ستصبح مشكلة التهكم واضحة، لأنها ستكون أسلوب من اساليب التنمر.
؛؛إن حقيقة استخدام التهكم والسخرية بشكل متزايد في التعاملات أي كان نوعها هي علامة مزعجة على ضعف المجتمع؛؛
لأنها تدل على أن هناك عددًا أقل فأقل من الأشخاص الذين تهمهم المناقشات الهادفة المتزنة وعلى استعداد للتفكير بشأن الأمور التي ليست واضحة أو جيدة ويود مؤيدوها إظهارها وإرغام الغير على اتباعها مما يكون له آثار سلبية على الأفراد وعلى المجتمع ككل.
الشكر الجزيل للكاتب العزيز أبي حسن على هذا الموضوع المهم والذي آمل أن ينتشر بين الناس وبالخصوص المؤمنين ومن لهم وجاهة سواء علمية أو مادية أو نسبية حسبية وذلك بسبب انتشار هذه الخصلة الذميمة في المجالس وأصبحت عادية وفاكهة لتلك المجالس .
كما أشكر القائمين على هذا الموقع الجميل .