مقدمة المترجم
يقولون أننا نرى الأجسام حين تسقط أشعة الضوء عليها ثم تنعكس منها لتسقط على العين وتمر منها الى الملتحمة ثم القرنية وتركزها العدسة في البؤرة على الشبكية في مؤخرة العين و تكون الصورة مقلوبة حيث تقوم الأعصاب بالشبكية بإرسال إشارة إلى المخ عن طريق العصب البصري للصورة المقلوبة المتكونة ويقوم المخ بتعديل وضع الصورة كي نرى الأشياء في وضعها الحقيقي. من هنا يبدو أن العين بما فيها من آلات هي جزء من العملية المعقدة للرؤية – نافذة للرؤية وعاكسة ومركزة وناقلة ليس إلاّ- لكن المترجم الحقيقي للرؤية هو الدماغ. ورجوعاً لكتاب: الغوريلا الغير مرئية: والطرق الأخرى التي تخدعنا بها بديهتنا
(The Invisible Gorilla: And other ways our intuitions deceive us)
التي ترجم ملخصاً له اخونا العزيز السيد حسن الحاجي (١) نجد ان الرؤية لا يحددها النظر وانما التركيز الذهني ولذلك قال مؤلفا الكتاب اننا لا نرى كثيراً مما يدور حولنا وأننا نجهل بأنـنا عميان ! ولعلنا نستفيد هذا المعنى من الآية الكريمة ” وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ” هذا والكلام هنا فقط عن رؤية الجسم اما ما يتعداه الى غيره من الأشياء الغير محسوسة فهي موضوع آخر .
** الموضوع**
نظرا لاننا نرى العالم من خلال شبكتين مسطحتين صغيرتين واقعتين وراء أعيننا، يبدو ملحوظاً أن كل ما نراه هو عالم مرئي ثلاثي الأبعاد سلس.
الشبكية تستجيب لأطوال موجية ضوئية مختلفة من حولنا. ولكن هذا مجرد الجزء الأول من هذه العملية. أدمغتنا يجب أن تقوم بالكثير من العمل بكل تلك البيانات الخام التي تدخل – ووضعها مع بعضها واختيار ما يجب التركيز عليه وماذا تتجاهله. إنه الدماغ الذي يبني عالمنا المرئي.
وقد أحرز باحثو علم الأعصاب وعلماء الإدراك في الآونة الأخيرة تقدما كبيراً في التحقيق في كيف تجري هذه العملية. ما أقوم به من بحث يركز على كيف يبني الدماغ العالم المرئي من خلال إختيار المعلومات البصرية ليوليها الإهتمام ويستخدم الذاكرة البصرية للإبقاء عليها لفترات قصيرة . هناك الكثير من المدخلات الحسية الغير بسيطة التي تدخل في بناء تصورنا للعالم المرئي الذي نعيش فيه.
العيون كأجهزة إستشعار بصرية
الشبكية هي رقيقة من الخلايا واقعة خلف كل عين من عينينا. بعض هذه الخلايا، تدعى المستقبلات الضوئية، هي حساسة للضوء. هناك نوعان رئيسيان: قضبان حساسة للإختلافات بين الضوء و الظلام ومخاريط حساسة للون.
هذه المستقبلات الضوئية مرصوصة معاً بشكل كثيف في منطقة صغيرة في وسط الشبكية تسمى النقرة. وهي تقابل مركز رؤيتنا ، حيث حدة الرؤية في أعلى مستوياتها. الرؤية التفصيلية تتناقص تدريجيا كل ما بعدت المسافة عن مركز المجال البصري.
كلما نظرنا الى ما حولنا، حركنا أعيننا. وهذه تمكننا من توجيه النقرة الى ما نهتم به أكثر في محيطنا. وتسمى حركات العين الطوعية هذه طرفات ويقوم بها الشخص حوالي ثلاث مرات في الثانية.
عيون + دماغ = رؤية
وبالنظر إلى أن العيون هي في حركة مستمرة، كيف يمكن لصورة ما حولنا تبدو مستقرة في أذهاننا ؟ في التحقيق في هذا التناقض الواضح، اكتشف علماء الأعصاب أن الأشياء التي تدخل العين يتم تثبيطها خلال الطرفات، لذلك لا نسجل الحركة السريعة والصورة الغير واضحة التي لولا ذلك يمكن أن تحدث .
علاوة على ذلك، الدماغ يصحح حركات العينين باستخدام معلومات من عضلات العين التي تتحكم في حركتها. لأن الدماغ يلغي المعلومات التي تأتي حين تتحرك العينين ، يكون عالمنا المرئي متصوراً خلال تركيز النظر (fixations)، لفترات قصيرة (حوالي ٢٠٠- ٣٠٠ ميلي ثانية) عندما تكون العيون ثابتة. أثناء القراءة على سبيل المثال، تكون عيوننا في حركة فقط في ١٠٪ -٢٠٪ من الوقت.
عند كل تثبيت (تركيز) النظر، يجب علينا إختيار المعلومات البصرية الأكثر ملاءمة لتنفيذ المهمة التي تحت اليد. لدينا القدرة على التنبه الى أو التركيز على مصدر أو عدة مصادر للمعلومات وتجاهل ما تبقى، أو على الأقل الحد من أهميتها. الباحثون يطلقون على ذلك “الإنتباه البصري visual attention”. إذ يعتقدون أنه مهم جدا لمساعدتنا على ربط أو دمج الخصائص الأولية كاللون، والإتحاه لتشكيل التصور عن الأجسام الكاملة في المحيط.
وبعبارة أخرى، النظرية تقول أن الانتباه البصري هو نافذتنا الصغيرة على العالم. انه من ذلك التركيز المحدود – في كل من الحيّز والإنتباه – أن أدمغتنا تدمج المعلومات البصرية في أجسام متسقة. على سبيل المثال، عندما تنظر الى أحد شوارع المدينة المزدحمة، تجد هناك العديد من المصادر المحتملة للمعلومات البصرية لتركز عليها. ولكن باستخدام انتباهنا البصري سنختار فقط مجموعة فرعية صغيرة من هذه المعلومات – على سبيل المثال، سيارة الأجرة المقبلة باتجاهنا.
الذاكرة البصرية تساعد على بناء المشهد
انها عمليات إنتقائية كالإنتباه البصري الذي يسمح للدماغ بمعالجة المعلومات المهمة وتجاهل ما ليس كذلك. ما هو مهم أو غير مهم لك ستحدده أهدافك الشخصية. على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات أن المراقبين لاحظوا تغير لجسم في إطار الواقع الافتراضي فقط لو جعل لذلك الجسم علاقة بالمهمة في وقت التغيير.
على سبيل المثال، لو قيل لجماعة افتراضياً بفرز طوب بحسب الحجم، فإنهم ( أكثر احتمالاً ) يقومون بملاحظة التغيرات في أبعاد الطوب مما لو قيل لهم مجرد احملوا الطوب بالترتيب التي يظهر به.
لمعرفة ما هو مهم او غير مهم لهذه المهمة التي في اليد، فان الشخص يحتاج الى وسيلة للإحتفاظ ببعض المعلومات على طول الوقت. هنا تأتي أهمية الذاكرة البصرية. تنقسم عادة إلى أنواع قصيرة المدى و طويلة المدى. النوع القصير المدى من الذاكرة البصرية هو الأكثر أهمية في بناء واستقرار العالم المرئي اللحظي.
إعتاد العلماء على التفكير في أن الذاكرة البصرية القصيرة المدى تمثل العالم المرئي بالتفصيل، مجمعةً المعلومات من كل تركيز عين ثابت لبناء “صورة ” ذهنية مفصلة عن المحيط،
ومع ذلك، فقد بينت المزيد من البحوث التي أجريت مؤخراً أن المراقبين عادة لا يلاحظون التغييرات الكبيرة نسبيا في البيئة البصرية عندما تقترن هذه التغييرات، مثلا، بحركة العين، أو ببعض التعطيلات الآخرى. وتسمى هذه الظاهرة “عدم الإنتباه بسبب التغييرات change blindness. (٢)”.
وفي ظاهرة ذات صلة تسمى بالعمى الإدراكي (تعريف من خارج النص: هو نقص في الإنتباه السايكلوجي غير مرتبط بأي عيوب أو فقر في البصر، للمزيد، انظر ٣) ، فالناس غالبا ما تفوتهم أحداث واضحة في المحيط عندما يكونون منهمكين في مهمة غير ذات صلة. وعلى سبيل المثال عندما يقومون بحساب عدد تمريرات كرة السلة، لا ينتبهون الى الشخص المتلبس على شكل غوريلا يتحرك في الملعب بين اللاعبين.
وقد أظهرت الأبحاث التي جرت على هذه الظواهر والآليات المرتبطة بها أن الناس يبنون نسخة اكثر تخطيطياً عن البيئة عبر تركيزات العين مما كان يعتقد سابقاً.
هذه النسخة التخطيطية للبيئة عادة ما تعرف بجوهر المشهد scene gist (تعريف من خارج المصدر : يتمكن الناس من إدراك معنى المشهد ، أو “gist” ، من خلال أول تركيز للعين عليه، على سبيل المثال ، يمكنهم أن يدركوا أنه شاطئ ، أو غرفة طعام أو شارع) . و تحتوي على معلومات مفاهيمية عن التصنيف الأساسي في المشهد – هل منظر المدينة طبيعي او من صنع الإنسان؟
بدون حوسبة الدماغ المستمرة كمعالج بصري، فإن المعلومات البصرية التي نتلقاها من خلال عيوننا تبقى مبعثرة بشكل فوضوي. الآليات العصبية التصحيحية مسؤولة عن حركات أعيننا “. الذاكرة البصرية والإنتباه يعملان معاً ليسمحا بالإنتقال السلس للسائل من مصدر للمعلومات إلى أخر. وهذه العمليات جميعها تسمح للدماغ على وضع تصورنا لعالم مرئي مستقر ومحكم.
مصادر من خارج النص
1-https://www.google.com/amp/s/qurraa14.wordpress.com/2015/11/09/كتاب-الغوريلا-الغير-مرئية-والطرق-الأخ/amp/
2- https://ar.m.wikipedia.org/wiki/عمى_عدم_الانتباه
3-https://en.m.wikipedia.org/wiki/Inattentional_blindness