يستجيب الأطفال الرضع للغة الإشارة. ماذا يخبرنا ذلك عن الطبيعة البشرية؟ – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

?Babies respond to sign language. What does that tell us about human nature
(بقلم: إيڤا بوتكين كواكي –  Eva Botkin-Kowacki)

مداخلة نوره عبد الله الغصون:

(اختصاصي نطق ولغة أول، ورئيس قسم اضطرابات التواصل والبلع في مركز أبحاث التوحد التابع لمستشفى الملك فيصل التخصصي).

هذه الفرضيات التي وردت في النص المترجم أدناه مبنية على نظرية نعوم تشومسكي الشهيرة التي يتبعها اغلب اختصاصيي النطق واللغة واللغويين. 

تقول النظرية بان الانسان مولود ولديه أداة اكتساب للغة (Language Acquisition Device) (وتختصر ب ALD) يعني انه مبرمج لاكتساب اللغة واستخدامها.  لذلك اينما وحيثما تضعه فهو يملك القدرة على اكتساب اللغة أيًا كانت. استدل تشومسكي على ذلك بجملة (Green Ideas Sleep Ferociously)، وهي جملة ليست ذات معنى ولكنها تراكببيًا صحيحة، لذلك فان دماغنا يستوعبها. اذن التراكيب تعكس لك ان الدماغ مصمم لاستيعابها بغض النظر عن المعنى. 

بالنسبة للغة الإشارة فان من المعروف عندنا كمتخصصي تأهيل اللغة بأن هناك معجمًا افتراضيًا للكلمات في الدماغ وبأن الكلمات يمكن الوصول اليها إمّا عبر النطق، او عبر حركات اليد.  والدليل على ذلك: احيانا، يحاول الانسان التلفظ بكلمة لكن لايحضره اللفظ ولكنه لاشعوريًا يجد نفسه يحرك يده بحركة تشبه معنى الكلمة التي يريد التلفظ بها. ولذلك نحن اهل التخصص نركز على حركات اليد والجسم في حالات التدخل المبكر والتأهيل بعد الحبسات اللغوية الناتجة عن السكتات الدماغية.

( الدراسة المترجمة )

الصورة ل الاختصاصي الأكاديمي المساعد في جامعة نورث ايسترن وخبير لغة الاشارة كريشنا مادابارثي وهو يشرح كلمة “طفل” باستخدام لغة الإشارة الأمريكية. تصوير أليسا ستون / جامعة نورث إيسترن.

خذ دقيقة لتفكر في صياغة جملة مفيدة: كل حرف من كل كلمة ليس له أهمية معتبرة لو كان لوحده. لكن ضع الحروف معًا في كلمات، ورتب هذه الكلمات في جمل، وحينئذ يصبح لهذه الكلمات معنىً.

ربما لم ترى قط سلسلة كلمات معينة مكِونةً لإحدى الجمل من قبل، ولكن نظرًا لأنك تفهم القواعد المجردة للغة، فإن عقلك قادر على معرفة الرسالة التي تريد الجملة أن تنقلها اليك. ولكن لو غُير ترتيب (خُلطت) الأحرف بشكل بحيث تكون غير ملتزمة بالقواعد ولا بمكن أن تُقرأ بشكل مفهوم (رطانة)، فقد لا تتمكن أن تستخلص أي نوع من المعاني منها.

يُعتقد أن القدرة على اللغة هي السمة الرئيسة التي تميز البشر عن الأنواع الأخرى على كوكبنا. ويبدو أن البشر بارعون جدًا في اكتساب اللغة منذ سن مبكرة.  لكن الباحثين جادلوا في سبب براعة الأطفال في هذا النوع من الاكتساب.

لطالما كان هذا السؤال محيرًا لأن الأطفال قد يكتسبون اللغة بسماعهم والديهم وآخرين حين يتكلمون حتى قبل أن يولدوا – وقبل أن يتمكن الباحثون من دراسة سلوكهم ومقدرتهم على الفهم.  هل أدمغة الأطفال مدركة للغة بشكل خاص بحيث تفهمها فهمًا جيدًا، أم أن الكلام هو الذي يسترعي انتباهها؟

لمعالجة هذه المشكلة بشكل ناجع، قامت إريس بيرنت (Iris Berent)، برفسورة علم النفس بجامعة نورث ايسترن (Northeastern) ، بإلغاء الكلام من المعادلة ودراسة شكل مختلف من اللغة.  في دراسة جديدة، درست الباحثة ما إذا كان الأطفال الرضع قد تعرفوا على قواعد اللغة في لغة الإشارة.

خلصت بيرنت إلى أن الناس يولدون في الواقع مهيئين للغة. ووجدت أن الأطفال – الذين لم يسبق لهم قط أن اكتسبوا أو شاهدوا لغة الإشارة قبل هذه الدراسة – يمكن أن يكتسبوا القواعد من لغة الإشارة بسهولة كما يمكنهم اكتساب هذه القواعد من الكلام، وأن استجابتهم متميزة عن الطريقة التي تفاعلوا بها مع أنواع أخرى من الأنماط البصرية [المترجم: الأنماط البصرية هي تسلسل متكرر من أشياء أو صور معينة]. نُشرت النتائج في ورقة بحثية في مجلة التقارير العلمية (Scientific Reports)، انظر (1).

مصدر الصورة: parentingscience.com

“العقول البشرية مهيأة للغة”، كما قالت بيرنت. “العقول ليست فقط مهيأة للكلام، بل مهيأة للغة (للفرق بين الكلام واللغة، راجع 2) . وهي مهيأة لاكتساب اللغة بكل تمظهراتها المختلفة والمتنوعة، سواء أكانت كلامًا أو إشارةً. وهي ليست مجرد نتاج العيش في رحم الأم لمدة تسعة أشهر. هناك شيء على ما يبدو وربما هذا الشيء متأصل يتعلق باللغة يجعلها بشكل خاص قابلة للاكتساب من قبل العقول البشرية”.

في بحث سابق، وجدت بيرنت أن الأطفال الصغار جدًا الذين كانوا لا يزالون في جناح المواليد الجدد في المستشفيات يمكنهم تعلم قواعد اللغة من الكلام بشكل تلقائي. في تلك الدراسة، عرضت بيرنت وزملاؤها على الأطفال حديثي الولادة أنماط تلفظات بكلمات. بعض سلاسل أصوات فيها صوتان متكرران ومتماثلان، مثلَا  “bah، gah، gah” (من النمط العام المعروف بنمط BAA) [المترجم: أي يتلفظ الشخص بنفس الكلمة مرتين ثم فجأة يغير ويتلفظ بكلمة مختلفة، وله في غير مجال الزضع تطبيقات أخرى تتعدى إلى كلمات بل جمل، 3].

لم يعرض على آخرين من الرضع أي تكرار، بل عرض عليهم كلمتين مختلفتين، مثل “غاه ، باه”. درس الباحثون نشاط دماغ الأطفال ووجدوا أن استجابتهم العصبية اختلفت بشكل ملحوظ عندما كان التلفظ بنمط فيه تكرار (من نمط AA أو BB). تقول بيرنت إن هذا يشير إلى أن الأطفال كانوا يستجيبون لما أدركوه حسيًا أنه قاعدة لسانية (لغوية) [المترجم: المصطلح الصحيح هو «لسانية» وليس «لغوية»، بحسب علماء اللسانيات].

طبقت بيرنت نفس الإجراء على أحدث دراساتها، واستبدلت التلفظ بلغة الإشارة. الدراسة، التي أجريت في جامعة باريس والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي من قبل المتعاونة مع بيرنت منذ فترة طويلة، جوديت جيرفين (Judit Gervain) من جامعة بادوفا (Padua) الإيطالية، درست نشاط دماغ أطفال بعمر 6 أشهر حيث زُودوا بإشارات لسانية (لغوية) في نوعين مختلفين من التسلسلات / المتتاليات: واحدة منها بمقطعين لفظيين (syllables) متطابقين (AA) والأخرى بمقطعين لفظيين غير متطابقين (AB).

كما هو الحال في دراسة التلفظ، أثارت إشارات النمط المتكرر (AA) استجابة أكبر في أدمغة الأطفال من متوالية  (AB). ذلك النشاط حدث أيضًا في نفس المنطقة من الدماغ.

“كان النمط في الكلام والإشارة غير قابلين للتمييز” ، كما قالت بيرنت. “لذلك استجاب الدماغ للقواعد بشكل متساوٍ وبنفس الطريقة تمامًا لكل من الكلام والإشارة”.

أراد الباحثون التأكد من أنهم لم يقتصروا على تحديد قدرة الأطفال على التعرف على الأنماط البصرية بشكل عام ، ولكن كان هناك شيء مميز عن اللغة. لذلك عرضوا على الأطفال أيضًا نظائرها البصرية من الإشارات.

من أجل ذلك، قام الباحثون بعمل رسوم متحركة لشجرة. على الشجرة أوراق على شكل يدي إنسان. قاموا بتتبع حركات مقاطع لغة الإشارة نفسها المستخدمة في الجزء الأول من التجربة على أوراق الشجرة تلك. كانت الفكرة هي مطابقة الخصائص الديناميكية للإشارات لكن بعد إزالة جانب التواصل البشري (4) وتحويلها ببساطة إلى أنماط بصرية.

عُكس نشاط دماغ الرضّع استجابةً للأشياء المتماثلة (analogs). أثارت متواليات (AB) استجابة عصبية أكبر مما أثارته متواليات (AA).

“يستجيب الدماغ بشكل مختلف للاشارات ولضوابط التحكم المتطابقة بالفعل، مما يدل على أنه ليست الأشياء البصرية المتعلقة بالإشارة هي التي يستجيب لها الدماغ” ، كما تقول بيرنت.  “بل هي الشيء اللساني (اللغوي) الذي يبعث على نشاط الدماغ”.

تقول بيرنت إنه على الرغم من أن نتائج فريقها اضاف إلى جدل الطبيعة (الفطرة) مقابل التنشئة (الاكتساب) القائم بشأن اكتساب اللغة، “ما ندعيه هنا هو ادعاء أكثر دقة في تفاصيله”.

“تحن نعتبر أن اللغة هي شيء إمّا أننا نولد بها أو نكتسبها” ، كما تقول. “ما نقول هو أن فطرية اللغة (5) هذه هي القدرة على الاكتساب.  وهي نوع خاص جدًا من آليات الاكتساب.

فكر في فتّاحة العلب، كما تقول. فالمرء لا يولد بعلبة يريد أن يفتحها، لكنه يولد بهذه الأداة. في هذه الحالة، كما تقول بيرنت ، “فالمرء يولد بأداة يستفيد منها ليفعل شيئًا خاصًا جدًا. وبالنسبة لنا ، هذا الشيء الخاص هو اكتساب اللغة”.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://www.nature.com/articles/s41598-021-99539-8#author-information
2- “يرجع  الكلام إلى الصوت الفعلي للغة المنطوقة.  أما اللغة فترجع إلى نظام كامل يتكون من كلمات ورموز – مكتوبة أو منطوقة أو معبر عنها بإيماءات ولغة جسد – وتُستخدم لتوصيل المعنى المراد توصيله”. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.understood.org/articles/en/difference-between-speech-impairment-and-language-disorder
3- http://changingminds.org/techniques/general/more_methods/aab.htm
4-“التواصل البشري ، أو دراسة التواصل البشري (anthroposemiotics)، هو الحقل المخصص لفهم كيف يتواصل البشر. يرتكز الاتصال البشري على النوايا التعاونية والمشتركة. لا تصبح قدرتنا على التواصل مع بعضنا البعض ممكنة دون فهم ما نشير إليه أو نفكر فيه. نظرًا لأننا غير قادرين على فهم منظور بعضنا بعض تمامًا، هناك حاجة لوضع قواسم مشتركة من خلال عقلية مشتركة و / أو وجهات نظر مشتركة. حقل التواصل هذا متنوع جدًا. هناك جوانب متعددة لما يعنيه التواصل وكيف نستخدم هذه الجوانب والخصائص المختلفة كبشر”. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://en.wikipedia.org/wiki/Human_communication
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/الغريزة_اللغوية
المصدر الرئيس:
https://news.northeastern.edu/2021/10/12/babies-respond-to-sign-language
الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *