كيف تغير جائحة كوفيد-19 الدراسات المتعلقة بسلوك الإنسان – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

How COVID Is Changing the Study of Human Behavior
(بقلم: كريستي أشواندن ، مجلة نيتشر –  Christie Aschwanden , Nature magazine)

علمتنا الجائحة دروسًا مهمة عن كيف يستجيب الناس للأزمات والمعلومات المضللة، وهي تقوم بإثارة تغييرات في الطريقة التي يدرس بها الباحثون مسائل الصحة العامة

“قدم للترجمة وراجعها غسان علي بوخمسين، صيدلاني أول في مستشفى جونز هوبكنز”

مصدر الصورة: ippf.org/covid19

كيف تحفز الجوائح تطور العلوم:  (مقدمة غسان علي بوخمسين)

ترك فيروس كورونا الجديد بصمته على كل نواحي الحياة: فدول بأكملها شُلَّت وحدودٌ أُغلقت واقتصادات عالمية تباطأت ومدارس أُقفلت وروابط اجتماعية تقطعت، مما أدى إلى تغيير شامل وحاد في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لجميع البشر.

لكن هذه هي عادة الأوبئة والجوائح، فما قبلها ليس كما بعدها، فثمة سلسلة طويلة وسيئة الذكر من الأمراض الوبائية عصفت بالبشرية منذ القدم وحتى الآن، وكلها تركت بصمات واضحة على حياة البشر وتطورهم الاقتصادي والاجتماعي بل والعلمي، فالوباء يلعب دور الكاشف عن الخلل والعيوب والثقوب في حياة البشر، مما يساعدهم على اكتشافها ويحفزهم على إصلاحها.

مثلاً، الطاعون أو ما يعرف بالموت الأسود، الذي ضرب العالم في القرون السابقة، وتسبب في موت الملايين، كان له دور واضح في تحفيز الأطباء في محاولة فهم آلية انتقال الأمراض وسبل مكافحتها وأهمية الإحصاءات والأدبيات الطبية التي تصف وتكشف عن طبيعة وتطور المرض، وظهر مثلاً ما يعرف برسائل الطاعون التي تصف المرض وبعض طرق الوقاية منه، مثل وسائل الحجر الصحي وغيرها.

أما الكوليرا ذاك المرض الوبيل، فقد كان سبباً في إنشاء مؤسسات خاصة تُعنى بالصحة العامة في بعض الدول في القرن التاسع عشر، وتطوير نظام شبكات الصرف الصحي في الدول المتقدمة في ذلك الوقت، بل يشير مؤرخو الطب أن هذا المرض كان الحافز وراء سعي فرنسا الى عقد سلسلة من المؤتمرات الصحية الدولية عبر عقود، والتي نتج عنها مع جهود أخرى، إنشاء منظمة الصحة العالمية، وهي المنظمة الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التي تهتم بشوون الصحة في العالم حالياً.

في البحث المترجم، يشير الكاتب الى الطرق والأساليب الجديدة، التي خلقتها الجائحة، في طريقة دراسة سلوك البشر، باستغلال التطورات التقنية وثورة الاتصالات وسهولة وسرعة تجميع البيانات، كل هذا أدى لابتكار طرق ثورية وجديدة، في أساليب جمع وتحليل البيانات، بطريقة لم تكن متاحة قبل الجائحة أو لم يكن بالإمكان التفكير بها او اللجوء إليها.

( الدراسة المترجمة )

خلال الأشهر الأولى لجائحة  كوفيد-19، أراد جاي ڤان باڤل (Jay Van Bavel)، باحث في علم النفس في جامعة نيويورك،  التعرف على العوامل الاجتماعية التي تتنبأ بمدى تأييد الناس لإجراءات الصحة العامة، كتدابير التباعد الجسدي / الاجتماعي أو إغلاق المطاعم. عمل مع عدد قليل من المتعاونين الراغبين في جمع بيانات هذه الدراسة الاستقصائية. بيد أنه وبسبب انتشار الجائحة في كل مكان ، تساءل عما إذا كان بإمكانه توسيع نطاق المشروع. لذلك جرب شيئًا لم يفعله من قبل.

تلعب الهوية الوطنية دورًا في مدى احتمالية دعم الناس لسياسات الصحة العامة مثل ارتداء الكمامات. (مصدر الصورة: Benoit Tessier / Reuters / Alamy)

غرد بوصف عن هذه الدراسة على تويتر (1) في أبريل 2021 ، موجهًا دعوة لباحثين آخرين للانضمام إلى مشروعه. يتذكر أنه كان يفكر في ذلك الوقت أنه: ربما سيحصل على عشرة متعاونين آخرين وبعض المعطيات (البيانات) الأخرى. ولكن الاستجابة كانت غامرة مما جعلته مرتبكًا الى حد أنه لم يدرِ ماذا يفعل.

انضم إلى هذا الجهد أكثر من 200 باحث من 67 دولة. وفي النهاية ، تمكن الباحثون من جمع بيانات عن أكثر من 46 ألف شخص. وقال “لقد كان تعاونًا عظيمًا”. أظهر الفريق ، بشكل عام،  كيف أن الأشخاص الذين أفادوا أن الهوية الوطنية تمثل أهمية بالنسبة لهم كانوا أكثر ميلًا لدعم وتأييد سياسات الصحة العامة. الورقة قيد مراجعة (تحكيم)  الأقران.

بالنسبة لباحثي علم الاجتماع، وفرت جائحة (COVID-19) فرصة فريدة من نوعها – تجربة طبيعية “اجتازت جميع الثقافات والجماعات الاجتماعية والاقتصادية” ، كما يقول أندرياس أولسون (Andreas Olsson)، باحث في علم النفس في معهد كارولينسكا في ستوكهولم.

الجميع معرَّض تقريبًا لنفس التهديدات لصحتهم وسبل عيشهم، “لذلك أمكننا من أن نرى اختلافًا في استجابات الناس على هذا الاستقصاء بناءً على الثقافة والفئات الاجتماعية التي ينتسبون اليها والاختلافات الفردية بينهم” ، على حد قوله.  تمكن الباحثون من مقارنة سلوكيات الناس قبل وبعد التغييرات الكبيرة في السياسة [الصحية] ، على سبيل المثال، كما تمكنوا من دراسة تدفق المعلومات والمعلومات المضللة بسهولة أكبر.

الإطار العالمي للوباء ساعد في جمع مجموعات من جميع أنحاء العالم كما لم يحدث من قبل. ومع وجود الكم الهائل من الاهتمام المتزامن، يمكن للباحثين اختبار الأفكار والتدخلات بسرعة أكبر من ذي قبل. كما أجبرت العديد من باحثي علم الاجتماع على تكييف أساليب دراستهم البحثية واستخدامها خلال وقت كانت فيه المقابلات الشخصية مع الناس والتجارب أقرب إلى المستحيل.  توقع البعض أن الابداعات / الابتكارات التي حفزت عليها وأثارتها الجائحة يمكن أن تبقى بعد الأزمة الحالية وقد تغير المجال البحثي [التعاوني] بشكل دائم.

على سبيل المثال ، في وجود التكنولوجيا التي جُربت واُختبرت في الوقت الحاضر ، كما يقول ڤان باڤل، أصبح تشكيل فريق بحث دولي تعاوني أسهل بكثير من ذي قبل. كما يقول: “الآن بعد أن حصلنا على البنية التحتية والخبرة التي نحتاجها ، سنكون قادرين على تطبيق ذلك في مجالات / حقول علمية أخرى”.

معززات اللقاح الاجتماعي

قبل تعاون ڤان باڤل الواسع النطاق، اجتمع مع مجموعة من أكثر من 40 باحثًا لتحديد الأساليب التي يمكن من خلالها للبحوث السلوكية أن تزود جهود  الاستجابة لفيروس كورونا سارس-كوف-2 بالمعلومات وتحسِّن منها في الوقت الذي يشعر فيه الناس بالخوف والإرتياب من فيض المعلومات التي تغمرهم. لخص الباحثون البحوث السابقة في هذا المجال التي قد تؤثر في سياسة الصحة العامة، وحددوا بعض المشاريع المحتملة المتعلقة بتصور التهديد (2) واتخاذ القرارات (3) والتواصل العلمي (4)، من بين أمور أخرى. [المترجم: تصور التهديد هو التقدير الواعي أو اللاواعي (الشعوري وألّا شعوري) بأن شيئًا ما أو شخصًا ما يمثل خطرًا – ويعتبر قوة ذهنية أساسية، 2].

الكثيرون من الباحثين كانوا حريصين على تطبيق دراستهم من أجل معرفة استجابة الناس لممارسات كفرض الإغلاق ولبس الكمامات. في الاستطلاع الذي شمل أكثر من 46 ألف شخص، أثبت ڤان باڤل وزملاؤه أن البلدان، التي كان الناس فيها يفضلون التدابير الاحترازية، ترغب في أن تكون تلك التي تعزز الشعور بالوحدة العامة والتماسك.

هذا الإحساس، كما يقول، الذي “نحن جميعًا نؤيد أن نكون فيه معًا”. كان هذا إلى حد ما خلاف البديهة. الأيديولوجية السياسية اليمينية تلازمت مع مقاومة اجراءات الصحة العامة في أوساط المشاركين في الاستطلاع ، ولكن بشكل عام ، الشعور بالهوية الوطنية القوي تنبأ بالتأييد المتزايد لمثل هذه الإجراءات. يقول ڤان باڤل إن هذا يفيد بأنه قد يكون من الممكن الاستفادة من الهوية الوطنية عند الترويج لسياسات الصحة العامة.

أظهرت أبحاث أخرى أن مصدر الرسالة مهم فعلًا. استطلعت دراسة نُشرت في فبراير2021  أكثر من 12 ألف شخص في 6 دول – وهي البرازيل وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وسويسرا والولايات المتحدة – بشأن رغبتهم في مشاركتهم في ترويج / نشر رسالة تشجع الناس على التباعد الاجتماعي. يمكن أن تحوز هذه الرسالة على تأييد الممثل توم هانكس والنجم كيم كارداشيا ومسؤول حكومي بارز من الدولة التي يُجرى فيها الاستطلاع أو أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية في بيثيسدا (Bethesda)، ميريلاند.

المستجيبون على الاستطلاع من جميع البلدان كانوا أكثر استعدادًا للمشاركة في ترويج الرسالة عندما تأتي من فوسي (Fauci) (على الرغم من أنه في الولايات المتحدة، حيث سُيس كوفيد-19 إلى حد كبير، فقد أصبح شخصية مثيرة للانقسام بالنسبة للبعض). التأييد من قبل المشاهير نسبيًا غير فعالة بالمقارنة.

تفيد نتائج الأبحاث الأولية بأن مواءمة الرسالة مع قيم المتلقين إياها [وهم الناس] أو التركيز على استحسان المجتمع لها يمكن أن يكون له تأثير أيضًا. ميشيل غيلفاند (Michele Gelfand)، باحثة في علم النفس في جامعة ماريلاند في مدينة كوليدج بارك ، هي عضوة في فريق البحث التعاوني تشرف على “دورة التدخل” للتعرف على أساليب الترويج لارتداء الكمامات في أوساط المحافظين والليبراليين في الولايات المتحدة.

شجعت لوحة إعلانية في لندن الناس على اتباع إرشادات الإغلاق لمنع انتشار كوفيد-19. المصدر: ماي ​​جيمس / صور SOPA / زوما

يختبر الباحثون ثمانية تدخلات، أو “وكزات (nudges) (تنبيهات)” ، تعكس قيمًا أخلاقية وعوامل مختلفة خاصة بـكوفيد-19. والهدف من ذلك هو تحديد أيها أكثر فاعلية في تشجيع هذه المجموعات السياسية على الالتزام بإرشادات الصحة العامة.

إحدى الرسائل التي يقومون على اختبارها هي أن ارتداء الكمامات “ستساعدنا على إعادة فتح اقتصادنا بسرعة أكثر” – وهي مقاربة مصممة لاستمالة الجمهوريين ، الذين من المحتمل أن ينظروا إلى الجائحة على أنها أزمة اقتصادية وليست أزمة صحية. تدخل آخر يسلط الضوء على تجنب الضرر – وهي قيمة يقول الليبراليون عنها إنها مهمة بالنسبة لهم.  تؤكد هذه الرسالة أن الكمامة “ستحافظ على سلامتك”.

“إننا نضع هؤلاء من الحزبين في مواجهة بعضهم بعضًا لمعرفة أي وكزة تعمل بشكل أفضل” ، كما يقول غيلفاند. هذه المقاربة تعود إلى تصميم الدراسة التي تمكن من اختبار تدخلات متعددة تزامنيًا، ويمكن نشر هذه المقاربة على نطاق واسع في العديد من المناطق الجغرافية – وتمثل مصلحة أصبحت أكثر إلحاحًا بسبب الجائحة. النتائج لم تنشر بعد.

بدأ آخرون في استخدام مقاربة مماثلة للتشجيع على التطعيم حتى قبل توفر لقاح سارس-كوف-2. مبادرة تغيير السلوك من أجل الخير في جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا تختبر الوكزات التي تشجع الناس على أخذ لقاح الإنفلونزا. كاثرين ميلكمان (Katherine Milkman)، الباحثة في العلوم السلوكية في كلية وارتون بالجامعة، اختبرت هي وزملاؤها حوالي 20 إستراتيجية ارسال رسائل – جربوا كل شيء من النكات إلى الإلتماسات والمناشدات المباشرة. “رأينا أن هناك فائدة من هذه الاستراتيجيات”. لقد اكتشفوا، على سبيل المثال ، أن إرسال رسائل نصية للناس ليخبروهم بإن لقاح الإنفلونزا قد تم حجزه خصيصًا لهم عزز من معدلات الاقبال على التطعيم.

النتائج التي توصل لها الفريق طُبقت على الفور تقريبًا من قبل الباحثين الذين يسعون إلى زيادة نسبة الذين أخذوا لقاح كوفيد-19 من الذين ارسلت لهم رسائل نصية [يعرف ب vaccination uptake). حاول باحثون من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس (UCLA) تكرار هذه الاستراتيجية بين الأشخاص الذين يتلقون العلاج في جهاز (UCLA) الصحي في فبراير ومارس 2021 ، ووجدوا أنها “أثبتت فعاليتها في التحفيز على التطعيم ضد كوفيد-19” ، كما تقول ميلكمان.

وفي مارس 2021 ، تلقت ميلكمان رسالة بريد إلكترونية من ستيڤ مارتن ، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات العلوم السلوكية المؤثرة في مكان العمل في هاربيندين (Harpenden) بالمملكة المتحدة ، يخبرها أن فريقه قد نفذ النتائج التي توصلت إليها في جزيرة جيرسي (Jersey) في القنال الإنجليزي. قام مارتن وزميلته ريبيكا شيرينجتون (Rebecca Sherrington)، الممرضة الرئيسة المساعدة لحكومة جيرسي ، بإدراج رؤية ميلكمان، وأصبح من الممكن زيادة احتمالية مجيء الأشخاص ليأخذوا اللقاح لو شعروا “بالإحساس بالملكية” – على سبيل المثال ، بإخبارهم أن “هذا اللقاح قد تم حجزه لهم”.

يقول مارتن: “كانت لدينا مشكلة حقيقية في إشراك موظفي دور الرعاية – وخاصة الشابات ، وكثير منهن مشككات بفعالية اللقاح”. ولكن باستخدام مقاربة ميلكمان، جنبًا إلى جنب رؤىً أخرى (مثل فكرة أن هوية مرسل الرسالة مهم أيضًا)، حقق برنامج مارتن تغطية بنسبة 93٪ لموظفي دور الرعاية في جيرسي ، مقارنة بحوالي 80٪ في أماكن تحت سلطات قضائية أخرى.

بحوث نزع الاستقطاب

تقنيات كالتتبع الجغرافي يساعد باحثي علم الاجتماع على تتبع سلوك وتصرفات الناس بالفعل، وليس فقط ما يقولون عن كيف يتصرفون هم شخصيًا. أظهرت الاستجابة لجائحة كوفيد-19 انقسامًا كبيرًا بين الأطياف السياسية في العديد من الأماكن ، ولأن الكثير من الناس يمتلكون هواتف ذكية تتضمن أجهزة تعقب (GPS) ، يمكن للباحثين القياس الكمي لكيف تترجمت الحزبية إلى سلوك أثناء الجائحة.

استخدم ڤان باڤل وزملاؤه بيانات التتبع الجغرافي من 15 مليون هاتف ذكي يوميًا للنظر في التلازمات بين توجهات التصويت في الولايات المتحدة والالتزام بتوصيات الصحة العامة. الناس في المقاطعات التي صوتت للجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، على سبيل المثال، مارسوا تباعدًا جسديًا أقل بنسبة 14٪ بين مارس ومايو 2020 مقارنةً بالناس في المناطق التي صوتت للديمقراطية هيلاري كلينتون.

وجدت الدراسة أيضًا تلازمًا بين استهلاك الأخبار (5) المحافظة وبين التباعد الجسدي المنخفض، ووجدت أن الاختلافات الحزبية فيما يتعلق بالمسافة الجسدية زادت بمرور الوقت.

يقول والتر كواتروشيوتشي، باحث في علم البيانات في جامعة كافوسكاري (Ca’Foscari) في مدينة البندقية الإيطالية، إن إمكانيات البحث التي اتاحها التتبع الجغرافي “تجاوزت أحلامي”. يقول: “لدينا الكثير من البيانات لقياس العمليات الاجتماعية (6) في الوقت الحاضر” ، وقد وفرت الجائحة طريقة للاستفادة العملية من هذه البيانات.

استخدمت مجموعته بيانات المواقع من 13 مليون مستخدم على الفيس بوك للبحث في كيف تنقلت الناس في أنحاء فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة خلال الأشهر الأولى من الجائحة. أظهرت الدول الثلاث أنماطاً مختلفة من أنماط التنقل تعكس البنية التحتية وجغرافية هذه الدول الأساسية.

التنقلات في المملكة المتحدة وفرنسا كانت متمحورة بشكل أكثر حول مدينتي لندن وباريس، على التوالي ، لكنها كانت منتشرة بشكل أكثر بين المراكز السكانية الرئيسة في إيطاليا. ويقول إن مثل هذه النتائج يمكن أن تساعد في التنبؤ بالمرونة الاقتصادية في مواجهة الكوارث الأخرى.

يستخدم الباحثون أيضًا بشكل متزايد الاستطلاعات عبر الإنترنت، وهو اتجاه متسارع بفضل الجائحة. دراسة أمريكية عن أنشطة الناس اليومية أثناء الجائحة – كالذهاب إلى العمل أو زيارة الأسرة أو الذهاب إلى المطاعم – تلقت أكثر من 6700 ردًا يوميًا في المتوسط. أظهرت النتائج أن التحزب السياسي كان له دور أكبر بكثير من معدلات الاصابة بكوفيد-19 المحلية في التأثير في السلوكيات الآمنة.

الجمهوريون الذين عرفوا بأنفسهم أنهم جمهوريون كانوا أكثر ميلًا إلى التنقل في الأمكنة من الديمقراطيين بنسبة 28٪ ، واتسعت هذه الفجوة على مدار فترة الدراسة من أبريل إلى سبتمبر من العام الماضي 2020.

إرث / تراث ما بعد الإغلاق

من الواضح أن الجائحة قد غيرت الطريقة التي يدرس بها الباحثون السلوك ـ وبطرق يمكن أن تدوم إلى ما بعد اجراءات الإغلاق. “أعتقدُ أن الناس سيواصلون السعي لإجراء دراسات أكبر في وجود المزيد من المختبرات لإصدار نتائج أكثر صرامة وقابلة للتطبيق على نطاق واسع” ، كما قال ڤان باڤل.

وقال إن العينات التي جمعت من خلال هذه المشاريع كانت أكثر تنوعًا مما هي عليه في المقاربات / المشاريع  الاعتيادية، وبالتالي فإن التأثير من هذه الدراسات قد يكون أعلى بكثير.

تقول ميلكمان إن أزمة كوفيد-19 جعلت الباحثين أكثر رغبةً في التعاون والمشاركة بالمعلومات. وتقول إن وتيرة نشر النتائج وتنفيذها تسارعت. “لقد كتبت ورقة حول بعض النتائج التي توصلنا إليها في أسبوع واحد أثناء عطلة عيد الميلاد” ، وهو عمل يستغرق عادةً عدة أشهر، كما تقول.

فقد قامت بتسريع مخطوطة الورقة (manuscript) لأنها شعرت أن النتائج كانت ملحة وأرادت نشرها في المجال العام [أي متاحة لكل الناس بالمجان].

تقول ميلكمان إن قيود كوفيد -19 دفعت بالعلوم الاجتماعية في اتجاه جيد. تقول: “علينا أن نقوم” بأبحاث علمية ضخمة ، بالطريقة نفسها التي تعمل بها حقول أخرى كما في حقلي الفيزياء وعلم الفلك. بدلاً من القيام بتجارب فردية صغيرة ، يتمكن الباحثون حاليًا من إجراء دراسات ضخمة تجمع مجموعات كبيرة من الباحثين لاختبار 20 أو حتى 50 مجموعة رئيسية أو فرعية في التجربة السريرية الواحدة بشكل تزامني ، كما تقول.

عدم القدرة على جمع الناس في داخل بناية مختبر أو عيادة لإجراء الأبحاث المطلوبة قد أجبر أيضًا على الابتكارات في كيفية تجنيد المشاركين من قبل الباحثين ودراستهم، كما تقول واندي بروين البروين (Wändi Bruine de Bruin) ، باحثة في علم السلوك في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وهي مشاركة  في دراسة “Understanding America Study” ، والتي قامت بشكل متكرر بإجراء مسح لحوالي 9 آلاف أسرة أمريكية ممثلة على المستوى الوطني بخصوص الأسئلة المتعلقة بالجائحة ، مثل “هل تنوي أن تأخذ اللقاح؟” و “ما مدى احتمالية أخذك إياه” و “هل تظن أنك سوف تصاب؟”.

كونها مجبرة على تطوير طرق لجمع عينات كبيرة من الناس المشاركين ممثلة على المستوى الوطني قد سمح لها ولزملائها بحشد هذه العينات على نطاق أوسع. “المرء ليس مضطرًا أن يحصر نفسه محليًا بالنسبة لجمع العينات” ، كما تقول، ولأن المشاركين ليسوا مضطرين للمجيء إلى المختبر ، جمع عينة أكثر تنوعًا بات أمرًا أكثر سهولةً. “أعتقد أن ذلك سيدفع بالعلوم الاجتماعية إلى الأمام” ، كما تقول.

كما يمكن أن تؤدي الحلول التقنية الالتفافية (workarounds) التي أثارتها الجائحة إلى تقوية العلوم. ألكساندر هولكومب (Alexander Holcombe)، باحث في علم النفس بجامعة سيدني، أستراليا، يدرس الإدراك البصري (الحاسة البصرية) ، والذي يصفه بأنه “مجال ضيق جدًا من العلوم حيث لا يقوم الناس بدراسات عليه عبر الإنترنت” قبل الجائحة.

أجبرته ممارسات التباعد الاجتماعي هو وفريقه على تعلم برمجة الكمبيوتر اللازمة من أجل عمل تجاربهم عبر الإنترنت. والنتيجة هي أنهم أصبحوا قادرين أن يحصلوا على عدد أكبر من العينات، كما يقول – وهو تحسن مهم في المنهجية.

يرى بريان نوزيك (Brian Nosek)، المدير التنفيذي لمركز العلوم المفتوحة ، وهي منظمة غير ربحية في شارلوتسفيل (Charlottesville) بولاية فيرجينيا، أن الجائحة تمثل فرصة لإعادة التفكير في بعض الأساسيات المتعلقة بكيف تجرى الدراسات العلمية. “لقد منحتنا هذه الجائحة الفرصة لنقول: حسنًا، كيف ينبغي لنا أن ننجز هذا العمل؟”، كما يقول ، إن الطرق التي يتواصل بها الناس في الحقول البحثية ويتفاعلون مع المتعاونين “تغيرت بشكل جذري”. “لا أتخيل أننا سنعود إلى الممارسات القديمة التي كانت سائدة قبل الجائحة مرة أخرى”.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://twitter.com/jayvanbavel/status/1248985539728101382?s=20
2- https://www.marikalandau-wells.com/threat-perception
3- “في علم النفس، يعتبر اتخاذ القرار العملية المعرفية الناتجة عن اختيار المعتقد أو إجراء بين العديد من الاحتمالات الممكنة. وتقدم كل عملية من عمليات اتخاذ القرار خيارًا نهائيًا، قد يفضي إلى اتخاذ إجراء والتي قد أو قد لا تحث على اتخاذ أي تصرف.   اتخاذ القرار هو عملية تحديد واختيار البدائل القائمة على القيم، التفضيلات والمعتقدات من صانع القرار. مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/اتخاذ_القرار
4- “يشير مصطلح التواصل العلمي إلى الاتصالات العامة وتقديم مواضيع علمية لغير الخبراء. وهذا غالبا يتضمن مشاركة العلماء (و يسمى “التوعية” أو “التعميم“). ولكنها تطورت أيضا في المجال المهني في حد ذاته. وهي تشمل معارض العلوم والصحافة والسياسةأو الإنتاج الإعلامي. التواصل العلمي يمكن أن يهدف إلى توليد الدعم للبحث أو الدراسة العلمية، أو لاتخاذ القرار، والتي تتضمن الفكر السياسي والأخلاقي. هناك تركيز أكبر على شرح الأساليب العلمية بدلا من الاعتماد الكلي على ما توصل له العلم. معالجة المعلومات العلمية الخاطئة لها أهمية كبيرة والتي في الغالب يمكن نشرها بسهولة لأنها لا تخضع لقيود النهج العلمي. كما من الممكن استخدام وسائل الترفيه والإقناع بما في ذلك روح الدعابة ورواية القصص والاستعارات ويقوم العلماء بالتدرب على هذه الوسائل من أجل تحسين التواصل العلمي. والتواصل العلمي (على سبيل المثال المجلات العلمية) تجعل من العلماء على تواصل ببعضهم البعض، وأيضاً التواصل مع غير العلماء” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تواصل_علمي
5- “يعد استهلاك وسائل الإعلام أو الحمية الإعلامية مجموع وسائل الإعلام المعلوماتيةوالترفيهية التي يستقبلها الفرد أو المجموعة. ويشمل أنشطة مثل التفاعل مع وسائل الإعلام الحديثة وقراءة الكتب والمجلات ومشاهدة التلفزيون والأفلام والاستماع إلى الراديو [1]. يجب أن يتمتع مستهلك وسائل الإعلام النشطة بالقدرة على الشك والحكم والتفكير الحر والاستجواب والتفاهم..” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/استهلاك_وسائل_الإعلام
6- ” العمليات الاجتماعية هي أساليب وطرق تفاعل الأفراد والجماعات مع بعضهم وكيف يتكيفون ويضبطون ويشكلون علاقاتهم وأنماط سلوكهم والتي يُعاد ضبطها مرة أخرى منخلال التفاعلات الاجتماعية“. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.yourarticlelibrary.com/sociology/social-processes-the-meaning-types-characteristics-of-social-processes/8545

المصدر الرئيس:
https://www.nature.com/articles/d41586-021-01317-z

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *