( مدخل )
يتمثل أحد الآثار الجانبية غير المعتادة لفيروس كورونا في الظهور المنتظم للأبجدية اليونانية في عناوين الصحف. لقد فرض متغير (Omicron)، السريع الانتشار، نفسه بأكثر من طريقة، فقد أدخل الأبجدية اليونانية في قسم “الأناقة” (Style) والمتابعة. ويبدو من المحتمل في هذه المرحلة المهمة من جائحة كورونا أن متحورات فيروس كوفيد-19 ستتجاوز عدد الأحرف الأربعة والعشرين في الأبجدية اليونانية. وهذا يثير عدة أسئلة، أهمها:
لماذا هذا الميل لاستخدام اللغة اليونانية للإشارة إلى الكوارث؟ و “ماذا بعد؟
ومعه برزت مشكلة لغوية أخرى مع هذا المتغير، إلا وهي طريقة نطق اسمه. هذه المقالة هي عبارة عن دمج لترجمة مقالين (انظر هامش رقم 1 وهامش رقم 4) عن الموضوع ارتأيت وضعهما في مقال واحد للفائدة.
أولًا: مسألة تسمية الفيروسات بالأبجدية اليونانية[1]
اعتمد العلماء في منظمة الصحة العالمية على الأبجدية اليونانية أثناء الوباء، لتسهيل اسمية متغيرات فيروس كورونا ولتجنب أسماء الأماكن التي يتم فيها اكتشاف المتغيرات، على سبيل المثال، تُعرف السلالة ذات التعيين الرقمي B.1.617.2، والتي تم تحديدها لأول مرة في الهند، باسم متغير دلتا (Delta variant). لكن الوباء مرشح أن (يهدد) يستنفذ الحروف اليونانية في أي وقت من الأوقات. فمع أوميكرون (ο) ، فقد وصلنا بالفعل إلى أكثر من منتصف هذه الأبجدية.
إذا بدا أن هذا يحدث بسرعة كبيرة، فذلك لأن العلماء تخطوا بعض الحروف. وصلوا إلى mu (μ)، التي يقع في المنتصف تمامًا، ثم تركو nu، لأنه يبدو مربكة لشبهها ب: “new” ؛ لا يمكننا أن نتحدث عن نوع جديد وأسمه في ذات الوقت نو (NU). لقد تخطوا أيضًا الحرف الذي يليه، xi (ξ) (شاي)، ليس لأنه يبدو غريبًا جدًا بل لأنه مماثل للقب صيني، ولا يسع المرء إلا أن يلاحظ، لقب الرجل الذي يحكم الصين الآن[2].
بعد (omicron) يأتي pi (π) ، الحرف اليوناني الوحيد الذي يتذكره الناس من مقرر الهندسة في المدرسة الثانوية. سيبدو المتحور “Pi” كأنه حلوى بديلة في الكافتيريا (Pie). ولكن لم يتبق الكثير من الأحرف، وكلها تبدو جادة: فقط rho (ρ) ، و sigma (σ, ς) ، و (τ) tau يقف بيننا وبين إبسلون Upsilon (υ)، وهي بداية النهاية.
مثلما تقوم الأبجدية الإنجليزية بتجميع الأحرف الثلاثة – “X” و “Y” و “Z” – في النهاية، تحفظ اليونانية بعض الأحرف الخاصة جدًا في النهاية.
يتبع (Upsilon) ثلاثة أحرف لا يمكن لأي شخص الاحتفاظ بترتيبها مستقيمًا: phi (φ) و chi (χ) و psi (ψ) – أو هل هي chi و psi و phi؟ فاي على متغير فاي. قد يكون “تشي” مشكلة. إنه، بعد كل شيء ، الحرف الأول في (Christ) “المسيح” ، وقد يفسر المتعصبون “متغير تشي” chi على أنه “الرجعة” (المجيء الثاني The Second Coming). أمَّا “متغير Psi”، الذي يحاكي (sigh) (الآهة) فسيحتاج الأطباء النفسيون إلى مراجعة الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية ليعكس أعراضه.
وأخيرًا، أوميغا (ω)، التي يعرف الجميع أنها تشير إلى “النهاية”.
على الرغم من أننا ما زلنا بالقرب من منتصف الأبجدية، وإن كان ذلك على جهة المنحدر، إلا أن الناس يلاحظون أن اليونانية بها حرفان “O” أوميغا “Omega” (O الكبير) وأميكرون “Omicron” (O الصغير).
أعطتنا اليونانية micro (الصغير) microbes (الميكروبات)، و microscopes (المجاهر)، و microminis (الأشياء صغيرة الحجم).
وتظهر كلمة (Mega)، وهي كلمة يونانية تعني “كبير” ، إلى الإنجليزية في عبارات مثل: “Mega Millions”، و “Mega-risk” ، و “Megalopolis”. إذا كانت تداعيات الأوميكرون الصغيرة كارثية، فماذا نتوقع من أوميغا الكبيرة؟
قبل أن يبدأ الذعر، هناك ملاحظة حول النطق: “o صغير” و “O كبير” يشيران بشكل أقل إلى حجم وشكل الحروف المكتوبة من أصواتهم. (أوميغا هي أوميكرون بأقدام كبيرة Ω). إنها حروف العلة بقيم قصيرة وطويلة. على الرغم من عدم وجود اتفاق عالمي حول اللفظ الصحيح[3]، إن العديد من الكلاسيكيين الأمريكيين ينطقون (omicron) بحرف “o” قصير، كما في”om” ، ونطق (omega) بحرف “o” طويل مثل اللقب الأيرلندي (O’Mega).
من المحتمل في هذه المرحلة أن المتغيرات “المثيرة للاهتمام” سوف تفوق عدد الأحرف الأربعة والعشرين في الأبجدية اليونانية. ثم ماذا؟ هل سيعود العلماء إلى البداية ويعيدون استخدام الأحرف، ربما باستخدام لاحقة عددية:
Beta-2
Delta-2
Gamma-2
إلخ ….
؛؛ولكن، لأنهم قلقون بشأن الارتباك، ولأن لدينا بالفعل أوميغا-3 (أحماض أوميغا 3 الدهنية)، فقد يضطرون إلى القفز فوق الأرقام بالطريقة التي فعلوا بها على الحروف. أو ينتقلون إلى اللغة العربية؛؛
ثانيًّا: مسألة النطق الصحيح لـ “أوميكرون”[4]
بوصفه صحفيًّا، أعطيت للكاتب جيمس ويست (James West) مهمة: “اتصل ببعض العلماء واحسم مسألة كيفية نطق “omicron” في اللغة الإنجليزية، مرة وإلى الأبد”. اعتقد ويست أن هذه المهمة ستكون سهلة. تواصل مع بعض اللغويين البريطانيين والأمركيين لمحاولة التعرف على النطق الصحيح للمتحور الجديد (أوميكرون) في اللغة الإنجليزية، وكانت المفاجأة، تعددت الصيغ وساد الاختلاف.
منذ اكتشاف سلالة الفيروس التاجي الجديدة في جنوب إفريقيا، سمعت أن قراء الأخبار والمسؤولين على حدٍ سواء يستخدمون ما لا يقل عن ستة أشكال مختلفة، مع طفرات لكنية accent- inflected mutations- مزيج من “أوه” (oh’s) و”آه” (ah’s)، و “مي” (me’s) و “ماي” (my’s). وقد زاد الرئيس الأمريكي جو بايدن من الارتباك عندما قال: “omni-chron” ، مضيفًا حرفًا متناسقًا إضافيًّا “ألقى جوًا أسطوريًّا على المفردة”.
لكن سرعان ما تعثر بحثي عن النطق الصحيح في تقاطعات التقاليد الأكاديمية و “المحفوظات اللغوية” التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. أغرق كبار الكلاسيكيين صندوق الوارد الخاص بي.
لو بدأنا بجوجل (google)، سيتضح لنا، كما هو الحال في قاموس (Merriam-Webster)، أن هناك اختلافات قياسية في اللغة الإنجليزية، مفصولة بالمحيط الأطلسي. يمكنك تشغيل الناطق الصوتي لتكتشف الفروق الدقيقة في النطق. عبر المحيط الأطلسي، يبدو النطق البريطاني مثل “o” في toe “إصبع القدم” أو row “صف”: طويل ومستدير. في حين ينطق الأمريكي “o” أكثر تمددًا (مسطحًا) وأقصر، مثل pot “قدر” أو hot “حار”.
القضية لا تنتهي بهذه البساطة هنا. كلما نقرت على الصفحات أكثر، وجدت الانقسام البريطاني-الأمريكي لا يصمد. لذا هاتفت وراسلت المتخصصين في اللغة.
كانت مكالمتي الأولى لديفيد سيدر، الباحث الأمريكي (بلكنة برونكس الرائعة) أستاذ في جامعة نيويورك يدرس الشعر والفلسفة الهلنستية، والذي وجدت فيه حليفًا محبطًا بنفس القدر. رد عليّ: “لقد اتصلت بالشخص المناسب!” … كنت أقود سيارة يومًا ما، وأستمع إلى الراديو، وسمعت شخصين مختلفين في حلقتين مختلفتين يقولان: “آه ما كرون” (ah-ma-CRON)… وهذا خطأ”. سألته: “مشابه لاسم الرئيس الفرنسي؟… “آه ، ماكرون!” فأجاب: “نعم، نعم، بالضبط. انزعجت [من ذلك]”.
أعادني الدكتور سيدر إلى القرن الخامس قبل الميلاد تقريبًا حين أوضح أن الإغريق القدماء أشاروا أحيانًا إلى الحرف المفرد “o” ، مستشهدًا بأدلة من أفلاطون وآخرين. ولكن مع تطور العديد من اللهجات وأنظمة الحروف القديمة، ظهر شكلان: حرف بصوت “o” قصير وحرف بصوت “o” أطول، وهو تطور تم تتبعه في العصر اليوناني في العصور الوسطى، بعد عدة مئات من السنين.
هذا هو سبب وجود حرفين “o” في الأبجدية اليونانية، كما في “أوميكرون” (omicron) و “أوميقا” (omega). الميكرون (micron) ، كما في “المجهر” (microscope)، تعني “الصغير”، و “ميقا” (اmega)، كما في (megalomanic) “جنون العظمة” تعني كبير. حرفيًّا، إذًا، أوميكرون (omicron) تعني “o” صغير أو قصير، وأوميقا (omega) تعني “o” كبير أو طويل.
على الرغم من ذلك، يؤكد سيدر: إنها تنطق “OH-micron” ، كما في row (صف) و toe (إصبع)، مع التركيز على المقطع الأول. هذه هي الطريقة التي ينطقها الدكتور سايدر نفسه على مدى “عقود وعقود”، وكذلك زملاؤه الأكاديميون، حسب قوله. وأوضح في رسالة إلكترونية أخرى باللغة الإنجليزية، أنه من غير المنطقي أن يختصر نطق حرف o في عبارة “short-o” – ، للمعنى الحرفي لكلمة “omicron” (أوميكرون).
ازداد الأمر تعقيدًا عندما راسلت عبر البريد الإلكتروني ميريام ليونارد، التي، على الرغم من كونها أستاذة في الأدب اليوناني في جامعة كوليدج لندن، تفضل “o” الأمريكية الأقصر، مضيفة: “قضايا النطق اليوناني القديم ليست علمًا دقيقًا على الإطلاق” -يمكن التحقق من كيفية نطق الكلمة في اللغة اليونانية الحديثة، كما تُنطق اليوم- خاصة عندما نأخذ في الاعتبار اللكنة والتاريخ الشخصي.
أمَّا ناتاشا بيرشادسكي، الخبيرة في الأساطير والطقوس اليونانية القديمة، في جامعة هارفارد، تقول: “أن حدسها يتماشى مع “o طويلة”، كما في “toemicron” وليس “hotmicron” لكنها تقول مازحةً: “إن سؤال متحدث روسي أصلي عن حروف العلة الإنجليزية من شأنه أن لا تحصل على نتائج قابلة أن تكتب. وتضيف، بشكل مفيد: “عندما -أو إذا- نصل إلى chi “تشي” و phi “فاي”، يمكنني تقديم تعليقي حول الطريقة اليونانية القديمة لنطقها، مع نفخة هواء (aspiration) ، تقارب السعال إلى حد كبير”. سنتحقق مرة أخرى مع ناتاشا إذا وصلنا إلى هذا الحد في القائمة، لا سمح الله.
يفضل هاردي هانسن، أستاذ الكلاسيكيات بكلية بروكلين بجامعة مدينة نيويورك، “o” الأقصر، موضحًا، كما في (pot) أو (hot). ويضيف أن الكلام في نطق الصائت (vowel) الأصلي في اليونانية القديمة سيطول كثيرًا، ولكن، غالبًا النطق التقليدي للغة اليونانية القديمة لا يحافظ على التمييز بدقة.
ولكن بوصفي صحفي اضطررت إلى البحث في تلك الفروق. من بين العلماء السبعة الذين استشرتهم كانت هناك مجموعة من الآراء حول كيفية نطق الإغريق القدماء أنفسهم بأحرف العلة، وما هو تأثير ذلك، إن وجد، على اللغة الإنجليزية الحديثة.
على سبيل المثال، أخبرني رالف روزين، رئيس قسم الدراسات العليا في قسم الكلاسيكيات بجامعة بنسلفانيا، أن كلمة “omicron” في اليونانية القديمة كانت تُنطق باستخدام صوت قصير مثل pot (قدر) أو hot (ساخن)، مبينًا: هذا لا يعني أن نطقها مثل row “صف” خطأ، ولكن إذا كنت تريد طريقة ما لتحديد ما أفضله أنا شخصيًّا، فسأبدأ بالنطق الأصلي، ويمكنك اعتماد وتسجيل تفضيلي لصوت “o” القصير.
وينضم جوزيف هاولي، مدير الدراسات العليا وأستاذ مشارك في قسم الكلاسيكيات بجامعة كولومبيا في مجموعة القائلين بـ “o” قصيرة (Short-o Team). لقد أوضح في رسالة بريد إلكتروني: “أجد هذا مفيدًا باعتباره أمرًا تذكيريّ (mnemonic) من نوع ما… إن نطق المقطع الأول في “omicron” مثل [omcron] لا مثل [omega] مفيد لي وطلابي، أو هكذا أتخيل”.
لكن إليزابيث شارفينبيرجر، المحاضرة في جامعة كولومبيا أيضًا والمتخصصة في “الدراما الأثينية في الفترة الكلاسيكية واستقبالها في العصور اللاحقة”، ترى أن الأمر ليس بهذه السرعة، وتقول: “الفرق في النطق بين صوتيّ العلة هو، من الناحية النظرية على الأقل، اختلاف في الكمية (quantity)، أي في طول الفترة الزمنية التي يحتفظ فيها المرء بالصوت – وليس اختلاف في الكيفية/الجودة (quality)، كما في، على سبيل المثال، الفرق بين قول: toe [إصبع القدم] بسرعة كبيرة أو بإظهار صوت العلة ببطء للحصول على إيقاع (beat) زائد”.
في المقابل، يفضل سكارفينبرغر (Scharffenberger) نطق “o” الأطول باللغة الإنجليزية للصوت “o” في الفصل الدراسي، على الرغم من أنه يخالفها في الاستعمال الفعلي (في العالم الخارجي). ويضيف أن: “العادة، في النهاية، هي شيء قوي!”… وأن “اللغة، قبل أي شيء، ديناميكية وسلسة؛ فلا تبقى ثابتة (stay put)”.
تساءلت لماذا كل هذا التفاوت بين الكلاسيكيين؟ يربط هاولي هذا بطبيعة الأكاديميين أنفسهم، قائلًا: “الأكاديمية الأمريكية والأكاديمية البريطانية متلوثة ببعضها البعض، لكن كلاهما صحيح” ، “بقدر ما يشعرني بالقلق”. يوافقه هانسن (Hansen) من جامعة مدينة نيويورك (City University of New York، اختصارًا: CUNY)، والمتحمس ل صوت ال o القصير (Short-o)، قائلًا: “كثيرًا ما أسمع أوه-ميكرون oh-micron، وأعتقد أن هذا مقبول أيضًا”.
إذًا هذا هو حالنا مع “أوميكرون”، كما هو الحال مع الكثير من الأشياء في الحياة، فإن الاختيار (أو الخيار) قد لا يهم كثيرًا طالما أنك متسق أو يمكنك تحقيقه بلكنة بريطانية (British accent) أو لهجة برونكس (Bronx accent) الجميلة أو القيام بذلك بألق.
وبينما ننتظر تقارير رسمية من “الراديو الوطني العام” (National Public Radio، اختصارًا: NPR) و أسوشيتد برس العالمية (Associated Press)، النماذج المعيارية لقراء الأخبار، سيكون هناك “إرباك”، دائمًا هناك إرباك. يحذر هاولي قائلاً: “لا شك أن شخصًا آخر سيخبرك أن نطقًا واحدًا فقط هو الصحيح”. “هذا لأننا الفيلولوجيّون (فقهاء/علماء اللغة) بطبيعتنا متحذلقون، وأحيانًا نفكر أو نتصرف هكذا”.
في الختام، أوميكرون” هي: “OH-micron” في لهجتي الاسترالية. وسألتزم بذلك.
____
الهوامش:
[1] المقال الأصل والمصدر: A Linguistic Look at Omicron. What is this penchant for using Greek to designate disasters؟. على الرابط التالي: https://www.newyorker.com/culture/comma-queen/a-linguistic-look-at-omicron
[2] انظر مقال المترجم: “[2] انظر مقال المترجم: “عائلة كورونا: وتسمية أولادها”، على الرابط التالي:
https://qatifscience.com/2021/11/30//عائلة-كورونا-وتسمية-أولادها-بقلم-الدك
[3] انظر الفقرة التالية: مسألة النطق الصحيح لـ “أوميكرون”.
[4] المقال الأصل والمصدر: I Asked Seven Classics Experts How to Say “Omicron.” Come Down the Rabbit Hole With Me. على الرابط التالي: https://www.motherjones.com/media/2021/11/omicron-variant-pronunciation-classics-scholars-british-american/