كيف يفهمُ الناسُ الناسَ الآخرين – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

How people understand other people
(بقلم: جوليا ويلر – Julia Weiler)
[ترجمته من الالمانية إلى الانجليزية دوناتا زوبر – Translated by Donata Zuber]

مداخلة المهندس حسن سلمان الحاجي

قدرة الانسان على فهم وتفسير تصرفات ونوايا الآخرين مكنته من اتقان وظيفة التعلم منهم وتعليمهم، وبذلك زادت وتيرة التعلم عند الانسان، بل إن معرفة وفهم مشاعر الآخر دفعت بالإنسان كي يضبط سلوكه حسب المعايير الاجتماعية السائدة في ثقافة معينة حتى يتجنب أي مواجهة مع الآخرين أو تقل قيمته عندهم، فمشاعر الخجل وتأنيب الضمير تنبع من قدرة الانسان على الشعور بتفكير الآخرين اتجاه سلوكياته، ولذلك من شأن هذه المشاعر أن تضبط سلوك الانسان حتى يستطيع التعايش محفوظ المكانة والقيمة الاجتماعية، هناك فئة خاصة من الناس ليس لديها قدرة على قراءة أفكار ومشاعر الآخرين، مثل الذين يعانون من اضطرابات عقلية كالمشخصين بالتوحد والسايكوباتيين، ولذلك لا يشعر السيكوباتي بالندم أو الخجل، حيث لا يوجد شيء يردعه عن استغلال الآخرين سوى تطبيق القانون.

( نص الدراسة )

استراتيجية فردية ليست كافية للتعامل بنحو فعال مع التفاعلات الاجتماعية المعقدة للحياة اليومية.

مصدر الصورة: psychologicalscience.org

للتعاون أو للتنافس بنجاح مع آخرين في الحياة اليومية، تُعتبر معرفة ما يفكر فيه الآخر أو يشعر به أو يرغب فيه أمرًا مهمًا. دكتورة جوليا وولف (Julia Wolf) والدكتورة سابرينا كونينكس (Sabrina Coninx) والبروفسور ألبرت نيوين (Albert Newen) من معهد الفلسفة الثاني في جامعة الرور الالمانية (Ruhr-Universität Bochum) استكشفوا أي الاستراتيجيات يستخدمها الناس ليفهموا بها الآخرين.

منذ فترة طويلة، كان يُعتقد أن الناس يعتمدون حصريًا على استراتيجية واحدة: وهي قراءة الأفكار (mindreading) (وتدعى أيضًا بنظرية العقل (1)). هذا يعني أن الناس يستنبطون حالات الآخرين العقلية بناءً على سلوكهم فقط.  [المترجم: الحالات العقلية هي الأفكار والاعتقادات والإدراكات والمعرفة والنوايا والرغبات والمشاعر، بحسب نظرية العقل].

ومع ذلك، في التقارير الحديثة، دُفعت هذه القدرة بعيدًا عن محور الاهتمام. الفريق البحثي الذي يتخذ من بوخوم مقراً له يحاجج حاليًا أنه على الرغم من أن الناس يستخدمون عددًا من الاستراتيجيات المختلفة، إلا أن قراءة الأفكار (نظرية العقل) تلعب أيضًا دورًا مهمًا. نشر الفريق النتائج التي توصل إليها في مجلة إيركنتس “Erkenntnis” الإنترنتية في 10 نوفمبر 2021 (انظر 2).

استراتيجيات لفهم الآخرين

في السنوات الأخيرة، انتقد الباحثون قراءة الأفكار لكونها معقدة جدًا وتحتاج بأن تكون استراتيجية سائدة لفهم الآخرين. تقدم جوليا وولف مثالاً على قراءة الأفكار (نظرية العقل): “عندما أرى شخصًا يركض باتجاه الحافلة، أستدل بأن هذا الشخص لديه رغبة باللحاق بهذه الحافلة والركوب فيها”، كما تقول. “بهذا الاستدلال، يمكنني إما أن أتخيل نفسي في وضع ذلك الشخص، أو استفيد من معرفتي بالمبادئ العامة المتعلقة بسلوك الآخرين”.

ومع ذلك، من أجل التعرف على مشاعر ورغبات واحتياجات الآخرين ، قد يتخذ الناس مقاربة مختلفًة. يمكنهم أن يدركوا بشكل مباشر أن الشخص يعاني من ضغط نفسي بناءً على سمات بدنية وقرائن سياقية أخرى.

لكن يمكنهم أيضًا أن يتنبأوا بما سيفعله الشخص في الخطوة التالية بناءً على القواعد السلوكية المكتسبة، دون الحاجة إلى استنباط حالته العقلية ونسبتها له. [المترجم: نظرية العقل تسمح بنسبة الأفكار والرغبات والنوايا للآخرين والتنبؤ بأفعالهم أو تفسيرها وافتراض نواياهم، وبذلك تُمكِّن المرء من فهم أن الحالات العقلية يمكن أن تكون سببًا – وبالتالي تُستخدم لتفسير سلوك الآخرين والتنبؤ بها، بحسب 3].

“عندما يركب شخص في الحافلة، أستطيع أن أتوقع أنه سُيري تذكرة الإركاب للسائق عند مدخل الحافلة دون التفكير فيما بعثه على ذلك الفعل” ، كما قالت سابرينا كونينكس (Sabrina Coninx).

يدمج الناس بين استراتيجيات مختلفة

في هذه الأيام يفترض الباحثون أن الناس يدمجون عدة استراتيجيات لفهم الآخرين. “ونحن هنا نحاجج (ندعم بالأدلة) بأن قراءة الأفكار (نظرية العقل) هي أكثر من مجرد استراتيجية مساندة غير موثوقة ونادرًا ما تُستخدم في هذا السياق – فهي تلعب دورًا رئيسًا في الإدراك الاجتماعي (4)” ،  كما يلخِّص ألبرت نيوين النتائج. حدد المؤلفون ثلاثة معايير يمكن استخدامها لاختبار أهمية قراءة الأفكار (نظرية العقل): وتيرة استخدامها ومدى أهميتها ومدى موثوقيتها.

على الرغم من أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث التجريبي للإجابة على السؤال عن وتيرة استخدامها، يعتقد الفريق الذي يتخذ بوخوم مقرًا لعمله أن هناك أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن قراءة الأفكار أمر جوهري للفهم الاجتماعي [المترجم: الفهم الاجتماعي هي المهارات التي تسمح للناس بفهم واستنتاج حالتهم العقلية والحالة العقلية للآخرين ، كالنوايا والرغبات والمشاعر، بحسب 5].

توضح جوليا وولف: “تمكننا قراءة الأفكار (نظرية العقل) من تطوير فهم الشخص للآخرين بما يتجاوز ما هو موجود في الوقت الحاضر”. “تلعب نظرية العقل دورًا مهمًا في بناء علاقات طويلة الأمد والحفاظ عليها”.

علاوة على ذلك، لا يرى الباحثون أي سبب لافتراض أن قراءة الأفكار أقل موثوقية من الاستراتيجيات الأخرى. “جميع الاستراتيجيات لها موثوقية محدودة”. لا يمكن أن ينجح الإدراك الاجتماعي (4) إلا من خلال الدمج بين هذه الاستراتجيات ، كما تقول سابرينا كونينكس.

لذلك تقترح المجموعة التي تتخذ من بوخوم مقراً لها أنه لا ينبغي النظر إلى الإدراك الاجتماعي من منظور الاستراتيجيات المتضاربة. تفترض المجموعة البحثية أن الاستراتيجيات تتفاعل وتدعم بعضها بعضًا، ويمكن دمجها بمرونة لتناسب الوضع الراهن.

مصادر من داخل وخارج النص:

1- “في علم النفس، تُعتبر نظرية العقل (Theory of Mind) (وباختصار ToM) أحد فروع العلوم الإدراكية (الاستعرافية) وتتمثل بالقدرة على تمييز أو التنبؤ بما سيفعله الشخص نفسه أو أشخاص آخرون وفهم أن للناس الآخرين معتقدات ونوايا ورغبات وآراء مختلفة.  بمعنى آخر، نظرية العقل هي المقدرة على تفسير أو توقع أفعال شخص آخر بشكل تلقائي وإدراك أنها تختلف عن أفعال الشخص نفسه، ويمكن أن يتصور الشخص نفسه في “مكان شخص آخر” لفهم والتنبؤ بأحاسيسه وأفعالهم. تعتبر هذه النظرية جوهرية للحياة اليومية الاجتماعية البشرية إذ أنها أساسية لفهم وإدراك وتحليل واستنتاج سلوكيات وتصرفات الآخرين، وتعتبر نظرية العقل مناقضة تماماً للعمى العقلي، حيث أن العمى العقلي هو اضطراب يكمن في عدم المقدرة على فعل ما تتضمنه نظرية العقل من أفعال”.  مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.m.wikipedia.org/wiki/نظرية_العقل

2- https://link.springer.com/article/10.1007%2Fs10670-021-00486-7

3- https://en.wikipedia.org/wiki/Theory_of_mind

4- “الإدراك الاجتماعي (Social Cognition) هو تشفير المعلومات وتخزينها واسترجاعها ومعالجتها في الدماغ، ويرتبط بـالمناوع (أفراد النوع نفسه). وفي وقت ما، أشار الإدراك الاجتماعي بشكل خاص إلى أحد مناهج علم النفس الاجتماعي حيث تمت دراسة هذه العمليات وفقًا لأساليب علم النفس المعرفي ونظرية معالجة المعلومات. ومع ذلك، أصبح المصطلح يستخدم على نطاق أوسع في علم النفس وعلم الأعصاب المعرفي. على سبيل المثال، يستخدم للإشارة إلى العديد من القدرات الاجتماعية التي تُعطل في حالة التوحد وغيرها من الاضطرابات. وفي علم الأعصاب المعرفي، يتم بحث الأساس البيولوجي للإدراك الاجتماعي. ويقوم علماء نفس النمو بدراسة تطور قدرات الإدراك الاجتماعي” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: . https://ar.wikipedia.org/wiki/استعراف_اجتماعي

5- http://www.investigacion-psicopedagogica.org/revista/articulos/21/english/Art_21_428.pdf

المصدر الرئيس:

https://news.rub.de/english/press-releases/2021-11-22-philosophy-how-people-understand-other-people

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *