Standard Arabic is on the decline: Here’s what’s worrying about that
(بقلم: حسام أبو زهر مؤسس مشروع اللغة العربية الحية* – Hossam Abouzahr)
يحذر الكثيرون من أن اللغة العربية الفصحى ، أو العربية الفصحى الحديثة (MSA)، آخذة في التراجع، وهناك من هو سعيد في أن يراها كذلك. ولكن من المهم ملاحظة العوامل التي أدت إلى هذا التراجع وما يعنيه ذلك بالنسبة للمنطقة كلها.
غالبًا ما يرى العرب تراجع اللغة العربية الفصحى على أنه اخفاق من جانب الدول العربية في الحفاظ على تراث اللغة العربية، لغة القرآن والإسلام. على الرغم من أن البعض يسعد بتقوية اللهجات المحلية (العامية)، أو ما يسمى باللغة المحكية (العامية)، كأمارة على اكتساب الهويات المحلية مكانة بارزة لها، فإن انكفاء اللغة العربية الفصحى هو في الواقع نذير على تداعي البنية التحتية الاجتماعية وتراجع الانظمة التعليمية.
قبل أن نتعمق في هذا الموضوع، يجدر بنا أن نسأل عما إذا كانت العربية الفصحى في حالة تراجع بالفعل. لسوء الحظ ، لا توجد إحصائيات واضحة بطريقة أو بأخرى، وما ينظر اليه الناس هو في العموم مؤشرات فردية. تُستخدم العربية الفصحى عادةً في وسائل الإعلام العربية وفي المناسبات الرسمية، كالخطب السياسية والمواعظ والنصوص الدينية ، والأدب. عندما يتحدث الناس عن تراجع اللغة العربية الفصحى، فإنهم يشيرون عمومًا إلى تراجع الأدب ومعرفة القراءة والكتابة (محو الأمية) وتنامي الميول لاستخدام اللهجات المحلية أو اللغات الأجنبية بدلاً من العربية الفصحى.
الاقتصاديات المتضعضعة والحروب ، والرقابة على المطبوعات تعتبر عوامل رئيسة تدفع بتراجع العربية الفصحى. معدلات محو الأمية في الشرق الأوسط آخذة في الارتفاع، باستثناء العراق في السنوات الأخيرة (وربما سوريا أيضًا، لو أمكن من جمع البيانات الإحصائية من هذا البلد الذي مزقته الحرب)، لكن الاحصائيات قد تكون مضللة.
غالبًا ما تنظر الإحصائيات فقط إلى معرفة القراءة والكتابة الوظيفية (2) ، أو القدرة على فهم “عبارة قصيرة وبسيطة عن الحياة اليومية للمرء”. كما أنها تستند إلى الدراسات الاستقصائية التي تستخدم مقياسًا ثنائيًا [وهي المقاييس التي تفترض واحدة من قيمتين محتملتين، كـ نعم / لا، أو صح / خطأ] للمتعلمين (الذين يعرفون القراءة والكتابة) مقابل غير المتعلمين (الأميين) ، حيث يُطلب من الذين تمت مقابلتهم الإجابة بأنفسهم (وبالتالي لا بد أن يكون لديهم تحيز الاختيار الذاتي – وهو اختيار الشخص نفسه ليكون ضمن العينة التي تجرى عليها عمليه الاحصاء (3)) عن الاجابة عن مستواهم.
في حين لم تعرض عليهم أسئلة ذات مستويات مختلفة لمعرفة القراءة والكتابة، أو مجموعات مهارات مختلفة، مثل القدرة على كتابة نص أو التفاعل مع نص بحيث يمكن الربط بين النص وأمور الحياة الشخصية (4) ، أو مجرد قراءة سلبية [أي قراءة بلا استيعاب للنص، 5].
إذن ، لا يعتبر من التناقض أن نقول إن معرفة القراءة والكتابة الوظيفية آخذة في التنامي ، ولكن امكانية استخدام اللغة العربية الفصحى – مثل الأدب والنصوص الأكاديمية المتقدمة – آخذة في التراجع. العالم العربي ينشر حاليًا فقط ما بين 15 ألف و 18 ألف كتاب سنويًا ، أي ما تنشره دار بنجوين للنشر الأمريكية (Penguin Random House) بمفردها (6).
كانت مصر في يوم من الأيام أكبر ناشرًا للكتب حيث يتراوح ما تنشره ما بين 7 آلاف و 9 آلاف كتاب سنويًا. على الرغم من أن منشوراتها كانت في ارتفاع في السابق، إلا أنه انخفض بنسبة هائلة بلغت 70 في المائة بعد ثورة 2011 ، واعتبارًا من عام 2016 هناك “بعض بوادر الانتعاش في معدل النشر”. عدد الكتب التي تترجمها اليونان إلى اليونانية يبلغ خمسة أضعاف عدد ما تترجمه كل الدول العربية الـ 22 مجتمعة. عبد الفتاح كيليطو (Abdelfattah Kilito)، كاتب وناقد أدبي مغربي ، قال إن طلاب الماجستير “لا يقرؤون أي شيء على الإطلاق” (7).
مراكز العالم العربية الرئيسة، وخاصة مصر ولبنان وسوريا والعراق ، كلها تعاني. تكتب نيغار عزمي ، مسؤولة تحرير بايدون (Negar Azmi, the senior editor of Bidoun)، “في عهد الرئيس السابق ، كان المشهد الأدبي المصري متعثرًا”. دفعت الرقابة على المطبوعات بالمثقفين [بالكتابة / بالنشر في / بالنزوح إلى] الخارج ، مثل المفكر المصري نصر حامد أبو زيد، الأستاذ بجامعة القاهرة الذي كتب عن الدين. أعلنت المحكمة أن أبو زيد مرتد وطلقت منه زوجته (بما أن الرجل غير المسلم لا يمكن أن يتزوج امرأة مسلمة في مصر). التهديدات اللاحقة بالقتل أدت به في النهاية هو وزوجته إلى طلب اللجوء في هولندا.
حتى لو لم يُحظر الكتاب رسميًا، فقد يتعذر الوصول إليه بطرق أخرى ، كعدم وجود ناشر يطبعه وينشره . بعد أن سألت في العديد من المكتبات في مصر عن رواية “لبن العصفور” للكاتب محمد يوسف القعيد، وهي رواية مكتوبة بالعامية المصرية، قيل لي إنها لم تُحظر ولكن لا تعرضها المكتبات لأنها مثيرة للجدل.
عانت كل من سوريا والعراق من حروب. سوريا، التي كانت تشتهر بأكاديميتها العربية لدراسة اللغة وتطويرها، فضلاً عن حقيقة أن نظامها التعليمي بالكامل حتى نهاية المرحلة الجامعية باللغة العربية ، متعثرة حاليًا. اللاجئون وجدوا أنفسهم في دول لا تستخدم اللغة العربية في التعليم. حتى لبنان المجاورة تستخدم الإنجليزية والفرنسية في نظامها التعليمي.
أدى تضافر هذه العوامل أيضًا إلى اضعاف قوة الطبقات المتعلمة – أولئك الذين يقرؤون ويكتبون باللغة العربية الفصحى – في الدول العربية. غالبًا ما تتحدث الطبقات المتعلمة ، أو على الأقل تستطيع التحدث عند الحاجة ، بشكل من أشكال اللغة العربية التي يتكلم بها المثقفون ، ما أسماها استاذ اللسانيات المصري سعيد بدوي “لغة المثقفين العامية” لكونها أقرب إلى اللغة العربية الفصحى من كلام الناس الأميين (العوام).
ضمن حركة هجرة الأدمغة المعروفة، أولئك القادرون على التحدث بالفصحى يهاجرون إلى الخارج إما لتجنب ويلات الحروب أو للعثور على وظائف عمل أو لتأمين مستقبل أطفالهم. حتى أولئك الذين لا يتركون أوطانهم يفضلون اللغات الأجنبية على العربية الفصحى. فهم يعتبرون اللغات الأجنبية أكثر عملية ولها بريستيج ومن المحتمل أن تضمن لهم وظيفة عمل. غالبًا ما يتحدث الشباب في جميع أنحاء المنطقة بلغات أجنبية بالكامل ولا يرتاحون بالتحدث باللغة العربية الفصحى.
أفادت جامعة نورث وسترن في قطر مؤخرًا أن معظم طلابها ليسوا ضالعين بدرجة كافية في اللغة العربية الفصحى ليتمكنوا من الظهور على قناة تلفزيونية. وبحسب ما ورد يتحدث شباب الخليج العربي باللغة الإنجليزية أكثر من العربية في بيوتهم.
العربية الفصحى تعاني أيضًا بسبب نظرة العرب إليها. بينما يُنظر إلى العربية الفصحى غالبًا على أنها تستخدم في المناسبات الرسمية (وفي الواقع تسمى أحيانًا باللغة العربية الرسمية) ، كما تدل على ذلك القرائن. مع هجرة الطبقات المتعلمة ، أصبحت اللغة العربية الفصحى مقصورة أكثر وأكثر على السياقات السياسية والدينية. الأدب مادة ثقيلة بشكل عام.
هناك القليل من الكتب الخفيفة مثل “الكتب التي تقرأ على الشواطيء” أو المثير من أشكال الأدب الترفيهية مثل الروايات المصورة المنشورة باللغة العربية (الفصحى أو العامية). في المقابل ، فإن أشهر البرامج التلفزيونية والأفلام تُنتج باللهجات العامية. اللهجات تهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من استخدامها الفصحى أيضًا.
ومن المثير للاهتمام، أنه كانت هناك بعض الجهود لتفعيل اللغة العربية الفصحى ، ولكن في مواجهة الاقتصاديات المتضعضعة والحروب والرقابة على المطبوعات، فمن غير المرجح أن تكون هذه الجهود كافية لإنتشال اللغة العربية الفصحى. بعض أفلام ديزني مدبلجة باللغة الفصحى بدلًا من أن تكون باللهجة المصرية، وهذه الأخيرة كانت تُستخدم غالبًا حتى تكون الأفلام مفهومة من قبل الأطفال.
بعض الروايات المصورة تُنشر أيضًا باللغة العربية الفصحى. ومع ذلك، فإن هذه المنتجات تعاني من وجود عوائق تحول دون الوصول اليها والاستفادة منها، لذلك من غير الواضح ما إذا كانت ستكون مستدامة (مربحة) من الناحية المالية على المدى الطويل. على سبيل المثال، همفري ديفيز (Humphrey Davies)، المعروف بترجمته لكتب الأدب العربي، يقول إنه بينما حققت الروايات المصورة والقصص المصورة نجاحًا هائلاً منذ ثورة 2011 في مصر (8)، فإنها كثيرًا ما تخضع للرقابة على المطبوعات بسبب فورية “مؤثراتها البصرية”.
بشكل عام، تُظهر دول الخليج العربي وعيًا متناميًا بحقيقة أن الاهتمام بالفصحى العربية غير موجود ولكنها لم تقترح حلولًا واقعية. ومن المفارقات الغريبة، فإن الكثير من وسائط الإعلام (سواء أكانت مقالات أو مقاطع فيديو) التي تتحدث عن تراجع اللغة العربية الفصحى منشورة باللغة الإنجليزية. كانت هناك أيضًا دراسات تبحث في كيف يمكن تحسين تعليم اللغة العربية (9) ، لكنها تتطلب تغييرات اجتماعية وبيروقراطية هائلة والتي ببساطة لا يمكن تطبيقها بسرعة وبسهولة.
تراجع اللغة العربية الفصحى لا بد أن يكون مصدر قلق لصانعي السياسات. وتراجع الطبقات المتعلمة واخفاق الحكومات العربية انعكس سلبًا على وضع أنظمة تعليمية تلبي احتياجات مواطنيها. على الرغم من أن البعض يحتفي بالاستخدام الواسع النطاق للكلمات العامية في وسائل التواصل الاجتماعي (10) ، كأمارة على انتصار الهويات المحلية على الهويات “الشمولية” المفروضة، إلا أنه يجب التعامل مع ذلك بحذر.
الهويات المحلية ليست بالضرورة هويات وطنية ، لكنها غالبًا ما تكون شبيهة بها، لذا بدلاً من أن تبرز تماسكًا وطنيًا قويًا، فإنها تُبرز اخفاق تلك الدول في العمل على توحيد مواطنيها.
حتى لو تصدرت اللهجات ووصلت إلى مرتبة اللغة الوطنية الرسمية – وهي نتيجة غير مرجحة بالنظر إلى المكانة المرموقة التي يوليها العرب للعربية الفصحى – ستبرز صعوبات أخرى. اللهجات العامية لم تعمل مطلقًا على تطوير مفردات تقنية بالطريقة التي تعمل اللغة العربية الفصحى على تطوير تلك المفردات ، وسيتعين مراجعة أنظمة التعليم بالكامل للتعليم باللهجات.
السردية قاتمة، لكن هذا لا يعني أن الوضع ميؤوس منه. في الماضي، عندما كانت اقتصاداتها أقوى ، كانت الدول العربية قادرة على تطوير طبقة متعلمة لم تجد مشكلة في استخدام اللغة العربية الفصحى. ولكن ، بدون الاستثمار في مواطنيها وبدون بذل جهود متضافرة لتغيير مفهومهم وانطبعاتهم عن اللغة العربية وبدون مراجعة أنظمتها التعليمية لتحسين التجسير بين العربية الفصحى واللهجات المحلية ، فمن المرجح أن نستمر في رؤية تراجع في اللغة العربية الفصحى ، مما يعكس تراجعًا أوسع في اللغة العربية في المنطقة كلها.
مصادر من خارج النص:
1- “اللغة العربية الفصحى الحديثة أو اللغة العربية المعيارية الحديثة أو اللغة العربية القياسية الحديثة أو فصحى العصر هي اللغة العربية الفصحى المستخدمة في عالم الإعلام والمحتوى العربي اليوم، وهي تمثل تطوراً لغوياً طبيعياً عن فصحى التراث التي استخدمت في الجاهلية وعصر صدر الإسلام. وتعكس الفروقات اللغوية بين فصحى التراث وفصحى العصر استجابة اللغة العربية لمتطلبات العصر الحديث في التواصل والإعلام. وعلى الرغم من أهمية هذه الفروقات وتأثيرها على جوانب اللغة جميعاً، بما يشمل النحو والمصطلحات والصوتيات (وخصوصاً في مجال الحركات والتشكيل)، وعلامات الترقيم، إلى جانب الفروقات الأساسية في أسلوب الكتابة الرسمية والأدبية، وظهور فنون كتابية جديدة لم تكن معروفة خلال فترة فصحى التراث، إلا أن هذه الفروقات لم تلقَ بعد ما تستحق من الدراسة والبحث من المتخصصين اللغويين العرب”، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/اللغة_العربية_الفصحى_الحديثة
2- “يشير محو الأمية الوظيفية (functional literacy) إلى مجموعة المهارات العملية اللازمة للقراءة والكتابة والرياضيات الضرورية لأغراض الحياة العملية ، حتى يتمكن الناس من العمل بفعالية في مجتمعاتهم”، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://mindfultechnics.com/what-is-functional-literacy/
3- https://en.wikipedia.org/wiki/Self-selection_bias
4- https://education.nsw.gov.au/teaching-and-learning/curriculum/key-learning-areas/english/ES1S3/professional-learning/engaging-personally-with-texts
5- https://www.theclassroom.com/difference-between-active-passive-reading-34371.html
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/دار_بنجوين_للنشر
7- https://www.hespress.com/عبد-الفتاح-كيليطو-الطلبة-لا-يقرؤون-424037.html
8- https://www.nytimes.com/2011/09/11/books/review/what-do-egypts-writers-do-now.html
9- https://www.academia.edu/34974133/Improving_Arab_Students_Academic_Achievement_The_Crucial_Role_of_Rapid_Reading_and_Grammar_Mastery_in_the_Early_Grade
10- https://www.theguardian.com/commentisfree/2018/apr/18/lets-banish-the-term-arab-world-what-does-it-mean-anyway
المصدر الرئيس:
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/standard-arabic-is-on-the-decline-here-s-what-s-worrying-about-that/
*رابط موقع مشروع اللغة العربية الحية الذي أسسه حسام ابو زهرة: Living Arabic Project
من الغريب أن يكتب هذا الموضوع المهم عن اللغة العربية بلغة أجنبية ثم يترجم الى اللغة العربية. دليل واضح على ما وصل اليه الحال.
للأسف هذا هو الحال ، الكثير من الكتاب العرب يكتبون بلغة غيرهم لسبب او لآخر . شكرا لكم استاذنا على هذه الالتفاتة