Psychologists Are Learning What Religion Has Known for Years
(بقلم: ديفيد ديستينو – David DeSteno)
في كتابه الصادر مؤخرًا “كيف يعمل الإله: العلم وراء فوائد الدين” (How God Works: The Science Behind the Benefits of Relgion)، عن طريق دار النشر سايمون و شوستر (Simon & Schuster, Inc.)، 14سيبتمبر 2021م، يقول ديفيد ديستينو (David DeSteno) عندما يتعلق الأمر بإيجاد طرق لمساعدة الناس على التعامل مع تحديات الحياة، سيكون من الغريب لو لم يكن للفكر الديني ما يقدمه بعد آلاف السنين، لكنه سرعان ما يؤكد على أن علماء الإنسانيات، خاصة في علم الاجتماع وعلم النفس، الذين يبحثون عما يمكن أن يفعله البشر لتحسين نوعية حياتهم، قد توصلوا إلى النتائج التي تعكس ما أتقنته “الممارسات الدينية” منذ قرون.
على الرغم من أنني نشأت كاثوليكيًّا، إلا أنني لم أكن أهتم كثيرًا بالدين في معظم حياتي كشخص بالغ. مثل العديد من العلماء، افترضت أنها مبنية على رأي أو تخمين أو حتى أمل، وبالتالي فهي غير ذات صلة بعملي. يدير هذا المشروع مختبرٌ لعلم النفس يركز على إيجاد طرق لتحسين الحالة البشرية، باستخدام أدوات العلم لتطوير تقنيات يمكن أن تساعد الناس على مواجهة التحديات التي تواجههم في حياتهم، لكن في العشرين عامًا التي انقضت منذ أن بدأت هذا العمل، أدركت أن الكثير مما يجده علماء النفس وعلماء الأعصاب حول كيفية تغيير معتقدات الناس ومشاعرهم وسلوكياتهم، وكيفية دعمهم عندما يحزنون، وكيفية مساعدتهم على أن يكونوا أكثر أخلاقيًّا، وكيفية تحقيق التواصل والسعادة، هو ترديد للأفكار والتقنيات التي استخدمتها الأديان منذ آلاف السنين.
غالبًا ما كان العلم والدين على خلاف، ولكن إذا أبعدنا “اللاهوت” (الآراء حول طبيعة الإله، وخلق الكون، وما شابه) من الممارسة اليومية للإيمان الديني، فإن العداء في النقاش بين العلم والدين يضمحل، في حين ما يبقى لنا هو سلسلة من الطقوس والعادات والمشاعر، التي هي في حد ذاتها نتائج تجارب من نوع ما. على مدى آلاف السنين، أدت هذه التجارب، التي تم إجراؤها في وسط حياتي فوضوي بدل من المعامل المحكمة، إلى تصميم ما يمكن أن نطلق عليه “التقنيات الروحية” (الأدوات والعمليات التي تهدف إلى تهدئة أو تحريك أو إقناع أو تعديل العقل/الروح أو النفس). وقد كشفت دراسة عن هذه التقنيات أن أجزاء معينة من الممارسات الدينية، حتى عند إخراجها من السياق الروحي، قادرة على التأثير على عقول الناس بالطرق القابلة للقياس التي يبحث عنها علماء النفس في كثير من الأحيان.
على سبيل المثال، وجدنا في المختبر الذي أديره أنا بنفسي، أن جعل الناس يمارسون التأمل على الطريقة البوذية لفترة قصيرة يجعلهم أكثر لطفًا. بعد ثمانية أسابيع فقط من الدراسة مع مدرب بوذي، ساعد 50 بالمئة من أولئك الذين قمنا بتعيينهم عشوائيًا للتأمل بشكل عفوي في شخص غريب يعاني (بسبب إعاقة)، مقابل 16 في المئة فقط تعاطفوا من أولئك الذين لم يتدربوا على التأمل. (في الواقع، كان هذا الشخض الغريب ممثلًا قمنا بتوظيفه لاستخدام العكازات وارتداء قدم صناعية قابل للإزالة أثناء محاولة الجلوس على مقعد في مكان مزدحم). اللافت في النائج أن “شعور الرحمة” لم يكن مقصورًا على “الغرباء” (strangers)؛ بل كان حتى مع الأعداء والخصوم (enemies). وأظهرت دراسة أخرى أنه بعد ثلاثة أسابيع من “التأمل”، امتنع معظم الناس عن الانتقام ممن أهانهم، مقابل الغالبية الناس الذين لم يمارسوا “التأمل”. بمجرد أن لاحظنا هذه التأثيرات العميقة، بدأنا في البحث عن روابط أخرى بين بحثنا السابق والطقوس الدينية الموجودة.
على سبيل المثال، “الامتنان” (Gratitude)، وهو أمر درسناه عن كثب، هو عنصر أساسي في العديد من الممارسات الدينية. غالبًا ما يرتل المسيحيُّون (صلاة) قبل الأكل في وجبة الطعام؛ ويشكر اليهود الله بـ “صلاة” كل يوم عند الاستيقاظ. عندما درسنا فعل الشكر (هذا)، حتى في سياق علماني، وجدنا أنه يجعل الناس أكثر فضلًا (أي أقرب للفضيلة). في دراسة عن إمكانية الحصول على المزيد من المال عن طريق الكذب، أقرَّ الغالبية من الناس (53 بالمئة) أنهم مارسوا الخداع والخديعة. لكن هذا الرقم انخفض بشكل كبير عند الأشخاص الذين طلبنا منهم أولًا حساب “بركاتهم” [من أفعالهم]. من بين هؤلاء، اختار 27 بالمئة فقط الكذب. لقد وجدنا أيضًا أنه عند الشعور بالامتنان لشخص ما (person) أو للقدر (fate) أو الإله (God)، يصبح الناس أكثر نفعًا وأكثر كرمًا وحتى أكثر صبرًا.
والجدير بالاهتمام هو: حتى الأعمال البسيطة جدًا (مثل التحرك معًا في الوقت المناسب) يمكن أن يكون لها تأثير كبير على العقل، ومفعول التزامن موجود في كل دين في جميع أنحاء العالم تقريبًا. على سبيل المثال، غالبًا ما يهتف البوذيُّون والهندوس معًا في الصلاة؛ يركع المسيحيون والمسلمون بانتظام ويقفون في انسجام تام أثناء العبادة؛ غالبًا ما يتأرجح اليهود عند تلاوة الصلوات معًا. هذه الأفعال “الجماعية” ليست مجرد طقوس لخلق اتصال وتواصل ماورائي. لمعرفة كيفية عملها، طلبنا من مجموعات ثنائية من الغرباء الجلوس على طاولة مع بعضهما بعضًا، ووضع سماعات الرأس، ثم النقر على جهاز استشعار على الطاولة أمامهم في كل مرة يسمعون فيها نغمة. بالنسبة لبعض هؤلاء الأزواج، تطابق تسلسل النغمات، مما يعني أنهم ينقرون بأيديهم في انسجام ثنائي تام. بالنسبة للآخرين، كانت عشوائية، مما يعني أن حركات اليد لن تكن متزامنة. بعد ذلك، أنشأنا موقفًا يَعَلُقَ عضوٌ واحد من كل زوج في مهمة صعبة. لم يكتف أولئك الذين كانوا يحركون أيديهم في انسجام تام بالإبلاغ عن شعورهم بمزيد من الارتباط والتعاطف مع شريكهم الذي كان يعاني لحظتها، بل قرر 50 بالمئة منهم مد يد العون للشريك، وهي زيادة كبيرة على نسبة 18 بالمئة ممن قرروا المساعدة في الثنائيات التي كانت “المزامنة” غائبة أو ضعيفة.
تتراكم الآثار لعناصر بسيطة مثل هذه – تلك التي تغير كيف نشعر، وما نؤمن به، ومن يمكننا الاعتماد عليه – بمرور الوقت. وعندما يتم تضمينها في الممارسات الدينية، أظهرت الأبحاث أنه يمكن أن يكون لديها “خصائص وقائية” من نوع ما أيضًا. إن المشاركة الجماعية المنتظمة في الممارسات الدينية تقلل من القلق والاكتئاب، وتزيد من الصحة البدنية والنفسية، بل وتقلل من خطر الموت المبكر. والجدير ذكره هو أن هذه الفوائد (ببساطة) لا تأتي من التواجد الجماعي العادي أو العام. هناك سر في الممارسات الروحية نفسها.
يمكن للطرق التي تؤدى بها هذه الممارسات (بأجسادنا وعقولنا) أن تعزز البهجة وتقلل من آلام الحياة. تتضمن أجزاء من “طقوس الحِداد” (mourning rituals) الدينية عناصرًا وجد العلم مؤخرًا أنها تقلل من الحزن، كما تحتوي طقوس الشفاء (healing rituals) على عناصر يمكن أن تساعد أجسامنا على شفاء نفسها بسهولة عن طريق تعزيز توقعاتنا من العلاج.
لم تجد الأديان هذه الإجراءات والإشارات النفسية قبل وقت طويل من وصول العلماء لها، ولكن غالبًا ما جمعتها معًا بطرق معقدة يمكن للمجتمع العلمي دراستها والتعلم منها.
أتت المفاجأة التي شعرت بها أنا وزملائي عندما رأينا دليلًا في فوائد الدين علامة على “غطرسة العلماء”، التي ولدت من فكرة مشتركة بين العلماء: “الدين كله خرافة”، وبالتالي، فائدته العملية قليلة، إن وجدت. سأعترف بأنه من غير المحتمل أن نتعلم الكثير عن طبيعة الكون أو بيولوجيا المرض من الدين. ولكن عندما يتعلق الأمر بإيجاد طرق لمساعدة الناس على التعامل مع القضايا المتعلقة بالولادة والموت والأخلاق والمعنى والحزن والخسارة، فسيكون من الغريب أن لا نجد في الفكر الديني الممتد آلاف السنين ما يقدمه [للإنسانية].
أثناء السنوات القليلة الماضية، عندما ألقيت نظرة على نتائج دراساتي ودراسات الباحثين الآخرين، جئت لأرى علاقة دقيقة بين العلم والدين. أنا أراها الآن على أنهما طريقتان لتحسين حياة الناس يكمل كل منهما الآخر في كثير من الأحيان. ليس الأمر أنني وجدت الإيمان فجأة أو لدي أجندة جديدة للدفاع عن الدين. أعتقد اعتقادًا راسخًا أن المنهج العلمي هو إعجاز مذهل، ويقدم أحد أفضل الطرق لاختبار الأفكار حول كيفية عمل العالم [وحركته]. مثل أي عَالِم محايد، أنا ببساطة أتابع البيانات دون تحيز، وأقولها بتواضع.
بدلًا من الاستهزاء بالدين وبدء الدراسات النفسية من الصفر، يجب علينا نحن العلماء أن ندرس الطقوس والممارسات الروحية لفهم تأثيرها، وعند الاقتضاء، إنشاء تقنيات وعلاجات جديدة مستنيرة منها. القيام بذلك لا يتطلب قبول لاهوت معين – فقط عقل متفتح وموقف من الاحترام. عدم القيام بذلك خيانة لمبادئنا [العلمية]. إذا تجاهلنا ذلك الكم من المعرفة، وإذا رفضنا أخذ هذه التقنيات الروحية على محمل الجد كمصدر للأفكار والإلهام للدراسة، فإننا نبطئ تقدم العلم نفسه ونحد من قدرته على إفادة البشرية. من خلال الحوار عبر ما لا يفرقنا عادة (العلم مقابل الدين، دين مقابل دين آخر) سنجد طرقًا جديدة لجعل الحياة أفضل.
الخلاصة
“الدين” يعلم عن النفس البشرية قبل العلم بسنوات طويلة. بحث علماء الاجتماع والنفس عما يمكن أن يفعله البشر لتحسين نوعية حياتهم، والنتائج التي توصلوا إليها متماثلة مع ما أتقنته الممارسات الدينية قبلها منذ قرون.
_____
الهوامش
(1) انظر: المقال والرابط.David DeSteno, Psychologists Are Learning What Religion Has Known for Years. (https://www.wired.com/story/psychologists-religion-how-god-works/)
(2) تتبعت الدراسات التي أشار إليها المقال في روابط (tags)، فوجدتها تؤكد ما ذهب إليه الكاتب، واختصارًا للوقت والجهد فضلت عدم عرضها أو عرض تفاصيلها، وقد يكون ذلك في مقال منفصل أفضل (المترجم).