Behavioral economics, explained
(إعداد: آن يون – Ann Yun)
“جامعة شيكاغو”
علم الاقتصاد السلوكي يدمج بين أسس الاقتصاد وعلم النفس حتى يُفهم كيف ولماذا يتصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها في العالم الحقيقي (على أرض الواقع). وهو يختلف عن الاقتصاد الكلاسيكي المحدث (neoclassical) (انظر 1) الذي يفترض أن معظم الناس لديهم تفضيلات محددة تحديدًا جيدًا ويتخذون قرارات مستنيرة ونفعية بناءً على تلك التفضيلات.
علم الاقتصاد السلوكي، الذي تشكل من خلال العمل الميداني الذي قام به الباحث ريتشارد ثيلر (Richard Thaler) من جامعة شيكاغو والحائز على جائزة نوبل، يبحث في الاختلافات بين “ما ينبغي” للناس فعله وما هم يفعلونه في الواقع والآثار المترتبة على تلك الأفعال.
ما هو علم الاقتصاد السلوكي؟
يرتكز علم الاقتصاد السلوكي على الرصد / الملاحظة التجريبية لسلوك الانسان، والذي أثبت أن الناس لا يتخذون دائمًا ما يعتبره الاقتصاديون الكلاسيكيون الجدد (neoclassical) القرار “العقلاني” أو “الأمثل”، حتى لو كان لديهم معلومات وأدوات متاحة تساعدهم على القيام بذلك.
على سبيل المثال، لماذا يتجنب الأشخاص في كثير من الأحيان أو يؤجلون الاستثمار في حطة 401ks التقاعدية (2) أو ممارسة الرياضة، حتى لو كانوا يعلمون أن القيام بهذه الأشياء سيفيدهم؟ ولماذا يستمر الذين يلعبون بالقمار في المخاطرة في كثير من الأحيان سواء أكانت نتيجة اللعب رابحة أو خاسرة، على الرغم من أن احتمالات الربح والخسارة تظل كما هي (لا تتغير)، بغض النظر عن “عدد مرات اللعب”؟
بطرح أسئلة مثل هذه وإيجاد إجابات عليها عن طريق التجربة، مجال الاقتصاد السلوكي يعتبر الناس كبشر يخضعون للمشاعر والاندفاعية ويتأثرون ببيئاتهم وظروفهم.
هذا التوصيف أدى إلى تباين مع النماذج الاقتصادية التقليدية (3) التي تعامل الناس على أنهم فاعلون عقلانيون بشكل صرف – يتمتعون بضبط النفس مثالي ولا تغيب أهدافهم طويلة الأمد عن بالهم أبدًا – أو كأشخاص يرتكبون أحيانًا أخطاء عشوائية تفقد قوة تأثيرها على المدى الطويل.
العديد من المبادئ انبثقت من أبحاث الاقتصاد السلوكي التي ساعدت الاقتصاديين على فهم السلوك الاقتصادي البشري بشكل أفضل. من هذه المبادئ، طورت الحكومات والشركات أطرًا سياسية لتشجيع الناس على اتخاذ خيارات معينة.
شاهد الفيديو (المدة = 3:04 دقيقة):
الباحث ريتشارد ثيلر يناقش ما هي “الوكزة” في الاقتصاد السلوكي
ما هي جذور بحوث الاقتصاد السلوكي ومن هما تڤيرسكي (Tversky) وكانيمان (Kahneman)؟
توسع الاقتصاد السلوكي منذ الثمانينيات من القرن الماضي، لكن كان له تاريخ طويل: وفقًا لثالر، يمكن إرجاع بعض الأفكار المهمة في هذا المجال إلى الاقتصادي الاسكتلندي في القرن الثامن عشر آدم سميث (Adam Smith).
غالبًا ما يُذكر سميث لابتكاره مفهوم “اليد الخفية” (4) التي توجه الاقتصاد العام إلى الازدهار لو اتخذ كل فرد قراراته الشخصية النفعية – وهو مفهوم رئيس في الاقتصاد الكلاسيكي والكلاسيكي المحدث. لكن سميث أدرك أيضًا أن الناس غالبًا ما يكونون مفرطي الثقة بقدراتهم الخاصة، وينفرون من الخسارة أكثر مما يتوقون إلى الربح، وربما يسعون وراء الفوائد قصيرة الأمد أكثر من سعيهم للفوائد طويلة الأمد.
هذه الأفكار (الثقة المفرطة والنفور من الخسارة وضبط النفس) هي مفاهيم أساسية في علم الاقتصاد السلوكي اليوم.
في الآونة الأخيرة، للاقتصاد السلوكي جذور قديمة في العمل البحثي للباحثين في علم النفس عاموس تڤرسكي (Amos Tversky) ودانييل كانيمان (Daniel Kahneman) في مجال عدم اليقين والمخاطر. في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تعرف تڤيرسكي وكانيمان على العديد من التحيزات المتسقة في الطريقة التي يصدر بها الناس أحكامهم (آراءهم)، ووجدوا أن الناس غالبًا ما يعتمدون على المعلومات التي يتذكرونها بسهولة، لا على المعلومات الفعلية، عند تقييمهم احتمالية حدوث نتائج معينة، وهو مفهوم يُعرف ب “الإرشاد المتوافر (وله مسميات أخرى، راجع 5)”. على سبيل المثال ، قد يعتقد الناس أن هجمات سمك القرش أو الدببة هي السبب الشائع وراء الوفاة لو قرأوا عن أحد تلك الهجمات، ولكن هذا النوع من الحوادث نادر جدًا في الواقع.
من خلال “النظرية الاحتمالية (6)” ، أثبت تڤرسكي وكانيمان أيضًا أن تأثير التأطير (7) والنفور من الخسارة (8) يؤثران في الخيارات التي يتخذها الناس. على سبيل المثال ، لو أتيحت لك فرصة فوز أكيد بـ 250 دولارًا أو المقامرة بإمكانية الربح ب 1000 دولار بنسبة 25٪ وبعدم الفوز بأي شيء بنسبة 75٪. فإن معظم الناس سيختارون الفوز المؤكد. ولكن لو مُنحت فرصة خسارة مؤكدة مبلغ قدرة 750 دولارًا أو فرصة بنسبة 75٪ لخسارة مبلغ قدره 1000 دولار وفرصة بعدم خسارة أي شي بنسبة 25٪، فإن معظم الناس سيخاطرون بخسارة 1000 دولار، آملين بفرصة ضئيلة أنهم لن يخسروا شيئًا على الإطلاق.
هذا المثال الكلاسيكي يوضح أن الناس أكثر استعدادًا لتحمل احتمالات إحصائية (9) أكبر لو كان ذلك يعني تجنب خسارة مبلغ قدره 1000 دولار مقابل الحصول على ربح مبلغ قدره 1000 دولار، وهو ما يتعارض مع نظرية المنفعة المتوقعة (Prospect theory) (انظر 10). تستمر النظرية الاحتمالية وغيرها من الدراسات التي قام بها تڤرسكي و كانيمان في إثراء العديد من مجالات أبحاث الاقتصاد السلوكي اليوم.
ما هو الدور الذي لعبه ريتشارد ثالر والاقتصاديون السلوكيون في جامعة شيكاغو في تطوير هذا المجال؟
في الثمانينيات من القرن الماضي، بدأ ريتشارد ثالر بالبناء على أبحاث تڤيرسكي وكانيمان ، اللذين تعاون معهما بشكل واسع. البرفسور المتميز في العلوم السلوكية والاقتصاد في كلية بوث (Booth) للأعمال، يعتبر اليوم مؤسسًا لحقل (تخصص) الاقتصاد السلوكي.
شاهد الفيديو (المدة = 9:42 دقيقة):
تعريف بالباحث ريتشارد ثيلر وأفكاره حول الإقتصاد السلوكي
البحث الذي قام به ثالر في التعرف على العوامل التي توجه اتخاذ القرارات الاقتصادية للأفراد أكسبه في عام 2017 جائزة بنك السويد (Sveriges Riksbank) في العلوم الاقتصادية (والمعروفة أيضًا ب جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، بحسب 11) تخليدًا لذكرى ألفريد نوبل. وتنبثق أفكار ثالر جزئيًا من سلسلة من الملاحظات التي أدلى بها في كلية الدراسات العليا التي قادته إلى الإعتفاد بأن سلوك الناس انحرف عن النماذج الاقتصادية التقليدية (3) بطرق يمكن توقعها.
على سبيل المثال، لاحظ ثالر أنه وصديقه كانا مستعدين للتخلي عن الذهاب بالسيارة لفعالية رياضية بسبب العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة لأنهما حصلا على تذكرتين مجانيتين لحضورها. ولكن لو اشتريا هاتين التذكرتين بأنفسهما، لكانا أكثر ميلًا للذهاب وحضور الفعالية، على الرغم من أن التذاكر كانت بنفس السعر بغض النظر [سواء أكانا حصلا عليها مجانًا أم اشترياها بنفسيها]، وكان خطر الذهاب بالسيارة، في العاصفة الثلجية كما هو لم يتغير. هذا مثال على “مغالطة التكلفة الغارقة” (12) – وهي ترجع فكرة أن الناس أقل استعدادًا للتخلي عن المشاريع التي استثمروا فيها شخصيًا، حتى لو كان ذلك يعني المزيد من احتمال الفشل.
يشتهر ثالر أيضًا بتعميم مفهوم “الوكزة” (13) ، وهو وسيلة مفاهيمية توجه الناس إلى اتخاذ قرارات أفضل. “الوكزة” تستفيد من سايكلوجية الانسان (14) وعدد من المفاهيم الأخرى في الاقتصاد السلوكي، بما في ذلك المحاسبة العقلية (15) – والتي ترجع إلى فكرة أن الناس يتعاملون مع المال بشكل مختلف بناءً على السياق. على سبيل المثال ، الناس مستعدين للذهاب بالسيارة الى الطرف الآخر من المدينة ليوفروا مبلغًا من المال قدره 10 دولارات على شراء سلعة بقيمة 20 دولارًا أكثر مما هم مستعدون لقطع نفس المسافة، ليوفروا 10 دولارات على شراء سلعة بقيمة 1000 دولار، على الرغم من أن الجهد المبذول ومبلغ المال الموفر هما نفسهما.
ثالر وغيره من خبراء الاقتصاد في جامعة شيكاغو – بمن فيهم ليوناردو بورزتين (Leonardo Bursztyn) وجوش دين (Josh Dean) ونيكولاس إيبلي (Nicholas Epley) وأوستان غولسبي (Austan Goolsbee) وأليكس إيماس (Alex Imas) وجون ليست (John List) وسوزان ماير (Susan Mayer) وسينديل مولايناثان (Sendhil Mullainathan) وديفين بوب (Devin Pope) وريبيكا ديزون روس (Rebecca Dizon Ross) وهيذر سارسونز (Heather Sarsons) – يواصلون إجراء البحوث التجريبية، بما فيها التجارب الميدانية، التي تستكشف علم الاقتصاد السلوكي من زوايا متعددة.
ما هي “الوكزة” في الاقتصاد السلوكي؟
في الاقتصاد السلوكي ، تعد “الوكزة” (13) طريقة لإحداث تغيير في خيارات الأشخاص لتوجيههم لاتخاذ قرارات معينة: على سبيل المثال ، وضع الفاكهة على مستوى العين أو بالقرب من المحاسب (الكاشير) في كافيتريا المدارس الثانوية هو مثال على “الوكزة” لحث الطلاب على اختيار خيارات غذائية صحية. يتمثل أحد الجوانب الأساسية للوكزات في أنها ليست قسرية: حظر الوجبات السريعة لا يعتبر من الوكزات، ولا تُعتبر معاقبة الناس على اختيار الخيارات غير الصحية كذلك.
روجت أفكار ثالر بشأن الوكزات ونُشرت في كتابه: الوكرة (Nudge): تحسين القرارات المتعلقة بالصحة والثروة والسعادة ، والذي نشر عام 2008 مع الباحث القانوني السابق كاس سانستين (Cass Sunstein) في جامعة شيكاغو، الذي يعمل حاليًا في جامعة هارفارد. قامت الشركات والحكومات، بما فيها حكومة الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما، بالاستفادة من أفكار ثالر وسانستين المتعلقة بالوكزة وتطبيقها في الجوانب السياسية والتشريعية.
في البقالة، قد يختار شخص مواد غذائية صحية لو وضعت على مستوى العين، أو بالقرب من المحاسب (الكاشير). في المقابل، قد يختارون مواد غذائية غير صحية أو أعلى سعرًا لو وضعت في نفس الأماكن الآنفة الذكر. هكذا استخدامات لـ “هندسة الاختيار choice architecture” (انظر 16) لدفع الناس بلطف نحو تفضيل أحد الخيارات على الآخر هو ما يطلق عليه ب “الوكزات”.
على سبيل المثال ، يعد تسجيل الموظفين تلقائيًا في خطط التقاعد 401k (انظر 2 ) – ووضع خيار ‘عدم الاشتراك’ في الخطة بدل وضع خيار الاشتراك فيها – مثالاً على الوكزة للتشجيع على الادخار للتقاعد بشكل أفضل وأكثر اتساقًا. وكزة أخرى لجعل التبرع بالأعضاء ممارسة مألوفة ، بمطالبة الناس المتقدمين للحصول على رخص قيادة السيارة إذا ما كانوا مستعدين للتبرع بالأعضاء أم لا.
المصطلح المنهجي الذي استخدمه ثالر سانستين لوصف حالة مصممة بحيث تُستخدم فيها الوكزات كان مصطلح “الأبوية التحررية” (انظر 17) – التحررية لأنها تحافظ على الخيار، و أبوية لأنها تحث على سلوك معين وعلى حد تعبير ثالر: “إذا أردت أن يفعل الناس شيئًا ما، اجعله أسهل”.
دليل مصطلحات الاقتصاد السلوكي
دليل الارشاد المتوافر (5) يرجع إلى فكرة أن الناس غالبًا ما يعتمدون على المعلومات السهلة التذكر، لا المعلومات (البيانات) الفعلية ، عند تقييم احتمالية نتائج معينة. على سبيل المثال ، قد يعتقد الناس أن هجمات سمك القرش أو الدببة هي سبب شائع للوفاة لو قرأوا عن واحدة من هكذا هجمات، ولكن هي في الواقع حوادث نادرة جدًا.
العقلانية المحدودة (Bounded rationality) (انظر 18) ترجع إلى حقيقة أن الناس لديهم قدرة معرفية / ادراكية ومعلومات ووقت محدود ، ولا يتخذون دائمًا الخيار “الصحيح” من وجهة نظر الاقتصادي ، حتى لو كانت المعلومات متاحة والتي من شأنها أن توجههم نحو مسار عمل معين.
قد يكون هذا بسبب عدم تمكنهم من توليف معلومات جديدة بسرعة كافية ؛ لأنهم يتجاهلونها ويختارون بدلاً منها”المضي قدمًا” بما يمليه عليهم حدسهم ؛ أو لأن ليس لديهم الوقت الكافي لإجراء بحث كامل على جميع الخيارات. صيغ هذا المصطلح في عام 1955 من قبل خريج جامعة شيكاغو والحائز على جائزة نوبل هليبرت سايمون (Herbert A. Simon).
المنفعة / المصلحة الذاتية المقيدة (Bounded self-interest) ترجع الفكرة إلى أن الناس غالبًا ما يكونون على استعداد لاختيار نتيجة أقل مثالية لأنفسهم لو كان ذلك يعني أنهم يستطيعون دعم آخرين. التبرع للجمعيات الخيرية هو مثال على المنفعة الذاتية المقيدة ، مثله مثل العمل التطوعي. بالرغم أن هذه الأنشطة أنشطة شائعة، إلا أنها لا تأخذها النماذج الاقتصادية التقليدية (3) في الاعتبار، والتي تتنبأ بأن يعمل الناس في الغالب على تعزيز رغباتهم الخاصة ورغبات أسرهم وأصدقائهم المباشرين، لا تعزيز رغبات الغرباء.
قوة الإرادة المحدودة (Bounded willpower) الفكرة ترجع إلى أنه حتى بالنظر إلى فهم الخيار الأمثل ، سيظل الناس في كثير من الأحيان يختارون بشكل تفضيلي أي شيء يجلب منفعة أكبر على المدى القصير على التقدم التدريجي نحو هدف طويل الأمد. على سبيل المثال ، حتى لو علمنا أن التمارين الرياضية قد تساعدنا في تحقيق أهدافنا المتعلقة باللياقة البدنية [على المدى الطويل] ، فقد نؤجلها إلى أجل غير مسمى، وندعي إننا “سنبدأ التمرين غدًا”.
النفور من الخسارة (Loss aversion) (انطر 8) ترجع الفكرة إلى أن الناس ينفرون من الخسائر أكثر من حرصهم على الحصول على مكاسب. على سبيل المثال ، قد يكون فقدهم لورقة نقدية من فئة ال 100 دولار مؤلمًا بالنسبة لهم أكثر من عثورهم على ورقة نقدية من نفس الفئة النقدية.
النظرية الاحتمالية (Prospect theory) (انظر 6) ترجع إلى سلسلة من الملاحظات التجريبية التي وضعها كانيمان وتڤيرسكي (1979) حيث سألا الناس عن كيف كانوا سيستجيبون لبعض المواقف الافتراضية التي تنطوي على أرباح وخسائر، متيحين لهم فرصة توصيف السلوك الاقتصادي البشري. النفور من الخسارة مفهوم أساسي للنظرية الاحتمالية.
مغالطة التكلفة الغارقة (sunk-cost fallacy) (انظر 12) ترجع الى فكرة أن الناس سيستمرون في الاستثمار في مشروع خاسر لمجرد أنهم فقط استثمروا فيه فعلًا بشكل كبير، حتى لو كان ذلك يعني احتمال تكبدهم المزيد من الخسائر.
المحاسبة العقلية (Mental accounting) (انظر 15) ترجع إلى فكرة أن الناس يفكرون في المال بشكل مختلف حسب الظروف. على سبيل المثال ، لو انخفض سعر الغازولين ، فقد يبدأون في شراء غازولين ممتاز ، مما يؤدي بهم في النهاية إلى إنفاق نفس المبلغ، بدلاً من الاستفادة من التوفير المتحصل من سعر الغازولين المنخفض.