علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية
The Incredible Secret Science of Ants’ Underground Cities: How Ants Build Amazingly Complex and Stable Structures
(معهد كاليفورنيا للتقنية – CALIFORNIA INSTITUTE OF TECHNOLOGY)
عادة نحن لا نهتم كثيرا عندما نرى النمل يدفع بحبات الرمل المكورة خارج بيته في الحديقة أو داخل بيوتنا، لكننا إذا ذهبنا الى الأعماق قليلا … الى التجويفات الي قام النمل بحفرها لوجدنا ما يستحق الإهتمام والتأمل … وقد نذهل لما سنجده …. سنجد تفرعات معقدة وغرف متخصصة ، بعضها خاصة للملكة وأخرى لرعاية وحضانة الأطفال ، وسنجد قاعات لزراعة الفطريات وغرف لجمع القمامة.
في الوهلة الأولى نظنها جحور صغيرة يأوي اليها النمل ، لكنها في الواقع مدن تحت الأرض قد يقطنها الاف او ملايين من النمل، وقد يصل عمقها أحيانا الى أكثر من 8 أمتار ، وتبقى صالحة للعيش لعقود من الزمن.
النمل يقوم ببناء هياكل معقدة وقوية على أساس هندسي مذهل.
تنطوي عملية بناء النمل لمدنه (أعشاشه) أسرارا هندسية مذهلة شجعت فريق من الباحثين من معهد كاليفورنيا للتقنية لدراستها ومحاولة الكشف عن أسرارها، والهدف هو تطوير قدرة الإنسان على الحفر تحت الأرض ، سواء لحفر الأنفاق ، أو للتعدين او للزراعة تحت الأرض.
شاهد الفيديو (المدة = 57 ثانية):
(ما الذي يجعل النمل متميزين في الحفر وكأنهم مهندسي حفر متمرسين)
بماذا يفكر النمل؟
سؤال كبير يطرحه العلماء… هل النمل يحفر بدراية ومعرفة؟ أم يحفر أعمى كيفما شاء؟ للأسف لا يمكننا إجراء مقابلة مع أي نملة كي نتعرف على الإجابة.
لكن بعض المهتمين صب معدنا مصهورا في أحد حفر بيوت النمل ، وبعد أن تجمد السائل المعدني ، تم الحفر حواليه والتعرف على أنظمة الأنفاق الضخمة والتي تثير الإعجاب. إنهم بكل تاكيد يحفرون بطريقة ذكية ومتعمدة. إن بإستطاعتهم معرفة حبيبات الرمل القوية من الضعيفة فهم يحفرون الضعيفة ويتركون القوية كي يتماسك المبنى. لكن كيف يتمكنون من معرفة الرملة القوية من الضعيفة ، ربما هم ينقرون على الرمل لإختباره!!!
فريق البحث بقيادة البروفسور أندرادي يفترض أن النمل يتحسس طريقه وهو يحفر ويبحث عن الحبيبات الرخوة من التربة ليحركها ويُبقي على القوية ويفترض أن النمل لديه القدرة على معرفة سلاسل القوة في التربة ويتجنب حفرها ، وهذا يعني أن النمل يملك القدرة على تقييم القوى الميكانيكية للأشياء!!!
شاهد الفيديو (المدة = 4 ثواني):
“هذا الفيديو وباستخدام الأشعة السينية يوضح الوقت الحقيقي الذي يحتاجه النمل لحفر نفق داخل كأس. اللون البني هو حجم التربة التي حفرها النمل داخل الكأس المليئ بالرمل (اللون الأزرق)”
النمل قادر أن يعمل ما يريد
فريق البحث من معهد كاليفورنيا للتقنية بقيادة أندرادي بدأ تجاربه مع النمل ، بتربيتهم في أكواب (كؤوس) من الرمل ، واستغرق هذا عاما واحدا لتكاثر ما يكفي من النمل ومراقبة طرق الحفر الذي يتبعها النمل في الرمل. يقول الباحثون: في البداية لم يتعاون النمل كثيرا ، فكان يحفر لساعات قليلة ويتوقف ليستريح طويلا ، واحيانا لا يحفر إطلاقا. ولكن بعد فترة قرر (النمل) الإنطلاق وبدأ يحفر بيته بجدية، حينها بدأ فريق البحث بالتصوير بأشعة إكس ثلاثي الأبعاد لرؤية جميع الأنفاق التي حفرها النمل وتفرعاتها، وبعد سلسلة من التصوير والمراقبة ، تمكن الباحثون من عمل محاكاة توضح كيف يتم حفر الأنفاق تحت السطح.
فهم فيزياء النمل
تمت متابعة وتحليل ما يقوم به النمل أثناء حفره للأنفاق ، وبعد فترة ظهرت بعض الأنماط التي يمكن أن نفهم منها الطرق الهندسية الي يحفر النمل بها أنفاقه.
لقد حاول النمل أن يكون فعالا في الحفر ويستفيد من كل شيء ممكن، فقد حفر الأنفاق على طول الحواف الداخلية للأكواب ، وهذا يعني الإستفادة من جداران الأكواب واعتبارها جزءا من هياكل الأنفاق ، وهذا بكل تاكيد يوفر كثيرا من العمل على النمل. هذا اولا ، وثانيا أن النمل حفر الأنفاق بشكل مستقيم قدر الإمكان ، وكما هو معروف أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين. ثالثا: لاحظ فريق البحث أن النمل حفر الأنفاق بقوة ونشاط مع مراعاة زاوية الراحة لحبيبات الرمل حتى لا تنهار. فالنمل يعرف مدى إنحدار هذه الزاوية لأي نفق يحفر فيه ولا يتجاوز هذا الإنحدار كي يحافظ على الأنفاق من الإنهيار.
شاهد الفيديو (المدة = 6 ثواني):
“على اليسار تجد حبيبات الرمل على حواف (سطح) النفق ، وعلى اليمين يبين قوة الإتصال بين الحبيبات قبل حفرها وإبعادها بواسطة النمل”
معرفة قوانين الفيزياء ومتى نتوقف عن تراكم الرمال سيحمينا من الموت ويحمي النفق الذي تعبنا في حفره من أن ينهار، هذا ما يفعله النمل تماما.
ومن الأسرار التي تم اكتشافها من قبل فريق البحث أن النمل يقوم بإعادة ترتيب الرمل في جدران النفق الذي لتوه قد حفر. فعندما يحفر النمل ويزيح بعض حبيبات الرمل من مكانها ليتكون النفق يقوم بتحريك حبيبات الرمل في سطح (جوانب) النفق ويرصها ليحافظ على سلاسل القوة حول النفق ، ويتأكد من سلامة وقوة جدران النفق. هذا يخفف الضغط من الرمال العلوية على الرمال السفلية في نهاية النفق حيث يعمل النمل ويمنع خطر انهيار النفق مما يؤمن بيئة عمل خالية من المخاطر في أعماق النفق.
شاهد الفيديو (المدة = 12 ثانية):
“كل حبة رمل تشاهدها في هذا المقطع لها نفس الشكل والموقع والإتجاه كما في الحقيقة (التجربة الأصلية) بعد حفر النمل للنفق. وتم تحريك الكاميرا ليتسنى للمشاهد رؤية كيف تمر النملة من خلال النفق الذي تم حفره”
يقول باركر (أستاذ علم الأحياء والهندسة البيولوجية): لقد كان لغزا محيرا للهندسة و لفهم بيئة النمل، كيف يتمكن النمل من بناء هياكل تستمر لعقود دون أن تنهار؟ وأضاف باركر: “بعد الدراسة والمتابعة اتضح لنا أن النمل يستفيد من سلاسل قوى الإتصال المحيطية ما بين حبيبات الرمل أثناء حفرهم للأسفل.
ويبقى السؤال: هل النمل يعرف ماذا يفعل عندما يحفر؟
ما يعرفه النمل وما لايعرفه
يقول رئيس فريق البحي البروفسور اندرادي: لقد اكتشفنا ان النمل ربما لا يعرفون ما يفعلون لأنهم لم يبحثوا بشكل منهجي عن المناطق اللينة من الرمال لحفرها دون القاسية ، لكنهم كانوا يحفرون بإنسجام وفقا لقوانين الفيزياء.
أطلق باركر على ما يحدث أنه خوارزمية سلوكية. وهذه الخوارزمية لا توجد داخل نملة واحدة ، لكنه سلوك جيش من النمل يتصرفون وكأنهم كائن خارق القوة. إنتشار هذا السلوك عبر الأدمغة الصغيرة لهذا الكم الهائل من المخلوقات الصغيرة هو بحد ذاته أعجوبة من عجائب الطبيعة لا تفسير لها.
يأمل أندرادي أن يبدأ العمل على برمجة نهج بذكاء اصطناعي يتمكن من محاكاة هذه الخوارزمية السلوكية للنمل ويتمكن هذا النهج الآلي الذكي من معرفة كيف يحفر النمل وكيف يستخدم النمل الفيزياء لتطبيقها على أنفاق أكبر حجما يستفيد منها الإنسان.
حبيبات الرمال طيعة وتختلف عن السوائل والمواد الصلبة ، فيمكن الإنتقال بالتجارب من ملليمترات الى أمتار وأكثر اذا فهمنا النهج الآلي الذكي واستوعبنا ما يقوم به النمل.
الخطوة القادمة بعد كل هذا هو تصنيع النمل الألي لحفر الأنفاق لنا نحن البشر….
لحفر الأنفاق والمشاريع المشابهة نحتاج لنقل كميات هائلة من الرمال والصخور بالإضافة الى الكثير من الطاقة والجهد ، ونحتاج الى عمال لتشغيل الآلات طوال الوقت ، ناهيك عن التكاليف الباهظة….. عندها النمل الآلي يقوم بالواجب …. ربما هذا نهاية المطاف للتقدم التكنولوجي…
*تمت الترجمة بتصرف
المصدر: