مصدر الصورة: oprah.com - Photo Thinkstock

كيف تعقد العزم حين يبدو الكأس نصف فارغ؟ – ترجمة عدنان أحمد الحاجي 

How to make up your mind when the glass seems half empty?
(جامعة كيوتو)
تسلط المراجعة الضوء على التطورات الحديثة في معرفة كيف يمكن للقلق أن يدفع بعملية اتخاذ القرار التشاؤمي

هل يستحق عرض عمل جديد عالي الدخل (الراتب) القبول لو كان يعني ذلك أن السفر إليه (إلى مقره) ومنه يتطلب ساعة إضافية؟ غالبًا ما يتعين على الناس اتخاذ خيارات صعبة فيما يتعلق بما إذا كان عليهم تحمل مستوى معين من عدم الراحة للاستفادة من الفرصة أم ما إذا كان عليهم رفض الأجر. عند اتخاذ مثل هذه الخيارات ، يتضح أن الدماغ يوازن بين رغبتنا في الحصول على الأجر مقابل رغبتنا في تجنب المصاعب ذات العلاقة.

في بحث سابق، ثبت أن الحالات الذهنية (1) السلبية تخل بهذا التوازن بين المردود (الأجر) والمصاعب تجاه اتخاذ قرار أكثر “تشاؤميةً – pessimistic” وتحاشي اتخاذ القرار. [لتعريف التشاؤم، انظر 2 ].

على سبيل المثال، يعرف الباحثون أن الناس الذين يعانون من القلق لديهم رغبة أقوى من المعتاد في تحاشي النتائج السلبية. والأشخاص المصابون بالاكتئاب لديهم رغبة أضعف في مقاربة الأجر في المقام الأول. ولكن لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن كيف يدمج الدماغ المشاعر في عملية اتخاذ القرار.

قام باحثون في علم  الأعصاب في معهد الدراسات المتقدمة للبيولوجيا البشرية (WPI-ASHBi) التابع لجامعة كيوتو (Kyoto) بالربط بين بعض الأشياء للكشف عن شبكات الدماغ التي تجعل للقلق تأثيرًا في القرارات. 

قام باحثون في علم  الأعصاب في معهد الدراسات المتقدمة للبيولوجيا البشرية (WPI-ASHBi) التابع لجامعة كيوتو (Kyoto) بالربط بين بعض الأشياء للكشف عن شبكات الدماغ التي تجعل للقلق تأثيرًا في القرارات. نشرت المجموعة البحثية في مجلة آفاق في العلوم العصبية (Frontiers in Neuroscience) مراجعة تجمع نتائج سنوات من قياسات أدمغة أجريت على الجرذان والرئيسيات وتربط المراجعة،هذه النتائج بما يتعلق بالدماغ البشري (3).

“نحن نواجه وباء مصاحب بقلق (4) جديدًا، ومن الأهمية بمكان أن نفهم كيف يؤثر قلقنا في اتخاذنا للقرارات” ، كما يقول كين إيتشي أيموري (Ken-ichi Amemor)، الأستاذ المشارك في علم الأعصاب في معهد الدراسات المتقدمة للبيولوجيا البشرية التابع لجامعة كيوتو ، (ASHBi): هناك حاجة حقيقية لمعرفة أفضل لما يجري في الدماغ هنا. من الصعب جدًا علينا أن نرى بالضبط أين وكيف يتمظهر القلق لدى البشر، لكن الدراسات التي أجريت على أدمغة الرئيسيات أشارت إلى أن الخلايا العصبية في القشرة الحزامية الأمامية والتي يرمز لها ب (ACC) (انظر 5) هامة في عمليات اتخاذ القرار هذه.

بالنظر إلى الدماغ كبصلة، والقشرة الحزامية الأمامية تتموضع في إحدى الطبقات (قشرة البصل) الوسطى ، ملتفة حول “المركز” الصلب، أو الجسم الثفني (6) والذي يربط (يُوصِل) بين نصفي الدماغ. القشرة الحزامية الأمامية أيضًا متصلة اتصالًا وثيقًا بالعديد من أجزاء الدماغ الأخرى التي تتحكم في الوظائف العليا والدنيا والتي لها دور في دمج المشاعر بالتفكير العقلاني.

بدأ الفريق بقياس نشاط الدماغ في قرود المكاك ريسوس (7) أثناء قيامها بمهمة اختيار أو رفض مكافأة في شكل طعام مصحوب بمستويات مختلفة من “العقاب” في شكل نفخة هواء مزعجة في وجهها. الخيارات الممكنة عُرضت بشكل مرئي على شاشة، واستخدمت القرود عصا التحكم للاختيار بين هذه المكافأت، مما كشف مدى الانزعاج الذي كانت مستعدة لاعتباره انزعاجًا مقبولًا.

This is a cartoon of a monkey

عندما قام الفريق بسبر القشرة الحزامية الأمامية للقرود، تعرفوا على مجموعات من الخلايا العصبية التي تَنْشُط أو تتعطل بما يتناسب مع حجم المكافأة أو العقوبة المعروضة عليها. الخلايا العصبية المرتبطة بتحاشي اتخاذ قرار واتخاذ قرارات تشاؤمية كانت مركزة بشكل خاص في جزء القشرة الحزامية الأمامية (ACC) يسمى ركبة القشرة الحزامية الأمامية (ACC pregenual) (مختصرها pACC، انظر 8). هذه المنطقة قُرنت سابقًا باضطراب الاكتئاب الشديد واضطراب القلق العام لدى الناس.

التحفيز الدقيق (9) لـ (pACC) باستخدام نبض كهربائي منخفض المستوى يجعل القردة تتحاشى المكافأة ، مما يحاكي تأثيرات القلق.

ومن اللافت للنظر أن هذا التشاؤم المستحث اصطناعيًا يمكن عكسه عن طريق العلاج بدواء مضاد للقلق هو ديازيبام (diazepam).

بمعرفة تورط ركبة القشرة الحزامية الأمامية (pACC) في اتخاذ القرارات المتعلقة بالقلق ، بحث الفريق بعد ذلك عن علاقة ركبة القشرة الحزامية الأمامية بأجزاء أخرى من الدماغ. قاموا بحقن فيروسات في مواضع محددة وجهت الخلايا العصبية بالبدء في تخليق البروتينات الفلورية (fluorescent proteins) (راجع مثلًا 10) التي من شأنها أن تضيء تحت المجهر الضوئي. بعد ذلك انتشر الفيروس إلى خلايا عصبية أخرى متصلة بتلك المواضع ، مما كشف عن مسارات لمناطق أخرى من الدماغ متصلة بمركز التفكير “التشاؤمي”.

وجد الفريق اتصال بيني مع أجزاء كثيرة من قشرة الفص الجبهي في الجزء الأمامي من الدماغ البشري ، والمقترنة بالوظائف العقلية العاليا والاستدلال (المنطق) . كما لاحظوا وجود اتصال قوي بالبنيويات الشبيهة بقصر التيه (11) المعروفة باسم الستريوزومات (striosomes) (انظر 12).

يشرح أيموري ، “وظيفة البنية الستريوزومية (striosome) لا زالت تمثل نوعًا من الغموض لفترة طويلة ، لكن تجاربنا أشارت إلى أن هذه عقدة هامة تربط اتخاذ القرار التشاؤمي بنظام المكافأة في الدماغ (13) وتنظيم (التحكم في) افراز الدوبامين”.

لاحظ الفريق وجود اتصالية (رابطة) أخرى ، وهي الاتصالية بين الستريوزومات هذه ومنطقة أخرى أبعد ، وهي المنطقة البعيدة (caudal) من القشرة الأمامية المدارية (cOFC) في الجزء الأمامي من الدماغ. من المعروف أيضًا أن هذا الجزء منخرط في الإدراك واتخاذ القرارات.

عندما كرر الفريق رصد نشاط الدماغ، وعملية التحفيز الدقيق (microstimulation)، ودراسات تتبع الفيروسات في القشرة المدارية الأمامية (cOFC) ، وجدوا تأثيرًا مشابهًا جدًا في استعداد القردة لاتخاذ القرار التشاؤمي. من الغريب أن ركبة القشرة الحزامية الأمامية (pACC) والقشرة المدارية الأمامية (cOFC) تتقاسمان أيضًا العديد من نفس الوصلات (connections) مع أجزاء أخرى من الدماغ.

نتائج الدراسة التي أجراها الباحثون على الرئيسيات (primates) استطاعوا تعميمها على البشر وذلك بإجراء مقارنات مع  المعارف المتحصلة من دراسات أُجريت على أدمغة البشر بناءً على التصوير بالرنين المغناطيسي.

يقول أيموري: “تشير أوجه التشابه العديدة في تنشيط الدماغ إلى وجود آلية مشتركة لكل من البشر والقرود. من الأهمية بمكان أن نقرن الستريوزومات وشبكتها الممتدة باتخاذ القرارات في ظل حالة من القلق، ونأمل أن تكون هذه الدراسة مفيدة في تطوير علاجات خاصة بمسارات الدماغ  للاضطرابات العصبية والنفسية لدى البشر”.

مصادر من داخل وخارج النص: 

1- “الحالات الذهنية هي الأفكاروالاعتقادات والإدراكات والمعرفة والنوايا والرغبات والعواطف”، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://www.habaybna.net/نظرية-العقل

2- التشاؤم هو سلوك عقليّ يتوقعُ نتيجةً مَرْغُوبًا عَنها لموقفٍ معيّن، ويميلُ المتشائمون بشكلٍ عامّ إلى التركيز على سلبيّات الحياة. وهناك سؤال شائع يُطلب عند اختبار التشاؤم هو: “هل نصف الكوب فارغ أم ممتلئ”؟ يُقالُ- في هذه الحالة- أنّ المتشائم يرى النّصفَ الفارغ من الكأس، بينما يرى المتفائلُ النصف الممتلئ منها. وكان للنّزعةِ التشاؤميّة آثارٌ على جميع مجالات التفكير الرئيسية على مرِّ التاريخ“، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/تشاؤم

3- https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fnins.2021.649167/full

4- “القلق هو حالة نفسية وفسيولوجية تتركب من تضافر عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية. لخلق شعور غير سار يرتبط عادة بعدم الارتياح والخوف أو التردد. غالباً ما يكون القلق مصحوباً بسلوكيات تعكس حالة من التوتر وعدم الارتياح مثل الحركة بخطوات ثابتة ذهاباً وإياباً، أو أعراض جسدية، أو الاجترار. القلق هو الشعور غير السار المصحوب بالخوف والجزع من أحداث متوقعة، مثل الخوف من الموت، حيث يشعر الشخص بالخوف والهلع عندما يفكر في موته.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/

5- ” القشرة الحزامية الأمامية (يرمز لها ACC) هي القسم الأمامي من القشرة الحزامية، وهي تشبه في شكلها “طوق” أو “حزام” يحيط بالقسم الأمامي من الجسم الثفني. تتألف القشرة الحزامية الأمامية من باحات برودمان ذوات الأرقام 24 و 32 و 33.  لهذه القشرة دور في عدة وظائف مستقلة مثل ضبط ضغط الدم وسرعة القلب. كما لهذه القشرة دور في الوظائف العقلانية المعرفية مثل المرونة الإدراكية التي تستوجب اتخاذ القرار والتشاعر والتحكم في الاندفاع والمشاعر”، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_حزامية_أمامية

6-” الجسم الثفني أو الصوار الثَفَني (Corpus Callosum) هو حزمة مسطحة واسعة من الألياف العصبية بيضاء اللون تحت القشرة في الشق الطولي للدماغ، تمتد عدة سنتيمترات من الأمام إلى الخلف، وهو أكبر هيكل من المادة البيضاء في الدماغ، ويتكون من ملايين الألياف العصبية التي تربط بين النصفين الكرويين الأيمن والأيسر في الدماغ ويسهل الإتصال بينهما، وتنتقل المعلومات بينهما على هيئة إشارات كهربائية، ولذلك أيضاً يُعرف باسم “المُقْرِن الأعظم”. وهو أكبر بنية للمادة البيضاء في الدماغ، يحتوي على 200-250 مليون نتوءة محوارية عصبية مقابلة” ،مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/جسم_ثفني

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/مكاك_ريسوسي

8- “الركبة (pACC)  هي ثنية المحفظة الغائرة. تتكون من ألياف السبل القشرية النووية. تسمى الألياف في هذة المنطقة ب”الألياف الركبية”. تنشأ في الجزء الحركي من القشرة الدماغية. يحدث التصالب بعد أن تمر الألياف لأسفل خلال قاعدة السويقة الدماغية مصاحَبَة بالألياف الدماغية النخاعية وتنتهي في النوى الحركية للأعصاب القحفية. تحتوي على السبيل القشري البصلي الذي يحمل العصبونات الحركية العلوية من القشرة المخية لنوى الأعصاب القحفية التي تضمن أساساً حركة العضلات المخططة في الرأس والوجه”، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان : https://ar.wikipedia.org/wiki/محفظة_غائرة#الركبة

9- “يستخدم التحفيز الدقيق في الأبحاث التشريحية العصبية لتحديد الأهمية الوظيفية لمجموعة من الخلايا العصبية”، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://en.wikipedia.org/wiki/Microstimulation

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/بروتينات_فلورية_خضراء

11- “قصر التيه أو المتاهة (Labyrinth) وهو الأرض التي يتوه فيها السالك ولا يكاد يعرف فيها طريقًا. ويراد بها في الأساطير مبنى التّيه ذو الممرات الفرعية المعقدة الذي بناه ديدالوس للملك مينوس ملك كريت، حسب الأسطورة الإغريقية، وأراد مينوس أن يجعل منها سجنًا للوحش الذي يسمى المينطور. إذ كان يضحَّى بسبعة من شباب أثينا، وسبع عذارى لهذا الوحش كل سنة”، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/قصر_التيه

12- “الستريوزومات (striosomes) حجيرتان كيميائيتان متكاملتان داخل الجسم المخطط (striatum)” ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://en.wikipedia.org/wiki/Striosome

13- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_المكافأة_في_الدماغ

المصدر الرئيس:

https://ashbi.kyoto-u.ac.jp/news/20210630_research-result_amemori/

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *