علماء الصين يكتشفون مخلوقات غير معروفة ، يُعتقد أنها فيروسات عملاقة في أعمق مكان على وجه الأرض…
غواصات بدون غواص وغواصات مأهولة بالإنسان تنطلق الى أعمق بقعة في المحيط الهادي ، تجمع المعلومات والعينات لأهداف علمية تزيد من المعرفة البشرية، لكن هناك من لا يصدق الصين ويشكك في نياتها. وبإصرار وجهود جبارة تبني الصين غواصة فريدة من نوعها تصل الى الأعماق بنجاح قل نظيره.
استغرق بناء وتطوير الغواصة الصينية (فيندوجا) “وتعني بالعربية المناضل” ما يقارب 8 سنوات بمساعدة ودعم اكثر من 90 مؤسسة وشركة صينية.
وقد أكملت الغواصة الصينية في رحلتها الأولى 4 شهور وهي تتجول في المحيط الهندي والمحيط الهادي. واستكشفت أعماق المحيط الهندي وجمعت معلومات قد تساعد في فهم الطبيعة البيئية لقاع البحار. وكان التحدي الأعظم أن تصل الى خندق ماريانا في غرب المحيط الهادي الذي يعتبر أعمق مكان على وجه الأرض على عمق 10909متر.
خندق ماريانا
يقع خندق ماريانا على بعد 200 كم شرق جزيرة ماريانا غرب المحيط الهادي بالقرب من جزر جوام ، ويبعد عن مدينة شنجهاي الصينية حوالي 3000 كم. ويعتبر هذا الخندق أعمق خندق في العالم اذ تبلغ أعمق نقطة فيه حوالي 11000 متر تحت سطح الماء (وتسمى بنقطة التحدي العميقة)، ويبلغ طول الخندق 2550 كم وعرضه 69 كم وهو على شكل هلال. ولو تخيلنا أن بإمكاننا وضع جبال الهميلايا داخل هذا الخندق لبقي 2133 متر مغطى بالماء فوق قمة افرست.
على هذا العمق تحت الماء يكون الضغط يعادل أكثر من 1000 ضغط جوي ، ودرجة الحرارة تترواح بين 1 و 4 درجات مئوية ، والظلام بلا شك حالك جدا. ولطالما تسائل العلماء عن إمكانية وجود حياة على هذا العمق. وكيف لعظام الأسماك أن تقاوم هذا الضغط الهائل الذي يطحن الكالسيوم طحنا. الجواب الشافي نجده عند الغواصة الصينية (فيندوجا).
فيروسات عملاقة
بواسطة الأذرع الميكانيكية للغواصة (فيندوجا) تم أخذ عينات من الرواسب من أعمق نقطة في قاع خندق ماريانا. ووجد الباحثين العديد من المخلوقات الفيروسية العملاقة بعضها أكبر من بعض البكتيريا. وهذا يفند الأقوال والأساطير التي تقول بأن قاع المحيطات مأوى لمخلوقات بحرية عملاقة ، ويجيب في نفس الوقت على بعض الأسئلة التي طال انتظار جوابها.
يقول الباحثون إن الظروف القاسية في أعماق المحيط الهادئ تساعد هذه المخلوقات الغير معروفة على الحياة. وأن حجم بعض هذه الفيروسات كبير بما يكفي لرؤيته بالعين المجردة ولا أحد يعلم حتى الآن هل هي ضارة بالإنسان أم لا. الدراسات السابقة (قبل خمس سنوات) لبعض الفيروسات العملاقة على أعماق أقل من خندق ماريانا أسفرت عن بيانات علمية دقيقة عن تسلسل الجينوم ل 15 نوعا مختلفا من هذه الفيروسات واكثر من 100 نوع من الكائنات الحية الدقيقة الأخرى.
وبالرغم من هذا الكم الهائل من البيانات حول هذه الكائنات الدقيقة والذي وصل لأكثر من 2000 سلالة ، الا أن دراسة الكائنات الحية في خندق ماريانا والتي تعيش تحت ضغط مرتفع تختلف تماما عن دراسة اي كائنات على أعماق أقل. فبالإضافة الى الضغط المرتفع هناك عوامل كثيرة تجعل حياة هذه الكائنات صعبة للغاية ، فدرجة الحرارة تلامس الصفر المئوي ، والظلام الحالك ، وقلة الموارد الغذائية ، وعدم الحرية في الحركة بسبب العزل الذي توفره تضاريس الخندق. وحتى الان لم يتمكن العلماء من إبقاء أي مخلوق تم إخراجه من خندق ماريانا على قيد الحياة رغم المحاولات الحثيثة وتوفير بيئة معملية عالية الضغط.
دراسة هذه الكائنات من الأعماق لم تكن سهلة فعدد العينات التي جائت به الغواصة الصينية محدود جدا ، وفي البداية خلط العلماء بين الفيروسات العملاقة والبكتيريا ، بسبب حجم الفيروس الغير عادي. واذا أردنا أن نقارن هذا الفيروس العملاق مع فيروس كورونا نجد أن التسلسل الجيني لفيروس كورونا أقصر بأربعين مرة من الفيروس العملاق الذي يعيش في أعمق بقعة على وجه الأرض.
أهمية دراسة اعماق البحار
قبل سنوات قليلة (وبالتحديد عام 2016) وقبل إطلاق الغواصة (فيندوجا) بدأت الصين بتصنيع اسطول من الغواصات بدون غواص لجمع المعلومات لدعم برنامج البحوث البحرية الصينية ، وقد قامت هذه الغواصات برحلات مكثفة استطلاعية في منطقة خندق ماريانا ، مما أثار انزعاج الولايات المتحدة وأبدت معارضتها لهذه الإستطلاعات قرب قاعدتها العسكرية في جزر جوام التي تقع جنوب شرق الخندق.
الصراع قائم بين القوى العظمى وبالتحديد بين الصين وأمريكا للسيطرة على المحيطات العميقة وذلك لأسباب علمية واقتصادية مثل:
- دراسة ومعرفة أعماق عالم البحار المجهول واكتشاف خفاياه.
- الإستفادة من استخراج المعادن من قاع المحيطات مستقبلا.
- معرفة سلالات الفيروسات العملاقة قد يساعدنا في فهم أكثر لفيروس كورونا وغيره.
- دراسة الكائنات الحية التي تعيش في بيئات قاسية قد يؤدي إلى اكتشاف عقاقير أو مفاهيم بيولوجية جديدة.
شاهد الغواصة الصينية (فيندوجا) وهي تصور قاع خندق ماريانا ، وتجمع عينات من التربة التي تحتوي الفيروسات العملاقة (مدة الفيديو 2:41 دقيقة):
بعد قضاء اربعة أشهر عادت الغواصة الصينية الجديدة المأهولة بثلاثة رجال بعد استكمال رحلتها بنجاح في المحيطات إلى مقاطعة هينان (Hainan) بجنوب الصين صباح يوم السبت (الثاني من ديسمبر 2020م) على متن سفينة البحث العلمي (Tansuo-1).
المصادر:
- https://www.scmp.com/news/china/science/article/3142260/china-scientists-discover-giant-viruses-deepest-place-earth
- https://english.cas.cn/newsroom/mutimedia_news/202012/t20201202_255384.shtml
- https://english.cas.cn/newsroom/cas_media/202012/t20201201_255309.shtml
- https://divingmuseum.org/artofabyss/marianatrench/
- https://www.scmp.com/news/china/article/2012137/pla-navy-eyes-chinas-deep-sea-underwater-glider-after-successful-test