ظهرت المادة المضادة في الخيال العلمي كقوة هائلة ومرعبة، وكانت هذه المادة هي المحور الأساس الذي ارتكزت عليه رواية «ملائكة وشياطين» للكاتب الأمريكي دان براون، المنشورة في عام 2000م، حيث تقوم جماعة بسرقة قنبلة مضادة من معمل «سيرن» الأوروبي الشهير بغرض تدمير مدينة الفاتيكان. ونتيجة لما تحويه من قوة هائلة، فقد استخدمت المادة المضادة كوقود للمركبات الفضائية المستقبلية في خيال المؤلفين. ولم يتوقف الخيال العلمي عند ذلك بل قال باحتمال وجود كون مضاد تعيش فيه حياة مضادة لحياتنا!
تم التأسيس بشكل افتراضي لفكرة المادة المضادة من قبل عالِم الفيزياء آرثر شوستر عام 1898م. وبعد ثلاثة عقود، وضع عالِم الفيزياء البريطاني بول ديراك، الحائز جائزة نوبل مناصفة مع النمساوي الشهير إروين شرودينغر، معادلته الكمية النسبية التي دمج فيها النسبية الخاصة وميكانيكا الكم لوصف سلوك الإلكترون:
E2=p2c2+me2c4
وقد تنبأت هذه المعادلة بشيء غريب في عالم الفيزياء؛ وهو وجود جسيم يشبه الإلكترون ولكن إشارته موجبة! ذلك أن هذه المعادلة هي من الدرجة الثانية، ويوجد لها حلّان أحدهما سالب والثاني موجب القيمة. وقد اقترح ديراك في محاضرة نوبل التي ألقاها في ستوكهولم بالسويد عام 1933م، وجود ذرات مضادة، وهذه الذرات المضادة بدورها تكوّن نجوماً وكواكب مضادة، أي حياة مضادة في زاوية ما في هذا الكون!
تم التحقق عملياً من وجود هذا الجسيم الغريب، في عام 1932م، من قبل عالم الفيزياء الأمريكي الحائز جائزة نوبل هو الآخر كارل أندرسون، أثناء دراسته لمسار الأشعة الكونية، وأظهرت تجاربه أن جسيماً يسلك مساراً معاكساً لمسار الإلكترون، وأطلق عليه اسم البوزيترون أو الإلكترون الموجب.
هناك افتراضات عديدة، فتذهب فرضية إلى وجود كون آخر يتكوَّن من المادة المضادة بدلاً من المادة، وتذهب فرضية أخرى إلى تفوق المادة على المادة المضادة [(عدم التماثل الباريوني) (Baryon asymmetry)]
ظلت الأشعة الكونية المصدر الوحيد للجسيمات المضادة. ولكن في عام 1955م، تم تصنيع مضاد للبروتون بواسطة معجِّل (مسرِّع) الجسيمات في جامعة بيركلي بكاليفورنيا، وتوالت سرعة الاكتشافات المتعلقة بالمادة المضادة، إلى أن جاء العام 1995م، حيث تم تصنيع الذرات المضادة الأولى في المعمل الأوروبي لفيزياء الجسيمات «سيرن»، وكانت تسع ذرات هيدروجين مضادة، تم دمج البروتون المضاد مع البوزيترون في معجِّل (مسرِّع) الجسيمات وتم الحصول على ذرة هيدروجين مضادة كاملة! أي إن البوزيترون الموجب يدور حول مضاد البروتون السالب! وقد تبعه «معمل فيرمي» بإنتاج ما يقرب من مئة ذرة مضادة من الهيدروجين، وحتى هذه اللحظة فالكمية المصنعة في جميع مصانع العالم من المادة المضادة قليلة جداً، فهي أقل بكثير من جرام واحد! ذلك أنها من أكثر المواد صعوبة في الإنتاج، وتتلاشى بسرعة، والاحتفاظ بها عملية صعبة للغاية، وتصل تكلفة إنتاج جرام واحد من مادة الهيدروجين المضادة نحو 62.5 تريليون دولار!! أي إنها أغلى مادة في الكون! وسوف يستغرق مئة مليار سنة بالتقنيات الحديثة، أي ما يزيد على عمر الكون المقدَّر حالياً!
فالقدرات التكنولوجية حتى الآن غير قادرة على إنتاج جرام واحد من المادة المضادة بطريقة فعَّالة واقتصادية، وفي الوقت المناسب. لذلك اتجه العلماء للبحث عنها خارج كوكب الأرض، وحتى هذه اللحظة ليس واضحاً لدينا الوجود الضئيل للمادة المضادة، ولماذا الكون يتكون بشكل رئيس من المادة بدلًا من المادة المضادة.
هناك افتراضات عديدة، تقول إحداها بوجود كون آخر يتكوَّن من المادة المضادة بدلًا من المادة، وتذهب فرضية أخرى إلى تفوق المادة على المادة المضادة (عدم التماثل الباريوني) عند بداية اللحظات الأولى للكون بمعدل واحد من مليار، ويبقى هذا السؤال من أكبر ألغاز الفيزياء إثارة ويصعب تفسيره حتى هذه اللحظة، ولا يزال العلماء يبحثون عن إجابة له.
نظرياً، عندما تلتقي المادة والمادة المضادة فستفني كل منهما الأخرى وتبيدها. وقد ألهم هذا التصور كثيراً من أعمال الدستوبيا ونهاية العالم الأدبية. وخلال هذه العملية تتحول كتلتهما بشكل كامل إلى طاقة هائلة على صورة أشعة جاما أو غيرها من جسيمات المادة والمادة المضادة.
ولتقريب الصورة، فإن جراماً واحداً من المادة والمادة المضادة، طبقاً لمعادلة آينشتاين ينتج طاقة تقدر بـ 180 تيرا جول، وهذه تعادل 43 كيلو طن من مادة تي. إن تي الشديدة الانفجار (تزيد على مجموع الطاقة التي ولَّدتهما القنبلتان الذريتان اللتان سقطتا على هيروشيما وناجازاكي في عام 1945م!). وعلى أساس ذلك، فمن الممكن أن تكون المادة المضادة سلاحاً محتملاً في المستقبل! أو مصدراً للوقود في المركبات الفضائية المستقبلية. فالعلماء يأملون في تسخير هذه الطاقة المتحررة لدفع سفن الفضاء النجمية بدلاً من الوقود التقليدي، حيث إن كمية قليلة من الهيدروجين المضاد تقدَّر بــ 17 جراماً، كافية لتزويد سفينة فضاء نجمية بالطاقة للوصول إلى أقرب نجم إلينا بعد الشمس (ألفا سنتوري) الذي يبعد أكثر من أربع سنوات ضوئية! وبسرعة عالية جداً تصل إلى عُشْرِ سرعة الضوء. أي إننا سوف نقطع المسافة في أربعين سنة وحسب. في حين أننا سوف نحتاج إلى أكثر من سبعين ألف سنة للوصول إلى هناك بمركبة (فوياجر – الرحّال 1) التي «تزحف» في الفضاء بسرعة ستين ألف كم في الساعة.. فقط!
الكاتب : حسن الخاطر
المصدر :
المادة المضادة