How did Neanderthals and other ancient humans learn to count?
(Colin Barras, a science journalist in Ann Arbor, Michigan – بقلم: كولين باراس ، صحفي علمي في آن أربور ، ميشيغان)
مقدمة عادل عبد الله البشراوي*
طوال مراجعتي للتقرير المترجم أدناه كان ذهني مشغولًا بثورة الإدراك. فمنذ بدأت القراءة، والتقرير يتناول خواصًا بشرية إدراكية صرفة. فماهي حقيقة الخلفيات الفيسيولوجية والإجتماعية التي حفزت الحاجة للعد لدى البشر. بل ومن هم البشر المعنيون بهذه النقلة الإدراكية؟
بل الخوض في التفاصيل ولكي نسهل علينا مهام النقاش، يجب علينا توضيح معنى الطبيعة الإدراكية التي نتحدث عنها. نحن هنا نتحدث عن نقلة ثقافية ظهرت في فترة ما من عمر البشر حين بدأوا يُظهرون فيها ممارسات غير مسبوقة من التعاطي مع محيطهم البيئي وأمورهم اليومية. ممارسات أبدوا فيها حسًا بحاجتهم للتعبير عن النفس من خلال أعمال إبداعية كالرسم والنحت والنقش، وأيضا وكما هو وارد في التقرير أدناه، القدرة على استشعار الحاجة للعد. وكذلك بروز ممارسات توحي بميول روحانية.
هذه الممارسات لم تكن ملاحظة في الآثار السابقة لظهور الفترة المقترحة لثورة الإدراك التي يعتقد أنها حدثت في الفترة الزمنية مابين 50 إلى 60 ألف سنة السابقة. فقبل هذه الفترة ، أظهرت الاثار الآركيولوجية التي عثر عليها صناعات بشرية لا ينقصها التطور، ولكنها كانت مقتصرة على صنع الأدوات المستغلة للأغراض اليومية كالصيد والدفاع عن النفس ومعالجة الجلود التي تقيهم قساوة البرد. أما الآثار التي بدأت في التكشف بعد ثورة الإدراك فقد اشتملت، إضافة على هذه المصنوعات اليومية، على ممارسات لا يستفيد منها صناعها شيئًا سوى التعبير عن الذات.
تعيين هذا المعنى الإدراكي الذي سوف يدور حوله النقاش مهم لأنه سوف يجنبنا الخوض في الماورائيات والتحليلات الفلسفية التي لا يمكننا مطلقًا التحقق منها بأدوات العلم التجريبية التي نحرص على الإحتكام لها.
من هذا المنطلق فمن المجدي القول بأن مفردة (إدراك) وبمعناها المطلق لا يمكننا حصرها في الوعي البشري. لأن المفردة معنية أيضا باستشعار الأحياء البسيطة لخواص الحرارة والرطوبة وموارد الخطر والضوء والظلمة وجميع المتغيرات التي تطرأ في بيئة الكائن وتؤثر على ظروف معيشته وتستدعي منه اتخاذ تدابير معينة حيالها. إذًا مانعنيه هنا من الإدراك هو مرحلة متطورة عبر التاريخ الكرونولوجي لتطور الأحياء تحتكم لشروط الإنتخاب الطبيعي الصرف، ولذلك عبر عنه بالثورة.
فظروف حدوثها مشابهة لظروف حدوث الإعتدال الذي ميز البشر في مرحلة ما باستقامة واضحة تميزهم عن جميع الأحياء. فصحيح أن سلالات ماقبل بشرية استطاعت أن تقف على قوائمها الخلفية وتعتمد أسلوبًا في التنقل يسمى ثنائي الحركة، (Bipedalism)، ولكن وقوفها لم يكن كاملا بل يعاني من إنحناء. وفي الحقيقة، فإن أسلوب التنقل هذا لم يكن جديدًا في الأحياء، فهناك أحياء كثيرة تعتمده كالطيور وحيوان الكنغارو وغيرها. ولكن ولظروف بيئية وأيضا وفق شروط الإنتخاب الطبيعي، حدث انعكاس في انحناء الفقرات القطنية والعجزية في أسفل الظهر نتج عنه اعتدال كامل لهيئة الوقوف. ويرجح ذلك أن أول سلالات شهدت هذه الظاهرة هي سلالة الهوموإيريكتس (Homo Erectus) التي ظهرت قبل أكثر من مليوني سنة. وهي بالمناسبة خاصية ضمن خواص تميز سلالات (Homo) عن غيرها في المسار التطوري للبشر.
هذا يفيدنا بأن المنعرجات التطورية الكبرى (صيرورة الانسان العاقل) لم تأت على وجه الصدفة، أو أنها تشكلت من فراغ، ولكن حدوثها كان له أرضية مبنية على أساسات سابقة ومتسقة وفق البناء التشريحي الذي يتغير متكيفًا مع ظروف الكائن في صراعه المستمر حتى يتواءم مع شروط بيئته.
نعود للتقرير المترجم أدناه وتحديدًا لعنوانه الذي يتساءل عن إمكانية تعلم إنسان النيانديرتال العد، وهل أن قدرة البشر على العد حقًا كان لها جذور في محاولات لأفراد ينتمون لسلالات بشرية قديمة.
وهو سؤال وإن لم يطرح بشكل واضح في تحديد القدرة على العد، ولكنه طرح مراراً في خواص متعددة تتعلق بالإدراك، وقد وقعت على دراسات تتساءل في إمكانية نسبة رسوم معينة في أوروبا للنيانديرتال، والرسم كممارسة تعبيرية لا يمكننا التعاطي معها إلا ضمن خواص الإدراك البشري. فهل يملك إنسان النيانديرتال تجهيزًا دماغيًا يمكنه من هذه الخاصية؟
إن كان الأمر متعلقًا بحجم الدماغ، فجماجم النيانديرتال المعثور عليها أظهرت لنا بأن أفراد هذه السلالة يتميزون بأكبر تجويف دماغي (Cranial cavity) بين كل السلالات البشرية. في حين يراوح حجم أدمغتنا اليوم حول الـ 1300cc تظهر جماجم النيانديرتال أنها تصل في بعض الأحيان إلى ما فوق الـ 1600cc. وهو مايفيدنا بأن ازدياد حجم الدماغ الملاحظ عبر السلالات البشرية كان عاملًا حاسمًا في ترقيهم الإدراكي، ولكنه لم يكن حجم الجمجمة هو الخاصية الوحيدة. فالتركيب التشريحي للدماغ شأن قد يكون أكبر حسمًا في هذه الظاهرة.
ولكننا حين نقارب المسألة بعناوين مجردة للسلالات فنحاول المفاضلة بين اسم سلالة بشرية وأخرى، فإن مقاربتنا لا تكون واقعية، وسوف تفقدنا بيانات هامة للدراسة. فعندما نقول نيانديرتال، فعن أي نيانديرتال نتحدث؟ هل هو نيانديرتال غرب أوروبا أم العراق والشام، أم جماعاته التي عاشت في أفغانستان أم سيبيريا!!
وهل هو ذاك الذي عاش قبل 350 ألف سنة أم 200 ألف أم 50 ألف!!
يجب علينا أن نعي أن تعيين اسم السلالة البشرية كمعرف لرفاة ما لا يكفي بأن ننطلق منه للدراسة. فسلالة النيانديرتال وكحال أي سلالة أخرى، بل وكل كائن يتعرض لظروف بيئية يكتسب من خلالها صفات أليلية (alleles) مختلفة. وهو الأمر الذي دعى الأنثروبولوجيين لاعتماد اسم معرف لسلالة الإنسان الحديث الذي عبر ثورة الإدراك بدلالات تشريحية تميزه عن أسلافه من نفس السلالة. حيث استخدم مصطلح (Anatomically Modern Humans، واختصاره AMH) – وهو واقعًا ما اُستخدم في التقرير المترجم أدناه – ومعناه البشر الذين ينتمون تشريحيا للبشر الحديث. وفي هذا دليل على أن اسم السلالة البشرية المعهود – كمثال هوموسابينز – ماعاد كافيًا للدراسات التحليلية الدقيقة.
وقد أظهرت رفاة الهوموسابينز المعثور عليها إلى الآن تباينات تشريحية مختلفة على أساس مناطق العثور الجغرافية، وبدرجة أكبر عمر الرفاة. فالرفاة القديمة والتي يعود عمرها لما قبل 100 ألف سنة كانت تتميز باستطالة في استدارة جماجمها وبشكل تتشابه فيه مع السلالات البشرية القديمة، وتعاني جباهها وذقونها من ضمور في الحجم. في حين تتميز بتعاظم في عظام الحاجب والفك، وهناك فوارق أخرى وإن كانت أقل أهمية. وهذه متغيرات نتجت عن خضوع البشر – كما غيرهم – لضغوط البيئة الفاعلة في تهيئتهم لظروف معيشية متبدلة.
ونحن حين نتكلم عن السلالات الأخرى، بما فيها النيانديرتال، فلا يسعنا تجاوز هذه الظواهر التي تفرض تكيفات تشريحية مختلفة لكل مرحلة تاريخية وكل مساحة جغرافية. ولذلك فعندما يذكر التقرير آثار الحزوز على عظمة الضبع التي عثر عليها في فرنسا وتم افتراض أن فردا ينتمي لسلالة النيانديرتال هو من قام بإحداث هذه الحزوز التي كان يستغلها في عد أشياء معينة فإننا لا يجب أن نفهم أن النيانديرتال منذ أن ظهر قبل حوالي 400 ألف سنة كان قادرًا على العد، هذا إن صحت فرضية قدرة النيانديرتال على العد المذكورة في التقرير. بل يجب أن نعي أن الدراسة والإفتراض كانا معنيان بالمجموعة التي تمت عليها الدراسة. وقد تكون مجاميع من ذات السلالة تميزت بهذه القدرة ، في حين افتقرت مجاميع أخرى لها.
على أساس هذه المباديء ووفق هذه الأرضية نحاول رسم تصور للظروف التي أفضت لما يسمى بثورة الإدراك، فهي وإن تم حصر حدوثها في مجاميع الإنسان الحديث، إلا أننا لانمتلك أي دليل يؤكد لنا هذه الحصرية. ومايجعلني أفتح المجال في توسيع دائرة السلالات المعنية بإدراك هذه الثورة نابع من قناعتي بفاعلية كبرى لظاهرة بايولوجية تتمثل بالتزاوج البيني (Interbreeding) فهذه الظاهرة التي يعتمدها العلماء – وأعتمدُها شخصيا – في الخلوص إلى نموذج الهجين الوارث لكل السلالات البشرية السابقة والمتمثل ببشر اليوم، فإن هذا النموذج الذي لا يزال في طور البحث والدراسة لا يبين لنا السيناريو الذي تم من خلاله الخلوص إلى هذا الهجين. فعندما نقول أنه هجين فإننا نعني أنه نتج عن تزاوج لسلالات مختلفة، فما هي هذه السلالات، وفي أي منطقة جغرافية ظهرت بوادر هذا الهجين؟
وقد تناولت في مقدمات لدراسات أخرى هذه الحقيقة كتلك الدراسة التي تمت على رسوم لخنازير في إحدى الجزر الإندونيسية تعود لما قبل 42 ألف سنة، حيث أعربت عن دهشتي الشديدة لتزامن هذه الرسوم مع رسوم عثر عليها في كهوف في الغرب الفرنسي وشمال إسبانيا. وسبب الدهشة نابع من أني كنت أقرّب زمن حدوث ثورة الإدراك بحدود الـ 45 ألف سنة السابقة، فكيف يكون هذا الإنتشار لظاهر الثورة شاملًا لأغلب أراضي العالم القديم بحيث يمتد من أقصى الغرب الأوروبي وحتى أقصى الجنوب الشرقي الآسيوي. وعليه فقد بدأت بإرجاع تصوري لثورة الإدراك لما قبل الستين ألف سنة.
بل وأن الدراسة تلك قادتني لفهم يتعلق بهجرة البروتوأوسترالويدز (Proto-australoids) التي يتم طرح نزوح طلائعهم من إفريقيا قبل حدود 70 ألف سنة وأنهم انتشروا في جميع أراضي جنوب آسيا ابتداءً من منطلق هجرتهم من مضيق باب المندب وحتى أراضي أستراليا والمثلث البولونيزي. ما يعني أنهم وفي طريق عبورهم لأراضي شبه الجزيرة، اكتسبوا هذه الخاصية البايولوجية المتمثلة في الإدراك وحملوها معهم وتم من خلالهم وصولها إلى جميع جغرافيا جنوب آسيا.
لا أخفيكم أني أرى في ثورة الإدراك أكبر وأعقد أحجيات الطبيعة، وأعتبر فهمها لغزًا آخر لا يقل التباسًا عن حدوث نقطة التفرد قبل 13.8 مليار سنة وتشكّل بذرة الحياة على الأرض قبل حوالي 4 مليار سنة. ولا أدري إن كانت الأيام والسنين كفيلة بامتلاكنا ليس فقط لبيانات بل وحتى معارف تمكننا من فهم هذه الأحجيات، فحجم التعقيد التي تنطوي عليه الدراسة كبير وكبير جدًا.
( البحث المترجم )
تشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الناس طوروا أعدادًا منذ عشرات الآلاف السنين. يستكشف الباحثون الآن الفرضيات التفصيلية الأولى حول هذا الابتكار الذي غير الحياة.
منذ حوالي 60 ألف عام، في ما يعرف الآن بغرب فرنسا، التقط إنسان النياندرتال قطعة من عظم فخذ ضبع وأداة حجرية وبدأ بالعمل عليها. عندما اكتملت المهمة، كان العظم يحمل تسعة حزوز متشابهة بشكل لافت للنظر ومتوازية تقريبًا، كما لو كان المقصود منها الإشارة إلى شيء ما.
لدى فرانشيسكو دايريكو (Francesco D’Errico)، باحث في علم الآثار في جامعة بوردو في فرنسا، فكرة عن العلامات (الحزوز). قام بفحص العديد من القطع الأثرية المنحوتة خلال حياته المهنية، ويعتقد أن عظم الضبع – الذي عُثر عليه في السبعينيات من القرن الماضي في موقع البراديليس (Les Pradelles) بالقرب من أنغيليوم (Angoulême) (انظر 1) – برز على أنه عظم غير عادي. على الرغم من أن القطع الأثرية المنحوتة تُفسر غالبًا على أنها أعمال فنية، إلا أن عظم البراديليس (Les Pradelles) يبدو أنه كان أكثر وظيفية، كما يقول دايريكو (D’Errico).
يجادل فرانشيسكو دإيريكو بأن العظم قد يرمّز (يكتنز) معلومات رقمية (معلومات معبرة بأرقام، بحسب 2). وإذا كان هذا صحيحًا، فربما لم يكن البشر المعاصرون من الناحية التشريحية وحدهم من طور نظام الرموز العددية / الأرقام: ربما بدأ إنسان النياندرتال في فعل ذلك أيضًا (3).
عندما نشر دإريكو (D’Errico) أفكاره في عام 2018، كان يغامر بدخول منطقة اكتشفها عدد قليل من الباحثين: جذور الأرقام القديمة. يقول راسل غراي (Russell Gray)، باحث في علم الأحياء التطورية في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في لايبزيغ بألمانيا: “لا يزال أصل الأرقام شاغرًا نسبيًا في البحث العلمي”. الباحثون لا يتفقون حتى، في بعض الأحيان، على ماهية الأرقام، على الرغم من أن الدراسة التي نشرت في عام 2017 (انظر 4) عرفتّها على أنها وحدات منفصلة ذات قيم دقيقة (مضبوطة exact) تُمثَل برموز في شكل كلمات (مكتوبة بكلمات) ورموز (أرقام).
أصل الأرقام يجذب حاليًا اهتمامًا متزايدًا حيث يعالج باحثون من تخصصات متنوعة المسألة من وجهات نظر مختلفة.
يدرس باحثو علوم الإدراك والأنثروبولوجيا والنفس في الثقافات المعاصرة ليفهموا الاختلافات بين أنظمة العد الحالية (5) – التي تُعرّف على أنها الرموز التي يستخدمها المجتمع لحساب الأعداد ومعالجتها. أملهم هو أن القرائن المكتَنزة في أنظمة العد الحديثة (4) قد تسلط الضوء على تفاصيل أصولها. في غضون ذلك، بدأ باحثو علم الآثار في البحث عن أدلة على رموز الأعداد / الأرقام القديمة، وبدأ باحثو علم الأحياء التطورية المهتمون باللغة يستكشفون الأصول العميقة للأعداد / الأرقام المكتوبة بالكلمات. دفعت هذه الدراسات الباحثين إلى صياغة بعض الفرضيات التفصيلية الأولى لتطور أنظمة العد في عصور ما قبل التاريخ.
وسيؤدي ضخ المزيد من التمويل إلى تحفيز المزيد من الدراسات في هذا المجال. هذا العام ، سيبدأ فريق بحث دولي بمنحة قدرها 10 ملايين يورو (11.9 مليون دولار أمريكي) من مجلس البحوث الأوروبي في اختبار فرضيات مختلفة، كجزء من جهود واسعة لدراسة متى ولماذا وكيف ظهرت أنظمة العد وانتشرت حول العالم. قد يوفر المشروع، المسمى تطور الأدوات المعرفية للتقديرات الكمية (QUANTA) ، نظرة ثاقبة بشأن ما إذا كانت أنظمة العد (5) فريدة من نوعها للبشر الذين ينتمون تشريحيًا للانسان الحديث، أو كانت ربما موجودة في جذور نشوئها في إنسان النياندرتال.
غريزة للأرقام
على الرغم من أن الباحثين اعتقدوا ذات مرة أن البشر هم النوع الوحيد الذي لديه إحساس بالكمية / المقدار / الحجم (quantity) ، إلا أن الدراسات التي أجريت منذ منتصف القرن العشرين كشفت أن العديد من الحيوانات لها هذه القدرة. على سبيل المثال، تتمكن الأسماك والنحل والكتاكيت حديثة الولادة (6) من التعرف فوريًا على الكميات / المقادير التي تصل إلى أربعة، وهي مهارة تُعرف باسم معرفة عدد الاشياء بسرعة وبدون عد [ترجمة لعبارة subitizing]. بعض الحيوانات قادرة أيضًا على “التمييز بين الكميات الكبيرة”: إذ يمكنها تقدير الفرق بين كميتين كبيرتين إذا كانتا متمايزتين بدرجة كافية.
تتمكن الكائنات التي تمتلك هذه المهارة، على سبيل المثال، التمييز بين 10 أشياء من 20 شيئًا، ولكن ليس 20 من 21. لدى الأطفال الرضع البالغين من العمر ستة أشهر قدرة مماثلة على تقدير الكمية / الحجم / المقدار، حتى قبل أن يكونوا قد تعرضوا تعرضًا معتدًا به لثقافة (7) أو لغة بشرية.
ما يوحي به كل هذا، كما يقول أندرياس نيدر (Andreas Nieder)، باحث في علم الأعصاب من جامعة توبنغن بألمانيا، هو أن البشر لديهم تقدير فطري للأرقام / للأعداد. وقد نشأت من خلال عمليات تطورية كالانتقاء الطبيعي، كما يقول، لأن من شأن هذه القابلية أن تحمل فوائد تكيفية.
يفسر البعض الآخر الأدلة بشكل مختلف. رافائيل نونيز (Rafael Núñez)، باحث في علم الإدراك من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وأحد قادة مشروع (QUANTA)، قبِل فكرة أن الكثير من الحيوانات قد يكون لديها تقدير فطري للكميات / الحجوم / المقادير.
ومع ذلك، يناقش رافائيل بأن الادراك الحسي البشري بالأرقام عادة ما يكون أكثر تعقيدً، ولا يمكن أن يكون قد نشأ من خلال عملية كعملية الانتقاء الطبيعي. ولكن العديد من جوانب الأرقام ، كالكلمات المنطوقة والرموز المكتوبة المستخدمة لتمثيلها، لا بد أن تكون ناجمة عن طريق التطور الثقافي – وهي عملية يتعلم فيها الأشخاص من خلال التقليد أو التدريس المقصود لتبني مهارة جديدة (مثل كيف تستخدم أداة ما).
على الرغم من أن العديد من الحيوانات لديها سلوكيات وعادات اجتماعية [ثقافة culture]، إلا أن الثقافة التي تنطوي علي أرقام/ أعداد هي ثقافة فريدة بالإنسان بشكل أساسي. تم تعليم عدد من الشمبانزي في الأسر (في حديقة حيوان) لاستخدام رموز مجردة لتمثيل الكميات / المقادير / الحجوم ، ولكن لا الشمبانزي ولا أي أنواع أخرى من التدييات غير البشرية (nonhuman) تستخدم مثل هذه الرموز في العالم الطبيعي. يقترح نونيز (Núñez) أنه يجب بالتالي التمييز بين ما أطلق عليه الإدراك “الكمي” الفطري المشاهد في الحيوانات والإدراك “الكمي” (8) المكتسب المشاهد عند البشر (4).
لكن لا يتفق الجميع على هذا الرأي. يناقش نيدر (Nieder) بأن دراسات العلوم العصبية تُظهر أوجه تشابه واضحة بين الطريقة التي تتم بها معالجة الكميات / المقادير / الحجوم في أدمغة الثدييات غير البشرية وكيفية معالجة الدماغ البشري للأرقام / للأعداد. ويقول إن رسم خط دقيق للغاية بين السلوكين شيء مضلل (9) ، على الرغم من أنه وافق على أن قدرات البشر للتعامل مع الأرقام / الأعداد ( انظر مثلاً اختبار الاستدلال العددي في 10) أكثر تقدمًا من تلك الخاصة بأي حيوان آخر. يقول: “لا يوجد بالفعل حيوان من الثدييات [غير البشرية] قادر على تمثيل رموز الأرقام / الأعداد”.
يمكن أن يساعد تحليل دايريكو (D’Errico) لعظم البراديليس (Les Pradelles) في تقديم بعض الرؤى الثاقبة عن كيف تشكلت المراحل الأولى من أنظمة العد (4). درس دايريكو الحزوز التسعة تحت المجهر الضوئي ، وقال إن أشكالها وأعماقها والتفاصيل الأخرى متشابهة لدرجة أنها تبدو أنها صنعت كلها باستخدام نفس الأداة الحجرية الممسوكة بنفس الطريقة. يشير هذا إلى أن كل شيء تم عمله من قبل شخص واحد في جلسة واحدة ربما استمرت بضع دقائق أو ساعات. (في وقت آخر، تم نحت ثمانية حزوز أقل عمقًا على العظم أيضًا).
ومع ذلك، لا يعتقد دايريكو أن هذا الشخص الذي قام بعمل هذه المنحوتات كان ينوي إنتاج نمط زخرفي لأن النقوش غير منتظمة. للمقارنة، قام دايريكو بتحليل الحزوز السبعة على عظم غراب عمره 40 ألف عام من موقع لإنسان لنياندرتال في شبه جزيرة القرم. يُظهر التحليل الإحصائي أن الحزوز الموجودة على هذا العظم متباعدة من نفس نوع الانتظام المشاهد حين يُعطى المتطوعون الحديثون قطعة عظمة مماثلة ويُطلب منهم وضع علامات / حزوز متباعدة بشكل متساوٍ عليها (11). لكن هذا النوع من التحليل يظهر أيضًا أن الحزوز الموجودة على عظم البراديليس (Les Pradelles) تفتقر إلى مثل هذا الانتظام. هذه الملاحظة (12) – وحقيقة أن الحزوز عملت في جلسة واحدة – دفعت دايريكو إلى اعتبار أنها ربما كانت وظيفية فحسب، مما يوفر سجلاً لمعلومات رقمية.
علامات تدل على التعقيد
عظم البريدليس ليس اكتشافًا معزولًا. على سبيل المثال ، أثناء الحفريات (التنقيب) في كهف بوردر (Border) في جنوب إفريقيا، اكتشف باحثو علم الآثار عظمة ساق خارجي لبابون (قرد ضخم) يبلغ عمرها حوالي 42 ألف عام عليها أيضًا حزوز. يشتبه دايريكو في أن البشر المعاصرين من الناحية التشريحية الذين عاشوا هناك في ذلك الزمن قد استخدموا هذه العظمة لتسجيل المعلومات الرقمية عليها. في حالة هذه العظمة، يشير التحليل المجهري لحزوزها البالغ عددها 29 حزًا إلى أنها قد نحتت باستخدام أربع أدوات مختلفة عن بعضها، وبالتالي فهي تمثل أربع حالات عد، والتي يعتقد دايريكو أنها حدثت في أربع مناسبات منفصلة (3)، علاوة على ذلك، كان يقول إن الاكتشافات على مدار العشرين عامًا الماضية تثبت أن البشر القدامى بدأوا في إنتاج نقوش مجردة ، والتي تشير إلى الإدراك المعقد، قبل مئات آلاف السنين مما كان يُعتقد في السابق.
في ضوء هذه الاكتشافات، طور دايريكو سيناريوًا لشرح كيف نشأت أنظمة العد (4) خلال قيامهم بإنتاج مثل هذه المصنوعات اليدوية. فرضيته هي واحدة من اثنتين فقط الذي تم نشرهما حتى الآن عن أصل الأرقام. الأعداد في عصور ما قبل التاريخ.
ويقترح أن كل شيء بدأ عن طريق الصدفة، حيث ترك البشر الأوائل (hominins) آثارًا على العظام عن غير قصد أثناء ذبح الحيوانات. في وقت لاحق، حقق البشر الأوائل قفزة معرفية عندما أدركوا أنه بإمكانهم تمييز العظام عن قصد لإنتاج تصميمات مجردة – مثل تلك التي شوهدت على صدفة عمرها حوالي 430 ألف عام عثر عليها في ترينيل (Trinil) في إندونيسيا (13). في مرحلة ما بعد ذلك، حدثت قفزة أخرى: بدأت نقوش / علامات (marks) معينة تكتسب معنىً، وربما بعضها يرمّز (يكتنز) معلومات رقمية. من المحتمل أن يكون عظم ضبع البراديليس هو أول مثال معروف لهذا النوع من وضع العلامات، كما يقول دايريكو. يعتقد دايريكو أنه بمزيد من القفزات، أو ما يسميه التكيفات الثقافية المسبقة (لتعريف التكيفات المسبقة، راجع 14) ، أدت هذه الحزوز في النهاية إلى ابتكار رموز الأعداد (الأرقام) مثل 1 و 2 و 3 ) (انظر 15).
يقر دايريكو بوجود ثغرات في هذا السيناريو. ليس من الواضح ما هي العوامل الثقافية أو الاجتماعية التي ربما شجعت البشر الأوائل على البدء في وضع حزوز على العظام أو المصنوعات اليدوية الأخرى بشكل مقصود، أو بعد ذلك لتسخير هذه العلامات لتسجيل / حفظ المعلومات الرقمية. سيستخدم مشروع (QUANTA) بيانات من الأنثروبولوجيا والعلوم المعرفية واللسانيات وعلم الآثار لفهم هذه العوامل الاجتماعية بشكل أفضل، كما يقول دايريكو (D’Errico) ، وهو أحد الباحثين الأربعة الرئيسيين في المشروع.
قضية عليها خلاف مستمر
ومع ذلك، فإن الباحث نونيز (Núñez) في مشروع (QUANTA)، جنبًا إلى جنب مع بعض الباحثين الذين لم يشاركوا في المشروع ، يحذرون من أن القطع الأثرية القديمة مثل عظم البرايدليس (Les Pradelles) يصعب تفسيرها. كارينلي أوڤرمان (Karenleigh Overmann)، باحثة في علم الآثار المعرفي بجامعة كولورادو في مدينة كولورادو سبرينغز، سلطت الضوء على تلك الصعوبات من خلال الاستشهاد بمثال عصي الرسائل التي يستخدمها السكان الأصليون الأستراليون. هذه العصي، التي عادة ما تكون مسطحة أو ذات أطوال أسطوانية من الخشب، مزينة بحزوز قد تبدو وكأنها ترمز / تشفر (تكتنز) معلومات رقمية – لكن الكثير منها لا يبدو كذلك.
يتفق بيرس كيلي، عالم الأنثروبولوجيا اللغوية في جامعة نيو إنغلاند في أرميدال بأستراليا، الذي أجرى مراجعة لعصا الرسائل (16)، مع وجهة نظر أوڤرمان. يقول إن بعض عصي الرسائل محفورة / منقوشة بعلامات تشبه عصا ما قبل التاريخ (tally stick) [والتي تستخدم وسيلة للتذكر تُسجل عليها أرقام وحجوم وحتى رسائل, بحسب 17] ، لكنها غالبًا ما تعمل كوسيلة مساعدة للذاكرة البصرية لمساعدة من يُرسل بالرسائل على تذكر تفاصيل الرسالة التي يسلمها لأصحابها. يقول كيلي: “يستخدمونها لتذكر إعادة سرد قصة لا حساب كمية / حجم”.
يقول وونيونغر (Wunyungar)، وهو أسترالي من السكان الأصليين وعضو في مجتمعات غورونج غورنج (Gooreng Gooreng) و واكا واكا (Wakka Wakka)، إن العصي قد تنقل رسالة من أي عدد من الرسائل المميزة. يقول: “بعضها يستخدم في التجارة – تجارة الأغذية أو الأدوات أو الأسلحة”. “عصي أخرى قد تحمل رسائل السلام بعد الحرب”.
طورت اوڤرمان (Overmann) فرضيتها الخاصة لشرح كيف يمكن أن تكون أنظمة العد (4) قد ظهرت في عصور ما قبل التاريخ – وهي مهمة أصبحت أكثر سهولةً من خلال حقيقة أن مجموعة متنوعة من أنظمة العد لا تزال قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، أفاد اللغويان كلير باورن (Claire Bowern) وجيسون زينتز (Jason Zentz) من جامعة ييل في مدينة نيو هاڤن في ولاية كونيتيكت، في استطلاع عام 2012 أن 139 لغة أسترالية من لغات السكان الأصليين لها حد عد أعلى متكون من “ثلاثة” أو “أربعة” لأرقام محددة. بعض هذه اللغات تستخدم محددات الكم الطبيعية مثل “عدة several” و “العديد many” للإشارة إلى قيم عليا (18). حتى أن هناك جماعة واحدة، وهي شعب ال بيراها (Pirahã) في منطقة الأمازون البرازيلية، يُزعم أحيانًا أنها لا تستخدم الأرقام مطلقًا (19).
تؤكد أوڤرمان وباحثون آخرون أنه لا يوجد شيء ناقص من الناحية الفكرية في المجتمعات التي تستخدم أنظمة العد البسيطة نسبيًا. لكنها تساءلت عما إذا كانت مثل هذه المجتمعات قد تقدم قرائن على الضغوط الاجتماعية التي تدفع إلى تطوير أنظمة عد أكثر تفصيلاً.
الاعتماد على الممتلكات
في دراسة أجريت عام 2013 (انظر 20)، حللت أوڤرمان البيانات الأنثروبولوجية المتعلقة بـ 33 مجتمعًا من مجتمعات الصيادين – الجامعين المعاصرة في جميع أنحاء العالم. اكتشفت أن أولئك الذين لديهم أنظمة عد بسيطة (الحد الأعلى لا يزيد عن “أربعة”) غالبًا ما يملكون القليل من الممتلكات المادية، كالأسلحة أو الأدوات أو المجوهرات. أولئك الذين لديهم أنظمة مستفيضة (الحد الرقمي أعلى بكثير من “أربعة”) كان لديهم دائمًا مجموعة غنية بالممتلكات. الأدلة أوحت ل أوڤرمان أن المجتمعات قد تحتاج إلى مجموعة متنوعة من الممتلكات المادية إذا أرادت تطوير أنظمة العد هذه.
في المجتمعات التي لديها أنظمة عد معقدة، كانت هناك قرائن على كيف تطورت هذه الأنظمة. وبشكل ملحوظ، أشارت أوڤرمان إلى أنه من الشائع أن تستخدم هذه المجتمعات أنظمة عد خماسية (أساس 5) (انظر 21) أو نظام عد عشري أو نظام عد عشريني (قاعدة 20) (انظر 22). هذا أوحى لها أن العديد من أنظمة العد بدأت بمرحلة عد بالأصابع.
وفقًا ل أوڤرمان، فإن مرحلة العد بالأصابع هذه هامة. وهي من دعاة نظرية المشاركة المادية (MET) (معلومات أوفى عن هذه النظرية في 23) ، وهي إطار عمل ابتكره منذ حوالي عقد من الزمان باحث الآثار المعرفي لامبروس مالافوريس (Lambros Malafouris) من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة (24). توكد نظرية (MET) أن العقل يمتد (يستطيل) إلى ما وراء الدماغ وإلى أشياء / أجسام، مثل الأدوات أو حتى أصابع الشخص. هذا الامتداد (الاستطالة) يسمح بإدراك الأفكار ماديًا؛ لذلك، في حالة العد، تقترح نظرية (MET) أن الصياغة المفاهيمية للأرقام يمكن أن تشمل الأصابع. هذا يجعل الأرقام ملموسة بشكل أكثر ويسهل من جمعها أو طرحها.
جادل أوڤرمان أن المجتمعات التي تجاوزت نظام العد بالأصابع فعلت ذلك، لأنها طورت حاجة اجتماعية أكثر وضوحًا للأرقام. وربما ما هو أكثر وضوحًا هو أن المجتمع الذي لديه المزيد من الممتلكات المادية لديه حاجة أكبر للعد (ولعد أرقام أعلى بكثير من الرقم “أربعة”) لتتبع هذه الأشياء.
تعتقد أوڤرمان (Overmann) أن نظرية (MET) تعني أن هناك طريقة أخرى للممتلكات المادية ضرورية لتطوير أنظمة العد. أداة يدوية مثل عصاة ما قبل التاريخ (tally) تصبح أيضًا امتدادًا (استطالةً) للعقل، وضع علامات على حزوز على العصا القديمة (tally) يساعد في تثبيت الأرقام وترسيخها حين يقوم الشخص بالعد. كان من الممكن أن تكون هذه الوسائل حاسمة في العملية التي بدأ من خلالها البشر في العد حتى أعداد / أرقام كبيرة (25).
في النهاية، كما تقول أوڤرمان، تحركت بعض المجتمعات إلى ما بعد عصي ال (tally) القديمة. حدث هذا لأول مرة في بلاد ما بين النهرين في وقت قريب من ظهور المدن هناك، مما خلق حاجة أكبر للأرقام لتتبع الموارد والناس. تفيد الأدلة الأثرية إلى أنه قبل 5500 عام ، بدأ بعض سكان بلاد ما بين النهرين في استخدام الرموز (token) الطينية الصغيرة كوسائل للعد (26).
وفقًا لـ أوڤرمان، توحي نظرية (MET) أن هذه الرموز الطينية كانت أيضًا امتدادات (استطالات) للعقل ، وأنها عززت ظهور خصائص عددية جديدة. على وجه الخصوص ، جاءت أشكال هذه الرموز الطينية المميزة لتمثل قيمًا مختلفة: 10 رموز طينية مخروطية الشكل صغيرة تعادل رموز طينية كروية الشكل و 6 رموز طينية كروية الشكل تعادل رموز طينية مخروطية الشكل كبيرة. وجود رموز طينية مخروطية الشكل كبيرة، كل منها يعادل 60 رمزًا طينيًا مخروطي الشكل صغيرًا، سمحت لبلاد ما بين النهرين بالعد إلى الآلاف باستخدام عدد قليل نسبيًا من هذه الرموز الطينية.
تقول أندريا بندر (Andrea Bender)، باحثة في علم النفس في جامعة بيرغن في النرويج وقائدة أخرى لمشروع (QUANTA) ، إن أعضاء الفريق يخططون لجمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات المتعلقة بأنظمة العد في العالم. هذا العمل من شأنه أن يسمح لهم باختبار فرضية أوڤرمان (Overmann) بأن أعضاء الجسم والمصنوعات اليدوية ربما ساعدت المجتمعات على تطوير أنظمة عد تساعدهم في نهاية المطاف على العد حتى الآلاف وما فوقها. لكن بندر تقول إنها وزملاؤها لا يفترضون مسبقًا أن أفكار أوڤرمان القائمة على نظرية (MET) صحيحة.
البعض الآخر كان أكثر حماسًا. يقول كريم زاهدي (Karim Zahidi)، الفيلسوف بجامعة أنتويرب (Antwerp) في بلجيكا، إنه على الرغم من أن سيناريو أوڤرمان لا يزال غير مكتمل ، إلّا أنه يتمتع بإمكانية حقيقية لشرح تطور أنظمة العد المعقدة المستخدمة اليوم.
الأدلة اللغوية
تقر أوڤرمان بأن فرضيتها سكتت حيال مشكلة واحدة: متى بدأت المجتمعات البشرية في عصور ما قبل التاريخ في تطوير أنظمة العد. قد تقدم اللغويات بعض المساعدة هنا. يشير أحد الأدلة إلى أن الأعداد / الأرقام المكتوبة بالكلمات [المترجم: يُكتب واحد بدل 1] يمكن أن يكون لها تاريخ يمتد إلى ما لا يقل عن عشرات الآلاف من السنين.
أمضى باحث علم الأحياء التطورية مارك باغل (Mark Pagel) من جامعة ريدينغ (Reading) بالمملكة المتحدة وزملاؤه سنوات عديدة في استكشاف تاريخ الكلمات في عائلات اللغات الحية، بمساعدة الأدوات الحسابية التي طوروها في البداية لدراسة التطور (evolution) البيولوجي. بشكل أساسي ، عوملت الكلمات على أنها كيانات إما أن تظل مستقرة / ثابتة أو يتُفوق عليها تنافسيًا وتُستبدل مع انتشار اللغات وتنوعها. على سبيل المثال ، كلمة “water” الإنجليزية و كلمة “wasser” الألمانية مرتبطتان ارتباطًا واضحًا، مما يجعلهما كلمتين مشتركتين لفظيًا مشتقتين من نفس الكلمة القديمة – مثال على الاستقرار / الثبات. لكن “hand” الإنجليزية تختلف عن “mano” الإسبانية – دليل على استبدال الكلمات في وقت ما في الماضي. بتقييم مدى تكرار حدوث مثل أحداث التبديل هذه على مدى فترات زمنية طويلة، من الممكن تقدير معدلات التغيير واستنتاج مدى قدم الكلمات.
باستخدام هذه المقاربة، أظهر باغل (Pagel) وأندرو ميد (Andrew Meade) من جامعة ريدينغ أن الأرقام المكتوبة بالكلمات ذات القيمة المنخفضة (من “واحد” إلى “خمسة”) هي من بين أكثر الميزات ثباتًا في اللغات المنطوقة (27). في الواقع ، إنها نادرًا ما تتغير عبر عائلات اللغات (28) – مثل عائلة لغة الهندو أوروبية، والتي تضم العديد من اللغات الأوروبية الحديثة ولغات جنوب آسيا – ما يبدو أنها كانت مستقرة / ثابتة فيما بين 10 آلاف و 100 ألف سنة.
هذا لا يثبت أن الأرقام من “واحد” إلى “خمسة” مشتقة من الكلمات القديمة المتشابهة لفظيًا التي تم التحدث بها لأول مرة منذ عشرات الآلاف من السنين، ولكن باغل يقول إنه على الأقل “من المعقول” أن الشخص الأوراسي الحديث يفهم الشخص الأوراسي من العصر الحجري القديم عندما يتعلق الأمر بمثل هذه الأعداد المكتوبة كلاميًا.
حظي عمل باغل بمعجبين، بما فيهم غراي (Gray)، وهو أحد قادة مشروع (QUANTA) ، لكن بعض باحثي علم اللغات القديمة تحدى ادعاءاته هذه. يقول دان رينغ (Don Ringe)، وهو لغوي تاريخي من جامعة بنسلفانيا في مدينة فيلادلفيا، ليس من الواضح أن ثبات الأرقام ذات القيمة المنخفضة المكتوبة بالكلمات يمكن أن يعود بعيدًا إلى عصور ما قبل التاريخ ، بمعزل عن مدى الاستقرار الذي تبدو عليه خلال الآلاف من السنين الأخيرة.
كل هذا يضيف إلى عدد كبير من الأسئلة المفتوحة حول متى وكيف بدأ البشر في استخدام الأرقام أول مرة. ولكن على الرغم من الجدل الدائر حول هذه الأسئلة، يتفق الباحثون على أنه موضوع يستحق المزيد من الاهتمام. “الأرقام أساسية جدًا لكل ما نفعله”، كما يقول غراي. “من الصعب تصور حياة بشرية بدون أرقام”.
ربما اكتسبت الأرقام هذه الأهمية في أعماق عصور ما قبل التاريخ. عظم البابون (baboon) المحزز من كهف بوردر (Border) في جنوب أفريقيا تآكل حتى اختفت حزوزه ، مما يشير إلى أن قدامى البشر استخدموه على مدار سنوات عديدة. يقول دايريكو: “كان من الواضح أنه وسيلة هامة للشخص الذي أنتجه”.
الأمر ليس كذلك بالنسبة لعينة عظم الضبع من البرايديليس، الذي يفتقر إلى هذا السطح الأملس. لو كان هذا العظم لا زال يحتفظ بمعلومات رقمية، فقد لا يكون ذلك بنفس الأهمية في ذلك الزمان. في الواقع، على الرغم من أن دايريكو (D’Errico) وزملاءه قد أمضوا ساعات كثيرة جداً في تحليل العظم ، إلا أنه يقول إنه من المحتمل أن الإنسان البدائي الذي قطع عظم فخذ الضبع هذا قبل حوالي 60 ألف عام استخدمه لوقت قصير جدًا قبل أن يرميه جانبًا.
*قدم له وراجعه عادل عبد الله البشراوي، باحث في علم الانسان القديم.
*توضيح من المراجع: عادل عبدالله البشراوي*
هناك نقطة أتصور أنها تحتاج شيء من التوضيح وخصوصا للذين يتعاطون مع دراسة تطور البشر. والنقطة تعنى بمدلولية مصطلح (AMH) (Anatomically modern humans). المصطلح يحاول وضع تصنيف للبشر الحديث منطلقا من التركيبة التشريحية للجسد.
قد يتساءل أحدهم، لماذا لا نكتفي باسم هوموسابينز فهو المعرف المشهور للبشر الحديث؟
الإجابة على ذلك هي أن تعريفه بهوموسابيز أصبح يعاني من بعض المصداقية في أحيان كثيرة وخصوصا مع ظهور دراسات حديثة تتناول بقايا بشر تميزها صفات متداخلة فلا يسهل تصنيفها السلالي. فهي تحوي صفات من هوموسابينز وأخرى من النيانديرتال ومن هوموهايدلبيرغنسيس ومن سلالات أخرى. ولذلك واحترازا للمصداقية تم اللجوء إلى علم التشريح للإحتكام له.
فمصطلح (AMH) أو المنتمون تشريحيا للبشر الحديث، وكما يفهم من كلمات المصطلح معني بتعيين البشر الحديث بصفات تشريحية واضحة تتضمن بشكل أولي على استدارة الجمجمة وعدم ظهور ملامح استطالة فيها، ووضوح كامل للجبهة وعظمة الذقن، وكذلك ضمور في عظام الوجنتين والحاجب.
وهناك صفات أخرى لكنها أقل أهمية من هذه المذكورة أعلاه، وهي ملامح تشريحية يحاول العلماء من خلالها وضع نموذجا واضحا لما يجب أن تكون عليه ملامح الرفاة المكتشفة لكي يصح تصنيفها ضمن سلالة البشر الحديث.
هذا البشر الحديث الذي ابتكر له أخيرا معرفا أكثر تخصيصا وهو هوموسابينز سابينز هو معني تحديدا بالبشر الذين عبروا مرحلة ثورة الإدراك (cognitive revolution) وهم أيضا من تميزوا بالملامح التي ذكرناها أعلاه. وتكرار كلمة سابينز الذي تعني (العاقل) هنا هي إشارة حاسمة بتأكيد خواص الإدراك الأرقى المكتسبة.
مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/أنغوليم
2- https://www.formpl.us/blog/numerical-data
3- https://royalsocietypublishing.org/doi/10.1098/rstb.2016.0518
4- https://www.cell.com/trends/cognitive-sciences/fulltext/S1364-6613(17)30048-7?_returnURL=https%3A%2F%2Flinkinghub.elsevier.com%2Fretrieve%2Fpii%2FS1364661317300487%3Fshowall%3Dtrue
5- “نظام العد (Numeral system) هو طريقة عرض الأعداد برسوم محددة والتعامل معها للتعبير عن قيمتها وكيفية تطبيق العمليات الحسابية عليها. وتستخدم أنظمة عد مختلفة لعرض الأعداد. فمثلاً العددين 16(2A) و 8(52) يعنيان نفس القيمة 10(42) ولكن بطريقة عرض مختلفة. طريقة عرض الأعداد بأنظمة مختلفة هو نفس طريقة عرض الكلمات في اللغات المختلفة فمثلاً الكلمة cheval (كلمة فرنسية) والكلمة equus (كلمة لاتينية) والكلمة horse (كلمة إنجليزية) لهم نفس معنى “حصان”. مقتبس من نص ورد على هذا العنوان : https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_عد
6- https://royalsocietypublishing.org/doi/10.1098/rstb.2016.0509
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/ثقافة
8- ” الإدراك الكمي مجال جديد في العلوم الإدراكية يطبق الصورية الرياضية للميكانيكا الكمية لتمثيل الظواهر مثل معالجة المعلومات بالدماغ البشري واتخاذ القرار والحفظ و الفهمو الحكم و الإدرا” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/الإدراك_الكمي
9- https://www.cell.com/trends/cognitive-sciences/fulltext/S1364-6613(17)30057-8?_returnURL=https%3A%2F%2Flinkinghub.elsevier.com%2Fretrieve%2Fpii%2FS1364661317300578%3Fshowall%3Dtrue
10- https://www.shl.com/shldirect/ar/example-questions/numerical
11- https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0173435
12- https://www.nature.com/articles/d41586-018-02357-8
13- https://www.nature.com/articles/nature13962
14- https://ar.wikipedia.org/wiki/تكيف_مسبق
15- https://link.springer.com/article/10.1007/s13752-018-0306-x
16- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/1359183519858375
17-https://en.m.wikipedia.org/wiki/Tally_stick
18- https://muse.jhu.edu/article/503978
19- https://www.journals.uchicago.edu/doi/10.1086/431525
20- https://www.cambridge.org/core/journals/cambridge-archaeological-journal/article/abs/material-scaffolds-in-numbers-and-time/25EB14BF7B51E89A5839784DCF15CEE2
21- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_عد_خماسي
22- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_عد_عشريني
23- https://link.springer.com/article/10.1007/s11097-018-9596-5
24- https://mitpress.mit.edu/books/how-things-shape-mind
25- https://brill.com/view/journals/jocc/17/3-4/article-p354_354.xml
26- https://sites.utexas.edu/dsb/tokens/tokens/
27- https://royalsocietypublishing.org/doi/10.1098/rstb.2016.0517
28- https://ar.wikipedia.org/wiki/أسرة_لغات
المصدر:
https://www.nature.com/articles/d41586-021-01429-6