Jebel Sahaba: A succession of violence rather than a prehistoric war
مقدمة عادل عبدالله البشراوي*
التقرير لم يتعرض للهوية الجينية للرفاة المعثور عليها في مقبرة الصحابة الواقعة في مدينة دنقلا شمال السودان، ولا ندري فقد تكون الدراسة المبني عليها التقرير ناقشت انتماءها الجيني. ولكن إلى أن يتم لنا التحقق من ذلك دعونا نناقش خلفيات التقرير.
قد يتبادر للقاريء أننا نتحدث عن رفاة المقبرة العائدة لشهداء المعركة التي دارت بين معسكر الصحابي عبدالله بن أبي السرح وبين أهالي تلك المنطقة التي جرت بداية توسع الإسلام في إفريقيا، وذلك لاقتران اسم المقبرة بكلمة “الصحابة”. ولكن الدراسة عنيت برفاة سبقت تاريخ الإسلام بآلاف مؤلفة من السنين.
تستعرض الدراسة المترجمة أدناه تفاصيل جديدة عن تلك الرفاة البالغ عمرها أكثر من 13 ألف سنة. فرغم أن الرفاة قد تم التعرف عليها منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن بيانات حديثة تم كشفها مؤخرا، وذلك بالإستعانة بتقنيات دراسة حديثة. وقد أفرزت الدراسة بيانات عن طبيعة المواجهات التي تبين أنها لم تنتج عن مواجهة واحدة، بل تتابع لمواجهات مستمرة. وكذلك عن حجم الإصابات وطبيعتها، وأشكال الأسلحة المستخدمة التي تبين أنها كانت عبارة عن أسهم ورماح وقطع حادة جميعها صنعت بتقنيات العصر الحجري الحديث. وهو واقعًا الشيء المتوقع للفترة الزمنية التي جرت فيها المواجهات.
وفي التقرير بيانات أخرى سوف تقرأونها، أما أنا فسوف أركز على عبارة وردت في آخره تتحدث عن (بداية الفترة الرطبة الإفريقية) وهو مايبرر تساؤلي في مقدمة حديثي عن التحورات الجينية.
لعل أكثر ما شد انتباهي في التقرير هو عمر الرفاة التي تم تزمينها إلى ما قبل 13 ألف سنة، فهذه الفترة التي تقع قبيل العصر النيوليثي (الحجري الحديث) لها أهمية عظمى في عمر البشرية. حيث أنها تزامنت مع حدوث أهم متغيرين مناخيين خلال المائة ألف سنة الماضية. هذان المتغيران هما تراجع آخر مد جليدي ودخول المناطق التي تقع على مدار السرطان فتراتها المطيرة أو الرطبة كما وصفها التقرير المترجم أدناه.
تسبب المتغيران بانطلاق هجرات متتابعة من كل مناطق العالم نحو بيئات تتوفر فيها سبل عيش أفضل، وكان نصيب المناطق الواقعة حول مدار السرطان قدرًا كبيرًا من هذه الهجرات. ولذلك فقد حظيت جغرافيا الهلال الخصيب وشمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية بتدافع غزير من هجرات قبائل الشمال. ولابد لهذه الهجرات أن تتسبب في مواجهات يتنازع فيها المهاجرون الجدد مع السكان المحليين على مواقع الماء والكلأ. وهو واقعًا ما تظهره آثار الإحتراب على الرفاة محل الدراسة أدناه.
فآثار الإحتراب هذه التي تناولتها الدراسة وإن كانت معنية فقط برفاة مقبرة الصحابة، إلا أنها قادرة على توفير تصور لعديد من المواجهات الدامية التي حدثت في كل مواجهة مماثلة في تلك الفترة، وغالبًا باستخدام أسلحة مشابهة لها في الصنع.
لا أستطيع تعيين هويات الجهات المحتربة ومن أين أتوا، وذلك لما ذكرته في المقدمة من عدم تناول الدراسة التحورات الجينية، ولكني لا أستبعد أن يكون المهاجرون جاؤوا ضمن موجات من الهلال الخصيب ومن تلك الثقافات النطوفية والكبارية التي ثبت تمددها أيضا في تلك الفترة نحو عمق شبه الجزيرة العربية.
دراسات متتالية كهذه كفيلة بأن توفر لنا كمًا من البيانات يمكننا رسم صورة أكثر اكتمالًا لحقيقة الهجرات التي أفرزت لنا الخريطة الديموغرافية لبشر اليوم.
( الدراسة المترجمة )
- منذ ستينيات القرن الماضي، أصبحت مقبرة جبل الصحابة (وادي النيل، السودان حاليًا، 1) شعارًا للحرب المنظمة خلال عصور ما قبل التاريخ.
- لكن إعادة تحليل البيانات أوحت بسلسلة من الصراعات الصغرى.
- التنافس على الموارد ربما يكون أحد أسباب النزاعات التي شهدتها هذه المقبرة
منذ اكتشافها في الستينيات من القرن الماضي، تعتبر مقبرة جبل الصحابة (وادي النيل ، السودان)، التي يبلغ عمرها 13 ألف عام، واحدة من أقدم الشواهد على حرب ما قبل التاريخ. ومع ذلك، أعاد باحثون من المركز الوطني للبحث العلمي وجامعة تولوز – جان جوريس (Jean Jaurès) (انظر 2) تحليل العظام المحفوظة في المتحف البريطاني في لندن وأعادوا تقييم سياقها الأثري. تٌثبت النتائج، التي نُشرت في مجلة التقارير العلمية (Scientific Reports) في 27 مايو 2021 (انظر 3) أن النزاع لم يكن نزاعًا مسلحًا واحدًا بل سلسلة متتالية من أحداث عنف، والتي ربما تفاقمت بسبب تغير المناخ.
الكثير من المدفونين في مقبرة جبل الصحابة عليهم آثار إصابات نصفهم بسبب المقذوفات التي وجدت مدبباتها في العظام أو في المدفن حيث مدافن الجثث. ومع ذلك، فإن أخذ التفسير كدليل على الموت الجماعي بسبب نزاع مسلح واحد (مفرد) بقي موضع نقاش حتى أجرى فريق من باحثي علم الأنثروبولوجيا وباحثي علم ما قبل التاريخ والجيوكيميائيين دراسة جديدة، استمرت من 2013 إلى 2019 على آلاف العظام وحوالي مائة قطعة حجرية ذات علاقة والمقبرة بأكملها (الآن هي مغمورة تحت بحيرة أسوان).
أعيد فحص عظام 61 جثة، بما فيها التحليل المجهري للتمييز بين آثار الإصابة والضرر الناتج بعد الدفن. تم التعرف على حوالي مائة اصابة جديدة سواءً التأمت أو لم تلتئم، بعضها يحتوي على رقائق حجرية غير معروفة سابقًا لا تزال مغروسة في العظام. بالإضافة إلى العشرين شخصًا تم التعرف عليهم بالفعل، هناك 21 هيكلًا عظميًا فيها اصابات، وكلها تقريبًا توحي بالعنف بين الأشخاص، مثل آثار لتأثير قذيفة أو كسور بالإضافة إلى ذلك، أصيب 16 شخصًا بإصابات ملتئمة وغير ملتئمة ، مما يشير إلى حوادث متكررة من العنف على مدار حياة الشخص، لا من نزاع واحد.
تدعم هذه الفرضية حقيقة أن بعض الهياكل العظمية يبدو أنها تعرضت للاختلال بسبب عمليات الدفن اللاحقة. والمثير للدهشة أنه يبدو أن الرجال والنساء والأطفال قد عولجوا بشكل عشوائي من حيث عدد ونوع الإصابات أو اتجاه المقذوفات (4).
هذه البيانات الجديدة أيضًا تكشف أن غالبية الاصابات نتجت عن مقذوفات مركبة، رمي أسلحة (سهام أو رماح) تتكون من عدة قطع حجرية حادة، بعضها مغروس بشكل جانبي. وجود مدببات مشحوذة مختلفة، مع اختلافات في اتجاه حافة القطع توحي بأن الغرض المقصود كان احداث تمزيق ونزيف في بدن الضحية.
هذه النتائج الجديدة ترفض فرضية وجود مقبرة كارثية مرتبطة بحرب مفردة. ولكن، يشير هذا الموقع (المقبرة) إلى سلسلة من الغارات أو الكمائن المحدودة ضد هؤلاء صيادي الحيوانات -صيادي السمك -الجامعين، في وقت حدوث تقلبات مناخية كبيرة (نهاية العصر الجليدي الأخير وبداية الفترة الرطبة / المطيرة الأفريقية). تركيز المواقع الأثرية لثقافات مختلفة في منطقة محدودة من وادي النيل في هذا الزمن توحي أن هذه المنطقة كانت منطقة ملجأ لمجموعات بشرية معرضة لهذه التقلبات المناخية. لذلك، ربما كان التنافس على الموارد أحد أسباب النزاعات التي شهدتها مقبرة جبل الصحابة. يدعونا هذا التحليل، والذي غير تاريخ الصراع في عصور ما قبل التاريخ، إلى إعادة النظر في مواقع أخرى من نفس الفترة.
*قدم له وراجعه عادل عبد الله البشراوي، باحث في علم الانسان القديم.
مصادر من داخل وخارج النص:
1- “جبل الصحابة أو المقبرة 117 أو الموقع 117” موقع مقبرة تعود لعصر ما قبل التاريخفي وادي النيل (مغمورة الآن في بحيرة ناصر)، بالقرب من الحدود الشمالية للسودانمع مصر في شمال شرق أفريقيا. يرتبط بثقافة قادان، المؤرخة من حوالي 12000 إلى 15000 عام، مع وجود هيكل عظمي واحد مصنوع من الكربون المشع يرجع تاريخه إلى ما يقرب من 13،140 – 14،340 سنة. تشير تواريخ الأباتيت الأحدث إلى أن عمر الموقع لا يقل عن 11600 عام، تم اكتشافه في عام 1964 من قبل فريق بقيادة فرد فيندورف .” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان”: https://ar.wikipedia.org/wiki/جبل_الصحابة
2- “يعمل في مختبرات: “من عصور ما قبل التاريخ إلى الحاضر: الثقافة والبيئة والأنثروبولوجيا” (CNRS / جامعة بوردو / وزارة الثقافة) ، “علم الآثار وعلم النبات: المجتمعات والممارسات والبيئات” (CNRS / المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي) و “العمل والبحث الأثري حول الثقافات والأماكن والمجتمعات” (CNRS / جامعة تولوز – جان جوريس / وزارة الثقافة).
3- https://www.nature.com/articles/s41598-021-89386-y
4- “المعلومات مستقاة من مقارنات مع العمل الأثري التجريبي على تقنيات الصيد.
المصدر:
https://www.cnrs.fr/en/jebel-sahaba-succession-violence-rather-prehistoric-war