العادة وإن كانت حسنة وجميلة، تقتل الإبداع وتورث الملل وقد تسبب الخمول والكسل.
العادات الحسنة لها ميزات فهي تساعد على الأداء السلس، وتقلل الجهد والتعب وتوفر الوقت وتجعل الحركة أبسط وأسرع وأكثر دقة وتشعرنا بالاستقرار والأمان. وتلعب العادة دورًا حيويًا في حياتنا اليومية. العديد من سلوكيات الفرد هي حسب عاداته. وتطور شخصيتنا يعتمد على عاداتنا ومشاعرنا. والعادات الحميدة تجعل صاحبها انساناَ ذا شخصية محترمة. والعادة وسيلة مهمة لتقدمنا في الوضع التعليمي. في بداية الدراسة، يتهرب الطفل من المدرسة، ولكن بعد تكوين العادة، يصبح الذهاب إلى المدرسة أمرًا ممتعًا بالنسبة له. وخلال السنوات الأولى يتعلم الطفل الحروف الهجائية بسبب عادة التكرار. كما تمكنه العادة من التغلب على مهام التعلم الصعبة المختلفة من خلال اكتساب عادات جديدة. فللعادة لا شك فائدة.
الا أنه في المقابل، العادة تجعل أنشطتنا تلقائية لأنها لا تتطلب انتباهاً واعياً وبالتالي لا تحوجنا إلى عمليات عقلية أعلى مما لدينا مثل التفكير والاستدلال وتعلم أشياء جديدة والإبداع وما إلى ذلك فتصبح أفعالنا تلقائية وميكانيكية مما قد يسبب التلبد الذهني والبرود العاطفي والضمور العضلي إذا صارت العادة رتابة.
ولذلك، من الممكن ملاحظة تبلد ابناء المدللين المخدومين وتيقظ دهنيات المُعوزين العاملين وكذا ملاحظة الخلل العاطفي بين المترفين واستقراره عند المحتاجين وعلى نفس المنوال نرى قوة جسد الفلاحين وابناءهم وهزال اجسام الملاك وحاشيتهم مالم يتنبهوا لسلبيات العادات التي تسلب منهم ما تهبه الطبيعة بمتطلباتها التي ربما تكون شاقة ولكنها تساعد على يقظة عقولنا ومرونة عواطفنا وتقوية اجسادنا. الخطر من أن نصبح عبيدا لعاداتنا وارد، فالعادات، كما روي عن الأمام الحسن عليه السلام قاهرات. وعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: “للعادة على كل إنسان سلطان” ، و “العادة عدو متملك”، و “آفة الرياضة غلبة العادة”.
اكتساب العادات من طبيعة الكائنات الحية، وما العادة سوى نتيجة ممارسة ما، يحب الفرد القيام بها. فكل عادة هي نتيجة لبعض المحفزات الغريزية، لذلك ترتبط العادة دائمًا بالغريزة. فمثلما تحفز الغرائز الكائنات الحية على القيام بأنشطة مختلفة، تحفزهم العادات على الاستمرار في القيام بأنشطة يميلون اليها وتعودوا عليها. فوفقًا لعلماء السلوك، فإن “الغرائز تحفز الإنسان على القيام بتجربة معينة، لكن العادة تجعله يشعر بالقلق عندما يبتعد عن عاداته القديمة وتحثه على الركون اليها واستعادة تجاربه السابقة. ومن خصائص العادة تشكيل الرتابة في الأنشطة فتكون للفرد طريقة معينة في التحدث والنوم والمشي والأنشطة أخرى قد لا تساعده على التكيف مع الجو العام الذي قد تفرضه الظروف عليه.
والعادة مهمة لتجذير وتطوير الهواية. فنحن عندما نرغب في تعلم مهارة جديدة أو تحسين مهارة موجودة، فإننا غالبًا ما نتطلع إلى بدء عادة كخطوة أولى، فثلاً نحاول التعود على لعب الكرة فنكتسب مهارات تجعل من لعب الكرة هواية ممتعة، وكذا الأمر بالنسبة للقراءة، فنحن اذا ما عودنا انفسنا عل القراءة نطور عادة القراءة الى هواية، ومن ثم نأخذها الى مستويات ارفع في الكم والكيف مما يجعل منها هواية ممتعة. وفي نفس الوقت يجب الانتباه الى ان “التعود على العادة” لا يكون مرضيًا، كما أنه ليس جذابًا، وربما تكون هذه هي الأسباب التي تجعل البعض أكثر عرضة للفشل في تكوين الهوايات التي يريدونها.
الهواية
يمكن وصف الهواية على أنها “نشاط أو مصلحة يتم السعي لها من أجل المتعة أو الاسترخاء وليست مهنة رئيسية”. فالهوايات في الأساس هي أنشطة نختار القيام بها من أجل المتعة أو الاسترخاء في أوقات فراغنا، بعيدًا عن الالتزامات المعتادة مثل العمل أو تقديم الرعاية. يمكن للهوايات أن تضيف إحساسًا بالرضا والسعادة إلى حياتنا لأنها تجلب التنوع وتكسر الروتين. وتساعدنا في اكتشاف أشياء جديدة وتطوير مهاراتنا وشخصيتنا. عندما لا يكون لدينا شيء نفعله للاستمتاع، يمكن أن تصبح الحياة كئيبة ومملة.
ربما يكون من الصعب فهم الفرق بين كلمتي العادة والهواية لكن من الممكن القول أن الهواية هي تحويل العادة السهلة الى نشاط فيه صعوبة. “التحول الى الصعوبة” يصنع الفرق بينهما. الهواية هي نشاط منتظم يتم القيام به من أجل المتعة لا سيما خلال وقت الفراغ ويتم السعي إليها بنشاط في حين أن العادة هي عمل أو سلوك منتظم يتم اكتسابه من خلال التكرار ويغلب عليه الروتين الذي يقتل متعته. وربما تكون الهوايات مدفوعة بالاهتمام ولكن قد لا يؤدي الاهتمام بالضرورة إلى هواية. كما أن الهواية تمارس بوعي في حين أن العادة غالبًا ما تكون فعلًا لا شعوريًا. وبينما يتم جدولة الهوايات خلال أوقات الفراغ تتم ممارسة العادة في أي لحظة. والعادات، بطبيعتها، أسهل في ادائها، وبما أن البشر مخلوقات كسولة يكون لديها استعداد أكبر لفعل ما يتطلب أقل قدر من الجهد. على النقيض من ذلك، تتطلب الهوايات جهدًا تستصعبه النفس البشرية وفي كلام للجاحظ “كلما زادت فائدته صعبت على النفس ممارسته” ولكن المكافأة التي تشجع على بذل الجهد في ممارسة الهواية هو الشعور بلذة ومتعة الانجاز. كما انه يمكن لهواية واحدة جيدة أن تساعد في ضبط ايقاع الحياة.
من المؤكد أن هناك أنشطة تتشكل بمرور الوقت ونستفيد منها كعادات جيدة مثل الاستيقاظ في نفس الساعة كل يوم، وشرب الماء بانتظام، وتنظيف المنزل. ولكن هناك أيضًا جانبًا سلبيًا للعادات نتيجة عدم ممارسة الهوايات: تناول الطعام بدافع الملل، وقضاء ساعات على الإنترنت، ومشاهدة الكثير من التلفاز، والشرب أو الخروج كل ليلة من أيام الأسبوع. ولكننا إذا ركزنا بدلاً من ذلك على ممارسة الهوايات، فربما نتبع العادات الجيدة التي طالما رغبنا في اتباعها. عند البدئ تطوير الهوايات، قد نعتقد فقط اننا “نجرب شيئًا جديدًا”، وهذا ليس كافياً وعلينا تحديد الهدف وتأديته بشكل طبيعي: إكمال النشاط المطلوب، وتكون المكافأة هي النشاط نفسه.
من المرجح أيضًا أن تحدث حالة التدفق الذهني عند ممارسة الهوايات مما يزيد في النشاط عندما ندخل في حالة من التركيز والاستمتاع بدون مجهود، حيث تصبح الأهداف أكثر وضوحًا، والتحدي مقبولاً. وقد وجد عالم النفس ميهالي تشيكسينتميهالي (Mihaly Csikszentmihalyi) وهو عالم نفسي ابتكر مفهوم التأثير ومعروف بشكل خاص بعلم نفس الأثر وعلم النفس الإيجابي. أن التدفق الذهني يحدث في كثير من الأحيان في الهوايات وحتى في الرياضة أكثر من الأنشطة المعتادة بانتظام.
يكون الناس سعداء عندما يكونون في حالة تدفق، وهو نوع من الدوافع الجوهرية التي تنطوي على التركيز الكامل على الموقف أو المهمة. يوصف التدفق بأنه: “المشاركة الكاملة في نشاط من أجل المشاركة في حد ذاتها. تتلاشى الأنا. الوقت يطير. كل فعل وحركة وفكر يتبع لا محالة من سابقه، مثل عزف موسيقى الجاز. إن كيانك كله يكون منغمر في هوايتك، حيث تستخدم مهاراتك إلى الحد الأقصى الذي يمكن أن تجود به”.
مع الوقت ممكن للهواية أن تصبح عادة، مما يجعلها أقل اثارة ومتعة. ولذلك، عندما تشعر بذلك، عليك أن تبدأ في ممارسة هواية جديدة، أو الوصول إلى آفاق أعلى من الهوايات الحالية. تشير عالمة النفس بجامعة ستانفورد والباحثة الرائدة في مجال التحفيز، كارول دويك، إلى أن الجهد جزء ضروري لحياة ذات معنى، الجهد هو أحد الأشياء التي تعطي للحياة معنى. الجهد يعني أنك تهتم بشيء ما، وأن هناك شيئًا مهمًا بالنسبة لك وأنك على استعداد للعمل من أجله. وجود الإنسان سيكون فقيراً إذا لم يكن على استعداد لتقدير الأشياء والالتزام بالعمل من أجلها”.
الهوايات التي تتطلب المزيد من الجهد والتركيز والمشاركة، والتي تصنع حالة من النشوة تجعلنا نستمتع بما نعمل (تحدي) ولا نشعر بالملل، هذه النشوة تحدث أثناء ممارسة الأنشطة الجديدة أو المختلفة قليلاً عن المعتاد، الأنشطة التي نستطيع القيام بها ولكنها تتطلب نوعًا مختلفًا من الجهد والتركيز. لذلك، إذا كنت تريد تغييرًا، فكر في شيء جديد. حتى لا تصبح هوايتك عادة. فكر في النظر إلى نقطة بداية مختلفة. على سبيل المثال إذا كنت ترغب في التعود على تناول الطعام الصحي، جرب الطبخ بنفسك وتعلم وصفات جديدة. وإذا كنت ترغب في التعود على ممارسة الرياضة، إنضم إلى مجموعة لياقة بدنية لتجعل تمرينك أكثر متعة. وإذا كنت ترغب في التعود على قراءة المزيد من الكتب، كون ناديًا للكتاب مع أصدقائك. وإذا كنت ترغب في تعلم لغة جديدة، شاهد أفلام مفيدة باللغة التي تريد تعلمها. وإذا كنت ترغب في التعود على الاستيقاظ مبكرًا، انضم إلى نادي للمشي في حارتك.
المصادر:
- (https://www.psychologydiscussion.net/habit/major-advantages-and-disadvantages-of-habit-formation/636)
- https://www.psychologydiscussion.net/habits/habits-meaning-characteristics-and-role)
- (http://shiaonlinelibrary.com)
- interest vs hobby vs habit – vcd 2019 (home.blog)
- https://www.huffpost.com/entry/why-you-should-form-hobbies-instead-of-habits_b_10891506
- https://www.lifehack.org/articles/productivity/20-hobbies-which-will-make-you-more-productive.html