“صديقُك من صدَقَك لا من صدَّقك” – بقلم صادق علي القطري

   

“صديقُك من صدَقَك لا من صدَّقك”

الإمام على بن أبى طالب (عليه السلام)

الصداقة تعتبر من أسمى العلاقات الإنسانية، فهي العلاقة التي تربط بين شخصين أو أكثر، تقوم على أساس الثقة والمودة والتعاون والإخلاص، وعادة ما تميل هذه الصداقة في الاغلب للإهتمامات المشتركة والأنشطة المشتركة ، والصداقة رابط إنساني يربط هؤلاء الاشخاص بعلاقات لا تَستنزف الجهد والطاقة.

وتعد الصداقة الحقيقية من أحد نعم الله عز وجل على الإنسان ، وذلك لما لها من ضرورة حيوية في حياة الإنسان ، وهي من إحدى أهم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس ، فالإنسان قد خلقه الله عز وجل وأوجد فيه فطرة أن يكون اجتماعياً – أي أنه – ذلك الكائن الحي الذي لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يعيش منعزلاً عن الآخرين أو وحيداً دون مشاركة أفراحه وأحزانه مع غيره من البشر ، ودون أن يكون موجوداً في حياته هؤلاء الأشخاص الذين يقفون معه في المواقف الصعبة ويقومون بتقديم الدعم اللازم له.

لذلك فإن للصديق أهمية كبيرة في حياة أي إنسان ، مما يفرض عليه أن يقوم باختيار الأصدقاء الذين يتمتعون بالصفات الحميدة والأخلاق الحسنة ، والتي بالتالي سوف تنعكس عليه ، و الصديق الوفي جزءاً لا يتجزأ من حياة صديقه ، وهو ذلك الشخص الذي يقوم بمشاركته في أدق وأصغر تفاصيل حياته وصولاً إلى تفاصيل حياته الكبيرة ، و هو بمثابة كاتم أسراره الأمين ، والسند له في حياته.

فمخطئ من يظن أن الصديق الحقيقي هو الذي يوافقك دائماً على كل افعالك حتى لو كانت خطأً ويثني عليك في كل الأحوال، بل هو الشخص الصادق معك، الذي يشد من أزرك ويقف معك في الشدائد، لكنه في ذات الوقت يقوّمك عندما تخطئ وتزل، وينبهك إلى مواقع الزلل التي قد تقع فيها، لا ذلك الذي يصفق لضلالك ويوافقك على كل افعالك بكل اشكالها خوفا منك ومن انفعالك.

فرحلة الحياة التي نعيشها ومنذ الولادة وحتى الممات والتجارب التي نخوضها تكشف الكثير من هذه الصداقات الكاذبة والزائفة والمقَّنعة وتفضح أصحابها.

فعندما يولد الانسان يعيش في كنف والدية وعائلته ينمو ويكبر ويبدأ يكتسب من محيطه الصغير بعض التجارب واكتساب بعض المهارات والتي تشكل بعضا من شخصيته المستقبلية وعندما يكبر أكثر يبدأ في مخالطة محيطة الأكبر – جيرانه وأقاربه وأهل حارته – فتزداد خبرته وتجاربه ويتعرف على أصدقاء جدد وخبرات ومهارات أكثر ، ومن هنا تبدأ صداقات الطفولة وتتشكل بالرغم من أنها غير ناضجة بما فيه الكفاية.

ما بعد مرحلة الطفولة تبدأ مرحلة الشباب والدراسة ويبدأ الانسان يوسع مداركه وعلاقاته فيزداد خبرة وتجربة ويكوِّن علاقات أوسع تقوم على الاهتمامات والأنشطة المشتركة ، فمن هذه العلاقات ما يدوم مدى الحياة ، ومنها ما سرعان ما يفقد بريقه وينتهي ، ومع مرور الزمن تبدأ فلترة الصالح من الطالح من هذه العلاقات والصداقات بناءً على التجارب والمعاملات.

فهناك الكثير من الصداقات في هذا الزمن والتي لا يمكن حصرها ، والكثير منها ربما تغيب عن البال في لحظة كتابة هذا الموضوع الذي يمكن أن نكتب فيه كتبا ومجلدات ولا يمكننا إعطائه حقه. سأذكر هنا بعض أنواع الصداقات:

صديق الطفولة:-

وهو ذلك الصديق صاحب الذكريات الجميلة الخاصة بمرحلة الطفولة وما بها من جمال وبراءة في حياة أي إنسان.

الصديق الحقيقي:-

وهو ذلك الصديق الذي يجب على الفرد التمسك الشديد به، وعدم التخلي عنه بأي شكل كان، وذلك لأنه سيقوم دائماً بإرشاده إلى طريق الخير والصواب ويفتح له أبواب الخير ، بل أنه هو أول من سيقوم بالوقوف في وجه صديقه وتقديم النصح له عند وقوعه في أيٍ من الأعمال الخاطئة أو المحرمة سواء بالفعل أو بالقول. وهو الدي ينطبق على هذا القول:

(هو الذي يدعو لك غيباً ويتمنى لك الخير دوماً وهو الصديق الذي يشد على يدك حينما يفلتها الجميع. وهو الصديق الذي تكون معه، كما تكون وحدك، أي هو الإنسان الذي تعتبره بمثابة النفس وهو الذي يقبل عذرك ويسامحك إذا أخطأت، ويسد مسدك في غيابك وهو الذي ينصحك إذا رأى عيبك، ويشجعك إذا رأى منك الخير، ويعينك على العمل الصالح وهو الذي يرعاك في مالك وأهلك وولدك وعرضك وهو الذي يكون معك في السراء والضراء، وفي الفرح والحزن، وفي السعةِ والضيق، وفي الغنى والفقر. هو الذي يؤثرك على نفسه، ويتمنى لك الخير دائماً ، وهو من يكون إلى جانبك عندما يرحل العالم كله عنك ، وهو الذي يحافظ على العهد والوعد الذي بينكما عندما تختلفان).

وهذا النوع من الصداقة نادر جدا في هذا الزمان الذي تبدلت فيه المفاهيم والقيم.

صديق المنفعة:-

وهو ذلك الصديق الذي يقوم بمصادقتك فقط من أجل الحصول على منفعة أو مصلحة معينة منك أو من خلالك سواء كانت هذه المنفعة أو المصلحة مالاً أو جاهاً أو ما إلى غير ذلك من أمور، إذا انقطعت تلك المنفعة بالنسبة إليه تنقطع صداقته بك على الفور، بل أنها من الممكن أن تتحول إلى عداوة، وللأسف فإن ذلك النوع السيئ من الأصدقاء موجوداً وبكثرة في عصرنا الحالي.

الصديق المخادع والمنافق:-

وهو ذلك النوع من الأصدقاء الذي يتعامل مع صديقه في الظاهر بالحب واللطف أما في باطنه فهو يخفي له البغض والكره، وهو بذلك يقوم بخداعه وهو من أخطر أنواع الأصدقاء وأشدهم ضرراً.

الصديق المرح:-

وهو ذلك النوع من الأصدقاء الذين يقومون بإدخال البهجة والفرح والسعادة إلى نفس أصدقائهم، وذلك بمجرد الجلوس معهم والحديث إليهم. وجود صديق مرح وإيجابيّ يضيف شيئا جميلا في الحياة. فهو يخرج الجانب الطفوليّ والمَرِح والعفويّ في أصدقائه، إضافةً لجعلهم يشعرون بالسعادة ويدخل البهجة لقلوبهم، ويرسم الابتسامة على الوجوه عند مقابلته؛ لان شخصيّته مرحة ولطيفة تجذب من حوله وتُسعدهم، وقد يكون مُحِباً للخروج والمتعة والتنزّه، ويهتم بالحصول على وقت مريح للاسترخاء والاستجمام والتسليّة أيضاً، بالتالي من الجيّد مرافقته والانسجام معه؛ لنسيان الإجهاد وضغوطات الحياة، والتخلّص من التوتر والحصول على طاقة إيجابيّة ودفعة معنويّات عاليّة باستمرار.

صديق السوء:-

وهو ذلك النوع من الأصدقاء الشديد الخطورة على حياة صديقه، وذلك نظراً لما يكتسبه منه من عادات وأخلاقيات سيئة، وغير مناسبة تضربه على المستوى الشخصي أو الاجتماعي وهي صداقة تكون مبنية في الأساس على إشباع الشهوات والرغبات، وذلك دون وجود معايير دينية أو اجتماعية أو أخلاقية.

صديق العمل:-

وهو ذلك الصديق الذي ارتبط بحياة صديقه في الأساس من خلال وجوده معه في عمل واحد، ومع مرور الأيام والمواقف تحولت تلك الصداقة الخاصة بالعمل إلى صداقة بشكلها الأكبر، والذي عادة ما تتسع خارج نطاق العمل.

الصداقة المبنيّة على التواصل والحوار:-

يكون هنا الصديق شخص قادر على الاستماع، ويتحلى بالصبر والتأني، والاهتمام بالغير، حيث يذهب إليه المرء عندما يحمل في جعبته الكثير من الأفكار والكلمات والحوارات التي يحتاج أن يبوح بها لشخص يُنصت له ويحترمه، ويدعه يُعبر عمّا يدور في خاطره بطلاقةٍ، ويُعيره آذانه ويتركها مفتوحة له بصدرٍ رحب دون إصدار حكم مُتسرّع أو الحاجة إلى التدخل ومقاطعته وإزعاجه، حيث إنّ هذا الصديق يتحكم في ردة فعله ويعرف كيف يتصرف ويُدرك حاجة صديقة للبوح والتعبير، هذا النوع من الأصدقاء مُستمعون ماهرون، يُجيدون الرد في الوقت المناسب ويلجأ لهم الآخرون في وقت الشدّة وعند تراكم المشاعر والحاجة للتنفيس عنها، وإخراجها دون ترددٍ أو خوف من ردود أفعالهم.

صديق السفر:-

وهو ذلك الصديق الذي يمتلك في داخله مجموعة من الصفات ومنها المرونة والقدرة العالية على تحمل المشاق و الصعاب والعقبات بل يكون متقبلاً لتلك الأوضاع السلبية “الطارئة” في حياة صديقه.

صديق الشدة:-

وهو ذلك النوع من الأصدقاء التي قد نشأت صداقته في الأساس عن الحاجة للمساعدة من جانب الشخص في وقت تعرضه للشدة أو أزمة ما في حياته ، وهي من إحدى أشكال الصداقة الهامة في حياة أي إنسان لأن ذلك الشخص الذي يقوم بمساندتك ، والوقوف إلى جوارك في الشدائد هو ذلك الصديق الوفي والحقيقي ، والذي لا يجب التخلي عنه بأي شكل كان.

الصديق الافتراضي: –

وهو ذلك النوع من الصداقة التي تكون قد بنيت على أساس افتراضي أو حتى بدون أن يرى أولئك الأشخاص أصدقاءهم بشكل فعلي مثل أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الغالب ما يكون أعداد هؤلاء الأصدقاء كبيراً للغاية، ومن عدة أجناس وأعراق مختلفة.

www.bgr.in

فاحرص على انتقاء الصديق الحقيقي الذي ترى فيه روحك و الذي قال عنه أمير المؤمنين (باب مدينة العلم) علي بن أبي طالب عليه السلام:

“صديقُك من صدَقَك لا من صدَّقك”.

فالحصول على صديقٍ مقرّب ومخلص في حياة المرء أمرٌ في غاية الأهميّة،؛ لأنه يجعل الحياة أكثر عقلانيّة وواقعيّة وأقل تعقيداٌ، وذلك عندما يقدّم الدعم اللازم لصديقه دون الحكم عليه أو لومه أو الانزعاج منه مهما كان السبب، بل يُحبه ويحترمه دائماً دون سببٍ واضح أو ربط لشخصيّته وسلوكه، وبالتالي فإنّ هذا النوع من الأصدقاء يلجأ المرء له ويبوح له بجميع الأسرار مهما كانت عميقة وهامة، دون خوفٍ أو تردد، إذ أنه مُطمئن لكونه سيبقى مخلصاً وداعماً في جميع الحالات ، ودون أيّ شروط ولن يتغيّر أو تتغيّر مُعاملته له مع الوقت.

والحذر الحذر من أصدقاء السوء والمنافقين و اصدقاء المنفعة فهؤلاء يجب التعرف عليهم في اسرع وقت والغائهم من حياتك ، فان هؤلاء كارثة حقيقية في حياتك يجب التخلص منهم و رميهم في سلة المهملات لأن لا قيمة لهم في حياتك ، كما قال الله تعالى في محكم كتابة: “بسم الله الرحمن الرحيم… فأما الزبدُ فيذهبُ جُفاءً وأما ما ينفعُ الناسَ فيمكُثُ في الأرض…” (الرعد 17) صدق الله العلي العظيم.

المصادر:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *